كتاب الزكاة (للمنتظري) المجلد 3

اشارة

سرشناسه : منتظری، حسینعلی، 1301 - 1388.

عنوان و نام پديدآور : کتاب الزکاه ‫ / لمولفه المنتظری.

مشخصات نشر : قم: مرکز النشر، مکتب الاعلام الاسلامی، [ 14ق. = 13] -

مشخصات ظاهری : ج.

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری

يادداشت : عربی.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد دوم، 1406ق. = 1364.

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : زکات

رده بندی کنگره : BP188/4/م 8ک 2 1300ی الف

رده بندی دیویی : 297/356

شماره کتابشناسی ملی : 1839992

[مقدمة المؤلف]

______________________________

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على خير خلقه محمّد و آله الطاهرين، و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

أمّا بعد، فيقول العبد المفتقر إلى رحمة ربّه الهادي، حسينعلى المنتظري النجف آبادي- غفر اللّه له و لوالديه-: لما وصل بحثنا في مصارف الزكاة إلى الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و ظهر من كلام الشيخ- قدّس سرّه- في النهاية و المبسوط «1» سقوط سهمهم في عصر الغيبة لعدم ظهور الإمام عليه السلام، ألجأنا هذا، إلى البحث في ولاية الفقيه الواجد للشرائط و سعة ولايته في عصر الغيبة، بحيث يجوز له مطالبة الزكوات و غيرها من الضرائب الإسلامية، و لا محالة ربما يحتاج إلى الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا أيضا، و بالجملة إثبات أنّ الإمام في هذا السنخ من المسائل السياسية و الاقتصادية يراد به سائس المسلمين الواجد لشرائطها في كل عصر و زمان، لا خصوص الإمام المعصوم.

و قد طال هذا البحث الطارئ حتّى قرب من أربع سنوات. و قد انتشر- بحمد اللّه تعالى و منّته- أبحاثنا فيها باسم «دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية.»

فالآن نرجع إلى اصل البحث الأول، فنقول: قال المصنف- رحمه اللّه- في متن العروة:

______________________________

(1)- راجع النهاية/ 185؛ و المبسوط 1/ 249.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 11

[6- تتمة فصل أصناف المستحقين]

4- المؤلفة قلوبهم

اشارة

الرابع: المؤلّفة قلوبهم (1) من الكفّار الذين يراد من إعطائهم ألفتهم و ميلهم إلى الإسلام، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفّار أو الدفاع. و من المؤلّفة قلوبهم: الضعفاء العقول من المسلمين، لتقوية اعتقادهم أو لإمالتهم إلى المعاونة في الجهاد أو الدفاع.

______________________________

(1) أقول: أصل الحكم إجمالا مما لا إشكال فيه و لا خلاف. و يدلّ عليه نصّ الكتاب العزيز و السنّة القاطعة و إجماع

المسلمين.

و جعل السهم للعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم يرشدنا إلى كون الزكاة ضريبة إسلامية عامة تصرف تحت نظارة الدولة الإسلامية، لا عبادة فردية و احسانا شخصيا فقط، فإن العاملين منصوبون من قبل الحاكم و التأليف شأن من شئون رئيس الدولة و نوابه.

و كيف كان فهنا أمران يجب أن يبحث فيهما:

اشارة

الأول: ما هو المقصود من هذا العنوان و أنه هل يراد به الكفار الذين يستمالون إلى الإسلام أو إلى قتال أهل الشرك فقط كما يظهر من الخلاف و المبسوط و غيرهما بل ربما استظهر من المشهور، أو ضعفاء المسلمين في الأعمال و الاعتقادات فقط كما عن الإسكافي و غيره و اختاره صاحب الحدائق كما سيأتي، أو أنهم ضربان: مسلمون و كافرون كما عن المفيد و جماعة؟ في المسألة أقوال ثلاثة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 12

..........

______________________________

الثاني: هل الحكم باق في أعصارنا أيضا أو سقط بموت النبي «ص» أو في أعصار الغيبة؟

أمّا الأمر الأول [ما المراد بهذا العنوان]
اشارة

فنقول:

[كلمات الفقهاء]

1- قال الشيخ في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسالة 16): «سهم المؤلفة كان على عهد رسول اللّه «ص»، و هم كانوا قوما من المشركين يتألفهم النبي «ص» ليقاتلوا معه. و سقط بعد النبي «ص». و لا نعرف مؤلفة الإسلام. و قال أبو حنيفة و مالك: سهم المؤلفة يسقط بعد النبي «ص». و قال الشافعي: المؤلفة على ضربين:

مؤلفة الشرك و مؤلفة الإسلام. و مؤلفة الشرك على ضربين، و مؤلفة الإسلام على أربعة أضرب. و هل يسقطون أم لا؟ على قولين: أحدهما يسقطون و الآخر لا يسقطون. دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا فإنّ إثبات ما قاله يحتاج إلى دليل.» «1»

أقول: الظاهر رجوع الضمير فيما قاله إلى الشافعي، و كون معقد الإجماع المدّعى ما اختاره الشيخ من اختصاص الحكم بالمشركين. و يظهر مما يأتي من عبارة المبسوط أيضا ادعاء الإجماع على ذلك.

2- و قال في كتاب قسمة الزكاة و الأخماس من المبسوط: «و المؤلفة قلوبهم عندنا هم الكفار الذين يستمالون بشي ء من مال الصدقات إلى الإسلام، و يتألفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك، و لا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام.

و للمؤلفة سهم من الصدقات كان ثابتا في عهد النبي «ص». و كل من قام مقامه عليه جاز له أن يتألّفهم لمثل ذلك و يعطيهم السهم الذي سمّاه اللّه- تعالى- لهم.

و لا يجوز لغير الإمام القائم مقام النبي «ص» ذلك، و سهمهم مع سهم العامل

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 351.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 13

..........

______________________________

ساقط اليوم.

و قال الشافعي: المؤلفة قلوبهم ضربان: مسلمون و مشركون:

فالمشركون ضربان: أحدهما: قوم لهم شرف و طاعة في الناس و حسن نيّة في الإسلام، يعطون استمالة لقلوبهم و ترغيبا لهم في الإسلام،

مثل صفوان بن أمية و غيره. و الثاني: قوم من المشركين لهم قوة و شوكة و طاعة إذا أعطاهم الإمام كفّوا شرّهم عن المسلمين و إذا لم يعطوا تألّبوا عليه و قاتلوه، فهؤلاء كان النبي «ص» يعطيهم استكفافا لشرّهم. و بعد النبي «ص» هل لمن قام مقامه أن يعطيهم ذلك؟ فيه قولان. و من أين يعطيهم: من سهم المصالح أو من سهم الصدقات؟ فيه قولان.

و أمّا مؤلفة الإسلام فعلى أربعة أضرب: أحدها: قوم لهم شرف و سداد لهم نظراء إذا أعطوا هؤلاء نظر إليهم نظراؤهم فرغبوا في الإسلام، فهؤلاء أعطاهم النبي «ص» مثل الزبرقان بن بدر و عديّ بن حاتم و غيرهما. و الضرب الثاني: قوم لهم شرف و طاعة أسلموا و في نيّاتهم ضعف، أعطاهم النبي «ص» ليقوى نيّاتهم مثل أبي سفيان بن حرب، أعطاه النبي «ص» مأئة من الإبل، و أعطى صفوان مأئة، و أعطى الأقرع بن حابس مأئة، و أعطى عتبة بن الحصين مأئة، و أعطى العباس بن مرداس أقل من مأئة فاستعتب فتمم المائة. و لمن قام مقام النبي «ص» أن يعطي هذين؟ فيه قولان. و من أين يعطيه؟ فيه قولان. الضرب الثالث: هم قوم من الأعراب في طرف من بلاد الإسلام، و بإزائهم قوم من المشركين إن أعطاهم قاتلوا عن المسلمين، و إن لم يعطوا لم يقاتلوا، و احتاج الامام إلى مئونة في تجهيز الجيوش إليهم، فهؤلاء يعطون و يتألفون ليقاتلوا المشركين و يدفعوهم. و الضرب الرابع: قوم من الأعراب في طرف من بلد الإسلام بإزائهم قوم من أهل الصدقات إن أعطاهم الإمام جبوا الصدقات و حملوها إلى الإمام، و إن لم يعطهم لم يجبوها و احتاج الإمام في إنفاذ

من يجبيها إلى مئونة كثيرة فيجوز أن يعطيهم لأن فيه مصلحة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 14

..........

______________________________

و من أين يعطيهم أعني هذين الفريقين؟ فيه أربعة أقوال: أحدها: من سهم المصالح.

الثاني: من سهم المؤلفة من الصدقات. الثالث: يعطون من سهم سبيل اللّه لأنه في معنى الجهاد. الرابع: يعطون من سهم المؤلفة و من سهم سبيل اللّه. و هذا التفصيل لم يذكره أصحابنا، غير أنه لا يمنع أن نقول إن للإمام أن يتألف هؤلاء القوم و يعطيهم إن شاء من سهم المؤلفة، و إن شاء من سهم المصالح، لأن هذا من فرائض الإمام، و فعله حجة، و ليس يتعلق علينا في ذلك حكم اليوم، فإن هذا قد سقط على ما بيّنا و فرضنا تجويز ذلك و الشك فيه و لا يقطع على أحد الأمرين.» «1»

أقول: و قد تعرض لتقسيم المؤلفة إلى المشركين و المسلمين و الأضرب السّتة ابن قدامة الحنبلي أيضا في الشرح الكبير من غير نسبة إلى الشافعي، فراجع. «2»

و راجع في هذا التفصيل المنتهى أيضا، «3» و المغني لابن قدامة. «4»

و في كتاب قسم الصدقات من أمّ الشافعي كلام ينافي ما حكاه عنه الشيخ في الخلاف و المبسوط، و سيأتي كلامه. و لا محالة حكى الشيخ ما حكاه عنه من محل آخر.

و المستفاد من التواريخ أن صفوان بن أمية و أبا سفيان و أمثالهما أعطاهم النبي «ص» من غنائم حنين، و لم أعثر أنا على خبر يدل على إعطاء هؤلاء من الزكوات، فتتبع.

و لعل قول الشيخ: «لا نعرف مؤلفة الإسلام»، أو «لا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام» ناظر إلى منع إسلام أبي سفيان و أمثاله حقيقة و إن كانوا أظهروا

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 249.

(2)- ذيل

«المغني» 2/ 697.

(3)- المنتهى 1/ 519.

(4)- المغني 7/ 320.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 15

..........

______________________________

الإسلام باللسان تقية. و لم يظهر عنده إعطاء النبي «ص» لمسلم من سهم المؤلفة من الزكوات، فلذا خصّه بالمشركين. و بالجملة، فالقضية كأنها خارجية. و حكمه بسقوط سهم المؤلفة سيأتي بيانه في الأمر الثاني.

3- و قال الشيخ في الاقتصاد: «و المؤلفة قلوبهم قوم كفّار لهم ميل في الإسلام يستعان بهم على قتال أهل الحرب و يعطون سهما من الصدقة.» «1»

4- و قال ابن حمزة في الوسيلة: «و المؤلفة قلوبهم: الذين يستمالون من الكفار استعانة بهم على قتال غيرهم من أمثالهم فيتألفون، و سقط سهمهم أيضا اليوم.» «2»

5- و في الشرائع: «و هم الكفار الذين يستمالون إلى الجهاد، و لا يعرف مؤلفة غيرهم.» «3»

6- و في الإرشاد: «و هم الكفار الذين يستمالون للجهاد.» «4»

7- و في الدروس: «هم كفار يستمالون بها إلى الجهاد. و قال ابن الجنيد: هم المنافقون. و في مؤلفة الإسلام قولان: أقربهما أنهم يأخذون من سهم سبيل اللّه.» «5»

8- و في اللمعة: «هم كفار يستمالون إلى الجهاد، قيل: و مسلمون أيضا.» «6»

فهذه بعض العبارات الظاهرة في اختصاص المؤلفة بالكفار.

و في قبالها كلمات أخر تدلّ بإطلاقها على الأعم من الكافر و المسلم بل صرّح بعضهم بالتعميم:

______________________________

(1)- الاقتصاد/ 282.

(2)- الوسيلة/ 128.

(3)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 121).

(4)- مجمع الفائدة و البرهان 4/ 158.

(5)- الدروس/ 62.

(6)- اللمعة (مع شرحها) 2/ 45.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 16

..........

______________________________

1- ففي المقنعة: «و المؤلفة قلوبهم، و هم الذين يستمالون و يتألفون للجهاد و نصرة الإسلام.» «1»

2- و في النهاية: «و أما المؤلفة فهم الذين يتألفون و يستمالون إلى الجهاد.» «2»

3- و في الجمل: «هم

الذين يستمالون للجهاد.» «3» و نحوه في المهذب لابن البراج. «4»

4- و في المراسم: «هم الذين يستمالون لنصرة الدين.» «5»

5- و في الغنية: «هم الذين يستمالون إلى الجهاد بلا خلاف.» «6»

6- و في إشارة السبق: «هم المستعان بهم في الجهاد و إن كانوا كفارا.» «7»

7- و في المختصر النافع: «هم الذين يستمالون إلى الجهاد بالإسهام في الصدقة و إن كانوا كفارا.» «8»

8- و مثله في المعتبر، ثم حكى كلام الشيخ في المبسوط، ثم قال: «و قال المفيد:

المؤلفة ضربان: مسلمون و مشركون. و به قال الشافعي. و قال: المشركون ضربان ...

و المسلمون أربعة ... و لست أرى بهذا التفصيل بأسا.» «9»

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- النهاية/ 184.

(3)- راجع الرسائل العشر للشيخ/ 206.

(4)- المهذب 1/ 169.

(5)- الجوامع الفقهية/ 643 (- طبعة أخرى/ 581).

(6)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(7)- الجوامع الفقهية/ 83 (- طبعة أخرى/ 125).

(8)- المختصر النافع/ 59.

(9)- المعتبر/ 279.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 17

..........

______________________________

9- و مثل ما في المختصر بعينه عبارة التذكرة، و زاد: «و حكمهم باق عند علمائنا.» «1»

10- و في القواعد: «و هم قسمان: كفار يستمالون إلى الجهاد أو إلى الإسلام، و مسلمون ...» «2» و في المختلف أنه الأقرب. «3»

11- و في السرائر: «و أمّا المؤلفة قلوبهم فهم الذين يتألفون و يستمالون إلى الجهاد، فإنهم يعطون سهما من الصدقات مع الغنى و الفقر و الكفر و الإسلام و الفسق، لأنهم على ضربين: مؤلفة الكفر. و الأول مذهب شيخنا المفيد و هو الصحيح، لأنه يعضده ظاهر التنزيل و عموم الآية، فمن خصّصها يحتاج إلى دليل.» «4»

12- و في المقنع لابن قدّامة في فقه الحنابلة: «و هم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه

أو يخشى شرّه أو يرجى بعطيّته قوة إيمانه أو إسلام نظيره أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها أو الدفع عن المسلمين. و عنه أن حكمهم انقطع.» «5»

أقول: و قد شرح العبارة في الشرح الكبير بما أشرنا إليه من بيان الأضرب السّتة. و ما ذكره أخيرا عن أحمد من انقطاع حكمه سيأتي بيانه.

و هنا كلمات من فقهاء الفريقين يستفاد منها اعتبار كون المؤلفة من المسلمين، فلا يجوز إعطاء سهمهم للكفار:

1- قال العلامة في المختلف: «قال ابن الجنيد: المؤلفة قلوبهم من أظهر الدين

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 232.

(2)- القواعد 1/ 57.

(3)- المختلف/ 181.

(4)- السرائر/ 106.

(5)- ذيل «المغني» 2/ 696.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 18

..........

______________________________

بلسانه و أعان المسلمين و إمامهم بيده و كان معهم إلّا قلبه. فخصّهم بالمنافقين.» «1»

2- و في زكاة الجواهر عن كتاب الأشراف للمفيد: «هم الداخلون في الايمان على وجه يخاف عليهم معه مفارقته، فيتألّفهم الإمام بقسط من الزكاة لتطيب نفوسهم بما صاروا إليه و يقيموا عليه فيألفوه و يزول عنهم بذلك دواعي الارتياب.» «2»

3- و فيه أيضا عن حواشي الشهيد الأول على القواعد: «لا ريب أن التأليف متحقق في الجميع، إلا أن المؤلفة قلوبهم زمن النبي «ص» الذين كان يعطيهم من الزكاة و غيرها زيادة على غيرهم ما كانوا كفارا ظاهرا، بل مسلمين ضعيفي العقائد أشرافا في قومهم كأبي سفيان و الأقرع بن حابس و عيينة بن حصين و نظائرهم، و هم معلومون مضبوطون بالعدد بين العلماء. و قد أحسن ابن الجنيد، حيث عرفهم بأنهم من أظهر الدين بلسانه و أعان المسلمين و إمامهم بيده و كان معهم إلّا قلبه.» «3»

4- و في أمّ الشافعي: «و المؤلفة قلوبهم من دخل في الإسلام، و لا

يعطى من الصدقة مشرك يتألف على الإسلام. فإن قال قائل: أعطى النبي «ص» عام حنين بعض المشركين من المؤلفة؟ فتلك العطايا من الفي ء و من مال النبي «ص» خاصة لا من مال الصدقة، و مباح له أن يعطي من ماله، و قد خوّل اللّه- تعالى- المسلمين أموال المشركين لا المشركين أموالهم، و جعل صدقات المسلمين مردودة فيهم كما سمّي لا على من خالف دينهم.» «4»

5- و في كتاب قسم الصدقات من منهاج النووي في فقه الشافعية: «و المؤلفة

______________________________

(1)- المختلف/ 181.

(2)- الجواهر 15/ 339.

(3)- الجواهر 15/ 39.

(4)- الأمّ 2/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 19

..........

______________________________

من أسلم و نيّته ضعيفة أوله شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره، و المذهب أنهم يعطون من الزكاة.» «1»

6- و في مغني المحتاج في شرح العبارة قال: «و خرج بقوله من أسلم، مؤلفة الكفّار. و هم من يرجى إسلامهم و من يخشى شرّهم، فلا يعطون من الزكاة قطعا للإجماع، و لا من غيرها على الأظهر، لأن اللّه- تعالى- أعزّ الإسلام و أهله و أغنى عن التأليف.» «2»

7- و في الأحكام السلطانية للماوردى قال: «و السهم الرابع: سهم المؤلفة قلوبهم، و هم أربعة أصناف: صنف يتألفهم لمعونة المسلمين، و صنف يتألفهم للكفّ عن المسلمين، و صنف يتألفهم لرغبتهم في الإسلام، و صنف لترغيب قومهم و عشائرهم في الإسلام. فمن كان من هذه الأصناف الأربعة مسلما جاز أن يعطى من سهم المؤلفة من الزكاة. و من كان منهم مشركا عدل به عن مال الزكاة إلى سهم المصالح من الفي ء و الغنائم.» «3»

8- و في الأحكام السلطانية لأبي يعلى ذكر هذه الأصناف الأربعة ثم قال:

«فيجوز أن يعطى كلّ واحد من هذه الأصناف من سهم

المؤلفة مسلما كان أو مشركا. و فيه رواية أخرى: يعطى المسلم منهم، فأما المشرك فيعطى من سهم المصالح من الفي ء و الغنيمة.» «4»

و لا يخفى أن الماوردى من أعاظم الشافعية و أبا يعلى من علماء الحنابلة. هذا.

و قد طال نقل الأقوال، و ظهر لك بذلك أولا أن ما ادعاه الشيخ في الخلاف

______________________________

(1)- المنهاج (المطبوع مع شرحه السّراج الوهاج)/ 355.

(2)- مغني المحتاج 3/ 109.

(3)- الأحكام السلطانية/ 123.

(4)- الأحكام السلطانية/ 132.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 20

..........

______________________________

و يظهر من المبسوط أيضا من إجماع الفرقة على اختصاص سهم المؤلفة من الزكاة بالمشركين ممنوع، لوجود الخلاف كثيرا. حتى إن كلام الشيخ في النهاية و الجمل أيضا ظاهره الإطلاق كما مرّ. و ثانيا أن الشافعية على ما ترى قائلون باشتراط الإسلام في المقام، فليحمل ما حكاه الشيخ عنه في الخلاف و المبسوط على نقله من فتاواه القديمة. هذا.

و اطلاق الآية الشريفة و ما حذا حذوها يقتضي القول بالاطلاق، فتعم المشرك و المسلم و سواء كان الغرض من التأليف استمالته إلى الإسلام أو إلى الجهاد و الدفاع أو تقوية إيمان المسلم.

اللّهم إلّا أن تحمل اللام على العهد للإشارة إلى من ألفه النبي «ص»، فيجب على هذا أن يتفحص عن حالهم من الشرك أو الإسلام حتى يقاس عليهم من يشابههم بإلغاء الخصوصية.

و لكن هذا الاحتمال مخالف للظاهر جدّا، فإن الظاهر أن اللام للجنس أو للاستغراق و القضية حقيقية و الحكم عامّ، فتدبّر.

[الروايات]

نعم هنا روايات مستفيضة ربما يستفاد منها الاختصاص بالمسلم لتقوية إيمانه، كما استدل بها في الحدائق مصرّا عليه. و تبعه المستند و المستمسك.

و قد عقد الكليني في أصول الكافي بابا بعنوان المؤلفة قلوبهم، ذكر فيه الروايات:

1- صحيحة زرارة أو

حسنته، عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ»، قال: «هم قوم وحّدوا اللّه- عزّ و جلّ- و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه، و شهدوا أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه، و هم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد «ص»، فأمر الله- عزّ و جلّ- نبيه أن يتألفهم بالمال و العطاء لكى يحسن إسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 21

..........

______________________________

دخلوا فيه و أقروا به. و إن رسول الله «ص» يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش و سائر مضر منهم أبو سفيان بن حرب و عيينة بن حصين الفزاري و أشباههم من الناس، فغضبت الأنصار و اجتمعت إلى سعد بن عبادة، فانطلق بهم إلى رسول اللّه «ص» بالجعرانة، فقال: يا رسول اللّه، أ تأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم.

فقال: إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئا أنزله اللّه رضينا، و إن كان غير ذلك لم نرض. قال زرارة: و سمعت أبا جعفر «ع» يقول: فقال رسول اللّه «ص»: يا معشر الأنصار، أ كلّكم على قول سيدكم سعد؟ فقالوا:

سيّدنا اللّه و رسوله. ثم قالوا: في الثالثة: نحن على مثل قوله و رأيه. قال زرارة:

فسمعت أبا جعفر «ع» يقول: فحطّ اللّه نورهم و فرض اللّه للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن.» «1»

2- خبر موسى بن بكر و يونس، عن رجل، جميعا عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قوم وحّدوا اللّه و خلعوا عبادة (من يعبد) من دون اللّه و لم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول اللّه. و

كان رسول اللّه «ص» يتألفهم و يعرّفهم لكيما يعرفوا و يعلّمهم.» «2»

3- خبر يونس عن رجل، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لم يكونوا قطّ أكثر منهم اليوم.» «3»

أقول: قال في الحدائق في معنى الخبر: «لعل معناه- و اللّه سبحانه و قائله أعلم- أنّ ضعفة الدين المحتاجين إلى التأليف لأجل البقاء عليه و رسوخه في قلوبهم ليسوا مخصوصين بوقته «ص» بل هم أكثر كثير في هذه الأوقات، و لعل ذلك

______________________________

(1)- الكافي 2/ 411، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 2.

(2)- الكافي 2/ 410، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 1.

(3)- الكافي 2/ 411، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 22

..........

______________________________

باعتبار عدم الإقرار بإمامتهم و الاعتقاد بها التي هي أعظم ما جاء به النبي «ص»، فإن الشكّاك في إمامتهم- و هم القسم الثالث المتوسط بين النّصاب و المؤمنين، و يعبّر عنهم في الأخبار تارة بالشكّاك و تارة بالضّلال و تارة بالمستضعفين- أكثر الناس في زمانهم «ع»، كما دلت عليه الأخبار.» «1»

4- و في خبر موسى بن بكر عن رجل، قال: قال أبو جعفر «ع»: «ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم. و هم قوم وحّدوا اللّه و خرجوا من الشرك و لم تدخل معرفة محمد رسول اللّه «ص» قلوبهم و ما جاء به، فتألفهم رسول اللّه «ص» و تألفهم المؤمنون بعد رسول اللّه «ص» لكيما يعرفوا.» «2»

و لعل المراد بالرجل في السند زرارة، بقرينة الرواية الثانية.

و في الحدائق: «لعل المراد بالمؤمنين في قوله: «و تألفهم المؤمنون» هم الأئمة.» «3»

أقول: التخصيص بهم «ع» بلا وجه، نعم هم «ع» من أظهر

المصاديق.

5- خبر إسحاق بن غالب، قال: قال أبو عبد اللّه «ع» يا اسحاق، كم ترى أهل هذه الآية: «فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهٰا إِذٰا هُمْ يَسْخَطُونَ»؟ قال: ثم قال:

«هم أكثر من ثلثي الناس.» «4»

أقول: ليس في هذا الخبر ذكر المؤلفة، و إنما ذكرناه لمناسبته لما سبق و ذكر الكليني و غيره إياه في هذا الباب.

6- ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم في تفسيره في تفصيل الأصناف

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 177.

(2)- الكافي 2/ 412، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 5.

(3)- الحدائق 12/ 178.

(4)- الكافي 2/ 412، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 4. و الآية من سورة التوبة (9)، رقمها: 58.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 23

..........

______________________________

الثمانية، فقال: «فسرهم العالم «ع» فقال: الفقراء ... و المؤلفة قلوبهم، قال: هم قوم وحّدوا اللّه و خلعوا عبادة من دون اللّه، و لم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول اللّه «ص»، فكان رسول اللّه «ص» يتألفهم و يعلّمهم و يعرّفهم كيما يعرفوا، فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا.» «1»

و لعل المراد بالعالم «ع» هو أبو جعفر الباقر «ع».

قال في الحدائق بعد نقل هذه الأخبار: «و هذه الأخبار كلّها كما ترى ظاهرة في أن المؤلفة قلوبهم قوم مسلمون قد أقرّوا بالإسلام و دخلوا فيه، لكنه لم يستقر في قلوبهم و لم يثبت ثبوتا راسخا، فأمر اللّه- تعالى- نبيّه بتألفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم و تشتدّ قلوبهم على البقاء على هذا الدين. فالتأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين و الثبات عليه، لا لما زعموه- رضوان اللّه عليهم- من الجهاد كفارا كانوا أو مسلمين و أنهم يتألفون

بهذا السهم لأجل الجهاد.» «2»

[الدليل على التعميم للكفار]

و لكن أنكر عليه ذلك صاحب الجواهر فقال: «و التحقيق بعد التأمّل التام في كلمات الأصحاب و الأخبار المزبورة و معقد الإجماع و نفي الخلاف أن المؤلفة قلوبهم عام للكافرين الذين يراد ألفتهم للجهاد أو الإسلام، و المسلمين الضعفاء العقائد، لا أنهم خاصّون بأحد القسمين و إن أطنب في الحدائق في الإنكار على من أدرج الكافرين عملا بظاهر النصوص المزبورة.» «3»

ثم استدلّ للتعميم أولا بإطلاق الآية. و ثانيا بمعقد الإجماع و نفي الخلاف. و ثالثا بظهور بعض النصوص المزبورة في غير المسلم. و لعل نظره في ذلك إلى ما في صحيحة زرارة من تأليف رسول اللّه «ص» رؤساء العرب من قريش

______________________________

(1)- التهذيب 4/ 49، باب أصناف أهل الزكاة، الحديث 3؛ و الوسائل 6/ 145.

(2)- الحدائق 12/ 177.

(3)- الجواهر 15/ 341.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 24

..........

______________________________

و مضر يوم حنين و لم يثبت إسلام الجميع حينئذ.

و رابعا بالمرسل الذي رواه ولد الكركي في حاشية الإرشاد: «إنهم قوم كفار.»

و خامسا بإطلاق ما أرسله في الدعائم عن أبي جعفر «ع» أنه قال في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ» قال: «قوم يتألفون على الإسلام من رؤساء القبائل، كان رسول اللّه «ص» يعطيهم ليتألفهم. و يكون ذلك في كل زمان؛ إذا احتاج إلى ذلك الإمام فعله.» «1»

و سادسا بصحيحة زرارة و محمد بن مسلم أنهما قالا لأبي عبد اللّه «ع»:

أ رأيت قول اللّه- تبارك و تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ ...» أ كلّ هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال: «إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرّون له بالطاعة.» قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: «يا

زرارة، لو كان يعطي من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس.» ثم قال: «سهم المؤلفة قلوبهم و سهم الرقاب عام و الباقي خاص. الحديث.» «2»

ثم قال في الجواهر ما حاصله: أنه يستفاد من مرسل الدعائم و بعض الفتاوى أن المراد بالمؤلفة من كان له ميل إلى الإسلام أو إلى الجهاد فيعطى لتحصيل كمال الألفة و الدخول في الإسلام، بل لعلّ ذلك ظاهر الآية، و أما الإعطاء للكفّار الذين لم يظهر منهم ميل لاحتمال حصول الألفة فلا يخلو من إشكال.

أقول: و يمكن أن يجاب عما ذكره أولا كما في المستمسك بأن النصوص المزبورة حاكمة على إطلاق الآية و مفسرة لها، و احتمال الإعراض عنها

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 260، ذكر دفع الصدقات؛ و عنه المستدرك 1/ 521.

(2)- الوسائل 6/ 143، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 25

..........

______________________________

بلا وجه بعد تحقق القائل قديما و حديثا.

و عما ذكره ثانيا بمنع الإجماع و عدم الخلاف، لوجود الخلاف و تعدّد الأقوال، كما مرّ. مضافا إلى أن مقتضى الإجماع المذكور هو الاختصاص بالكفار لا التعميم.

و عما ذكره ثالثا بظهور صدر صحيحة زرارة في الاختصاص بالمسلم، كما هو ظاهر الفصل بضمير الفصل، و ليس في الذيل ما يدلّ على الخلاف بعد احتمال كون الذين أعطاهم النبي «ص» ممن أظهر الإسلام.

و عن مرسل ولد كركي بمنع حجية المرسل و عدم مقاومته للأخبار المستفيضة و فيها الصحيح.

و بذلك يظهر الجواب عن مرسل الدعائم، مضافا

إلى أن إطلاقه على فرض تحققه يقيد بسبب تلك الأخبار، و إلى أن الظاهر أنه قطعة من صحيحة زرارة نقلت بالمعنى، و المفروض اختصاص الصحيحة بالمسلم. و الظاهر أن ذيله ليس من تتمة الرواية، بل من كلام صاحب الدعائم، كما لا يخفى.

و عما ذكره سادسا أن الظاهر من فقرات الصحيحة هو الاختصاص بالمسلم و المراد بمن لا يعرف في اصطلاح أخبارنا هو المسلم الذي لا يعرف إمامة أئمتنا «ع»، لا الأعم منه و من الكافر. و على هذا فيكون المراد بالعموم في الحديث أيضا العموم بالنسبة إلى المسلم غير العارف لا الكفار أيضا. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: لما كان أكثر فقهاء السنة كمالك و أبي حنيفة بل و أحمد و الشافعي في أحد القولين المنسوب إليهما كانوا يقولون بسقوط سهم المؤلفة بموت النبي «ص»، و كانوا يعلّلون ذلك بانتشار الإسلام و قوته بحيث لا يحتاج إلى معاونة الكفار، و أن أبا بكر و عمر ما أعطيا للمؤلفة شيئا من الصدقات و لم ينكر عليهما الصحابة كما يأتي، يحتمل أن يكون محطّ نظر أئمتنا «ع» في هذه الأخبار المستفيضة إلى ردّ آرائهم، بتقريب أن سهم المؤلفة لا يختصّ بالكفار حتى

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 26

..........

______________________________

يقال بعدم الاحتياج إليهم، بل المؤلفة عمدتهم المسلمون الضعفاء في الاعتقاد بل هم اكثر من ثلثي الناس. و بالجملة فليس محطّ النظر في هذه الأخبار بيان الاختصاص بالمسلمين بل نفي الاختصاص بالكفار حتى يقال بانقطاع سهمهم بانتشار الإسلام في البلاد.

و على هذا فيشكل رفع اليد عن إطلاق الآية الشريفة و ما حذا حذوها بسبب هذه الأخبار مع كونها بمرأى و مسمع الشيخ و أمثاله و مع ذلك لم يفتوا

بالاختصاص بالمسلمين بل أفتوا بالتعميم أو الاختصاص بالكفار كما عرفت.

و القول بأن جميع من تألفه النبي «ص» من مشركي قريش و مضر كان ذلك بعد إظهارهم الإسلام مما يشكل إثباته بحسب التواريخ، بل رأيت الشيخ (ره) قال:

«لا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام.» «1»

بل قيل: إن صفوان بن أمية و أمثاله أعطاهم النبي «ص» من غنائم حنين قبل أن يسلموا، فلو ثبت ذلك كان مقتضى ذيل صحيحة زرارة السابقة أن فرض السهم للمؤلفة في القرآن كان لأمثال هؤلاء الذين أعطاهم النبي «ص» فيثبت جواز إعطائه للكفار، فتدبر.

و في السيرة الحلبية: «و في كلام بعضهم: كانت المؤلفة ثلاثة أصناف: صنف يتألفهم رسول اللّه «ص» ليسلموا كصفوان بن أمية، و صنف ليثبت إسلامهم كأبى سفيان بن حرب، و صنف لدفع شرّهم كعيينة بن حصين ... و أعطى صفوان بن أمية ما تقدم ذكره و هو جميع ما في الشعب من غنم و إبل و بقر و كان مملوء و كان ذلك سببا لإسلامه.» «2»

و في تفسير العياشي: «عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 249.

(2)- السيرة الحلبية 3/ 120.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 27

..........

______________________________

و أبي عبد اللّه «ع»: «و المؤلفة قلوبهم»، قال: قوم تألفهم رسول اللّه «ص» و قسم فيهم الشي ء. قال زرارة: قال أبو جعفر «ع»: فلما كان في قابل جاؤوا بضعف الذين أخذوا و أسلم ناس كثير. قال: فقام رسول اللّه «ص» خطيبا فقال: هذا خير أم الذي قلتم؟ قد جاؤوا من الإبل بكذا و كذا، ضعف ما أعطيتهم و قد أسلم للّه عالم و ناس كثير. و الذي نفسي (نفس محمد خ. ل) بيده لوددت أن عندي

ما أعطي كل إنسان ديته على أن يسلم للّه ربّ العالمين. عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» نحوه.» «1»

و راجع تفسير البرهان أيضا. «2» و المستدرك. «3»

و في مسند أحمد بسنده عن أنس أن رسول اللّه «ص» لم يكن يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه. قال: فأتاه رجل فسأله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة. قال: فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا فإن محمدا «ص» يعطي عطاء ما يخشى الفاقة. «4»

و الظاهر أن مقصوده إعطاؤه بداعي أن يسلم لا إعطاؤه بعد ما أسلم.

و في كتاب الزكاة للمرحوم آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- بعد نقل ما مرّ من الجواهر من التعميم، قال: «و لا يبعد كلامه من قوة. و الروايات و إن كانت تفيد الحصر لمكان الضمير بين المبتدأ و الخبر لكن تقابلها الشهرة بين القدماء التي يبدو أنهم تلقوا هذا الحكم من الأئمة «ع»، فيكون الحاصل أنه مطلق الألفة لجهة الإسلام.» «5»

أقول: لمنع الكشف هنا عن قول المعصوم مجال واسع بعد ما مرّ من كون الأقوال

______________________________

(1)- تفسير العياشي 2/ 92، الحديث 71.

(2)- تفسير البرهان 2/ 137، الحديث 12 و 13.

(3)- المستدرك 1/ 521، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(4)- مسند أحمد 3/ 108.

(5)- كتاب الزكاة لآية الله الميلاني 2/ 108.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 28

..........

______________________________

في المسألة ثلاثة. هذا.

و الذي يسهّل الخطب أن موارد الشك يمكن إدراجها في سبيل اللّه و إن منعنا دخولها في المؤلفة، فتدبر.

تنبيه:

لا يخفى ما في عبارة المصنف من قوله: «ضعفاء العقول» من ضعف، و الصحيح أن يقال: ضعفاء الاعتقاد الذين دخلوا في الإسلام و لم يثبت بعد في قلوبهم، بحيث يخاف عودهم

إلى الكفر فيتألفون ليثبت الإسلام في قلوبهم.

هذا كله فيما يتعلق بالأمر الأول من الأمرين.

الأمر الثاني: هل سهم المؤلفة باق في أعصارنا أيضا
اشارة

كما هو الأقوى، أو سقط بموت النبي «ص» كما عن أكثر فقهاء السنة، أو في عصر الغيبة فقط كما يظهر من الشيخ في المبسوط و من غيره؟:

1- قد مرّ عن الخلاف قوله: «و سقط بعد النبي «ص».» «1» و نقل ذلك عن مالك و أبي حنيفة أيضا كما مرّ.

2- و مرّ عن المبسوط قوله: «و للمؤلفة سهم من الصدقات كان ثابتا في عهد النبي «ص»، و كل من قام مقامه عليه جاز له أن يتألفهم لمثل ذلك ... و لا يجوز لغير الإمام القائم مقام النبي «ص» ذلك، و سهمهم مع سهم العامل ساقط اليوم.» «2»

3- و قال في النهاية: «و يسقط سهم المؤلفة قلوبهم و سهم السعاة و سهم

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 351 (كتاب قسمة الصدقات، المسألة 16).

(2)- المبسوط 1/ 249.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 29

..........

______________________________

الجهاد، لأن هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام.» «1»

4- و في الفقيه: «و سهم المؤلفة قلوبهم ساقط بعد رسول اللّه «ص».» «2»

5- و مرّ عن ابن حمزة قوله: «و سقط سهمهم أيضا اليوم.» «3»

6- و في الشرائع: «و إذا كان الإمام مفقودا سقط نصيب الجهاد ... و كذا يسقط سهم السعاة و سهم المؤلفة.» «4»

7- و في المعتبر: «و هل سقط هذا القسم بعد النبي «ص»؟ قال الشيخ في الخلاف: نعم، و به قال أبو حنيفة و الشافعي، لأن اللّه- سبحانه- أعزّ الدين، فلا يحتاج إلى التألف ... و الظاهر بقاء حكم المؤلفة و أنه لم يسقط، لأن النبي «ص» كان يعتمده إلى حين وفاته و لا نسخ بعده.» «5»

8- و في التذكرة:

«و حكمهم باق عند علمائنا، و به قال الحسن البصري و الزهري و أحمد ... و قال الشعبي و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي: انقطع سهم المؤلفة بعد رسول اللّه «ص»، لأن اللّه- تعالى- أعزّ الإسلام و أغناه أن يتألف عليه رجال، فلا يعطى مشرك تألّفا بحال. و روي هذا عن عمر، و هو مدفوع بالآية و بعمل النبي «ص» إلى أن مات، و لا يجوز ترك الكتاب و السنة إلّا بنسخ، و النسخ لا يثبت بعد موته ...» «6»

9- و في المنتهى: «قال الشيخ: يسقط سهم المؤلفة الآن، لأن الذي يتألفهم إنما يتألفهم للجهاد، و أمر الجهاد موكول إلى الإمام و هو غائب ... و نحن نقول: إنه

______________________________

(1)- النهاية/ 185.

(2)- الفقيه 2/ 3 (- طبعة أخرى 2/ 6)، الباب 1 من أبواب الزكاة، بعد الحديث 4.

(3)- الوسيلة 4/ 128.

(4)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 123).

(5)- المعتبر/ 279.

(6)- التذكرة 1/ 232.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 30

..........

______________________________

يجب الجهاد في حال غيبة الإمام «ع» بأن يدهم المسلمين- و العياذ باللّه- عدوّ يخاف منه عليهم فيجب عليهم الجهاد لدفع الأذى لا للدعاء إلى الإسلام، فإن احتيج إلى التأليف حينئذ جاز صرف السهم إلى أربابه من المؤلفة.» «1»

10- و في المدارك بعد نقل عبارتي المعتبر و المنتهى قال: «و لا ريب في قوة هذا القول تمسكا بظاهر التنزيل السالم من المعارض.» «2»

11- و قد مرّ عن المقنع لابن قدامة قوله: «و عنه أن حكمهم انقطع» «3» يعني عن أحمد.

12- و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية: «و اختلف في سهامهم بعد وفاة رسول اللّه «ص»: قال عامّة العلماء: أنه انتسخ سهمهم و ذهب، و لم

يعطوا شيئا بعد النّبيّ «ص» و لا يعطى الآن لمثل حالهم، و هو أحد قولي الشافعي. و قال بعضهم و هو أحد قولي الشافعي: إن حقهم بقي ... لأن المعنى الذي له كان يعطى النبي «ص» أولئك موجود في هؤلاء. و الصحيح قول العامة، لإجماع الصحابة على ذلك، فإن أبا بكر و عمر ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيئا من الصدقات و لم ينكر عليهما أحد من الصحابة، فإنه روي أنه لما قبض رسول اللّه «ص» جاؤوا إلى أبي بكر و استبدلوا الخطّ منه لسهامهم فبدل لهم الخطّ، ثم جاؤوا إلى عمر و أخبروه بذلك فأخذ الخطّ من أيديهم و مزّقه و قال: إن رسول اللّه «ص» كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام، فأما اليوم فقد أعزّ اللّه دينه، فإن ثبّتّم على الإسلام و إلّا فليس بيننا و بينكم إلّا السيف، فانصرفوا إلى أبي بكر فأخبروه بما صنع عمر و قالوا: أنت الخليفة أم هو؟ فقال: إن شاء اللّه هو، و لم ينكر أبو بكر قوله و فعله

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 520.

(2)- المدارك/ 315.

(3)- ذيل «المغنى» 2/ 696.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 31

..........

______________________________

و بلغ ذلك الصحابة فلم ينكروا، فيكون إجماعا منهم على ذلك، و لأنه ثبت باتفاق الأمّة أن النبي «ص» إنما كان يعطيهم ليتألفهم على الإسلام و لهذا سمّاهم اللّه المؤلفة قلوبهم، و الإسلام يومئذ في ضعف و أهله في قلّة و أولئك كثير ذو قوة و عدد، و اليوم- بحمد اللّه- عزّ الإسلام و كثر أهله و اشتدت دعائمه و رسخ بنيانه و صار أهل الشرك أذلّاء.» «1»

أقول: مؤلّف بدائع الصنائع من أعاظم الأحناف. و الظاهر أن مراده من عامّة العلماء علماء الحنفية أو

أكثرية فقهاء السنة. و قد مرّ احتمال أن يكون قوله «ع»:

«المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قطّ أكثر منهم اليوم» «2» و نحو ذلك ناظرا إلى ردّ مثل هذه الآراء، فتدبّر.

و كيف كان فالظاهر أن الشيخ و أمثاله إنما حكموا بسقوط سهم المؤلفة في عصر الغيبة لما كان ارتكز في أذهانهم من اختصاص الحكم الإسلامي و الجهاد الابتدائي بالإمام المعصوم، كما يظهر من مطاوي كلماتهم.

و نحن قد استوفينا البحث في أن الحكومة الاسلامية لا يجوز تعطيلها و أنها داخلة في نسج الإسلام و نظامه، فيبقى حكمها ببقاء الإسلام.

و بيّنا أن الإمام في هذا السنخ من المسائل يراد به المعنى العام الشامل للفقيه الجامع للشرائط المتصدي لإدارة شئون المسلمين في عصر الغيبة أيضا.

و الجهاد لا يختصّ بالإمام المعصوم و لا سيما الدفاعي منه. و انتشار الإسلام في البلاد و قوّته لا ينافيان الاحتياج إلى تأليف قلوب الكفار أو بعض الضعفاء من المسلمين في بعض الأحيان، فلا وجه لسقوط حكم المؤلفة حينئذ بعد عموم الأدلّة و إطلاقها و منها الآية الشريفة، و بقاء الملاك و المصلحة

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 2/ 45.

(2)- الكافي 2/ 411، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 32

..........

______________________________

و وجود المتصدي للمطالبة و الأخذ و الصرف.

و أما قول أبي عبد اللّه «ع» لزرارة: «فأما اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس» «1» فإنما يرتبط بالأعصار التي كانت الحكومة و أموالها بيد أهل الخلاف و صار الشيعة محرومين، لا بعصر فرض فيه تشكّل الحكومة الإسلامية بشرائطها و قويت حكومة الحق، فتدبر.

تنبيه:

قال في الحدائق بعد نقل ما مرّ من

المنتهى: «لا يخفى عليك بعد الوقوف على ما قدمناه من أخبارهم «ع» أن هذا الخلاف و البحث في هذا المقام نفخ في غير ضرام، فإن كلامهم أولا و آخرا يدور كله على أن المراد بالمؤلفة في الآية الشريفة هو التأليف لأجل الجهاد، مع أنهم لم ينقلوا بذلك خبرا و لا أوردوا عليه دليلا.

و الأخبار الواردة في تفسيرها كلّها كما عرفت قد اتفقت على أن التأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين و الثبات عليه لمن دخل فيه دخولا متزلزلا غير مستقر، فأمر اللّه- تعالى- رسوله بدفع هذا السهم لهؤلاء لكي يرغبوا في الدين و يستقر في قلوبهم، و بالجملة فإن هذا من أعجب العجائب من الأصحاب.» «2»

أقول: قد مرّ منّا في توجيه الأخبار ما يدلك على بقاء الآية الشريفة و ما حذا حذوها على عمومها، فلا مانع من شمولها للتأليف على الجهاد أيضا و على هذا كان عمل النبي «ص» في غزوة حنين. و الثبات على الدين يستلزم العمل بوظائفه و أحكامه، و من أهمّها الجهاد في سبيل اللّه، فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الحدائق 12/ 178.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 33

5- الرقاب

اشارة

الخامس: الرقاب (1)، و هم ثلاثة أصناف:

[هم ثلاثة أصناف]

______________________________

(1) أقول: لما كان موضوع سهم الرقاب منتفيا في أعصارنا بالكليه اقتصرنا في شرحه و بيان فروعه بأقل قليل، فمن شاء التفصيل فليراجع الكتب المفصّلة.

و كان الأولى التعبير بما في الكتاب العزيز، أعني قوله: «فِي الرِّقٰابِ»، كما في النهاية و الشرائع.

و لعل السرّ في تغيير الأسلوب في الأصناف الأربعة الأخيرة أن الأصناف الأربعة الأولى يصرف إليهم المال بنحو التمليك بخلاف الأربعة الأخيرة، فإنه يصرف في جهات حاجاتهم فيخلص به الرقاب من الأسر و الرقّ و يقضى به الدين و كذا في سبيل اللّه و ابن السبيل.

و في الكشاف: «فإن قلت: لم عدل عن اللام إلى «في» في الأربعة الأخيرة؟

قلت: للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره، لأن «في» للوعاء فنبّه على أنهم أحقّاء بأن توضع فيه الصدقات و يجعلوا مظنّة لها و مصبّا.» «1»

إلى آخر ما ذكره.

______________________________

(1)- تفسير الكشاف 2/ 283 (- طبعة أخرى 2/ 198).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 34

[الأوّل المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة]

الأوّل المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة (1)، مطلقا كان أو مشروطا، (2) و الأحوط أن يكون بعد حلول النجم (3).

______________________________

(1) في الشرائع: «و هم ثلاثة: المكاتبون، و العبيد الذين تحت الشدة، و العبد يشترى و يعتق و إن لم يكن في شدة و لكن بشرط عدم المستحق.» «1»

و في الجواهر: «لا خلاف أجده في الأول بيننا و بين العامة، بل الإجماع بقسميه عليه.» «2»

و يدل عليه مضافا إلى ذلك خبر أبي إسحاق، عن بعض أصحابنا، عن الصادق «ع»، قال: سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها؟ قال: يؤدّى عنه من مال الصدقة، إن اللّه- تعالى- يقول في كتابه: «وَ فِي الرِّقٰابِ.» «3»

أقول: و يدل عليه إطلاق

الآية الشريفة أيضا كما لا يخفى.

و المذكور في الحديث الأداء عنه لا الأداء إليه، فلا ينافيه ما ورد من قوله «ع»:

«لا يعطى العبد من الزكاة شيئا.» «4»

و قيد العجز مذكور في السؤال لا في الجواب، فلا يدل الحديث على دخله في الحكم. نعم، يمكن القول بدخله من جهة المناسبة المغروسة في الأذهان من أن شرع الزكاة و نحوها كان لسدّ الخلات و دفع الحاجات، فإذا قدر العبد بنفسه على أداء مال الكتابة بلا مشقّة لم يجز صرف الزكاة فيه.

(2) لإطلاق الأدلة.

(3) لانتقاء الحاجة قبله فلا يصدق العجز، اللهم إلّا أن يكون النجم قريبا و يعلم بعدم الوجدان بعد حلوله.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 121).

(2)- الجواهر 15/ 344.

(3)- التهذيب 8/ 275، باب المكاتب، الحديث 35، و الوسائل 6/ 204.

(4)- الوسائل 6/ 204، الباب 44 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 35

ففي جواز إعطائه قبل حلوله إشكال. و يتخيّر بين الدفع إلى كلّ من المولى و العبد (1)، لكن إن دفع إلى المولى و اتّفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة في المشروط فردّ إلى الرقّ يسترجع منه (2)، كما أنّه لو دفعها إلى العبد و لم يصرفها في فكّ رقبته لاستغنائه- بإبراء أو تبرّع أجنبيّ- يسترجع منه. نعم يجوز الاحتساب حينئذ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيرا (3). و لو ادّعى العبد أنّه مكاتب أو أنّه

______________________________

(1) مقتضى الجمود على ظاهر المرسل المتقدم تعيّن الصرف عن العبد لا الصرف إليه، اللهم إلّا أن يوكل في الأداء عن نفسه من قبل صاحب المال و كان بأذن مولاه، و لا ينافي ذلك الخبران الآتيان لانصرافهما إلى سهم الفقراء و المساكين.

(2) إذ

الدفع إلى المولى لم يكن تمليكا مطلقا له حتى يبقى، بل وقع بقصد الفكّ و في طريقه، فإذا ظهر عدمه بقي المال على أصله. نظير المقدمة غير الموصلة، حيث قالوا بعدم وجوبها بل عدم مقدميتها أيضا، فتدبر. و بذلك يظهر الحال في الدفع إلى العبد أيضا إذا لم يصرف في الفك و يأتي تفصيل المسألة في المسألة الحادية و العشرين فانتظر.

(3) لا إشكال في ذلك إذا كان بعد فكّه، و أما قبله فلا يخلو من إشكال لما في موثقة إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع»: «لا يعطى العبد من الزكاة شيئا.» «1» و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»: «و لو احتاج لم يكن له من الزكاة شي ء.» «2» اللهم إلّا إذا فرض تلف المال و صار على عهدته، لانصراف الروايتين عنه حينئذ، فإن عدم إعطائه من الزكاة يكون من جهة كون مصارفه على مولاه و أنه لا يملك في قباله بل يملك مولاه ما يعطى له، و أما أداء

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 61، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6؛ و الوسائل 6/ 204.

(2)- الوسائل 6/ 60، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 36

عاجز فإن علم صدقه أو أقام بيّنة قبل قوله و إلّا ففي قبول قوله إشكال (1).

______________________________

ديونه فليس على عهدة المولى، فلا مانع من احتسابه عليه من سهم الفقراء أو الغارمين، فتدبّر.

(1) قال في الشرائع: «و لو ادّعى أنه كوتب، قيل: يقبل، و قيل: لا إلّا بالبينة أو بحلف. و الأول أشبه، و لو صدّقه مولاه قبل.» «1»

و في المدارك نسب الحكم الأول

إلى قطع الأكثر و الثاني إلى قطع الأصحاب. «2»

و في الجواهر قال في ذيل الثاني: «بلا خلاف بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب.» «3»

و قال في التذكرة: «إذا ادعى المكاتب الكتابة فإن صدقه مولاه قبل لأن الحق في العبد له، فإذا أقرّ بالكتابة قبل، و هو أحد وجهي الشافعية. و الثاني لا يقبل لإمكان التواطؤ. و ليس بجيّد لأصالة العدالة. و إن كذّبه السيد لم يقبل قوله إلّا بالبيّنة. و إن تجرّد عنهما إما لبعده أو لغير ذلك احتمل قبول قوله لأنه مسلم أخبر عن أمر ممكن فقبل قوله كالفقير، و العدم لإمكان إقامة البينة عليه و به قال الشافعي.» «4»

أقول: قوله: «لأن الحق في العبد له» ناظر إلى إدراج المسألة في مسألة من ملك شيئا ملك الإقرار به.

و يمكن أن يجاب عن ذلك بأن إقرار المالك حجة و مأخوذ به في الجهة التي عليه لا في كل جهة، فلا يثبت به جواز صرف الزكاة في مورده. و لا دليل على

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 121).

(2)- المدارك/ 316.

(3)- الجواهر 15/ 355.

(4)- التذكرة 1/ 236.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 37

و الأحوط عدم القبول سواء صدّقه المولى أو كذّبه، كما أنّ في قبول قول المولى مع عدم العلم و البيّنة أيضا كذلك، سواء صدّقه العبد أو كذّبه. و يجوز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء (1) إذا كان عاجزا عن التكسب للأداء، و لا يشترط إذن المولى في الدفع إلى المكاتب سواء كان من باب الرقاب أو من باب الفقر (2).

[الثاني: العبد تحت الشدّة]

الثاني: العبد تحت الشدّة (3)،

______________________________

أصالة العدالة، بل العدالة ملكة و الأصل عدمها، فالظاهر عدم قبول قوله إلا مع الوثوق بقوله، بل و

الظن من ظاهر حاله على احتمال، كما عرفت نظير ذلك في مسألة ادعاء الفقر، و قد مرّت بنحو التفصيل، فراجع. «1»

(1) مشكل لما مرّ من روايتي اسحاق بن عمار و عبد اللّه بن سنان، اللّهم إلا أن يقال بانصرافهما عما إذا وقع الأداء بداعي الصرف في فكّ رقبته و عدّ فكّ الرقبة من ضرورياته و حاجاته.

و لا ثمرة مهمة في ذلك بعد عدم وجوب البسط على الأصناف.

نعم، ربما يقال بظهور الثمرة فيما إذا كان الأداء بداعي الفكّ فلم يصرف فيه، إذ لو كان من باب الرقاب استرجع منه، و إن كان من باب الفقر لم يرتجع لأن الداعي لا يصير قيدا و مقوما بعد تحقق الفقر و بقائه.

(2) بناء على جواز الأداء لنفسه من باب الرقاب أو الفقر، و قد مرّ الإشكال فيهما.

(3) في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 17): «سهم الرقاب يدخل فيه المكاتبون و العبيد إذا كانوا في شدّة يشترون من مال الصدقة و يعتقون. و قال الشافعي: الرقاب هم المكاتبون إذا كانوا جيران الصدقات فقط ... دليلنا إجماع

______________________________

(1)- راجع ج 2 ص 357 من الكتاب.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 38

و المرجع في صدق الشدّة العرف (1)، فيشترى و يعتق، خصوصا إذا كان مؤمنا في يد غير المؤمن.

______________________________

الفرقة، و أيضا قوله- تعالى-: «وَ فِي الرِّقٰابِ» و ذلك عامّ في الجميع.» «1»

و في الجواهر: «و أما الثاني فالعمدة في إدراجه في هذا القسم الإجماع المحكي صريحا و ظاهرا مستفيضا المعتضد بالتتبع.» «2»

و استدل لذلك بصحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمس مأئة و الستمائة يشتري بها نسمة و يعتقها؟

فقال: «اذا يظلم

قوما آخرين حقوقهم.» ثم مكث مليّا ثم قال: «إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه.» «3»

و استشكل في ذلك بعدم دلالة الصحيحة على كونه من باب الرقاب، لاحتمال كونه من باب الفقر أو من سبيل اللّه. إلا أن يقال: إنه بناء على عموم سبيل اللّه للعتق لا يختص ذلك بصورة كون العبد في شدّة، فالتخصيص بذلك يدل على أنه ليس من هذا الباب. نعم، يبقى احتمال كونه من باب الفقر. هذا.

و لكن بعد ذكر الرقاب في الآية الشريفة و أنس الأذهان بها ربما ينسبق إلى الذهن أن السؤال في الصحيح كان عن سهم الرقاب، و الإمام «ع» قرّره على ذلك، فتدبر.

و المذكور في الصحيح العبد المسلم، فالتعدي عنه إلى غيره مشكل و كان على المصنف التقييد بذلك، اللهم إلا أن يؤخذ بإطلاق الآية و يقال إن الرواية كانت في مقام بيان أظهر الأفراد.

(1) كما في سائر مفاهيم الألفاظ التي ذكرت في الكتاب و السنة. و المذكور

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 351.

(2)- الجواهر 15/ 344.

(3)- الوسائل 6/ 202، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 39

[الثالث: مطلق عتق العبد]

الثالث: مطلق عتق العبد مع عدم وجود المستحقّ للزكاة (1).

______________________________

في الحديث و إن كان لفظ الضرورة كما مرّ، و لكن الظاهر مساوقتها للشدّة التي عبّر بها الأصحاب كما لا يخفى.

و ربما قيل: أقلها أن يمنعوا من الصلاة أول الوقت. و فيه منع صدق الضرورة و الشدّة في مثله. كما أن عدّ ما في المتن من كون المؤمن في يد غير المؤمن شدّة بنحو الإطلاق محل منع. اللهم إلّا إذا أوجب التدافع و التنازع المستمرّ فإنه مظنّة له، و لعلّه أخذ هذا من

خبر أيوب بن الحرّ الآتي.

(1) قال الشيخ في النهاية: «فإذا لم تجد مستحقا للزكاة و وجدت مملوكا يباع جاز لك أن تشتريه من الزكاة و تعتقه.» «1»

و قال في المعتبر: «و لو لم يوجد مستحق جاز شراء العبد من الزكاة و عتقه و إن لم يكن في ضرّ، و عليه فقهاء الأصحاب.» «2»

و استدل لذلك بموثقة عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده، فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟

قال: نعم، لا بأس بذلك. قلت: فإنه لما أن أعتق و صار حرّا اتّجر و احترف فأصاب مالا (كثيرا) ثم مات و ليس له وارث، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال: يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة، لأنه إنما اشتري بمالهم. «3»

و أورد عليه أيضا بعدم الدلالة على كونه من باب الرقاب، لاحتمال كونه من باب سبيل اللّه و لذا لم يقيد بصورة الضرورة. اللهم إلا أن يقال نحو ما مرّ في القسم السابق من أن أنس ذهن الرجل بالرقاب في الآية بعثه على صرف الزكاة في

______________________________

(1)- النهاية/ 188.

(2)- المعتبر/ 280.

(3)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 40

[نيّة الزكاة عند دفع الثمن إلى البائع]

و نيّة الزكاة في هذا و السابق عند دفع الثمن إلى البائع (1)، و الأحوط الاستمرار بها إلى حين الإعتاق.

______________________________

العتق و قرّره الإمام «ع» على ذلك.

ثم لا يخفى أن المورد في هذه الموثقة صورة عدم وجود المستحق، و الحكم فيه مطلق يعم الضرورة و عدمها. و أما الصحيحة السابقة

فالحكم بالجواز فيها يختص بصورة وجود الضرورة، فليحمل المورد فيها على صورة وجود المستحق كما يشعر بذلك قوله «ع»: «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم.» فالروايتان تختلفان موردا، فلا تعارض بينهما. هذا.

و في الباب رواية أخرى و هي رواية أيوب بن الحرّ، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه، أشتريه من الزكاة فأعتقه؟ قال: فقال: اشتره و أعتقه. قلت: فإن هو مات و ترك مالا؟ قال: فقال:

ميراثه لأهل الزكاة، لأنه اشتري بسهمهم. قال: و في حديث آخر: بمالهم. «1»

و الرواية مطلقة موردا و حكما، فهل يؤخذ بإطلاقها و مقتضاه طرح قيد الصحيحة و كذا الموثقة و يحمل قوله: «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم» على الإرشاد و الاستحباب، أو يحمل إطلاق الرواية على صورة وجود الضرورة أو عدم المستحق، أو يحمل ما في الرواية على كونه من باب سبيل اللّه؟ وجوه.

و لا يخفى بعد الاحتمال الأول و إن استفيد من بعض الحواشي اختياره.

و الأظهر حمل الرواية على صورة وجود الضرورة، إذ الظاهر أن سيد العبد كان من غير أهل الولاية، و الغالب فيه وجود الضرورة للعبد، إذا كان من أهل الولاية.

(1) هل وقت نية الزكاة في القسمين الأخيرين وقت دفع الثمن إلى البائع كما في مصباح الفقيه «2»، أو وقت العتق كما عن المسالك و حواشي النافع

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- مصباح الفقيه/ 96.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 41

..........

______________________________

و قواه في الجواهر «1»، أو يتخير بينهما كما هو ظاهر الروضة، حيث قال: «و نية الزكاة مقارنة لدفع الثمن إلى البائع أو للعتق» «2»؟ في المسألة وجوه:

و استدل للأوّل بأنه وقت صرف الزكاة،

كما ربما يشهد له قول الصادق «ع» في موثقة عبيد: «لأنّه إنما اشتري بمالهم.» و في خبر أيوب: «لأنه اشتري بسهمهم.» «3»

إذ ظاهرهما تعين المدفوع زكاة و وقوع الشراء في ملك أرباب الزكاة.

و استدل للثاني كما في الجواهر: «4» بأن دفع الثمن- خصوصا إذا كان بعد إجراء الصيغة- لكونه مقتضى البيع، و من هنا ينتقل العبد إلى أهل الصدقة و كان لهم و لاؤه، فيكون إيصاله إلى الفقراء بعتقه عنهم.

و يمكن أن يوجّه التخيير بأن الظاهر أن لصاحب المال أن يعزل ما يعطيه ثمنا للعبد بقصد الزكاة فيتعين كونه زكاة بالعزل كما مرّ في محله، و لازمه تعيّن عتق العبد المشترى و عدم جواز أخذه لنفسه. و له أيضا أن يشتري العبد بقصد نفسه ثم يعتقه بقصد الزكاة و لا يتعين حينئذ كونه زكاة إلا بالعتق. و لعل مورد الروايتين الصورة الأولى و إن اتحدت الصورتان في كون الولاء لأرباب الزكاة.

قال في المستمسك بعد نقل كلام الجواهر: «و ما ذكره «قده» في محله، لأن الشراء بالزكاة- سواء كان بعد العزل و التعيين كما هو ظاهر مورد النصّ، أم بالذمة بعنوان الولاية- يستوجب تبديل الزكاة بالعبد. و مقتضى البدلية صيرورة العبد زكاة، و ليس ذلك دفعا للزكاة و لا أداء لها، كما لو بدل الزكاة بعين أخرى لا يكون ذلك أداء لها، بل الأداء إنما يكون بإخراجها عن يده، و ذلك إنما يكون بالعتق في

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 345.

(2)- الروضة 2/ 47.

(3)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الجواهر 15/ 345.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 42

..........

______________________________

المقام فهو مورد النية لا أداء الثمن إلى البائع، إذ بمجرد المعاملة تكون العين ملكا

للبائع فأداؤها أداء لمال البائع إليه.» «1»

أقول: بناء على تعيّن الزكاة بالعزل كما هو الأقوى كما مر «2» يكون العزل مع النية لا محالة، و يترتب عليه سقوط الزكاة و عدم ضمانه لها إن تلف المعزول بغير تفريط، و يكون إيصال المعزول حينئذ إلى أهله من قبيل إيصال مال الأمانة إلى صاحبه، و لا دليل على احتياجه حينئذ إلى نية أخرى. ففي المقام أيضا لو فرض العزل بنية الزكاة ثم الاشتراء به كان العتق بعد ذلك من قبيل إيصال الأمانة. و إن كان العتق بما هو عتق يحتاج إلى النية. و لو فرض موت العبد بعد اشترائه حينئذ برئت ذمّته. هذا.

و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط بالنية أولا و استمرارها إلى حين الإعتاق كما في المتن، فتدبر.

تتمة:

قال في النهاية: «وَ فِي الرِّقٰابِ، و هم المكاتبون و المماليك الذين يكونون تحت الشدّة العظيمة. و قد روي أن من وجبت عليه كفارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطأ و غير ذلك و لا يكون عنده، يشترى عنه و يعتق.» «3»

فهو- قدس سرّه- لم يذكر القسم الثالث هنا و لكن نسب قسما آخر إلى الرواية. و صنع نحو ذلك في المبسوط أيضا.

ثم قال: «و الأحوط عندى أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 254.

(2)- راجع ج 2 ص 173 و ما بعدها من الكتاب، المسألة 34 من فصل زكاة الغلّات.

(3)- النهاية/ 184.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 43

..........

______________________________

و يعتق عن نفسه.» «1»

و في الشرائع بعد ذكر الأقسام الثلاثة السابقة قال: «و روي رابع، و هو من وجبت عليه كفارة و لم يجد فإنه يعتق عنه، و فيه تردّد.» «2»

و قال في

المدارك في شرح العبارة: «هذه الرواية أوردها علي بن إبراهيم في كتاب التفسير عن العالم «ع»، قال: «وَ فِي الرِّقٰابِ قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم، و ليس عندهم ما يكفرون به و هم مؤمنون، فجعل اللّه- تعالى- لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم.»

و مقتضى الرواية جواز إخراج الكفارة من الزكاة و إن لم يكن عتقا لكنها غير واضحة الإسناد، لأن علي بن إبراهيم أوردها مرسلة، و من ثم تردّد المصنف في العمل بها و هو في محلّه.» «3»

أقول: و الرواية قطعة من رواية مفصلة رواها في الوسائل عن التهذيب و تفسير القمي، فراجع. «4» و مفادها كما ذكر في المدارك لا يختصّ بعتق الرقبة و إن فهم منها الشيخ و المحقق خصوص العتق.

قال في مصباح الفقيه بعد نقل كلام المدارك: «فعلى هذا التفسير يكون المراد بالرقاب فكّ رقبة الأشخاص الذين لزمتهم الكفارات عن الكفارات اللازمة عليهم، سواء حصل الفكّ بتحرير رقبة أو غيره. و لكن الذي يظهر من كلمات الأصحاب أنهم فهموا من هذه الرواية إرادة صرف الزكاة في تحرير الرقاب عمن لزمتهم

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 250.

(2)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 121).

(3)- المدارك/ 316.

(4)- الوسائل 6/ 145، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6؛ و التهذيب 4/ 50؛ و تفسير القمي 1/ 299

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 44

..........

______________________________

الكفارات. و كيف كان فيشكل إثبات مثل هذا المصرف للزكاة بمثل هذه الرواية مع ما فيها من الإرسال، و لذا قال المصنف «ره»: و فيه تردّد. نعم، يجوز دفع الزكاة لمن لزمته كفارة و ليس عنده ما يكفر به من

باب فقره، و عن المصنف في المعتبر أنه جوّز إعطاءه من سهم الغارمين أيضا ...» «1»

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 96.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 45

6- الغارمون

اشارة

السادس: الغارمون، و هم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها (1).

[معنى الغارمون]

______________________________

(1) في تفسير الرازي: «قال الزجّاج: أصل الغرم في اللغة لزوم ما يشقّ.

و الغرام: العذاب اللازم. و سمّي العشق غراما لكونه أمرا شاقّا و لازما، و منه فلان مغرم بالنساء إذا كان مولعا بهن، و سمي الدين غرما لكونه شاقا على الإنسان و لازما له. فالمراد بالغارمين: المديونون.» «1»

و في نهاية الشيخ: «و الغارمون هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية و لا فساد.» «2»

و في الشرائع: «و الغارمون، و هم الذين علتهم (عليهم خ. ل) الديون في غير معصية.» «3»

و الظاهر أن غرضهما بيان موضوع الحكم في المقام بقيوده لا بيان مفهوم اللفظ بإطلاقه، إذ لا فرق في مفهومه بين الصرف في الطاعة أو المعصية، و ليس هنا وضع و اصطلاح خاص.

و في الجواهر في ذيل عبارة الشرائع قال: «بلا خلاف أجده فيه، كما لا أجده

______________________________

(1)- تفسير الرازي 16/ 112 (- طبعة أخرى 3/ 478).

(2)- النهاية/ 184.

(3)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 46

..........

______________________________

في استحقاقهم في الجملة هذا السهم من الزكاة كما اعترف به في المعتبر على ما قيل. بل الكتاب و السنة و الإجماع بقسميه دالة على ذلك.» «1»

أقول: و الروايات في هذا المجال كثيرة يأتي جملة منها في الفروع الآتية، و منها خبر محمد بن سليمان، عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا محمد، قال:

سأل الرضا «ع» رجل و أنا أسمع فقال له: جعلت فداك إن اللّه- جلّ و عزّ- يقول:

«وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ»، أخبرني عن هذه النظرة التي ذكر اللّه- عز و جلّ- في كتابه لها حدّ يعرف

إذا صار هذا المعسر إليه لا بدّ له من أن ينتظر، و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله، و ليس له غلّة ينتظر إدراكها، و لا دين ينتظر محلّه و لا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال: «نعم ينتظر بقدر ما ينتهى خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه- عزّ و جلّ-، فإن كان أنفقه في معصية اللّه- عزّ و جلّ- فلا شي ء له على الإمام.»

قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه؛ في طاعة اللّه أم في معصيته؟ قال: «يسعى له فيما له فيردّه عليه و هو صاغر.» «2»

و الظاهر أن مورد السؤال و الجواب في الذيل صورة انكشاف كون الإنفاق في المعصية بعد ما لم يكن يعلم. و سيأتي توضيحه.

و منها خبر موسى بن بكر، قال: قال لي أبو الحسن «ع»: «من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه، فإن غلب عليه فليستدن على اللّه و على رسوله «ع» ما يقوت به عياله، فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره، إن اللّه- عز و جل- يقول:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا» إلى قوله: «وَ الْغٰارِمِينَ»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 355.

(2)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 47

..........

______________________________

فهو فقير مسكين مغرم.» «1»

و يظهر من ذيل الخبر تداخل السهام، كما لا يخفى.

و منها خبر صباح بن سيّابة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «أيما مؤمن

أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقتضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك، إن اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» الآية، فهو من الغارمين و له سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه.» «2»

إلى غير ذلك من أخبار المسألة. و كيف كان فلا إشكال في أصل الحكم.

و إطلاق و عموم الآية الشريفة و ما حذا حذوها يقتضي جواز إعطاء الغارم من الزكاة، سواء كان الدين لمعيشته أو للضمانات من دية أو غرامة إتلاف و نحو ذلك أو لإصلاح ذات البين و نحوه، و سواء كان الغارم حيا أو ميتا، و سواء كان مالكا لقوت سنته فعلا أو قوة أم لا، و سواء وقت تركة الميت بدينه أم لا، و سواء صرف في الطاعة أو المعصية تاب عنها أو لم يتب، و سواء كان الغارم ممن تجب نفقته أم لا، و مسلما كان أو كافرا.

فإطلاق الآية يعم جميع ذلك، و لكن هنا نصوص مقيدة و فروع وقع البحث فيها، فلنبحث في أمور:

[هنا أمور]

الأمر الأول: اشتراط كونه عاجزا عن قضاء دينه

أنه قد صرّح في بعض الكلمات باشتراط كونه عاجزا عن قضاء دينه، و في بعضها باشتراط الفقر و ادّعى بعضهم الإجماع على ذلك و أنه لا يعطى الغني

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 2.

(2)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 48

..........

______________________________

المتمكن من أداء دينه من هذا السهم و لا من سائر السهام:

1- قال في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 19): «الغارم الذي عليه الدين و أنفقه في

طاعة أو مباح لا يعطى من الصدقة مع الغنى. و للشافعي فيه و جهان: أحدهما يعطى، و الآخر لا يعطى. دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا جواز إعطائه مع الفقر مجمع عليه، و لا دليل على جواز إعطائه مع الغنى.» «1»

2- و فيه أيضا (المسألة 23): «خمسة أصناف من أهل الصدقات لا يعطون إلّا مع الفقر بلا خلاف: و هم الفقراء، و المساكين، و الرقاب، و الغارم في مصلحة نفسه، و ابن السبيل المنشئ لسفره ... و الغارم لمصلحة ذات البين و الغازي لا يعطى إلّا مع الحاجة عند أبي حنيفة. و عند الشافعي يعطى مع الغنى، و هو الصحيح.

و ابن السبيل المجتاز يعطى مع الغنى في بلده بلا خلاف. دليلنا إجماع الفرقة ...» «2»

3- و في النهاية: «و إذا كان على إنسان دين و لا يقدر على قضائه و هو مستحق جاز لك أن تقاصّه من الزكاة.» «3»

4- و في المبسوط: «فأما الغارمون فصنفان: صنف استدانوا في مصلحتهم و معروف في غير معصية ثم عجزوا عن أدائه، فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين بلا خلاف.» «4»

5- و في الغنية: «و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية إلا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا الإيمان و العدالة و أن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب لما يكفيه ... بدليل الإجماع المتكرر.» «5»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 351.

(2)- الخلاف 2/ 352.

(3)- النهاية/ 188.

(4)- المبسوط 1/ 251.

(5)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 49

..........

______________________________

6- و في المعتبر في مسألة الغارمين: «و لا يعطى مع الغنى، و للشافعي قولان:

لنا قوله «ع»: «لا تحلّ الصدقة لغني»، و قوله «ع»: تردّ في فقرائهم.» «1»

7- و في

التذكرة: «الغارمون صنفان: أحدهما من استدان في مصلحته و نفقته في غير معصية، و عجز عن أدائه و كان فقيرا، فإنه يأخذ من سهم الغارمين إجماعا ليؤدي ذلك. و إن كان غنيا لم يجز أن يعطى عندنا و هو أحد قولي الشافعي.» «2»

8- و في أمّ الشافعي: «و الغارمون صنفان: صنف ادّانوا في مصلحتهم أو معروف و غير معصية، ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض و النقد، فيعطون في غرمهم لعجزهم. فإن كان لهم عروض أو نقد يقضون منه ديونهم فهم أغنياء لا يعطين منها شيئا و يقضون من عروضهم أو من نقودهم ديونهم ...» «3»

9- و في الأحكام السلطانية للماوردي: «و السهم السادس للغارمين و هم صنفان: صنف منهم استدانوا في مصالح أنفسهم فيدفع إليهم مع الفقر دون الغنى ما يقضون به ديونهم، و صنف منهم استدانوا في مصالح المسلمين فيدفع إليهم مع الفقر و الغنى قدر ديونهم من غير فضل.» «4»

أقول: فالشيخ- قدّس سرّه- تارة عبّر بالعجز عن الأداء و تارة بالفقر، و في الغنية عبّر بأن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب، و المحقق اعتبر عدم الغنى، و العلامة جمع بين العجز و الفقر، و هل أراد بالفقر شرطا آخر أو أنه تفسير للعجز؟ فيه احتمالان.

و الشيخ و العلامة جعلا مورد الاشتراط من استدان لمصلحة نفسه و لم يشرطا الفقر فيمن استدان لإصلاح ذات البين و سيتعرض المصنف للقسم الثاني في

______________________________

(1)- المعتبر/ 280.

(2)- التذكرة 1/ 233.

(3)- الأمّ 2/ 61.

(4)- الأحكام السلطانية/ 123.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 50

..........

______________________________

المسألة التاسعة و العشرين، فانتظر. و قد رأيت أن الشافعي أيضا اعتبر في القسم الأول الفقر. هذا.

و استدلّوا لاشتراط الفقر و العجز: أولا بالإجماعات

المنقولة.

و ثانيا بأن المستفاد أو المصرّح به في أخبار كثيرة أن الزكاة شرّعت لسدّ الخلّات و دفع الحاجات و أنها لا تحلّ لغنيّ، و أن اللّه- تعالى- شرّك بين الأغنياء و الفقراء، فيتحصل من جميع ذلك اعتبار الفقر و عدم التمكن إجمالا.

و ثالثا بصحيحة زرارة أو حسنته، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال:

«إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه، فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه.» «1»

بناء على إرادة الأداء من سهم الغارمين، كما هو الظاهر.

و يمكن أن يستدل لذلك بأخبار أخر أيضا:

1- صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا تحل الصدقة لغنيّ و لا لذي مرّة سوّي و لا لمحترف و لا لقويّ.» قلنا: ما معنى هذا؟ قال:

«لا تحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «2»

إذ الحديث بإطلاقه يعمّ سهم الغارمين أيضا.

2- ما عن الكافي بسنده عن يونس بن عمار، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر (خير خ. ل) إن أيسر قضاك، و إن مات

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 51

..........

______________________________

قبل ذلك احتسبت به من الزكاة.» «1» و روى

الصدوق نحوه مرسلا. «2»

و نحوه خبر إبراهيم بن السندي، عن أبي عبد اللّه «ع» يم «3» بل الظاهر اتحادهما و سقوط يونس بن عمار من سند الخبر الثاني.

3- ما في الفقيه، قال: و قد روي عن الصادق «ع» أنه قال: «نعم الشي ء القرض؛ إن أيسر قضاك و إن أعسر حسبته من الزكاة.» «4»

و في المقنع: «و قد روي عن العالم «ع» أنه قال: «نعم الشي ء.» و ذكر مثله. «5»

و في فقه الرضا: و قد أروى عن العالم «ع» أنه قال. و ذكر نحو ذلك. «6»

4- و في فقه الرضا أيضا: «و إن كان لك على رجل مال و لم يتهيأ لك قضاؤه فاحسبه من الزكاة إن شئت.» «7»

و قد ذكر نحو هذه العبارة بنحو الإفتاء الصدوق أيضا في الفقيه، و المقنع، فراجع. «8»

و لا يخفى أنه لم يذكر في هذه الأخبار عنوان الفقر، بل المستفاد منها اعتبار العسر و العجز عن الأداء.

و يظهر من الحدائق «9» الاستدلال لذلك أيضا بخبر محمد بن سليمان و نحوه مما

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 208، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الفقيه 2/ 32 (- طبعة أخرى 2/ 58)، باب ثواب القرض، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 209، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الفقيه 2/ 10 (- طبعة أخرى 2/ 18)، الباب 5 من أبواب الزكاة، الحديث 5؛ و الوسائل 6/ 211.

(5)- الجوامع الفقهية/ 14.

(6)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 198).

(7)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 198).

(8)- راجع الفقيه 2/ 10 (- طبعة أخرى 2/ 19) الباب 5 من أبواب الزكاة بعد الحديث 6؛ و الجوامع الفقهية/ 14.

(9)- الحدائق 12/ 190.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3،

ص: 52

..........

______________________________

يكون مورد السؤال فيه وجود الفقر.

و يرد عليه أن المستفاد من هذه الأخبار جواز الأداء عند الفقر و الحاجة، لا الحصر و عدم الجواز عند عدمهما لأن المورد لا يخصّص و ليس التقييد في كلام الإمام «ع» حتى يؤخذ بظاهره. هذا.

فإن قلت: روى في المستدرك عن الدعائم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن رسول اللّه «ص» أنه قال: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلا لخمسة: عامل عليها، أو غارم و هو الذي عليه الدين، أو تحمّل بالحمالة، أو رجل اشتراها بماله، أو رجل أهديت إليه.» «1»

و روى البيهقي في السنن بسنده عن عطاء بن يسار أن رسول اللّه «ص» قال:

لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل اللّه، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو رجل له جاز مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني.» و بسنده أيضا عنه، عن أبي سعيد الخدري، عنه «ص» نحوه «2»، فما تقول في هذين الخبرين، حيث يظهر منهما عدم اشتراط الفقر في الغارم؟

قلت: هذان الخبران على فرض صحتهما لا يقاومان الأدلة و الأخبار الماضية، فيحتمل حملهما على أن من ملك مئونة السنة لنفسه و لعياله و لكن عليه دين لا يقدر على قضائه جاز قضاؤه من سهم الغارمين و إن لم يطلقوا عليه الفقير اصطلاحا كما سيأتي بحثه.

هذا مضافا إلى أنه يمكن في خبر السنن أن يقال: إن محطّ النظر فيه بيان عقد النفي أعني المستثنى منه لا المستثنيات، فلا إطلاق لها، فيمكن أن يحمل الغارم فيه

______________________________

(1)- المستدرك 1/ 521، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 12.

(2)- سنن البيهقي 7/ 15، كتاب قسم الصدقات، باب العامل على الصدقة يأخذ منها

بقدر عمله ....

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 53

..........

______________________________

على الغارم الذي استدان لإصلاح ذات البين لا لمصلحة نفسه، و على فرض الإطلاق أيضا يقيد بما مرّ من الأدلة بعد حملها على خصوص المستدين لمصلحة نفسه، كما لعله الظاهر منها.

و من المحتمل اتحاد الخبرين و سقوط الغازي من خبر الدعائم، و عدم كون تفسير الغارم فيه من الرواية بل من كلام المصنف، فيجري فيه أيضا ما مرّ، فتدبر.

و كيف كان فأصل الاشتراط إجمالا مما لا إشكال فيه. و إنما الإشكال في المراد بالفقر هنا عند من اعتبره، حيث إنهم فسّروا الغنى في مبحث سهم الفقراء بمن يملك مئونة السنة لنفسه و لعياله فعلا أو قوة، و الفقير بمن لا يملك ذلك.

فهل يراد بالفقير هنا ذلك أو يراد به هنا بمناسبة الحكم و الموضوع من يعجز عن قضاء دينه؛ ملك مئونة سنته أم لا؟

و مقتضى الأول كون النسبة بين الفقير و العاجز عموما من وجه، إذ ربّ شخص له مال أو كسب يفي بمؤونته و لكن عليه ديون كثيرة أو أروش جنايات و ديات و كفارات يعجز عن قضائها، و قد يكون الأمر بالعكس كمن لا يملك بمقدار مئونة السنة و لكن له مال فعلا يفي بدينه أو يقضي عنه متبرع بلا منّة و ذلة و قد يكون الشخص عاجزا عن المؤونة و الدين معا.

و حيث إن الظاهر عدم الخلاف و الإشكال في أن من يعجز عن أداء دينه لكثرته يجوز قضاؤه من سهم الغارمين و إن كان له مال أو كسب جزئي يفي بمؤونته فلعله يكشف هذا عن أن من اعتبر الفقر هنا أراد به لا محالة العجز عن أداء الدين فيتساوى و يترادف التعبيران:

ففي المدارك

بعد نقل ما مر من المعتبر من أن الغارم لا يعطى مع الغنى قال:

«الظاهر أن المراد بالغنى انتفاء الحاجة إلى القضاء لا الغنى الذي هو ملك قوت السنة، إذ لا وجه لمنع مالك قوت السنة من أخذ ما يوفى به الدين إذا كان

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 54

..........

______________________________

غير متمكن من قضائه.» «1»

و في الجواهر عن شرح اللمعة للأصبهاني: «يمكن أن لا يكون المراد بالفقير هنا ما عرفته في الفقراء و المساكين من عدم مئونة السنة فعلا أو قوة، بل عدم التمكن من قضاء الدين، بدليل أن جماعة منهم الشارح عبّروا بذلك و نحوه مما يفيد مفاده.» «2» هذا.

و قد يقال ما محصله: أن ذكر قوت السنة في تعريف الفقير و الغني في كلمات الأصحاب و في أخبار مبحث الفقراء كخبري الدغشي و يونس بن عمار «3» يكون من باب المثال و من باب ذكر أوضح الحاجات، و إلا فالملاك في الغنى مالكية الإنسان لجميع ما يحتاج إليه في معاشه و معاده فعلا أو قوة، فكما يعتبر فيه مالكية القوت يعتبر أيضا مالكية اللباس و المركب و محل السكونة و الكتب اللازمة و مئونة النكاح و نحو ذلك قطعا.

و على هذا فيمكن أن يعدّ من المؤونة السنوية أيضا أداء الديون اللازمة و الغرامات الواجبة، و يعتبر في صدق الغنى القدرة على أدائها فعلا أو قوة، فمن يعجز عن أدائها يصدق عليه الفقير و إن ملك قوته و لباسه مثلا فيجوز إعطاؤه من سهم الفقراء، و لذا قال الشيخ في المبسوط في باب سهم الرقاب: «و روى أصحابنا أن من وجبت عليه عتق رقبة في كفارة و لا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه.

و

الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو و يعتق عن نفسه.» «4»

و على هذا فيكون الغارم أخصّ مطلقا من الفقير و يكون مقابلة الغارمين للفقراء باعتبار خصوصية جهة التصرف و الاهتمام بها و أنه قد يكون الغارم ميتا و قد يقضى عنه بغير إذنه و اطلاعه.

______________________________

(1)- المدارك/ 317.

(2)- الجواهر 15/ 356.

(3)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7 و 10.

(4)- المبسوط 1/ 250.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 55

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 55

..........

______________________________

قال في الجواهر: «فيمكن أن ينقدح من ذلك اعتبار القدرة على قضاء الدين مع مئونة السنة في الغني، فمن عجز عنهما أو أحدهما فهو فقير، و من ملك ما يقابلهما معا كان غنيا كما صرّح به الاستاذ في كشفه في تعريف الفقر و الغنى، ضرورة أن الحاجة إلى وفاء الدين أشدّ من الحاجة إلى غيرها من المؤن، مضافا إلى صدق الفقير على من ملك قوت سنته و كان عليه أضعافها دينا، و خصوصا إذا كان قد اشتراها به و لذا يعطى في الخمس و غيره مما يشترط فيه الفقر. و دعوى أن مثله غني كما ترى، فحينئذ اشتراط الفقر ممن عرفت في محله، إذ متى كان عاجزا عن وفاء الدين كلا أو بعضا كان فقيرا و إن ملك قوت سنته، و هو المراد من اشتراط عدم التمكن من القضاء ....» «1»

أقول: و ما ذكره جيّد يساعده العرف و الاعتبار، و على هذا فيرجع التعبيران إلى أمر واحد.

و يجوز أن يستدل لاشتراط العجز في المقام بما

روي من قوله «ص»: «لا تحلّ الصدقة لغني.» «2»

و مرّ في خبر موسى بن بكر قوله «ع»: «فهو فقير مسكين مغرم.» «3» حيث يستفاد منه تداخل السهام، فتدبر. هذا.

و ذكر الشيخ الأعظم في زكاته «4» كلمات من الأصحاب يظهر منها تفكيكهم بين الفقير و الغارم المحتاج و أن الواجد لقوت السنة يعدّ عندهم غنيا و إن كان عليه دين يعجز عن أدائه. و يظهر الجواب عنها مما ذكرنا.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 356.

(2)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(3)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 2.

(4)- زكاة الشيخ/ 504 (- طبعة أخرى/ 442).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 56

و إن كانوا مالكين لقوت سنتهم (1).

______________________________

(1) قد مرّ آنفا وجه ذلك و هو أن الملاك في الغنى و الفقر مالكية الإنسان جميع حاجاته السنوية فعلا أو قوة و منها ما يقابل ديونه، فلا يكفي في صدق الغنى مالكية قوت السنة فقط.

و أما إذا قلنا بأن الملاك في الغنى ذلك و أن النسبة بين الفقير و الغارم عموم من وجه فمقتضى ذلك أن من ملك مقدار مئونة سنته فعلا و كان عليه دين يتمكن من أدائه من هذا المال فما لم يصرفه في أداء دينه لم يجز له أخذ الزكاة لا من سهم الفقراء لعدم كونه فقيرا على الفرض و لا من سهم الغارمين لما مرّ من اشتراط الفقر و العجز. و قد حكي هذا القول عن الحلّي و إن لم أجد في كلامه تصريحا بذلك.

و ربما يستشهد لذلك بما رواه الحلّي في مستطرفات السرائر عن مشيخة الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن سماعة، قال: سألت أبا عبد

اللّه «ع» عن الرجل منّا يكون عنده الشي ء يتبلغ (يتبايع- السرائر) به و عليه دين أ يطعمه عياله حتى يأتيه اللّه- تعالى- بميسرة فيقضي دينه، أو يستقرض على ظهره في جدب الزمان و شدّة المكاسب، أو يقضي بما عنده دينه و يقبل الصدقة؟ قال: يقضي بما عنده و يقبل الصدقة. الحديث. «1»

و الجواب عن ذلك أن الرواية كما يظهر من سياقها و ذيلها ليس بصدد بيان أن سهم الغارم يجوز أن يعطى له قبل صرف ما عنده أم لا، بل بصدد بيان الاهتمام بحقوق الناس و أن من يجد ما يقابل الدين يجب عليه صرفه فيه و لا يكون هذا نظير قوت اليوم و الليلة في كونه مستثنى، و بعد صرفه جاز له لا محالة أن يقبل الصدقة لفقره و إعوازه. هذا.

و في المدارك قال: «استقرب العلامة في النهاية جواز الدفع إلى المديون و إن كان عنده ما يفي بدينه إذا كان بحيث لو دفعه يصير فقيرا لانتفاء الفائدة في أن

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 207، الباب 47 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1؛ عن السرائر/ 480.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 57

و يشترط أن لا يكون الدين مصروفا في المعصية (1).

و إلّا لم يقض من هذا السهم.

______________________________

يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر.»

قال في المدارك: «و مقتضى كلامه أن الأخذ و الحال هذه يكون من سهم الغارمين و هو غير بعيد لإطلاق الآية لعدم صدق التمكن من أداء الدين عرفا بذلك.» «1»

أقول: لو كان العلامة ممن يقول باشتراط الفقر في المقام و يريد به عدم الوجدان لقوت السنة فقط ففي تعليله إشكال، و لكن الظاهر كما عرفت كون هذا الشخص من أول الأمر مصداقا

للفقير، لكون أداء الدين من أشدّ الحاجات السنوية، فيجوز أن يعطى من كل من سهمي الفقراء و الغارمين من أول الأمر. و كان الأولى للعلامة أن يعلّل الحكم بذلك، فتدبر.

الأمر الثاني: أن لا يكون الدين مصروفا في المعصية

(1) قد مرّ عن النهاية قوله: «و الغارمون هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية و لا فساد.» «2»

2- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 20): «إذا أنفقه في معصية ثم تاب منها لا يجب أن يقضى عنه من سهم الصدقة. و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. و الثاني يقضى عنه. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و هي عامّة في أنه لا يقضى عنه إذا أنفقه في معصية و لم يفصلوا حال التوبة من غيرها.» «3»

أقول ظاهر عبارة الخلاف أن أصل عدم جواز الأداء إذا كان في معصية، أمر مفروغ عنه متفق عليه و إنما الخلاف فيما بعد التوبة. و قوله: «لا يجب» مساوق لعدم الجواز، إذ لو جاز أداء دينه وجب على الإمام ذلك كما هو مفاد الروايات.

______________________________

(1)- المدارك/ 317.

(2)- النهاية/ 184.

(3)- الخلاف 2/ 352.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 58

..........

______________________________

3- و في الشرائع: «فلو كان في معصية لم يقض عنه.» «1»

4- و في الجواهر: «لا أجد فيه خلافا، بل عن الخلاف و المنتهى و التذكرة الإجماع على منع الإعطاء من سهم الغارمين في الدين المنفق في معصية.» «2»

5- و في التذكرة: «و لو استدان في معصية لم يقض عند علمائنا أجمع، و به قال علي بن أبي هريرة من الشافعية.» «3»

6- و في المنتهى: «و لو أنفقه في المعصية لم يقض و هو مذهب علمائنا أجمع، و للشافعي قولان.» «4»

و ظاهر التذكرة و المنتهى كون أصل المسألة مختلفا فيها بين

فقهاء السنة، بخلاف ما مرّ من الخلاف.

7- و قد مرّت عبارة الشافعي في الأمّ: «و الغارمون صنفان: صنف ادّانوا في مصلحتهم أو معروف و غير معصية ثم عجز عن أداء ذلك ...» «5» و ظاهره تسليم أصل الاشتراط.

8- و في المغني لابن قدامة: «لكن إن غرم في معصية مثل أن يشتري خمرا أو يصرفه في زناء أو قمار أو غناء و نحوه لم يدفع إليه قبل التوبة شي ء لأنه إعانة على المعصية.» «6»

و بالجملة، فأصل الحكم إجمالا مما لا خلاف فيه عندنا و ادعوا عليه الإجماع.

و يدل عليه- مضافا إلى ذلك، و إلى أن الزكاة معونة و إرفاق على وجه القربة

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

(2)- الجواهر 15/ 357.

(3)- التذكرة 1/ 233.

(4)- المنتهى 1/ 521.

(5)- الأمّ 2/ 61.

(6)- المغني 7/ 324.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 59

..........

______________________________

فلا تناسب المعصية بل يكون وفاؤه منها إغراء بالقبيح- أخبار مستفيضة:

1- ما رواه الشيخ، عن علي بن إبراهيم في تفسيره، عن العالم «ع»: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات.» «1»

2- ما مرّ من خبر محمد بن سليمان، عن الرضا «ع». و فيه: «نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه- عزّ و جلّ-، فإن كان أنفقه في معصية اللّه- عزّ و جلّ- فلا شي ء له على الإمام. الحديث.» «2»

3- ما مرّ من خبر صباح بن سيّابة، عن أبى عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «أيما مؤمن أو مسلم مات و

ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك. إن اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» الآية. فهو من الغارمين و له سهم عند الإمام، فإن حبسه فإثمه عليه.» «3»

4- خبر قرب الإسناد، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه أن عليا «ع» كان يقول: «يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كل ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف. الحديث.» «4»

5- ما في أصول الكافي بسنده عن رجل من طبرستان يقال له محمد، قال:

سمعت علي بن موسى «ع» يقول: «المغرم إذا تدين أو استدان في حق- الوهم من

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

(3)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 7.

(4)- الوسائل 6/ 180، الباب 24 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 10.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 60

..........

______________________________

معاوية- أجّل سنة؛ فإن اتسع و إلّا قضى عنه الإمام من بيت المال.» «1»

بناء على إرادة سهم الغارمين كما هو الظاهر. و التأجيل سنة إنما يكون في صورة مظنة الاتساع و احتماله و إلّا فلا يلزم.

6- بل يشعر بذلك أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال:

سألت أبا الحسن «ع» عن رجل فاضل توفّي و ترك عليه دينا قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟

قال: «نعم.» «2».

إذ يظهر من السؤال أن أصل عدم جواز أداء دين المفسد و

المسرف كان أمرا مركوزا مفروغا عنه.

و كيف كان فأصل الحكم إجمالا واضح لا إشكال فيه. و ضعف الأخبار منجبر بالإجماع و العمل و حكم العقل بأن الوفاء حينئذ إغراء بالقبيح و معاونة عليه، فإشكال صاحب المدارك فيه في غير محله.

الأمر الثالث: إذا تاب الغارم

لا يخفى أن إطلاق الروايات يشمل ما إذا تاب الغارم أيضا. و لا يعارضه إطلاق الغارمين في الآية الشريفة و ما حذا حذوها، لأن إطلاق الخاص يقدم على إطلاق العام عرفا لأنه بمنزلة المفسّر له. و قد مرّت عبارة الخلاف في هذا المجال.

و لكن في المعتبر: «و جاز مع توبته أن يعطى من سهم الفقراء إن كان بصفتهم و لو أعطي من سهم الغارمين لم أمنع منه.» «3»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 9.

(2)- الوسائل 6/ 179، الباب 24 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- المعتبر/ 280.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 61

..........

______________________________

و في المدارك: «إعانة المستدين في المعصية إنما يقبح مع عدم التوبة لا مطلقا ...

و من ثم ذهب المصنف في المعتبر إلى جواز إعطائه مع التوبة من سهم الغارمين، و هو حسن.» «1»

و في الحدائق بعد نقل ذلك قال: «إنا لا نعتمد على هذه التعليلات الواهية، و إنما العلة هي النصوص المذكورة، و التوبة لا مدخل لها في ذلك، لأن الظاهر أن إيجاب الشارع القضاء عليه من غير أن يعطى من هذا السهم ما يقضي به عن نفسه إنما وقع عقوبة له فيما فعل من صرف ما استدانه في المعصية كما ينادي به قول الرضا «ع» في الرواية الأولى: يسعى له فيما له و يرده عليه و هو صاغر.» «2»

أقول: مراده بالرواية الأولى

رواية محمد بن سليمان التي مضت.

و العمدة كما مرّ إطلاق الروايات لصورة التوبة أيضا، اللّهم إلّا أن يحكم بمناسبة الحكم و الموضوع بانصرافها عن هذه الصورة، إذ التائب من الذنب يصير كمن لا ذنب له و أداء الدين واجب لا محالة. و سنشير ثانيا إلى هذا البحث في الأمر الرابع.

و في المغني لابن قدامة: «و إن تاب فقال القاضي: يدفع إليه، و اختاره ابن عقيل، لأن إيفاء الدين الذي في الذمة ليس من المعصية بل يجب تفريغها، و الإعانة على الواجب قربة لا معصية فأشبه من أتلف ماله في المعاصي حتى افتقر، فإنه يدفع إليه من سهم الفقراء.

و فيه وجه آخر: لا يدفع إليه لأنه استدانة للمعصية فلم يدفع إليه كما لو لم يتب، و لأنه لا يؤمن أن يعود إلى الاستدانة للمعاصي ثقة منه بأن دينه يقضى، بخلاف من أتلف ماله في المعاصي فإنه يعطى لفقره لا لمعصية.» «3»

______________________________

(1)- المدارك/ 317.

(2)- الحدائق 12/ 192.

(3)- المغني 7/ 324.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 62

و إن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء (1)، سواء تاب عن المعصية أو لم يتب، بناء على عدم اشتراط العدالة في الفقير. و كونه مالكا لقوت

الأمر الرابع: [هل يعطى الغارم الذي صرف الدين في المعصية من سهم الفقراء أو من سهم سبيل اللّه]

______________________________

(1) هل يعطى الغارم الذي صرف الدين في المعصية من سهم الفقراء أو من سهم سبيل اللّه لقضاء دينه إما مطلقا أو بعد التوبة أم لا؟

1- قال في المبسوط: «و إن كان فقيرا نظر، فإن كان مقيما على المعصية لم يعطه لأنه إعانة على المعصية، و إن تاب فإنه يجوز أن يعطى من سهم الفقراء و لا يعطى من سهم الغارمين.» «1»

و ظاهره الأداء و لو لقضاء الدين.

2- و مرّ عن المعتبر قوله: «و جاز مع

توبته أن يعطى من سهم الفقراء إن كان بصفتهم. و لو أعطي من سهم الغارمين لم أمنع منه.» «2»

3- و في الشرائع: «نعم، لو تاب صرف إليه من سهم الفقراء و جاز أن يقضي هو.» «3»

4- و في الجواهر: «و اعتبار التوبة في الإعطاء من سهم الفقراء مبني على ما تعرف إن شاء اللّه من اعتبار العدالة أو اجتناب الكبائر، أمّا على القول بعدمه يعطى و ان لم يتب، بل قيل و كذا الإعطاء من سهم سبيل اللّه بناء على تعميمه لكل قربة كما نصّ عليه في المسالك، و لعله لأنه بدونها لا قربة فيه لما فيه من الإغراء بالقبيح.» «4» هذا.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 251.

(2)- المعتبر/ 280.

(3)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

(4)- الجواهر 15/ 359.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 63

سنته لا ينافي فقره لأجل وفاء الدّين الذي لا يفي كسبه أو ما عنده به.

______________________________

5- و لكن استشكل في المسالك في أصل المسألة فقال: «و في المسألة إشكال و هو أنه مع صرف المال في المعصية إن لم يجز وفاؤه من سهم الغارمين لم يجز من سهم الفقراء و إن تاب لأن الدين لا يدخل في سهم الفقراء و إلّا لم يكن الغرم قسيما للفقر بل قسما منه. بل إما أن يكون التوبة مسوّغة للدفع إليه من سهم الغارمين أو سهم سبيل اللّه و إما أن لا يجوز الدفع إليه لوفاء دين المعصية مطلقا.

و قد لزم من ذلك احتمالات: عدم الجواز مطلقا اعتبارا بالمعصية المانعة، ذكره العلّامة حكاية. و الجواز مع التوبة من سهم الفقراء، و هو الذي اختاره الشيخ و تبعه عليه جماعة. و الجواز معها من سهم الغارمين، و اختاره المصنّف

في بعض فتاويه.

و الجواز معها من سهم سبيل اللّه، و هو متوجه.

و يمكن حلّ الإشكال بأن الفقير و إن لم يعط بسبب الفقر إلّا قوت السنة لكن إذا دفع إليه ذلك ملكه و جاز له صرفه حيث شاء فيجوز له صرفه في الدين، مع أن إعطائه قوت السنة إنما هو مع الدفع تدريجا أما دفعة فلا. نعم لو لم يكن فقيرا بأن كان مالكا لقوت سنة لم يتوجه على ذلك إعطاؤه من سهم الفقراء لعدم الفقر و لا من سهم الغارمين لإنفاقه في المعصية، فيجب أن يقيد كلام المصنف في جواز إعطائه من سهم الفقراء بكونه فقيرا.» «1»

و اعترض عليه في الجواهر بما مرّ في ملاك الفقر و الغنى. و محصله: «أن الملاك فيهما ليس هو قوت السنة فقط، بل الملاك مطلق الحاجات في إدامة الحياة، و الغرم من أشدّ الحاجات، فلا حاجة إلى تقييد كلام المصنف بكونه فقيرا، فيعطى المالك لقوت سنته من حيث الفقر بسبب ما عليه من الدين. و دين المعصية و إن كان لا يقضى من سهم الغارمين و لكنه يعطى من جهة الفقر و لكن بشرط التوبة

______________________________

(1)- المسالك 1/ 60.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 64

و كذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل اللّه (1).

و لو شكّ في أنّه صرفه في المعصية أم لا فالأقوى جواز إعطائه

______________________________

لما عرفت من اعتبار العدالة أو اجتناب الكبائر.» «1»

أقول: ما ذكره في ملاك الفقر و الغنى و إن كان صحيحا عندنا على ما مرّ و اختاره المصنف أيضا في المتن، و لكن يبعد جدّا حمل الأخبار و الفتاوى المانعة على الحكم الحيثي و المنع من حيث الغرم لا من حيث الفقر بعد وضوح ملاك

الحكم و عدم انفكاك الغرم عن الفقر لكون الغارم اخصّ كما هو المدّعى. و ليس البحث في الاسم و العنوان فقط، بل الغرض حرمان من صرف الدين في المعصية عن الزكاة عقوبة عليه، فإما أن يقال بعدم جواز الإعطاء مطلقا و إن تاب عقوبة له على عصيانه، و ربما يشهد له إطلاق قوله «ع» في خبر محمد بن سليمان: «فإن كان أنفقه في معصية اللّه- عزّ و جلّ- فلا شي ء له على الإمام.» «2» و إما أن يقال بجواز الإعطاء بعد التوبة و لو من سهم الغارمين لانصراف الأخبار و الفتاوى عن هذه الصورة و تكون هذه خلّة من خلّات المسلمين فيجب على الإمام سدّها و رفعها.

اللّهم إلا أن يقال: إن الفرق بينهما هو أن الغارم يؤدى عنه دينه و الفقير يعطى تمليكا، فلا مانع من منع الأول مطلقا لكونه بالمباشرة صرفا للزكاة في دين المعصية بخلاف الثاني فإنه تمليك لمن صار أهلا له لفقره و توبته، و التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فتدبر.

(1) على فرض انطباقه عليه و لكنه في غاية الإشكال و إن فرض توبته، إذ أداء الدين الذي صرف في الفحشاء و الفساد كيف يعدّ من سبل الخير؟ و التوبة لا توجب انقلاب ماهية الدين. اللّهم إلّا أن ينطبق على تخليص المديون من ديونه أحد المصالح العامة الاجتماعية بحيث يصدق عليه سبيل الخير.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 360.

(2)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 65

من هذا السهم (2)، و إن كان الأحوط خلافه.

الأمر الخامس: [لو شك في أنه أنفقه في الطاعة أو في المعصية]
اشارة

______________________________

(2) لو شك في أنه أنفقه في الطاعة أو في المعصية فهل يقضى عنه أم لا؟

1- قال الشيخ

في كتاب الديون من النهاية: «فيقضي (الإمام) دينه عنه من سهم الغارمين إذا كان قد استدانه و أنفقه في طاعة. و إن كان لا يعلم فيما ذا أنفقه أو علم أنه أنفقه في معصية لم يجب عليه القضاء عنه، بل إذا وسّع اللّه عليه قضى عن نفسه.» «1»

و عدم الوجوب هنا مساوق لعدم الجواز كما مرّ.

2- و قال في الشرائع: «و لو جهل فيما ذا أنفقه قيل: يمنع. و قيل: لا، و هو الأشبه.» «2»

3- و في الدروس: «و لو جهل الحال فالمروي المنع.» «3»

4- و في اللمعة: «و المروي أنه لا يعطى مجهول الحال.» «4»

5- و في التذكرة: «لو لم يعلم فيما ذا أنفقه، قال الشيخ: يمنع، لأن رجلا من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمد سأل الرضا «ع»: قلت: فهو لا يعلم فيما ذا أنفقه في طاعة أو معصية؟ قال: يسعى في ماله فيردّه عليه و هو صاغر. و لأن الشرط و هو الإنفاق في الطاعة غير معلوم. و قال أكثر علمائنا: يعطى، بناء على أن ظاهر تصرفات المسلم إنما هو على الوجه المشروع دون المحرم، و لأن تتبع مصارف الأموال عسر فلا يقف دفع الزكاة على اعتباره. و في سند الرواية ضعف.» «5»

______________________________

(1)- النهاية/ 306.

(2)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

(3)- الدروس/ 62.

(4)- اللمعة (مع شرحها) 2/ 47.

(5)- التذكرة 1/ 233.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 66

..........

______________________________

أقول: الظاهر أن المسألة مبتنية على أن الصرف في الطاعة أو المباح شرط، أو أن الصرف في المعصية مانع و لا مجال للجمع بينهما كما حقق في محلّه.

فعلى الأول يجب احراز الشرط. و استصحاب عدمه يستلزم عدم جواز الأداء.

و على الثاني يستصحب عدم المانع.

و مفاد الأخبار

في هذا المجال متفاوت: فالمستفاد من خبر علي بن إبراهيم في تفسيره و خبر محمد بن سليمان و كذا خبر محمد عن علي بن موسى الرضا «ع» اشتراط الإنفاق في طاعة اللّه و الحق. و المستفاد من خبري صباح بن سيابة و الحسين بن علوان أن الصرف في الفساد و الإسراف مانع، و هو المترائى من السؤال في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج أيضا. و الظاهر بدوا من ذيل خبر محمد بن سليمان عدم جواز الأداء مع الشك، حيث قال: «قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه، في طاعة اللّه أم في معصية؟» قال: «يسعى له في ماله فيردّه عليه و هو صاغر.» «1»

و صارت هذه الرواية منشأ لتعرض الأصحاب للمسألة بنحو مبسوط. هذا.

و لكن لا يخفى أن الظاهر من طاعة اللّه كون العمل عباديا قربيا، و لا يعتبر هذا في المقام قطعا، فلا محالة يراد بها ما يعمّ الأعمال المباحة بل المكروهة أيضا، فيكون الشرط صلوح العمل لأن يؤتى به طاعة على ما قيل و هو عبارة أخرى عن عدم المعصية أو كون العمل موردا لرضا اللّه- تعالى- في مقابل كونه موردا لكراهته و مقتضى ذلك كون الصرف في المعصية أو فيما يكرهه اللّه مانعا يحرز عدمه بالأصل.

ثم إن ظاهر تصرفات المسلم كونها على الوجه المشروع، فلو فرض كون الطاعة

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 67

..........

______________________________

بالمعنى الأعم شرطا أيضا أحرز ذلك بأصالة الصحة في فعل المسلم، و على ذلك استقرّ بناء المسلمين في المعاملات و العبادات الصادرة من الغير. و يعسر جدّا تتبع مصارف الديون و

التفتيش فيها و إقامة البينة عليها و لا سيما بالنسبة إلى ديون الأموات التي وردت الروايات و الفتاوى بأدائها من سهم الغارمين كما سيأتي، فالقول بالمنع يستلزم حرمان أكثر الغارمين.

و أما خبر محمد بن سليمان فهو مع ضعفه يشكل الاعتماد عليه في الحكم المخالف للأصول، مضافا إلى أنه لم يقع فيه السؤال عن محل البحث، أعني تكليف الدافع للزكاة عند جهله بالحال، بل عن حق صاحب الدين عند جهله، حيث إنه بعد ما سمع الراوي منه «ع» أن المديون لو أنفقه في المعصية لا شي ء له على الإمام تحيّر في حق صاحب الدين الذي لم يصدر عنه ما يوجب حرمانه عن حقه، إذ لا يعلم هو غالبا أن المديون فيما أنفق أو ينفق الدين، فبعد وضوح ذلك له كيف يصل إلى حقه مع أن المديون حسب الفرض ليس له غلة ينتظر إدراكها و لا دين ينتظر محلّه و لا مال غائب ينتظر قدومه، فلا ربط للرواية بما هو محل البحث في المقام.

كيف و لو كان السؤال عن جهل الدافع بحال المنفق كان المناسب في جوابه أمر الدافع بالتحقيق و التفتيش لا الحكم جزما بالسعي و هو صاغر، فإن هذا الجواب إنما يناسب من علم بصرفه في المعصية لا من جهل حاله، فتدبر.

و إلى بعض ما ذكرنا أشار في الحدائق و في مصباح الفقيه.

قال صاحب الحدائق في المقام ما محصله: «أن الخبر لا دلالة فيه على ما ذكروه، إذ المرجع في كون الإنفاق طاعة أو معصية هو المنفق، و اطلاع الناس على ذلك أمر نادر غالبا سيما إذا كان مستور الظاهر، و حينئذ فيرجع الحكم إليه فإن أنفقه في طاعة جاز له الأخذ و إن أنفقه

في معصية حرم عليه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 68

..........

______________________________

و أما الحكم بالنسبة إلى الإمام فإنه إن اطلع على أحد الأمرين عامله به، و إن لم يطلع و لا سيما مع كونه مستور الظاهر غير معروف بالفسق فإنه يدفع إليه بناء على ظاهر الحال و لكنه يحرم عليه فيما بينه و بين اللّه إن كان أنفقه في معصية.

و الرواية لا تنافي ذلك، إذ الإمام «ع» لما ذكر القسمين رجع الراوي و قال:

إن صاحب الدين لا علم له بكونه أنفقه في طاعة أو في معصية فأجابه الإمام «ع» بما معناه أن صاحب الدين لا مدخلية له في ذلك و إنما المرجع فيه إلى المستدين فإن كان قد أنفق ما استدانه في معصية وجب عليه أن يسعى له فيه و يردّه عليه و هو صاغر، فجهل الإنفاق هنا إنما نسب إلى صاحب الدين لا إلى الإمام حتى يتم ما توهموه من الخبر من أنه متى جهل الإمام وجه الإنفاق لم يدفع له من هذا السهم.» «1» هذا.

و محصّل الكلام في المسألة: أن الظاهر من الروايات بعد جمعها و إرجاع بعضها إلى بعض بقرينة مقابلة الطاعة فيها بالمعصية و بمناسبة الحكم و الموضوع أن الصرف في المعصية قبيح و مانع، فإذا شك في ذلك فالأصل يقتضي عدمه.

و لو منعنا ذلك و شككنا في أن الصرف في الطاعة شرط أو أن الصرف في المعصية مانع فمقتضى أصالة الصحة في عمل المسلم جواز الإعطاء لمن جهل حاله و لا سيما إذا كان بحسب ظاهر حاله متعبدا بحيث يحصل الظن بعدم صرفه في المعصية. و أما من كان متهما بالفسق و المعاصى فإجراء أصالة الصحة فيه لا يخلو من إشكال، إذ

هي أصل عقلائي يعتبره العقلاء في أمورهم في غير من كان بناء أعماله على الخلاف و الفساد، فتدبر.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 193. و راجع مصباح الفقيه/ 99.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 69

و هنا فروع:
الأول: لو شككنا في أصل المسألة بنحو الشبهة الحكمية

______________________________

و أنه هل يجوز شرعا الإعطاء لمجهول الحال أم لا، بحيث احتملنا أن يكون للشارع هنا حكمان:

الأول عدم جواز الإعطاء لمن صرف الدين في المعصية. الثاني عدم جواز الإعطاء لمجهول الحال، فالظاهر حينئذ جواز التمسك بعموم الغارمين في الآية و ما حذا حذوها، إذ الأمر حينئذ يدور بين تخصيص واحد و تخصيصين، كما لا يخفى.

الثاني: لو شك في أن الدين صرف في الطاعة أو في المعصية

فهل يجوز التمسك فيه بعموم الآية أم لا؟ فنقول: إن كان الاعتماد في التخصيص على الروايات أشكل التمسك بالعموم، لكون الشبهة مصداقية للمخصص. و أما إن قلنا بضعف الروايات و طرحها و اعتمدنا في التخصيص على الإجماع و حكم العقل فقد قالوا في محلّه أن حكم العقل إن كان حكما كليّا واضحا كالقرينة المتصلة بحيث يعتمد عليه المولى كان كالمخصص المتصل مانعا من انعقاد الظهور للعام، و أما إن لم يصل في الوضوح و الظهور إلى هذا الحدّ جاز التمسك بالعام في الأفراد المشكوكة، اذ المخصص اللبي يقتصر فيه على المصاديق المعلومة.

و يظهر من المستمسك في المقام اختيار هذا، حيث قال: «بل العمدة في المسألة الإجماع، و المتقين منه اعتبار عدم المعصية. و لأجل أن المخصص لبيّ، فالمرجع في الشبهة الموضوعية العموم.» «1»

أقول: ما ذكره قابل للمنع، إذ الروايات في المقام قد استقاضت بحد يحصل

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 258.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 70

نعم لا يجوز له الأخذ إذا كان صرفه في المعصية (1). و لو كان

______________________________

العلم أو الوثوق بصدور بعضها لا محالة، مضافا إلى أن فتوى الأصحاب جابرة لضعفها، بل من المحتمل جدّا كونها مدركا للمجمعين أيضا فلا حجية للإجماع، و قد مرّ منا أن المتحصل من الروايات بعد إرجاع بعضها إلى بعض بمناسبة الحكم و الموضوع و

مقابلة الطاعة فيها بالمعصية في خبر محمد بن سليمان أن الصرف في المعصية قبيح و مانع.

و جواز التمسك بالعموم فيما إذا كان المخصص لبيا أول الكلام. مضافا إلى أن حكم العقل في المقام حكم بيّن ظاهر يمكن أن يكون المولى قد اعتمد عليه فيكون كالمخصص المتصل.

الثالث: لو شككنا في أن الصرف في الطاعة أخذ شرطا أو أن الصرف في المعصية أخذ مانعا،

فهل للتمسك بالعموم مجال؟

في كتاب الزكاة للمرحوم آية اللّه الميلاني- طاب ثراه-: «و لو شككنا فالمقيد مجمل، و إطلاق الغارمين محكّم، و القدر المتيقن ما لم يكن صرفا في المعصية.» «1»

أقول: في إجمال المخصص و المقيد إنما يتمسك بالعام فيما إذا تردّد أمره بين الأقل و الأكثر، بحيث يؤول الأمر إلى كثرة التخصيص و قلّته، كما إذا دار الفاسق بين مرتكب الكبيرة فقط أو مرتكب الذنب مطلقا و لو كان صغيرا. و ليس الأمر في المقام كذلك، إذ الطاعة بالمعنى الأعم و عدم المعصية متلازمان خارجا. و إنما يظهر الثمرة فقط في كيفية إجراء الأصل في موارد الشك. و أصالة العموم لا تصلح لأن تبين هذا و تثبته. اللّهم إلّا أن يريد ما ذكرناه في الفرع الأول من احتمال أن يكون هنا من قبل الشرع حكمان فيدور الأمر بين تخصيص واحد و تخصيصين، فتدبر.

(1) إذ المستفاد من أخبار الباب أن هذا السهم جعل للغارم في غير المعصية،

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية الله الميلاني 2/ 118.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 71

معذورا في الصرف في المعصية لجهل أو اضطرار أو نسيان أو نحو ذلك لا بأس باعطائه (1)، و كذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون. و لا فرق في الجاهل بين كونه جاهلا بالموضوع أو الحكم (2).

______________________________

و جهل الدافع لا يحلّل له المال، نظير ما إذا

اعتقد الدافع فقر الآخذ و كان هو غنيا بحسب الواقع.

الأمر السادس: هل المانع هو العصيان الفعلي أو كون الشي ء منهيا عنه

(1) هل المانع هو العصيان الفعلي أو كون الشي ء منهيا عنه و لو لم يكن فعليا في حقه؟ وجهان: من أن الظاهر من العصيان هو الفعلي منه، و هو الذي يحكم العقل بقبح إعطائه لكونه إغراء بالقبيح. و من أن الحكم في بعض الأخبار علّق على عدم الإفساد و الإسراف، و العنوان المجعول تحت الحكم يحمل على واقعه بلا دخل للعلم و الجهل و غير هما في ذلك.

لا يخفى أن المستفاد من الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض هو الأول، فالملاك وقوع العمل معصية أو طاعة بالمعنى الأعم الشامل لجميع المباحات و لو بالعناوين الثانوية. و لا أقل من كون العصيان الفعلي هو القدر المتيقن و المنصرف إليه من النصوص و الإجماعات، فيرجع في غيره إلى عموم الآية.

(2) كان على المصنف تقييد الجهل بالحكم بما إذا كان عن قصور، إذ مع التقصير لا يكون معذورا و يحصل العصيان الفعلي، كما هو واضح.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 72

[لا فرق بين أقسام الدين]

[المسألة 16]: لا فرق بين أقسام الدين: من قرض، أو ثمن مبيع، أو ضمان مال (1)، أو عوض صلح، أو نحو ذلك، كما لو كان من باب غرامة إتلاف (2). فلو كان الإتلاف جهلا أو نسيانا

______________________________

(1) مع كون المضمون عنه ممتنعا عن الأداء، أو غير متمكن منه، أو وقع الضمان تبرعا.

(2) قال في الجواهر: «و الظاهر أن المراد من الغرم هنا كل ما اشتغلت به الذمة و لو بإتلاف لا خصوص الاستدانات.» «1»

أقول: و الظاهر عدم الإشكال في ذلك لصدق الغرم و الدين في جميع ما ذكر، فيشملها عموم الآية و إطلاق بعض الأخبار. و عدم شمول البعض الآخر للبعض لا يضرّ، فإنه من قبيل مفهوم اللقب

و لا سيما إذا كانت الخصوصية في كلام السائل لا في كلام الإمام «ع».

فمن الروايات المطلقة خبر صباح بن سيّابة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «أيّما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه. الحديث.» «2»

و منها خبر على بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى «ع»، قال: قلت له:

جعلت فداك رجل قتل رجلا متعمدا أو خطأ و عليه دين و ليس له مال و أراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل؟ قال: «إن وهبوا دمه ضمنوا ديته.» فقلت: إن هم أرادوا قتله؟ قال: «إن قتل عمدا قتل قاتله و أدّى عنه الإمام الدين من سهم الغارمين. الحديث.» «3»

و منها المرسل عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «الإمام يقضي عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النساء.» «4» إلى غير ذلك من الأخبار.

و استثناء مهور النساء في المرسل إما لأن على اللّه- تعالى- أداءها كما ضمن

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 361.

(2)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 7.

(3)- الوسائل 19/ 92، الباب 59 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

(4)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 73

و لم يتمكّن من أداء العوض جاز إعطاؤه من هذا السهم، بخلاف ما لو كان على وجه العمد و العدوان (1).

______________________________

كتابه على ما في مرآة العقول «1»، أو لعدم فوريتها و عدم مطالبتها غالبا حتى يجب على الإمام أداؤها من بيت المال، أو لأن الغالب فيها الإسراف و التجاوز عن الحدّ، أو لغير ذلك.

(1) لأنه من قبيل

الدين في المعصية، إلّا أن يقال كما في المستمسك: «الظاهر من الدين في المعصية الدين في سبيل المعصية، لا الدين المسبب عن المعصية فإنه معصية في الدين، فيكون المقام من قبيل ثمن البيع وقت النداء إذا كان ثمن المبيع دينا.» «2» هذا.

و لكن الظاهر أن الملاك في المسألتين واحد، بل المقام أولى بعدم الجواز، إذ في الأول كانت الاستدانة مشروعة غاية الأمر أن الدين بعد تحصيله صرف في المعاصي.

و أما في المقام فنفس العصيان أوجب اشتغال الذمة فوقع محرما. و النقض بثمن البيع وقت النداء غير وارد، إذ البيع بما أنه معاملة و مبادلة مال بمال ليس محرما و لا يقع اشتغال الذمة به محرما، و إنما المحرم الاشتغال بعمل يوجب ترك الجمعة. و الحرمة عرضية، و المكلف به الأصلي هو السعي إلى ذكر اللّه، كما لا يخفى.

قال في مصباح الفقيه: «و لا فرق على الظاهر بين كون الدين مصروفا في المعصية بأن صرفه في الملاهي و شرب الخمور مثلا كما هو المنساق من الروايات المزبورة، و بين كونه حاصلا بنفس المعصية كأكل أموال الناس ظلما و عدوانا الموجب لاستقرار مثله أو قيمته في ذمته لهم، أو إثبات جنايات عمدية موجبة

______________________________

(1)- مرأة العقول 19/ 45.

(2)- المستمسك 9/ 259.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 74

[إذا كان دينه مؤجّلا فالأحوط عدم الإعطاء]

[المسألة 17]: إذا كان دينه مؤجّلا فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله، و إن كان الأقوى الجواز (1).

______________________________

لثبوت دينها عليهم، فإن هذا القسم من الدين أولى بعدم جواز صرف الزكاة فيه من القسم الأول.

و يدل عليه أيضا مضافا إلى ذلك ما عن ابن إدريس في مستطرفات السرائر، نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب في الصحيح

عن عبد الرحمن بن الحجاج أن محمد بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الصدقات، فقال:

اقسمها فيمن قال اللّه- عزّ و جلّ-، و لا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا. قلت: و ما نداء الجاهلية؟ قال: هو الرجل يقول: يا بني فلان، فيقع بينهما القتل و الدماء، فلا يؤدوا ذلك من سهم الغارمين، و لا الذين يغرمون من مهور النساء، و لا أعلمه إلّا قال: و لا الذين لا يبالون ما صنعوا في أموال الناس.» «1»

و روي الرواية العياشي أيضا في تفسيره، ثم روى رواية أخرى عن محمد القسري، عن أبي عبد اللّه «ع» و ذكر نحو الرواية الأولى. «2»

و الظاهر اتحاد الروايتين و كون المراد بمحمد القسري محمد بن خالد بن عبد اللّه القسري والى المدينة و حاله غير معلوم.

و رواهما عنه في المستدرك، فراجع. «3»

(1) في الجواهر: «و في اعتبار الحلول وجهان، و لكن مقتضى إطلاق النص

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 99. و الخبر في الوسائل 6/ 207، الباب 48 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1؛ عن السرائر/ 485.

(2)- تفسير العياشي 2/ 94، الحديث 79 و 80.

(3)- المستدرك 1/ 525، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 75

[لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج]

[المسألة 18]: لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج، فإن كان الدّيان مطالبا فالظاهر جواز إعطائه من هذا السهم (1)،

______________________________

و الفتوى عدمه.» «1»

أقول: وجه جواز الأداء صدق الدين و الغرم، فيشمله عموم الآية و إطلاق الأخبار. و وجه العدم أن الزكاة شرّعت لسدّ الخلات و الحاجات و حيث لا يجوز المطالبة فعلا فلا حاجة و يكون وجود الدين كعدمه، فينصرف عنه الإطلاقات،

و لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا. بل لو كان يرجى التمكن من الأداء عند حلول الدين لم يصدق العجز الذي مرّ اعتباره.

و من ذلك يظهر الإشكال فيما إذا كان الدين حالا غير مطالب به و يرجى التمكن بعد حين.

و قد مرّ في صحيحة زرارة قوله «ع»: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «2»

و مرّ عن الكافي خبر علي بن موسى «ع» يقول: «المغرم إذا تدين أو استدان في حق- الوهم من معاوية- أجّل سنة فإن اتسع و إلّا قضى عنه الإمام من بيت المال.» «3»

يظهر من الحديث أنه إن أمكن بتأجيل الدين عدم صرف الزكاة فيه وجب التأجيل و لم يقض عنه الإمام من بيت المال.

و بالجملة فالأحوط عدم الأخذ إلّا أن تكون المدة قريبة و هو يقطع بالعجز إلى حلول الأجل و عدم التمكن بعد ذلك من الزكاة. فالملاك كل الملاك صدق العجز عرفا، فتدبّر.

(1) مشكل مع إمكان الاستمهال أو الاستدانة من غيره ثم أدائه من كسبه،

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 361.

(2)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(3)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 76

و إن لم يكن مطالبا فالأحوط عدم إعطائه (1).

______________________________

و سيأتي تفصيل المسألة.

(1) قد مرّ عن الغنية قوله: «و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية إلا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، الإيمان و العدالة و أن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب لما يكفيه ... بدليل الإجماع المتكرر.» «1»

و في الجواهر: «لو لم يملك شيئا إلّا أنه كسوب يتمكن من قضاء دينه

من كسبه فعن نهاية الإحكام احتمال الإعطاء بخلاف الفقير و المسكين، لأن حاجتهما تتحقق يوما فيوما، و الكسوب يحصّل في كل يوم ما يكفيه، و حاجة الغارم حاصلة في الحال لثبوت الدين في ذمته، و إنما يقدر على اكتساب ما يقضي به الدين بالتدريج. و احتمال المنع تنزيلا للقدرة على الكسب منزلة القدرة على المال.» «2»

أقول: ينبغي البحث هنا في أمرين:

الأول: في تكليف الدائن، و هو أنه مع عدم قدرة المديون فعلا ليس له المطالبة، لقوله- تعالى-: «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ.» «3» و للحاكم الشرعي منعه من ذلك. نعم لو أمكن له الاستدانة من غيره ثم أدائه من كسبه لم تصدق العسرة و عدم القدرة حينئذ.

و لو فرض للدائن حاجة شديدة إلى ماله و لم يمكن للمديون الاستدانة و لكن وجد هنا باذل للزكاة فهل له المطالبة حينئذ و جاز أداء الدين من سهم الغارمين أو ليس له ذلك بل يعطى هو من سهم الفقراء؟ فيه وجهان. و لعلّ الأوجه التخيير.

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(2)- الجواهر 15/ 357.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية: 280.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 77

[إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية]

[المسألة 19]: إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه (1)، إلّا إذا كان فقيرا فإنّه يجوز احتسابه عليه

______________________________

الثاني: فيما يرتبط بالمديون، و أنه مع المطالبة أو بدونها هل يجوز أداء دينه من سهم الغارمين لحلول الدين بأجمعه و عدم التمكن فعلا من أدائه، أو لا يجوز لوجود التمكن قوة بالكسب كما في سهم الفقراء و المساكين؟

الأقوى في المسألة التفصيل، فإن كانت المدة التي يتمكن فيها من الأداء طويلة جدّا، بحيث لا يصدق التمكن

من الأداء عرفا كما إذا فرض الدين مثلا ألف دينار و كان لا يقدر على أدائه إلا في طول عشرين سنة مثلا بحيث يعدّ التمكن الكذائي كالعدم و تضييعا لمال الدائن أو كان الدائن مطالبا مصرّا عليها بحيث لا يمكن الاستمهال و لم يمكن الاستدانة من الغير أيضا لأدائه، جاز حينئذ الإعطاء من سهم الغارمين. و إلّا فلا يجوز، لعدم صدق العجز حينئذ، فإن العجز عن تعجيل الأداء غير العجز عن أصله.

و الملاك عدّ الشخص عاجزا عن أداء دينه أو متمكنا منه، و بعبارة أخرى قادرا على أن يكف نفسه عن الصدقة أم لا، على ما هو المستفاد من ذيل صحيحة زرارة السابقة، «1» و مرّ في خبر علي بن موسى «ع» قوله: «المغرم إذا تدين أو استدان في حق- الوهم من معاوية- أجّل سنة، فإن اتسع و إلّا قضى عنه الإمام من بيت المال.» «2» حيث يستفاد منه أنه إن وجد مظنة الاتساع و أداء الدين في الآجل لم يجز أداؤه من بيت المال.

(1) وجوبا إن تعين المدفوع زكاة بالعزل أو توقف عليه إعادة الزكاة لانحصار المال فيه، و جوازا في غيرهما. و وجهه أن الزكاة أمانة في يد المالك أو الحاكم، و الواجب عليهما إيصالها إلى مصرفها. فإذا ظهر الخلاف جاز أو وجب إرجاعها

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(2)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 78

من سهم الفقراء (1)، و كذا إذا تبيّن أنّه غير مديون، و كذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين (2).

[لو ادّعى أنّه مديون]

[المسألة 20]: لو ادّعى

أنّه مديون فإن أقام بيّنة قبل قوله، و إلّا فالأحوط عدم تصديقه (3). و إن صدّقه الغريم، فضلا عمّا لو كذّبه أو لم يصدّقه.

______________________________

و وجب صرفها في محلّها، نظير ما إذا كان المال وقفا على العلماء فأعطاه المتولي لشخص بتوهم كونه عالما فبان خلافه.

نعم، يشكل الأمر فيما إذا لم يعين الجهة للآخذ، فتوهم كونها صلة و أتلفها، فحينئذ يشكل تضمينه لأنه مغرور و الضمان يستقر على من غرّه. و قد فصلنا المسألة بفروعها في المسألة الثالثة عشرة من هذا الفصل، أعني مسألة ما لو دفع الزكاة باعتقاد أنه فقير فبان غنيا، فراجع إياها و المسألة التي بعدها. «1»

(1) قد مرّ أن الظاهر من الأدلة حرمان من صرف الدين في المعصية عقوبة عليه مطلقا لا من جهة الغرم فقط، اذ الظاهر كونها في مقام بيان الحكم الفعلي لا الحيثي. نعم لو قيل بانصرافها عن صورة التوبة صحّ حينئذ احتسابها حتى من سهم الغارمين أيضا، فراجع ما مرّ في الأمر الرابع من المسألة الخامسة عشرة. «2»

(2) أو قبله و لم يعلم به الغارم.

(3) في الشرائع: «و لو ادّعى أن عليه دينا قبل منه إذا صدّقه الغريم، و كذا لو تجرّدت دعواه عن التصديق و الإنكار. و قيل: لا يقبل، و الأول أشبه.» «3»

و قال في المدارك في شرح العبارة: «الكلام في هذه المسألة كما تقدم في دعوى الفقر، و ربما كان عدم القبول هنا أولى لأن الغرم مما يمكن إقامة البينة عليه ... و موضع

______________________________

(1)- راجع ج 2 ص 386 و ص 400 و ما بعدهما من الكتاب.

(2)- راجع ص 62.

(3)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 122).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 79

..........

______________________________

الخلاف الغارم لمصلحة

نفسه، أما الغارم لمصلحة ذات البين فلا يقبل دعواه إلّا بالبينة قولا واحدا.» «1»

و في التذكرة: «لو ادّعى الغارم الغرم فإن كان لإصلاح ذات البين فالأمر فيه ظاهر فإذا علمه الإمام دفع إليه، و إن كان لخاص نفسه قبل قوله إن صدقه المالك و هو أحد وجهي الشافعي لأنه مسلم أخبر عن أمر ممكن. و في الآخر: لا يقبل لجواز التواطؤ. و لو كذبه لم يقبل قوله لظن كذبه. و إن تجرد عن الأمرين قبل لما تقدم. و قال الشافعي: لا يقبل إلّا بالبينة لأنه مدّع فلا يقبل إلا بالبينة.» «2»

أقول: فرّق العلامة بين ما كان لمصلحة ذات البين و ما كان لمصلحة نفسه بأن الأول أمر ظاهر فلا يقبل إلّا مع العلم، و لا محالة أراد بذلك العلم و ما يحكمه من البينة و نحوها. و يظهر منه أن الثاني أمر خفيّ لا يعرف إلا من قبل المدّعي، فيقبل قوله فيه كسائر ما لا يعرف إلّا من قبل الشخص و منها الفقر أيضا كما مرّ في محله.

و لكن لأحد منع ذلك إذ لا فرق بين نوعي الغرم في إمكان إقامة البينة عليهما، كما أشار إلى ذلك صاحب المدارك. و لم يظهر لي وجه الاعتناء بتصديق المالك أو تكذيبه، اللّهم إلّا أن يكون موثوقا به فيعتنى به من باب حجية خبر الثقة.

و فرّق في مصباح الفقيه أيضا بين صورة تصديق المالك و صورة التجرد عن الأمرين و اختار في الأول قبوله قوله، قال: «فإنه لو لم يقبل قوله و لو مع تصديق الغريم لأدّى ذلك إلى حرمان جلّ أهل الاستحقاق من هذا السهم و هو مناف لما يقتضي شرعيته، فهذا مما لا ينبغي الاستشكال فيه.»

«3»

أقول: يمكن نقض ذلك بأنه لو فرض قبوله مطلقا مع تصديق الغريم لأدّى ذلك

______________________________

(1)- المدارك/ 318.

(2)- التذكرة 1/ 236.

(3)- مصباح الفقيه/ 101.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 80

..........

______________________________

إلى تضييع حقوق أهل الاستحقاق بالتواطؤ و هو مناف لغرض الشارع، فيجب أن يعتبر الوثوق و لا أقل من الظن الحاصل من ظاهر حاله. هذا.

و الأصل يقتضي عدم حجية قول المدّعي إلّا مع الوثوق أو البينة.

نعم قد مرّ في مسألة ادعاء الفقر- المسألة العاشرة من هذا الفصل- «1» ادعاء عدم الخلاف في قبوله، و أقيم عليه أدلة كثيرة يجري أكثرها في المقام. و قد اخترنا نحن قبوله مع الظن بالصدق الحاصل من ظاهر حاله، و لا يبعد إلحاق المقام به، و إن كان الأحوط هنا الاقتصار على الوثوق و الاطمئنان، لتفاوت ما بين المسألتين، حيث إن الفقر من الأمور الخفية غالبا التي لا تعرف إلّا من قبل الشخص بخلاف الغرم إذ يمكن إقامة البينة عليه كما مرّ، فتدبر.

و يظهر من حاشية بعض الأساتذة قبول قوله مطلقا، لعموم نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم.

أقول: إقرار العقلاء إنما ينفذ في الجهة التي عليهم، لا مطلقا بحيث يترتب عليه جميع آثار المديون بلا فحص مع احتمال التواطؤ جدا.

و قد حكى صاحب الجواهر في المقام كلاما عجيبا بنحو يظهر منه ارتضاؤه، و قد مر نظيره منه في باب الفقر أيضا. قال هنا ما هذا لفظه: «و قد يقال في دفع الإشكال في المقامات الثلاثة: إن الحاصل من الكتاب و السنة وجوب دفع الزكاة لا وجوب دفعها للفقير أو للغارم أو للمكاتب. و قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ» إلى آخره إنما يدل على كون الصدقات لهم لا أن التكليف دفعها إليهم. و فرق واضح

بين المقامين. نعم ورد: «لا تحلّ الصدقة لغني» و نحوه مما يقضي بعدم جواز دفعها لغير الأصناف الثمانية، و هو كذلك في المعلوم أنه ليس منهم، أما غير المعلوم فيتحقق

______________________________

(1)- راجع ج 2 ص 357 من الكتاب.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 81

..........

______________________________

امتثال الأمر بالإيتاء بالدفع إليه لكونه أحد أفراد الإطلاق، و لم يعلم كونه من أفراد النهى، بل أصالة البراءة عن حرمة الدفع إليه يقتضي خروجه عنها. و بالجملة الغنى مانع لا أن الفقر شرط، و لو سلّم كونه شرطا فهو محلّ لتناول الزكاة لا لدفعها ممن وجبت عليه لعدم الدليل بل مقتضى الإطلاق خلافه. و على هذا يتجه ما ذكره الأصحاب من قبول دعوى الفقر و الكتابة و الغرم، و لذا قال المصنف:

و الأول أشبه.» «1» انتهى.

و محصّل كلامه- قدّس سرّه- أن المالك أمر بإيتاء الزكاة مطلقا لا بدفعها إلى الفقير و الغارم و نحوهما. نعم ورد النهي عن دفعها إلى الغني و إلى من صرف الدين في المعصية و نحوهما، أما غير المعلوم فيتحقق امتثال الأمر بالإيتاء بالدفع إليه لكونه أحد أفراد الإطلاق و لم يعلم كونه من أفراد النهي بل يجري فيه أصالة البراءة عن حرمة الدفع إليه، نعم ليس لغير المستحق واقعا أخذها، و هذا غير تكليف المالك. و ليس الفقر مثلا شرطا بل الغنى مانع، و لو فرض كونه شرطا فهو شرط لتناول الزكاة لا لدفعها إليه.

أقول: فكأنه- قدّس سرّه- يجيز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، أو يكون المال المخرج زكاة عنده بمنزلة المال المطروح الذي يأخذه من يستحقه و يصدّق قول المدعي فيه بلا بينة و يمين إذ لا معارض له. و لا يخفى فساد ما

ذكره، إذ ليس المجعول في باب الزكاة مجرد شركة الفقراء فقط من دون تكليف على صاحب المال، بل هو مأمور بإيصال الزكاة إلى أهلها و تكون أمانة في يده لا يخرج عن عهدتها ما لم يعمل بوظيفته فيها. بل المجعول عند بعض هو الحكم التكليفي فقط و الحكم الوضعي ينتزع منه، و الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 367.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 82

[إذا أخذ ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره]

[المسألة 21]: إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره ارتجع منه (1).

______________________________

اليقينية، و لا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصص إذا كان المخصص لفظيا أو لبّيا بيّنا يكون كالقرينة المتصلة، و مقتضى الآية الشريفة كون الفقر و المسكنة و الغرم و أمثالها شروطا، لا كون الغنى مانعا، و الشرط يجب إحرازه، و ليس البحث في حرمة الدفع إلى المشكوك فيه حتى يتمسك فيه بالبراءة بل في سقوط التكليف المقطوع به، و العقل يحكم فيه بالاشتغال، فتدبر جيدا.

(1) 1- في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 9): «إذا أعطى الصدقة الغارمين و المكاتبين لا اعتراض عليهم فيما يفعلون به. و قال الشافعي: يراعى ذلك فإن صرفوه في قضاء الدين و مال الكتابة و إلا استرجعت منهم. دليلنا أن استحقاقهم ثابت بالآية، و إذا سلّم إليهم فقد أخذوا ما استحقوه بالآية، و جواز استرجاع ذلك منهم يحتاج إلى دليل.» «1»

2- و في المبسوط قال في المكاتب: «و إن صرفه في غير ذلك استرجع منه عند الفقهاء. و يقوى عندي أنه لا يسترجع، لأنه لا دليل عليه.» «2»

3- و قال في الغارم: «و إن لم يقضه بأن أبرأ منه أو تطوع غيره بالقضاء عنه فإنه

يسترجع منه كالمكاتب. و الذي يقوى في نفسي أنه لا يسترجع، لأنه لا دليل عليه.» «3»

أقول: و حكي هذا الفتوى عن الشيخ في الجمل أيضا و لكن لم أعثر عليه، فراجع.

4- و لكن في الشرائع: «و لو صرف الغارم ما دفع إليه من سهم الغارمين في غير القضاء ارتجع منه.» «4»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 349.

(2)- المبسوط 1/ 250.

(3)- المبسوط 1/ 251.

(4)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 122).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 83

..........

______________________________

5- و علّل هذا في مصباح الفقيه بقوله: «لأن للمالك الولاية على صرفه في الأصناف و قد عيّنه للصرف في قضاء دينه و لم يفعل، و لم يجعله ملكا طلقا له كي يجوز له التصرف فيه كيفما يشاء.» «1»

أقول: إعطاء الزكاة للغارمين يتصور على وجوه:

الأوّل: أن يعطى للدائن بإزاء دينه، و لا كلام فيه.

الثاني: أن يعطى للمديون لا بعنوان التمليك له بل بأن يوكّله في أداء دينه.

و الظاهر عدم الإشكال حينئذ في كونها أمانة في يده، و لو صرفها في غير الدين ضمنها، و لعل نظر المحقق في الشرائع إلى هذا القسم.

الثالث: أن يملّكها المديون تمليكا مطلقا و لكن بداعي أداء دينه. و الظاهر أنه مع استحقاقه للزكاة حينئذ تصير ملكا له، و الداعي لا يقيد الملكية المنشأة، كما في سائر التمليكات الواقعة بدواع خاصة. إذ القيد في رتبة المقيد، و الداعي علة للفعل و مقدم عليه رتبة. و لعل نظر الشيخ إلى هذا القسم.

و يمكن أن يستدلّ له بموثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إذا أخذ الرجل الزكاة فهي كماله يصنع بها ما يشاء.» قال: و قال: «إن اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها و هي

الزكاة، فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما يشاء.» فقلت: يتزوج بها و يحج منها؟ قال: «نعم هي ماله. الحديث.» «2»

اللّهم إلّا أن يقال: إن مورد الموثقة هو الأداء من سهم الفقراء، و مقتضاه التمليك المطلق بخلاف المقام إذ يمكن أن لا يسمح للمالك التمليك المطلق من سهم الغارمين، فتدبر. هذا.

و على فرض القول بجواز هذا في سهم الغارمين أيضا فجوازه في سهم الرقاب

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 101.

(2)- الوسائل 6/ 200، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 84

..........

______________________________

بالنسبة إلى العبد المكاتب على ما يظهر من الشيخ محل إشكال، كما لعله المستفاد من خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا يعطي العبد من الزكاة شيئا.» «1» بل من خبر عبد اللّه بن سنان عنه «ع» أيضا في المملوك، قال: «و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا.» «2»

الرابع: أن يملّكها للمديون بشرط أن يصرفها في دينه، نظير سائر الشروط في ضمن العقود. و مقتضاه حصول الملك له و لكنه يجب عليه الوفاء بالشرط، و لو تخلف كان للمالك ارتجاعها.

الخامس: أن يملّكها له ملكية مقيدة فينشئ حصّة خاصة منها و هي الواقعة في طريق أداء الدين فقط.

و هل يعتبر هذا النحو من الملكية عند العقلاء و يتعارف عندهم اعتبارها و إنشاؤها أم لا؟ و جهان؛ من أنها أمر اعتباري و الاعتبار خفيف المؤونة فيمكن اعتبارها حسب الحاجة اليها، و من عدم أنس الأذهان بهذا النحو من الملكية. ثم أيّ دليل على أن للمالك أن ينشئ هذا النحو من الملكية المقيدة بل و المشروطة أيضا في مال الزكاة؟ نعم يستفاد من بعض الأدلة

إجمالا أن للمالك الخيرة في تعيين المصارف و أنه يجب ترتيب الأثر عليه: ففي خبر عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممن تحلّ له الصدقة. قال: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره.» قال: «و لا يجوز أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 204، الباب 44 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 204، الباب 44 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 85

[المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة]

[المسألة 22]: المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة (1)، لا القصد من حين الاستدانة. فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يعط من هذا السهم. و في العكس بالعكس.

______________________________

و كيف كان فمقتضى هذا الوجه أيضا على فرض صحته و اعتباره جواز الارتجاع أيضا كما هو واضح. هذا.

و اعلم أن صاحب الجواهر بعد ما اختار في المسألة جواز الارتجاع خلافا للشيخ قال: «نعم الظاهر الاجتزاء عن الزكاة لحصول الامتثال بالدفع إليه، و لكن إذا تمكن من الارتجاع ارتجعه حسبة، كما تقدم تحقيق ذلك في المكاتب في نحو الفرض.» «1»

أقول: الزكاة أمانة في يد المالك فإن تلفت بغير تفريط منه لم يضمن، و إن تلفت بتفريط ضمن، و كذا إذا أتلفها. و إن دفعها إلى غير أهلها جهلا ففيه شقوق مختلفة يثبت في بعضها الضمان. و قد مرّ تفصيل المسألة في المسألة الثالثة عشرة من هذا الفصل، فراجع. «2» و كيف كان ففي صورة وجوب الارتجاع إن سامح في ارتجاعه صار هذا

أيضا موجبا للضمان، لأنه نحو تفريط منه، فتدبر.

(1) كما يقتضيه ظاهر النصوص و الفتاوى؛ ففي خبر محمد بن سليمان، عن الرضا «ع»: «فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه- عزّ و جلّ- فإن كان أنفقه في معصية اللّه- عزّ و جلّ- فلا شي ء له على الإمام.» «3»

و في خبر القمي عن العالم «ع»: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 367.

(2)- راجع ج 2 ص 386 من الكتاب.

(3)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 86

[إذا لم يكن الغارم متمكّنا من الأداء حالا]

[المسألة 23]: إذا لم يكن الغارم متمكّنا من الأداء حالا و تمكّن بعد حين، كأن يكون له غلّة لم يبلغ أوانها، أو دين مؤجّل يحلّ أجله بعد مدّة ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال، و إن كان الأقوى عدم الجواز (1) مع عدم المطالبة من الدائن، أو إمكان الاستقراض و الوفاء من محلّ آخر ثمّ قضائه بعد التمكّن.

______________________________

في طاعة اللّه من غير إسراف. الحديث.» «1»

(1) يظهر حكم المسألة مما مرّ في المسألة الثامنة عشرة، حيث قلنا إن الملاك عدّ الشخص عاجزا عن أداء دينه عرفا، فإن كانت المدّة التي يتمكن فيها من الأداء طويلة عرفا بالنسبة إلى الدين بحيث يعدّ التمكن فيها كالعدم و إن لم يكن الدائن مطالبا، أو كان الدائن مصرّا على المطالبة و لا يمكن الاستمهال و لا الاستدانة من الغير لأدائه جاز الإعطاء، و إلّا فلا.

و يدل على ذلك قوله «ع» في ذيل صحيحة زرارة السابقة: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «2»

و الملاك القدرة

العرفية بحسب شرائط الحياة لا القدرة العقلية، كما ربما يشهد بذلك موثقة سماعة «3» الآتية في المسألة التالية، فلو كان يقدر على الأداء ببيع داره المسكونة أو متاع داره المحتاج إليه أو بالتصدي للأعمال الصعبة غير المناسبة لحاله أو شأنه جاز إعطاؤه حينئذ.

و بالجملة، فالملاك قدرة الأداء بنحو لا ينهدم به أساس حياته و إعاشته، فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(3)- الوسائل 6/ 206، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 87

[لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة]

اشارة

[المسألة 24]: لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة. بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء للدّين و يأخذها مقاصّة (1) و إن لم يقبضها المديون و لم يوكّل في قبضها، و لا يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه أو بجعلها وفاء و أخذها مقاصّة.

[بيان جواز احتساب الدين من سهم الفقراء]

______________________________

(1) قد تعرض المصنف للمسألة في المسألة الحادية عشرة من هذا الفصل و أعادها هنا ثانيا. و الأنسب ذكرها هنا.

و لعل غرضه من ذكرها هناك بيان جواز احتساب الدين من سهم الفقراء أيضا بتمليكه لما في ذمّة نفسه لما مرّ من كون الغرم من أشدّ الحاجات، و إن كان في اعتبار التمليك بالنسبة إلى الميت المديون نوع خفاء، و إنما المعتبر فيه عرفا هو الإبراء أو أداء دينه.

و الظاهر كون الغارمين في الآية الشريفة معطوفا على الرقاب، فلوحظ فيه المصرفية لا التمليك بخلاف الفقراء و المساكين المذكورين مع لام الملك. و احتمال عطف الغارمين على الفقراء بعيد.

بل يمكن أن يقال: إن كون الزكاة ملكا لعنوان الفقراء و المساكين لا يستلزم التمليك للفرد في مقام الأداء بل يكفي الصرف فيهما أيضا كما في الغارمين. هذا.

[الاحتساب و المقاصة]

و المصنف ذكر هنا الاحتساب و الوفاء و المقاصة، و ظاهره اتحاد الوفاء و المقاصّة.

و الظاهر أن المراد باحتساب الدين زكاة جعل ما في ذمّته، المديون زكاة من باب القيمة و ملكا للمديون و يترتب على ذلك قهرا براءة ذمّته، و قد ثبت في محلّه جواز أداء القيمة.

و الظاهر من الوفاء أن المزكّي يعطي الزكاة للدائن وفاء لدين المديون، ففي المقام كأنه يعطي الزكاة لنفسه و يأخذها وفاء لماله على المديون كما قد يعطيها لغيره وفاء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 88

..........

______________________________

لماله على مديونه، و يدل على صحته الآية الشريفة و الأخبار المستفيضة الآتية.

و المراد بالمقاصّة على ما يظهر من المسالك: أن يعين الدائن بعض ماله للزكاة و يجعلها ملكا للمديون ثم يأخذها منه لنفسه عوضا عما له عليه. قال فيه: «و لو كانت الزكاة على صاحب الدين قاصّ بها

المديون بأن يحتسبها عليه و يأخذها مقاصّة من دينه.» «1»

و على هذا فالمقاصّة غير الاحتساب و غير الوفاء، و يظهر من المصنف تحقق المقاصة بعد الوفاء مع أنه لا معنى لها حينئذ. و في إطلاق المقاصة على نفس الوفاء مسامحة واضحة.

و في المدارك فسّر المقاصّة بما ينطبق على ما ذكرناه في معنى الاحتساب، قال:

«المراد بالمقاصّة هنا القصد إلى إسقاط ما في ذمّة الفقير للمزكّي من الدين على وجه الزكاة.» «2» ثم ذكر كلام الشهيد في المسالك و استبعده. و لعلّ وجه استبعاده الإشكال في صحّته لعدم قبول المديون و عدم قبضه و عدم ثبوت ولاية للدائن عليه في ذلك. ثم المقاصّة لا تجوز إلّا مع استنكاف المديون و عدم إمكان إجباره.

و في المستمسك «3» أجاب عن الاستبعاد المزبور بأنه لا مجال لذلك بعد ورود النص المعتبر به و اتفاق الأصحاب ظاهرا عليه. و مراده بالنص المعتبر موثقة سماعة الآتية.

أقول: يمكن أن يردّ هذا بوقوع الترديد في الموثقة مع احتمال كونه من الراوي، و عدم إحراز إرادة الأصحاب بالمقاصة هنا ذلك، بل لعلهم أرادوا بها ما مرّ في معنى الاحتساب كما في المدارك و هو المذكور في أكثر أخبار الباب، و لعله

______________________________

(1)- المسالك 1/ 60.

(2)- المدارك/ 317.

(3)- المستمسك 9/ 263.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 89

..........

______________________________

الظاهر من عبارة المحقق في المعتبر أيضا، حيث قال: «و يجوز أن يقضى الدين عن الحيّ و أن يقاصّ بما عليه للمزكّي.» «1»

و لعلّ إطلاق المقاصة على الاحتساب يكون بملاحظة أن الزكاة للفقراء و المساكين و الغارمين، و شخص الغارم حيث يكون منهم فكأن الزكاة له فصاحب الدين يستخلص منه دينه بسبب الزكاة التي شرّعت له. هذا.

[المذكور في أكثر الأخبار الاحتساب، و في أكثر كلمات الأصحاب المقاصّة]

و المذكور في

أكثر أخبار المسألة الاحتساب، و في أكثر كلمات الأصحاب المقاصّة:

1- قال الصدوق في الفقيه: «فإن أحببت أن تقدّم من زكاة مالك شيئا تفرّج به عن مؤمن فاجعله دينا عليه، فإذا حلّت عليك فاحسبها له زكاة ليحسب لك من زكاة مالك و يكتب لك أجر القرض ... و إن كان لك على رجل مال و لم يتهيأ لك قضاؤه فاحسبه من الزكاة إن شئت.» «2»

و ذكر نحو ذلك في المقنع أيضا. «3» و ذكر نحوه في فقه الرضا أيضا. «4»

و المظنون أخذ الفقيه و المقنع من فقه الرضا، و قد قوينا كونه رسالة أبيه على ما مرّ منا مرارا.

2- و قال الشيخ في النهاية: «و إذا كان على إنسان دين و لا يقدر على قضائه و هو مستحق لها، جاز لك أن تقاصّه من الزكاة، و كذلك إن كان الدين على ميت جاز لك أن تقاصّه منها.» «5»

______________________________

(1)- المعتبر/ 280.

(2)- الفقيه 2/ 10 (- طبعة أخرى 2/ 18 و 19)، الباب 5 من أبواب الزكاة، بعد الحديث 4 و 6.

(3)- الجوامع الفقهية/ 14.

(4)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 198).

(5)- النهاية/ 188.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 90

..........

______________________________

3- و في الشرائع: «و لو كان للمالك دين على الفقير جاز أن يقاصّه، و كذا لو كان الغارم ميتا جاز أن يقضى عنه و أن يقاصّ. و كذا لو كان الدين على من يجب نفقته جاز أن يقضى عنه حيّا أو ميتا و أن يقاصّ.» «1»

4- قال في المدارك: «و هذا الحكم أعني جواز مقاصّة المديون بما عليه من الزكاة مقطوع به في كلام الأصحاب، بل ظاهر المصنف في المعتبر و العلامة في التذكرة و المنتهى أنه لا

خلاف فيه بين العلماء.» «2»

أقول: إن أراد بالعلماء علماء السنة فالظاهر أن المسألة عندهم خلافية، كما سيظهر لك في آخر المسألة.

فالصدوق ذكر الاحتساب و الشيخ و المحقق ذكرا المقاصة. و قد عرفت من المدارك تفسير المقاصة بالاحتساب.

و أما الأخبار فعمدتها وردت في الاحتساب:

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن الأول «ع» عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به من الزكاة؟ قال: نعم. «3»

2- خبر عقبة بن خالد، قال: دخلت أنا و المعلّى و عثمان بن عمران على أبي عبد اللّه «ع»، فلما رآنا قال: «مرحبا مرحبا بكم، وجوه تحبّنا و نحبّها، جعلكم اللّه معنا في الدنيا و الآخرة.» فقال له عثمان: جعلت فداك. فقال له أبو عبد اللّه «ع»: نعم، مه؟ قال: إني رجل موسر. فقال له: بارك اللّه لك في يسارك.

قال: و يجي ء الرجل فيسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي؟ فقال له

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

(2)- المدارك/ 317.

(3)- الوسائل 6/ 206، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 91

..........

______________________________

ابو عبد اللّه «ع»: القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة؟ يا عثمان، لا تردّه فإن ردّه عند اللّه عظيم. الحديث.» «1»

3- مرسلة الصدوق، قال: و قال الصادق «ع»: «نعم الشي ء القرض، إن أيسر قضاك و إن أعسر حسبته من الزكاة.» «2»

4- خبر إبراهيم بن السندي عن يونس بن عمار، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «قرض

المؤمن غنيمة و تعجيل أجر (خير خ. ل)، إن أيسر قضاك و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة.» «3»

5- خبر ابراهيم بن السندي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير، إن أيسر أدّى و إن مات احتسب من زكاته.» «4»

و من المحتمل اتحاد الخبرين و سقوط يونس من سند الثاني.

6- خبر هيثم الصيرفي و غيره عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «القرض الواحد بثمانية عشر، و إن مات احتسب بها من الزكاة.» «5»

و الأخبار الثلاثة الأول في المديون الحي و الثلاثة الأخيرة في المديون الميت.

و أما ما يمكن أن يستدل به للمقاصّة بالمعنى الذي اخترناه تبعا للمسالك فهو موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة. فقال: «إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه

______________________________

(1)- الكافي 4/ 34، كتاب الزكاة، باب القرض، الحديث 4؛ و الوسائل 6/ 209.

(2)- الوسائل 6/ 211، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 16.

(3)- الوسائل 6/ 208، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(4)- الوسائل 6/ 209، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 92

..........

______________________________

من دين من عرض من دار أو متاع من متاع البيت أو يعالج عملا يتقلب فيها بوجهه فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها. فإن لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا فيعطيه من زكاته و

لا يقاصّه بشي ء من الزكاة.» «1»

و التفصيل المذكور في الحديث حملوه على الاستحباب، و إن كان قابلا للمناقشة إذ ذمّة الشخص الفاقد لكل شي ء لا اعتبار له و لا قيمة له عند العقلاء حتى تحسب زكاة، اللّهم إلّا أن ينقض ذلك بذمة الميت مع جواز احتسابها زكاة بلا إشكال كما مرّ. هذا.

و قالوا في المقام: ظاهر الرواية جواز أن يجعل ما عنده من الزكاة ملكا للفقير ثم يؤخذ مقاصة عن الدين، و على هذا فلا وقع لما أورد على ذلك من عدم قبول المديون و عدم قبضه و عدم ثبوت ولاية للدائن عليه في ذلك.

و لكن هنا أمر و هو أن الترديد بين المقاصّة و الاحتساب لو كان من الراوي أشكل الاستدلال حينئذ، إذ لعلّ اللفظ الصادر عن الإمام «ع» هو قوله: «أو يحتسب بها»، و يراد به احتساب الدين الذي في ذمّة الغارم بعنوان الزكاة، و تكون الباء في «بها» للسبب. اللّهم إلّا أن يقال: أولا أن كون الترديد هنا من الراوي بعيد جدّا، و ثانيا يمكن أن يكون المراد بقوله: «يحتسب بها» أيضا احتساب الزكاة التي عنده عوضا عن الدين، فيصير عبارة أخرى عن المقاصة بالمعنى الذي ذكرناه، فتدبر. هذا.

و لكن الأحوط احتساب الدين زكاة من باب القيمة أو احتساب ما عنده من الزكاة وفاء للدين، كما إذا كان الدين للغير، إذ لا يعتبر في وفاء الدين إذن المديون.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 206، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 93

..........

______________________________

و يشكل المقاصّة إلا أن يوكّله الغارم في أخذ الزكاة و قبضها عنه، فيجوز له حينئذ أخذها مقاصة إن امتنع الغارم من أداء الدين و استنكف و لم

يمكن إجباره.

[لا إشكال عندنا في جواز الاحتساب]

و كيف كان فلا إشكال عندنا في جواز الاحتساب، و يدل عليه إطلاق الآية الشريفة و الأخبار المستفيضة التي مرّت.

و لكن يظهر من بعض فقهاء السنة الإشكال في ذلك:

ففي شرح المقنع لابن قدامة: «و كذلك يجوز للرجل دفع زكاته إلى غريمه لأنه من جملة الغارمين، فإن ردّه إليه الغارم فله أخذه. نصّ عليه أحمد في رواية مهنّا، لأن الغريم قد ملكه بالأخذ، أشبه ما لو وفاه من مال آخر. و إن أسقط الدين عن الغريم و حسبه زكاة لم تسقط عنه الزكاة، لأنه مأمور بأدائها و هذا إسقاط.

قال مهنّا: سألت أبا عبد اللّه عن رجل له على رجل دين برهن و ليس عنده قضاؤه و لهذا الرجل زكاة مال يريد أن يفرقها على المساكين فيدفع إليه رهنه و يقول له: الدين الذي عليك هو لك، يحسبه من زكاة ماله؟ قال: لا يجزئه ذلك. فقلت له:

فيدفع إليه زكاته فإن ردّه إليه قضاء من ماله له أخذه؟ قال: نعم. و قال في موضع آخر: و قيل له: فإن أعطاه ثم رده إليه؟ قال: إذا كان بحيلة فلا يعجبني. قيل له: فإن استقرض الذي عليه الدين دراهم فقضاه إياها ثم ردّها عليه و حسبها من الزكاة؟

قال: إذا أراد بهذا إحياء ماله فلا يجوز. فحصل من كلامه أن دفع الزكاة الى الغريم جائز سواء دفعها ابتداء أو استوفى حقه ثم دفع ما استوفاه إليه، إلا أنه متى قصد بالدفع إحياء ماله و استيفاء دينه لم يجز لأن الزكاة لحقّ اللّه- تعالى- فلا يجوز صرفها إلى نفعه.» «1»

أقول: و راجع المسألة في التذكرة. «2»

______________________________

(1)- ذيل «المغني» 2/ 709.

(2)- التذكرة 1/ 242.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 94

[لو كان الدين لغير من عليه الزكاة]

[المسألة 25]: لو

كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما عنده منها و لو بدون اطّلاع الغارم (1).

______________________________

(1) قد تطابقت نصوصنا و فتاوى أصحابنا على ذلك و لا فرق بين أن يكون المديون حيا أو ميتا:

1- قال في النهاية: «و إن كان على أخيك المؤمن دين و قد مات جاز لك أن تقضي عنه من الزكاة.» «1»

2- و مرّ عن الشرائع قوله: «و كذا لو كان الغارم ميتا جاز أن يقضى عنه و أن يقاصّ. و كذا لو كان الدين على من يجب نفقته جاز أن يقضى عنه حيا أو ميتا و أن يقاصّ.» «2»

و الأخبار الواردة بعضها يعم الحيّ و الميت، و لكن أكثرها وردت في الميت:

فمن الأول:

1- مرسل القميّ عن العالم «ع»، قال: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات.» «3»

2- و مرّ في خبر محمد بن سليمان عن الرضا «ع» في حدّ إنظار المعسر قوله:

«نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضى عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين. الحديث.» «4»

3- و في المرسل عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «الإمام يقضي عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النساء.» «5»

______________________________

(1)- النهاية/ 188.

(2)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

(3)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(4)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

(5)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 95

..........

______________________________

نعم المذكور في هذه الأخبار قضاء الإمام لا قضاء المالك، و لكن

الظاهر عدم الفرق بينهما بعد إجازة القضاء للمالك. و مفاد الآية الشريفة صرف الزكاة في الغارمين لا الأداء إليهم، فيعمّ القضاء عنهم أيضا.

و مما ورد في القضاء عن الميت:

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن «ع» عن رجل عارف فاضل توفّي و ترك عليه دينا قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال: نعم. «1»

2- و صحيحة زرارة أو حسنته، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال:

«إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته. و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه. فإذا أدّاها في دين أبيه على هذا الحال أجزأت عنه.» «2»

3- و في رواية صباح بن سيّابة عن رسول اللّه «ص»: «أيما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه. الحديث.» «3»

4- و في رواية موسى بن بكر: «فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه.

الحديث.» «4»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال.

و يظهر من بعض فقهاء السنة الترديد في جواز القضاء عنه حيّا أو ميّتا:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 205، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية

...، الحديث 7.

(4)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 96

..........

______________________________

قال في المغني: «و إذا أراد الرجل دفع زكاته إلى الغارم فله أن يسلّمها إليه ليدفعها إلى غريمه، و إن أحبّ أن يدفعها إلى غريمه قضاء عن دينه فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما يجوز ذلك ... و الثانية لا يجوز دفعها إلى الغريم. قال أحمد: أحبّ إليّ أن يدفعه إليه حتى يقضي هو عن نفسه. قيل: هو محتاج يخاف أن يدفعه إليه فيأكله و لا يقضي دينه؟ قال: فقل له: يوكّله حتى يقضيه ...

و يحتمل أن يحمل هذا على الاستحباب و يكون قضاؤه عنه جائزا. و إن كان دافع الزكاة الإمام جاز أن يقضي بها دينه من غير توكيله، لأن للإمام ولاية عليه في إيفاء الدين.» «1»

و قال الدكتور يوسف القرضاوي في فقه الزكاة: «بقي هنا سؤال: هل يجوز أن يقضى دين الميت من الزكاة كما يقضى دين الحيّ؟ ذكر الإمام النووي في ذلك وجهين في مذهب الشافعي: أحدهما: لا يجوز، قال: و هو قول الصيمري و مذهب النخعي و أبي حنيفة و أحمد. و الثاني يجوز لعموم الآية و لأنه يصحّ التبرع بقضاء دينه كالحيّ، و به قال أبو ثور. و كذلك روي عن أحمد أنّه لا يجوز دفع الزكاة في قضاء دين الميت لأن الغارم هو الميت، و لا يمكن الدفع إليه. و إن دفعها إلى غريمه و هو الدائن صار الدفع إلى الغريم لا إلى الغارم. و القول الثانى يجوز لعموم الآية و هي تشمل كل غارم حيا كان أو ميتا، و لأنه يصحّ التبرع بقضاء دينه كالحيّ، و به قال مالك

و أبو ثور ...» «2»

أقول: قد مرّ أن الغارمين في الآية الشريفة معطوف على الرقاب فيدخل عليه «في» و لوحظ مصرفا، و احتمال عطفه على الفقراء بعيد. و أخبارنا الواردة عن العترة الطاهرة بحمد اللّه وافية بالمقصود، إذ يظهر منها جواز القضاء عن الغارم حيا و ميتا كما مرّ. و إطلاقها يدلّ على عدم وجوب إعلام الغارم و لا الاستيذان منه

______________________________

(1)- المغني 7/ 325.

(2)- فقه الزكاة 2/ 632.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 97

[لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة]

[المسألة 26]: لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه أو الوفاء عنه (1)، و إن لم يجز إعطاؤه لنفقته.

______________________________

و لا سيما بعد عدم تصورهما بالنسبة إلى الميت.

ثم إن دين الميّت إنما يقضى من الزكاة إذا لم تكن له تركة تفي بدينه و إلّا فلا.

و يدل على ذلك مضافا إلى وضوحه صحيحة زرارة التي مضت آنفا. و قد مرّ منا تفصيل المسألة في المسألة الحادية عشرة من هذا الفصل فراجع. «1»

(1) في النهاية: «و كذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك جاز لك أن تقضيه عنهم من الزكاة.» «2»

و مرّ عن الشرائع قوله: «و كذا لو كان الدين على من يجب نفقته جاز أن يقضي عنه حيّا أو ميتا و أن يقاصّ.» «3»

و في الجواهر: «بلا خلاف بل و لا إشكال، ضرورة كونه كالأجنبي بالنسبة إلى وفاء الدين فتشمله الأدلة، بل لعل ظاهر المعتبر و التذكرة و المنتهى أنه موضع وفاق.» «4»

أقول: و يدل على ذلك مضافا إلى ذلك ما مرّ من صحيحة زرارة في رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين. و كذلك موثقة إسحاق بن

عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة، أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟

قال: نعم، و من أحق من أبيه.» «5»

و احتمال اختصاص الحكم بالأب ضعيف بعد اشتراكه مع غيره في وجوب الإنفاق عليه.

______________________________

(1)- راجع ج 2 ص 370 من الكتاب.

(2)- النهاية/ 188.

(3)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 122).

(4)- الجواهر 15/ 366.

(5)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 98

[إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة]

[المسألة 27]: إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة جاز له إحالته على الغارم (1)، ثمّ يحسب عليه. بل يجوز له أن يحسب ما على الديّان وفاء عمّا في ذمّة الغارم (2)، و إن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد الإحالة.

______________________________

و لا ينافي ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأمّ و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك أنهم عياله لازمون له.» «1»

و المرفوعة عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك، لأنه يجبر على النفقة عليهم.» «2» و غيرهما مما وردت في هذا المجال.

إذا المقصود عدم إعطائهم للنفقة الواجبة، بقرينة التعليل الوارد في ذيل الخبرين، و لا يجب أداء دين واجب النفقة اتفاقا.

(1) يعني جاز للديان إحالة من عليه الزكاة على الغارم ثم يحسب من عليه الزكاة على الغارم، حيث إن الغارم بعد الحوالة عليه يصير مديونا لمن عليه الزكاة. و الوجه في ذلك إطلاقات أدلة الحوالة و إطلاق روايات الاحتساب التي مرّت.

(2) في الجواهر عن كشف الغطاء: «و

لو كان له على الديان دين جاز له الاحتساب من الزكاة و إسقاط ما على المدين.» ثم قال صاحب الجواهر: «و هو كذلك إذا كان قد حوّله به أو أذن له في احتسابه على جهة الوفاء له عما عليه، بل له احتساب ما على الديان وفاء له عمّا له في ذمة الفقير.» «3»

أقول: فالشقوق المتصورة ثلاثة:

الأول: أن يحيل الديان من عليه الزكاة على الغارم، فيصير ما في ذمة الغارم

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 165، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 166، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الجواهر 15/ 364- 365.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 99

[لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعا لمصلحة]

[المسألة 28]: لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعا لمصلحة مقتضية لذلك (1) مع عدم تمكّنه من الأداء و إن كان قادرا على قوت سنته يجوز الإعطاء من هذا السهم، و إن كان المضمون عنه غنيّا (2).

______________________________

لمن عليه الزكاة فيجعله زكاة للغارم فتبرأ ذمة المحيل بالإحالة و ذمة المحال و المحال عليه بقصد الزكاة.

الثاني: أن يأذن الديان لمن عليه الزكاة في احتساب ما في ذمة الغارم زكاة عوضا عما في ذمة الديان لمن عليه الزكاة.

الثالث: أن يحتسب من عليه الزكاة ما له في ذمة الديان زكاة و يجعله وفاء لما في ذمة الفقير للديان.

و الظاهر صحة الشقوق الثلاثة بعد جواز أداء الزكاة بالقيمة و لو بما في الذمة و جعل الاحتساب بمنزلة الأداء و الوفاء على ما هو المستفاد من أخبار الاحتساب، فتدبّر.

(1) يكفي أن لا يكون الضمان لما صرف في المعصية و أن لا يعدّ سرفا.

(2) إذا ضمن مالا عن غيره فلا يخلو إما أن يكون الضامن و المضمون عنه موسرين، أو

معسرين أو أحدهما موسرا و الأخر معسرا، و الضمان إما أن يقع بالإذن أو يقع تبرعا فالصور ثمان:

1- فإن كانا معا موسرين فلا يجوز إعطاء سهم الغارم لا للضامن و لا للمضمون عنه، سواء كان الضمان بالإذن أو وقع تبرعا، أما مع الإذن فواضح لرجوع الضامن إلي المضمون عنه و هو متمكن.

و أما مع عدم الإذن فلتمكن الضامن من الأداء و كون الضمان لمصلحة خاصة لا يوجب قياسه بالاستدانة لإصلاح ذات البين، إذ المصلحة هنا جزئية، اللهم إلا أن يكون المورد من الموارد العامة الاجتماعية، فيصير من مصاديق المسألة الآتية.

2- و إن كانا معا معسرين جاز الإعطاء لكل واحد منهما أما للضامن فمطلقا لكونه غارما عاجزا عن الأداء، و جواز الرجوع في صورة الإذن إنما يكون مع يسار

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 100

[لو استدان لإصلاح ذات البين]

[المسألة 29]: لو استدان لإصلاح ذات البين، كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله و كاد أن تقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل فإن لم يتمكّن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم. و كذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامّة. و أمّا لو تمكّن من الأداء فمشكل (1).

______________________________

المضمون عنه لا مع إعساره.

و أما للمضمون عنه فيجوز في صورة الإذن، لصدق الغارم المعسر عليه.

اللّهم إلا أن يناقش في صدق الغارم عليه فعلا، لعدم جواز الرجوع إليه إلّا بعد الدفع إلى المضمون له.

و أما في صورة التبرع فلا يجوز من هذا السهم، لعدم كونه مديونا لا للدائن لانتقال الدين بالضمان و لا للضامن لكونه تبرعا.

3- و إن كان الضامن معسرا دون المضمون عنه فلا يجوز الإعطاء للمضمون عنه بلا إشكال.

و أما للضامن فإن كان الضمان بالإذن لم يجز

الإعطاء لرجوعه إلى المضمون عنه و هو متمكن، و إن كان تبرعا جاز لعدم جواز الرجوع فيه.

و احتمال العدم كما عن التحرير لعود النفع إلى المضمون عنه ضعيف كما في الجواهر. «1»

4- و إن كان المضمون عنه معسرا دون الضامن فمع عدم الإذن فيه لا يجوز الدفع لا إلى الضامن و لا إلى المضمون عنه. أما الأول فلعدم فقره، و أما الثاني فلعدم غرمه. و مع الإذن يجوز الدفع إلى المضمون عنه لإعساره لا إلى الضامن لتمكنه و لرجوعه إلى المضمون عنه، فتأمّل.

(1) 1- في الخلاف (المسألة 23 من كتاب قسمة الصدقات): «خمسة أصناف

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 362.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 101

..........

______________________________

من أهل الصدقات لا يعطون إلا مع الفقر بلا خلاف، و هم الفقراء و المساكين و الرقاب و الغارم في مصلحة نفسه ... و الغارم لمصلحة ذات البين و الغازي لا يعطى إلّا مع الحاجة عند أبي حنيفة. و عند الشافعي يعطى مع الفقر و الغنى، و هو الصحيح، و ابن السبيل المجتاز يعطى مع الغنى في بلده بلا خلاف. دليلنا إجماع الفرقة. و عموم الآية يتناول أن يستحقوا مع الغنى و الفقر، و إنما أخرجنا بعضهم بدليل.» «1»

2- و في المبسوط: «و أما الغارمون فصنفان: صنف استدانوا في مصلحتهم و معروف في غير معصية ثم عجزوا عن أدائه، فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين بلا خلاف. و قد ألحق بهذا قوم ادّانوا مالا في دم، بأن وجد قتيل لا يدرى من قتله و كاد أن تقع بسببه فتنة، فتحمل رجل ديته لأهل القتيل فهؤلاء أيضا يعطون، أغنياء كانوا أو فقراء، لقوله «ص»: «لا تحل الصدقة لغني إلّا لخمس: غاز في سبيل اللّه

أو عامل عليها أو غارم.»

و ألحق به أيضا قوم تحملوا في ضمان مال بأن يتلف مال الرجل و لا يدرى من (أين) أتلفه و كاد أن يقع بسببه فتنة فتحمل رجل قيمته و أطفأ الفتنة.» «2»

3- و في التذكرة: «الغارمون صنفان: أحدهما: من استدان في مصلحته و نفقته ...

الثاني: من تحمل حمالة لإطفاء الفتنة و سكون نائرة الحرب بين المتقاتلين و إصلاح ذات البين. و هو قسمان:

أحدهما أن يكون قد وقع بين طائفتين فتنة لقتل وجد بينهما فيتحمل رجل ديته لإصلاح ذات البين، فهذا يدفع اليه من الصدقة ليؤدي ذلك لقوله- تعالى-:

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 101

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 352.

(2)- المبسوط 1/ 251.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 102

..........

______________________________

«و الغارمين». و لا فرق بين أن يكون غنيا أو فقيرا، لقوله «ع»: «لا تحلّ الصدقة لغني إلا لخمس: غاز في سبيل اللّه أو عامل عليها أو غارم.» و لأنه إنما يقبل ضمانه و تحمله إذا كان غنيا فيه حاجة إلى ذلك مع الغناء فإن أدى ذلك من ماله فليس له أن يأخذ لأنه قد سقط عنه الغرم، و إن كان قد استدان و أدّاها جاز أن يعطى من الصدقة و يؤدي الدين لبقاء الغرم و المطالبة.

الثاني أن يكون سبب الفتنة إتلاف مال و لا يعلم من أتلفه و خشي من الفتنة، فتحمل ذلك المال حتى سكنت النائرة فإنه يدفع إليه من سهم الغارمين لصدق اسم الغرم عليه و للحاجة إلى إصلاح ذات البين و هو أصحّ وجهي الشافعية ...» «1»

4- و قال الشهيد في البيان:

«الثامنة: يجوز الدفع إلى الغارم في إصلاح ذات البين و إن كان غنيا، و كذا يجوز صرفها في إصلاح ذات البين ابتداء و لا يراعى إذن الحاكم.» «2»

أقول: و الظاهر إرادة الصرف ابتداء من سبيل الله.

5- و في أمّ الشافعي: «و الغارمون صنفان: صنف ادّانوا في مصلحتهم أو معروف و غير معصية، ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض و النقد فيعطون في غرمهم لعجزهم ...

قال: و صنف ادّانوا في حمالات و إصلاح ذات بين و معروف و لهم عروض تحمل حمالاتهم أو عامتها إن بيعت أضر ذلك بهم و إن لم يفتقروا، فيعطى هؤلاء ما يوفر عروضهم كما يعطى أهل الحاجة من الغارمين حتى يقضوا غرمهم.

أخبرنا سفيان بن عيينة، عن هارون بن رئاب، عن كنانة بن نعيم، عن

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 233.

(2)- البيان/ 198.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 103

..........

______________________________

قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: تحمّلت بحمالة فأتيت رسول اللّه «ص» فسألته فقال: «نؤديها أو نخرجها عنك غدا إذا قدم نعم الصدقة. يا قبيصة، المسألة حرمت إلا في ثلاث: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك. و رجل أصابته فاقة أو حاجة حتى شهد له أو تكلم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه أن به حاجة أو فاقة، فحلّت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك. و رجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله (فحلّت له المسألة- مسلم) حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك. و ما سوى ذلك من المسألة فهو سحت.» قال الشافعي: و بهذا نأخذ و هو معنى ما قلت في الغارمين ...» «1»

أقول: رواية قبيصة رواها مسلم بتفاوت ما في

المتن، فراجع. «2». و كذا أبو داود. «3»

قال في النهاية: «الحمالة بالفتح: ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة، مثل أن يقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدماء فيدخل بينهم رجل يتحمل ديات القتلى ليصلح ذات البين.» «4»

و فيه أيضا: «الآفة التي تهلك الثمار و الأموال و تستأصلها و كل مصيبة عظيمة و فتنة مبيرة، جائحة.» «5»

6- و في المغني لا بن قدامه: «و من الغارمين صنف يعطون مع الغنى، و هو غرم لإصلاح ذات البين، و هو أن يقع بين الحيين و أهل القريتين عداوة و ضغائن يتلف فيها نفس أو مال و يتوقف صلحهم على من يتحمل ذلك فيسعى إنسان في

______________________________

(1)- الأمّ 2/ 61 و 62.

(2)- صحيح مسلم 2/ 722، كتاب الزكاة، باب من تحلّ له المسألة، الحديث 1044.

(3)- سنن أبي داود 2/ 120 (- طبعة أخرى 1/ 381)، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة.

(4)- النهاية لابن الأثير 1/ 442.

(5)- النهاية لابن الأثير 1/ 311.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 104

..........

______________________________

الإصلاح بينهم و يتحمل الدماء التي بينهم و الأموال فيسمى ذلك حمالة بفتح الحاء. و كانت العرب تعرف ذلك، و كان الرجل منهم يتحمل الحمالة ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤدّيها، فورد الشرع بإباحة المسألة فيها و جعل له نصيبا من الصدقة، فروى قبيصة بن المخارق ... أخرجه مسلم. و روى أبو سعيد الخدري أن النبي «ص» قال: «لا تحلّ الصدقة لغني إلا لخمسة.» ذكر منها الغارم. و لأنه إنما يقبل ضمانه و تحمله إذا كان مليّا و به حاجة إلى ذلك مع الغنى، و إن أدى ذلك من ماله لم يكن له أن يأخذ لأنه قد سقط

الغرم، و إن استدان و أدّاها جاز له الأخذ لأن الغرم باق و المطالبة قائمة. و الفرق بين هذا الغرم لمصلحة نفسه أن هذا الغرم يأخذ لحاجتنا إليه لإطفاء الثائرة و إخماد الفتنة فجاز له الأخذ مع الغنى كالغازي و المؤلف و العامل، و الغارم لمصلحة نفسه يأخذ لحاجة نفسه فاعتبرت حاجته و عجزه كالفقير و المسكين.» «1»

أقول: رواية أبي سعيد الخدري قد مرّت منا في بحث اشتراط الفقر و العجز في الغارمين، رواها البيهقي عن أبي سعيد و عن عطاء بن يسار. «2» و روى مضمونها في الدعائم أيضا، كما مرّ هناك «3».

و قد ظهر لك أن الشيخ- قدس سره- أفتى في الخلاف و المبسوط، و كذا العلامة في التذكرة و الشهيد في البيان و الشافعي في الأم و ابن قدامة في المغني بأنّ الغارم لإصلاح ذات البين يعطى و إن كان غنيا. و لم نجد بهذا المضمون رواية من طرقنا، و لكن يشهد بذلك إطلاق الآية الشريفة و عمومها بعد ادّعاء انصراف ما دلّ على اعتبار الفقر و العجز من الأخبار و الإجماعات المنقولة إلى خصوص من

______________________________

(1)- المغني 7/ 324.

(2)- راجع سنن البيهقي 7/ 15، كتاب قسم الصدقات، باب العامل على الصدقة يأخذ منها بقدر عمله ...

(3)- راجع ص 52.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 105

..........

______________________________

استدان لمصلحة نفسه.

كيف؟ و أصل الإجماع في المسألة كما مرّ هو الشيخ و العلامة، و هما قد أفتيا في المقام بعدم اعتبار الفقر.

هذا مضافا إلى خبر أبي سعيد و إطلاق خبر قبيصة، فإن إطلاق الحمالة في خبر قبيصة و ترك النبي «ص» لاستفصاله يقتضيان العموم لصورة كون المتحمل غنيا أيضا.

و الحمالة كأنها صدقة عامّة و معروف اجتماعي

يتحمله الشخص الذي له شوكة اجتماعية بحسب العادة حسبة من قبل المجتمع و على عهدة بيت المال، لا من قبل نفسه و على عهدة شخصة، فتكون على عهدة المجتمع و بيت المال.

و هذا أمر عاديّ دائر في جميع المجتمعات، و استقرت السّيرة عليه في جميع الأعصار و في جميع البلدان، بل ربما يجب ذلك كفاية على من له قدرة عليه، و لو لا ذلك لبقيت المخاصمات و المنازعات في المجتمعات. و لو جعلت على عهدة الشخص نفسه لم يتحمل أحد حمالة إلا أقل قليل. فالمصلحة تقتضي كون ثقل الحمالة على عهدة المجتمع و بيت مالهم. فوزانها وزان كون جناية الصغير و المجنون على عهدة العاقلة. و كذا دية قتل الخطأ.

و قد عقد في الوسائل بابا بعنوان «أنه إذا وجد قتيل في زحام و نحوه لا يدرى قتله فديته من بيت المال» و ذكر فيه خمس روايات فيها نحو شهادة على ما ذكرناه، فراجع. «1»

و ما ذكره العلامة و كذا ابن قدامة من أنه لو أدّى ذلك من ماله فليس له أن يأخذ يمكن منع إطلاقه، إذ من الممكن أداؤه من ماله لا بقصد التبرّع بل بعنوان

______________________________

(1)- راجع الوسائل 19/ 109- 110.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 106

..........

______________________________

الدين على المجتمع و بيت المال فيجوز له حينئذ مطالبته.

اللّهم إلا أن يناقش في صدق عنوان الغارم عليه. هذا.

و لكن في مصباح الفقيه ما ملخصه: «أما جواز صرفها ابتداء في اصلاح ذات البين من سهم سبيل اللّه بناء على شموله لمطلق القربات فمما لا إشكال فيه. و أما جواز صرفها إلي الغني الذي تحمّل دية أو مالا تألفا لإصلاح ذات البين ففي غاية الإشكال، اللهم إلّا أن يكون

تولّيه لهذا الفعل بقصد استيفاء المال من وجوه الصدقات و قلنا بأن له الولاية على ذلك من باب الحسبة كما ليس بالبعيد فيجوز حينئذ استيفاؤه من سهم سبيل اللّه.

و أما لو كان غرضه من أول الأمر الأداء من ماله تبرعا فالتزم بذلك فلم يؤدّها بعد أو استدان فأدّاها أشكل إدراجه في الأصناف المستحقين للزكاة.

و الاستدلال له بعموم الآية الشريفة مدفوع بما تقدمت الإشارة اليه من أن المتعين صرف إطلاقه لو لم نقل بانصرافه في حدّ ذاته إلى المحتاجين في أداء دينهم إلى تناول الصدقات. و أما الرواية المزبورة (رواية أبي سعيد الخدري) فهي غير ثابتة من طرقنا، و الذي ورد من طرقنا أنه لا تحل الصدقة لغني و لا لمحترف سويّ، من غير استثناء فلاحظ.» «1»

أقول: فهو- قدّس سرّه- صحّح في مورد البحث الاستيفاء من سهم سبيل اللّه، و ظاهره المنع من سهم الغارمين، مع أنه لو تحمل أو استدان لا بقصد نفسه بل بقصد المجتمع حسبة و قلنا بأن له الولاية على ذلك كما هو محل البحث فلم لا يجوز من سهم الغارمين مع تحقق الغرم؟! و كونه غنيا لا يقتضي تحمّله خسارات المجتمع.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 100.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 107

نعم لا يبعد جواز الإعطاء من سهم سبيل اللّه و إن كان لا يخلو عن إشكال أيضا (1)، إلّا إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك.

______________________________

و أما ما ذكره من المنع في صورة كون الغرض من أول الأمر الأداء من ماله تبرعا فالظاهر صحته و ليس هذا محلا للبحث.

(1) قال في المستمسك: «و الذي يظهر بالتأمّل في كلام الشيخ و أتباعه: أن بناءهم على الجواز من باب سهم سبيل اللّه، و إن

كان المذكور في عباراتهم الغارم.» «1»

أقول: لا أدري من أين ظهر له ذلك مع تصريحهم بأن الغارم صنفان و بحثهم كان في سهم الغارمين.

و كيف كان فلا مانع من الإعطاء من سهم سبيل اللّه أيضا إن قلنا بعمومه لكل قربة و لم يقصد المستدين أداءه من ماله تبرعا بل استدان على الصدقات، و لا سيما إذا استدان على هذا السهم لولايته على ذلك بما أنه إمام أو نائب عنه أو بما أنه من عدول المؤمنين يتصدى لذلك حسبة.

و هذا ما أشار إليه المصنف في ذيل كلامه. فما قد يقال من أن تحمل الأمر القربي و الاستدانة له لا يوجب كون أداء دينه أيضا قربيا لأنه أداء لدين الشخص، مدفوع بأن المفروض استدانة الشخص لا على نفسه بل على المجتمع و على سهم سبيل اللّه. فكما يجوز صرف هذا السهم ابتداء في إصلاح ذات البين كذلك يجوز أداء ما استدين عليه أيضا منه، فتدبر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 266.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 108

7- سبيل اللّه

اشارة

السابع: سبيل اللّه، و هو جميع سبل الخير (1) كبناء القناطر و المدارس و الخانات و المساجد و تعميرها، و تخليص المؤمنين من يد الظالمين و نحو ذلك من المصالح كإصلاح ذات البين، و رفع وقوع الشرور و الفتن بين المسلمين. و كذا إعانة الحجّاج و الزائرين، و إكرام العلماء و المشتغلين.

______________________________

(1) أصل الحكم إجمالا مما لا إشكال فيه. و يدل عليه نصّ الكتاب العزيز و السنة القطعية و إجماع المسلمين.

و إنما الخلاف في المقصود من سبيل اللّه: فالمشهور بين فقهاء السنة أن المراد به الجهاد، و به قال بعض أصحابنا أيضا. و لكن الأكثر منّا بل المشهور فسّروه بمطلق سبل الخير، و

ادّعى في الخلاف و الانتصار و الغنية عليه الإجماع: و هنا احتمال ثالث يأتي بيانه، و هو أن يكون المراد به المصالح العامّة الواقعة في طريق تشييد مباني الدين.

[كلمات الأصحاب في معنى سبيل اللّه]

1- قال الشيخ في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 21): «سبيل اللّه يدخل فيه الغزاة في الجهاد و الحاج و قضاء الديون عن الأموات و بناء القناطر

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 109

..........

______________________________

و جميع المصالح. و قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك: إنه يختص المجاهدين.

و قال أحمد: سبيل اللّه هو الحج، فيصرف ثمن الصدقة في الحج. دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا قوله- تعالى-: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» فإنه يدخل فيه جميع ذلك لأن المصالح من سبيل اللّه.» «1»

أقول: ظاهر كلامه أن أحمد حصر سبيل اللّه في الحج و ليس كذلك، بل هو في رواية عنه أجاز الصرف في الحج أيضا كما يأتي.

2- و قال في المبسوط: «و أما سبيل اللّه فإنه يدخل فيه الغزاة في سبيل اللّه المطوّعة الذين ليسوا بمرابطين، لأن المرابطين و أصحاب الديوان لهم سهم من الغنائم و الفي ء دون الصدقات، و لو حمل على الكل لعموم الآية كان قويا. و يدخل في سبيل اللّه معونة الحاج و قضاء الديون عن الحي و الميت و جميع سبل الخير و المصالح ... و يدخل فيه معونة الزوار و الحجيج و عمارة المساجد و المشاهد و إصلاح القناطر و غير ذلك من المصالح.» «2»

3- و قال في الاقتصاد: «و في سبيل اللّه هو الجهاد، و يدخل فيه جميع مصالح المسلمين.» «3»

4- و قال علم الهدى في الانتصار: «و مما انفردت به الإمامية القول بأن الزكاة يجوز أن يكفن منها الموتى و يقضى

بها الدين عن الميت، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك كله. و الحجة لأصحابنا مضافا إلى إجماعهم قوله- تعالى-:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ...» و معنى في سبيل اللّه الطريق إلى ثوابه و الوصلة إلى التقرب إليه ... و قد روى مخالفونا عن ابن عمر أن رجلا أوصى بماله

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 352.

(2)- المبسوط 1/ 252.

(3)- الاقتصاد/ 282.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 110

..........

______________________________

في سبيل اللّه، فقال ابن عمر: إن الحج من سبيل اللّه فاجعلوه فيه. و روي عن النبي «ص» أنه قال: الحج و العمرة من سبيل اللّه.» «1»

5- و في المهذب لابن البراج: و أما سبيل اللّه فهو الجهاد و ما فيه صلاح للمسلمين مثل عمارة الجسور و القناطر و ما جرى مجرى ذلك.» «2»

6- و في الغنية: «و أما سبيل اللّه فالجهاد بلا خلاف، و عندنا أنه يجوز صرفها فيما عدا ذلك مما فيه مصلحة للمسلمين كعمارة الجسور و السيل و في الحج و العمرة و تكفين أموات المؤمنين و قضاء ديونهم، للإجماع المشار إليه، و لاقتضاء ظاهر الآية لأن سبيل اللّه هو الطريق إلى ثوابه و ما أفاد التقرب إليه.» «3»

7- و في المجمع: «و هو الجهاد بلا خلاف، و يدخل فيه عند أصحابنا جميع مصالح المسلمين، و هو قول ابن عمر و عطاء و هو اختيار البلخي و جعفر بن مبشّر، قالوا يبنى منه المساجد و القناطر و غير ذلك.» «4»

أقول: ظاهره أيضا إجماع أصحابنا على ذلك.

8- و في الشرائع: «و في سبيل اللّه، و هو الجهاد خاصة. و قيل: يدخل فيه المصالح كبناء القناطر و الحج و مساعدة الزائرين و بناء المساجد، و هو الأشبه.» «5»

9- و في المختصر النافع: «و

في سبيل اللّه، و هو كل ما كان قربة أو مصلحة كالحج و الجهاد و بناء القناطر. و قيل: يختصّ بالجهاد.» «6»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 113 (- طبعة أخرى/ 155).

(2)- المهذّب 1/ 169.

(3)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(4)- مجمع البيان 3/ 42 (الجزء 5).

(5)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 122).

(6)- المختصر النافع/ 59.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 111

..........

______________________________

10- و في الوسيلة: «و سبيل اللّه الجهاد و الرباط و المصالح و سبيل الخير.» «1»

11- و في القواعد: «في سبيل اللّه، و هو كل مصلحة كبناء القناطر و عمارة المساجد و إعانة الزائرين و الحاج و مساعدة المجاهدين. و قيل: يختصّ الأخير.» «2»

12- و في الدروس: «و في سبيل اللّه، و هو الجهاد، سواء كان الغازي متطوعا أو مرتزقا مع قصور الرزق. و الأقرب إلحاق القرب به كعمارة المسجد و الربط و معونة الحاج و الزائرين.» «3»

13- و في متن اللمعة: «و في سبيل اللّه، و هو القرب كلها.» «4» هذا.

14- و لكن في نهاية الشيخ: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، و هو الجهاد.» «5» و مثله في المقنعة، «6» و المراسم «7»

15- و في الجمل: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، و هو الجهاد و ما جرى مجراه.» «8»

و لعل مراده بما جرى مجراه مقدمات الجهاد كرباط الخيل و إعداد القوى و الأسلحة، و أما احتمال إرادة مطلق القرب فبعيد.

16- و في الفقيه: «و سبيل اللّه الجهاد.» «9»

17- و في اشارة السبق: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، و هو الجهاد الحق.» «10»

______________________________

(1)- الوسيلة/ 128.

(2)- القواعد 1/ 58.

(3)- الدروس/ 62.

(4)- اللمعة (مع شرحها) 2/ 49.

(5)- النهاية/ 184.

(6)- المقنعة/ 39.

(7)- الجوامع الفقهية/ 643 (- طبعة أخرى/ 581).

(8)- الرسائل العشر

للشيخ/ 206.

(9)- الفقيه 2/ 3 (- طبعة أخرى 2/ 6)، الباب 1 من أبواب الزكاة، بعد الحديث 4.

(10)- الجوامع الفقهية/ 83 (- طبعة أخرى/ 125).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 112

..........

______________________________

فهذه بعض كلمات أصحابنا في المقام، و قد رأيت أن الأكثر أفتوا بالتعميم و إن كان الجهاد هو القدر المتيقن عند الجميع.

و أما [كلمات] فقهاء السنة:

1- ففي المدونة الكبرى في فتاوى مالك: «قال مالك: لا تجزئه أن يعطي من زكاته في كفن ميّت، لأن الصدقة إنما هي للفقراء و المساكين و من سمّى اللّه، فليست للأموات و لا لبنيان المساجد.» «1»

2- و في أمّ الشافعي: «و يعطى من سهم سبيل اللّه- جلّ و عزّ- من غزا من جيران الصدقة فقيرا كان أو غنيا، و لا يعطى منه غيرهم إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم فيعطاه من دفع عنهم المشركين.» «2»

أقول: تخصيصه بالجيران من جهة المنع من نقل الصدقة مع وجود المستحق في البلد.

3- و في الأحكام السلطانية للماوردي: «و السهم السابع: سهم سبيل اللّه- تعالى- و هم الغزاة، يدفع إليهم من سهمهم قدر حاجتهم في جهادهم، فإن كانوا يرابطون في الثغر دفع إليهم نفقة ذهابهم و ما أمكن من نفقات مقاماتهم ...» «3»

4- و في الأحكام السلطانية لأبي يعلى: «و أما سهم سبيل اللّه فهم الغزاة، يدفع إليهم قدر حاجتهم في جهادهم، فإن كانوا مرابطين في الثغر دفع إليهم نفقة ذهابهم و عودهم.» «4»

______________________________

(1)- المدونة الكبرى 1/ 258.

(2)- الأمّ 2/ 62.

(3)- الأحكام السلطانية/ 123.

(4)- الأحكام السلطانية/ 133.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 113

..........

______________________________

و لا يخفى أن الماوردي شافعي و أبا يعلى حنبلي.

5- و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية قال: «و أما قوله- تعالى-: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ»

عبارة عن جميع القرب، فيدخل فيه كل من سعى في طاعة اللّه و سبيل الخيرات إذا كان محتاجا.

و قال أبو يوسف: المراد منه فقراء الغزاة، لأن سبيل اللّه إذا أطلق في عرف الشرع يراد به ذلك.

و قال محمد: المراد منه الحاج المنقطع، لما روي أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل اللّه فأمره النبي «ص» أن يحمل عليه الحاج.» «1»

6- و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة قال: «و سهم في سبيل اللّه، و هم الغزاة، يعطون ما يشترون به الدوابّ و السلاح و ما ينفقون به على العدوّ و إن كانوا أغنياء.» «2»

و شرحه في المغني بقوله: «و لا خلاف في أنهم الغزاة في سبيل اللّه، لأنّ سبيل اللّه عند الإطلاق هو الغزو. قال اللّه- تعالى-: «وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ.»*

و قال: «يُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» و قال: «إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا.»

و ذكر ذلك في غير موضع من كتابه.» «3»

أقول: لا يخفى ما في استدلاله بالآيات المذكورة على حصر سبيل اللّه في الجهاد، إذ الجهاد يفهم فيها من لفظي المجاهدة و المقاتلة.

ثم قال الخرقي: «و يعطى أيضا في الحج و هو من سبيل اللّه.» «4»

و قال المغني في شرحه: «يروى هذا عن ابن عباس، و عن ابن عمر: الحج في سبيل اللّه، و هو قول إسحاق، لما روي أن رجلا جعل ناقة له في سبيل اللّه فأرادت

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 2/ 45.

(2) المغني 7/ 326.

(3) المغني 7/ 327.

(4) المغني 7/ 327.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 114

..........

______________________________

امرأته الحج فقال لها النبي «ص»: «اركبيها، فان الحج في سبيل اللّه.»

و عن أحمد رواية أخرى: لا يصرف منها في الحج، و به

قال مالك و أبو حنيفة و الثوري و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر. و هذا أصح، لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد، فإن كل ما في القرآن من ذكر سبيل اللّه إنما أريد به الجهاد إلّا اليسير، فيجب أن يحمل ما في هذه الآية على ذلك، لأن الظاهر إرادته به، و لأن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين: محتاج إليها كالفقراء و المساكين وَ فِي الرِّقٰابِ و الغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل و الغازي و المؤلّف و الغارم لإصلاح ذات البين. و الحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه و لا حاجة بهم إليه و لا حاجة به أيضا إليه لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه و لا مصلحة له في إيجابه عليه و تكليفه مشقة قد رفهه اللّه منها و خفف عنه إيجابها.» «1»

أقول: يظهر من ذيل كلام ابن قدامة أنه على القول بكون المراد بسبيل اللّه كل قربة فلا محالة يراد بها القربات العامة الاجتماعية لا القربات الشخصية التي لا يعود نفعها إلى المجتمع، و سيأتي بيان ذلك.

7- و في تفسير القرطبي: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ و هم الغزاة و موضع الرباط، يعطون ما ينفقون في غزوهم، كانوا أغنياء أو فقراء. و هذا قول أكثر العلماء، و هو تحصيل مذهب مالك. و قال ابن عمر: الحجاج و العمّار، و يؤثر عن أحمد و إسحاق أنهما قالا: سبيل اللّه الحج ...» «2»

8- و في تفسير الرازي: «و اعلم أن ظاهر اللفظ في قوله: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» لا يوجب القصر على كلّ الغزاة، فلهذا المعنى نقل القفال في تفسيره عن بعض

______________________________

(1)- المغني 7/ 327.

(2)-

تفسير القرطبي 8/ 185.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 115

..........

______________________________

الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى و بناء الحصون و عمارة المساجد لأن قوله: و في سبيل اللّه عام في الكل.» «1»

أقول: فيظهر مما نقلناه أن المسألة في فقهاء السنة أيضا خلافية و إن كان المشهور بينهم الاختصاص بالجهاد.

9- و قال ابن الأثير في النهاية في لغة سبل: «فالسبيل في الأصل: الطريق. و يذكّر و يؤنث، و التأنيث فيها أغلب. و سبيل اللّه عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى اللّه- تعالى- بأداء الفرائض و النوافل و أنواع التطوعات. و إذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه.» «2»

أقول: إذا فرضنا كون اللفظ موضوعا للأعم فإطلاقه على فرد منه غالبا لكثرته و وضوحه لا يوجب الاختصاص به، فيحمل عند الإطلاق على الأعم إلّا مع قرينة صارفة، فتدبر.

10- و في فقه الزكاة للقرضاوي بعد نقل كلمات الفقهاء من المذاهب الأربعة في المقام قال: «يلاحظ مما نقلناه عن المذاهب الأربعة أنها اتفقت في هذا المصرف على أمور ثلاثة:

1- أن الجهاد داخل في سبيل اللّه قطعا.

2- مشروعية الصرف من الزكاة لأشخاص المجاهدين، بخلاف الصرف لمصالح الجهاد و معدّاته، فقد اختلفوا فيه.

3- عدم جواز صرف الزكاة في جهات الخير و الإصلاح العامّة من بناء السدود و القناطر، و إنشاء المساجد و المدارس، و إصلاح الطرق و تكفين الموتى و نحو ذلك.

______________________________

(1)- تفسير الرازي 16/ 113 (- طبعة أخرى 3/ 478).

(2)- النهاية لابن الأثير 2/ 338.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 116

..........

______________________________

و إنما عب ء هذه الأمور على موارد بيت المال الأخرى من الفى ء و

الخراج و غيرها.

و إنما لم يجز الصّرف في هذه الأمور لعدم التمليك فيها كما يقول الحنفية، أو لخروجها عن المصارف الثمانية كما يقول غيرهم.

أما ما نقل عن البدائع من تفسيره بجميع القرب و الطاعات فقد اشترط فيه تمليك الزكاة لشخص فلا تعطى لجهة عامّة كما اشترط أن يكون الشخص فقيرا، لهذا لا يخرج هذا الرأي عن دائرة المضيقين في مدلول سبيل اللّه. و انفرد أبو حنيفة باشتراط الفقر في المجاهد كما انفرد أحمد بجواز الصرف للحجاج و العمّار ...» «1»

أقول: سبيل اللّه في الآية مدخول للفظة: «في»، فلوحظ مصرفا كما في الرقاب و الغارمين فلا مجال فيه لاحتمال اعتبار التمليك.

[الحق في المسألة التعميم لمطلق سبل الخير]

و كيف كان فالحق في المسألة التعميم لمطلق سبل الخير، إذ السبيل هو الطريق، فإذا أضيف إلى اللّه- سبحانه- تبادر منه كل ما يكون وسيلة إلى تحصيل رضا اللّه- تعالى- و ثوابه، فتخصيصه بالجهاد بلا وجه.

و يدل على التعميم مضافا إلى ذلك روايات:

1- مرسل القمي، عن العالم «ع»، قال: «و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير. فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد.» «2»

2- صحيحة علي بن يقطين أنه قال لأبي الحسن الأول «ع»: يكون عندي المال من الزكاة فأحج به مواليّ و أقاربي؟ قال: نعم، لا بأس. «3».

______________________________

(1)- فقه الزكاة 2/ 643.

(2)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(3)- الوسائل 6/ 201، الباب 42 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 117

..........

______________________________

3- ما رواه في آخر السرائر، عن نوادر

البزنطي، عن جميل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الصرورة أ يحجه الرجل من الزكاة؟ قال: نعم. «1»

و ليس في الخبرين اسم من سبيل اللّه و لكن الظاهر إرادة ذلك، إذ الفقير بما هو فقير لا يعطى إلّا بمقدار حاجاته في إعاشته.

اللّهم إلّا أن يقال إن الحج و الزيارات بالمقدار المتعارف أيضا تعدّ من الحاجات، ففي صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»: «إن اللّه نظر في أموال الأغنياء ثم نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم.

بلى، فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوج و يتصدق و يحج.» «2»

و يدل على ذلك أخبار أخر أيضا، فراجع الوسائل. «3»

4- ما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسين بن عمر، قال قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إن رجلا أوصى إليّ بمال في السبيل (في سبيل اللّه- الفقيه). فقال لي: اصرفه في الحج. قلت: أوصى إليّ في السبيل؟ فقال: «اصرفه في الحج، فإني لا أعلم سبيلا من سبله أفضل من الحج.» «4»

أقول: ظاهر هذا الخبر تعدّد سبل اللّه و أن الحج أفضلها، فيستفاد منه عدم انحصار سبيله في الجهاد.

5- ما رواه الحسن بن راشد، قال: سألت أبا الحسن العسكري «ع» (بالمدينة خ. ل) عن رجل أوصى بمال في سبيل اللّه، قال: سبيل اللّه شيعتنا.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 202، الباب 42 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- راجع الوسائل 6/ 200- 202، الباب 41 و 42.

(4)- الوسائل 13/ 412، الباب 33 من كتاب الوصايا، الحديث 2.

(5)- الوسائل 13/ 412، الباب 33 من كتاب الوصايا، الحديث 1.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 3، ص: 118

..........

______________________________

أقول: لعل المراد به الصرف فيما يحتاج إليه الشيعة من المرافق العامّة.

و يحتمل أيضا أن يراد التمليك لفقرائهم، فيكون سبيل اللّه أعمّ من الفقراء.

و يحتمل أيضا أن يراد تقوية مذهبهم.

6- و يمكن أن يستدل للتعميم أيضا بما رواه في الكافي بسند صحيح عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل أوصى بماله في سبيل اللّه، فقال: أعطه لمن أوصى به له و إن كان يهوديا أو نصرانيا، إن اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.»

و رواه أيضا بسند آخر صحيح، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما «ع». «1»

و رواه أيضا في الفقيه بسند صحيح عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع». الحديث. «2»

و رواه في الوسائل عن المشايخ الثلاثة. «3»

أقول: يظهر من الخبر سعة سبيل اللّه حتى أنه قد يشمل اليهودي و النصراني أيضا، فتأمل.

7- و في دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد «ع» أنه قال: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ:

في الجهاد و الحج و غير ذلك من سبل الخير.» «4»

8- و في فقه الرضا: «و من أوصى بماله أو ببعضه في سبيل اللّه- من حج أو عتق أو صدقة أو ما كان من أبواب الخير- فإن الوصية جائزة لا يحلّ تبديلها. الحديث.» «5»

______________________________

(1)- الكافي 7/ 14، كتاب الوصايا، باب إنفاذ الوصية على جهتها، الحديث 1 و 2.

(2)- الفقيه 4/ 148 (- طبعة أخرى 4/ 200)، باب وجوب إنفاذ الوصية، الحديث 1.

(3)- الوسائل 13/ 411، الباب 32 من كتاب الوصايا، الحديث 1.

(4)- دعائم الإسلام 1/ 261، كتاب الزكاة، ذكر دفع الصدقات.

(5)- فقه الرضا/ 39 (- طبعة أخرى/

298).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 119

..........

______________________________

9- و فيه أيضا: «فإن أوصى بمال في سبيل اللّه و لم يسمّ السبيل فإن شاء جعله لإمام المسلمين و إن شاء جعله في حج أو فرّقه على قوم مؤمنين.» «1» و نحوه في المقنع. «2» و رواه في المستدرك عنهما. «3»

10- و في البخاري: «و يذكر عن ابن عباس: يعتق من زكاة ماله و يعطي في الحج ... و يذكر عن أبي لاس: حملنا النبي «ص» على إبل الصدقة للحج.» «4»

11- و في سنن أبي داود بسنده عن أمّ معقل، قالت: لما حج رسول اللّه «ص» حجة الوداع و كان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل اللّه و أصابنا مرض و هلك أبو معقل، و خرج النبي «ص» فلما فرغ من حجة جئته فقال: يا أمّ معقل، ما منعك أن تخرجي معنا؟ قالت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل، و كان لنا جمل هو الذي نحجّ عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل اللّه. قال: «فهلا خرجت عليه، فإن الحج في سبيل اللّه؟ فأما إذا فاتتك هذه الحجة معنا فاعتمري في رمضان. فإنها كحجة.» «5»

و روى نحوه البيهقي أيضا بسنده عن أمّ معقل. «6»

و في أبي داود في هذا الباب روايتان أخريان تدلان على هذا المعنى، فراجع. «7»

12- و في البيهقي بسنده عن أنس بن سيرين، قال: قلت لعبد اللّه بن عمر إنه أرسل إليّ بدراهم أجعلها في سبيل اللّه و إن من الحاج من بين منقطع به و بين من

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 39 (- طبعة أخرى/ 299).

(2)- الجوامع الفقهية/ 39.

(3)- المستدرك 2/ 524، كتاب الوصايا، باب حكم المال الذي يوصى به في سبيل الله، الرقم 3

و 4.

(4)- صحيح البخاري 2/ 128 (- طبعة أخرى 1/ 256)، باب قول اللّه- تعالى- وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ.

(5)- سنن أبي داود 2/ 204 (- طبعة أخرى 1/ 459)، كتاب المناسك، باب العمرة.

(6)- سنن البيهقي 6/ 274، كتاب الوصايا، باب الوصية في سبيل اللّه عزّ و جلّ.

(7)- راجع سنن أبي داود 2/ 204 و 205 (- طبعة أخرى 1/ 459).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 120

..........

______________________________

قد ذهبت نفقته أ فأجعلها فيهم؟ قال: نعم، اجعلها فيهم فإنه سبيل اللّه. قال: قلت:

إني أخاف أن يكون صاحبي أنما أراد المجاهدين، قال: اجعلها فيهم، فإنهم في سبيل اللّه. الحديث.» و روى هذا المضمون في رواية أخرى أيضا. «1»

أقول: و المتتبع لا محالة يعثر على أكثر من هذه الأخبار، و اذا لم نحصر سبيل اللّه في الجهاد و تعدّينا منه إلى الحج فالظاهر عدم خصوصية له فلا محالة يراد به كل قربة، كما يساعد عليه اللغة و العرف. و العمدة في المقام إطلاق الآية الشريفة و عدم ورود ما يصلح للتخصيص.

نعم، هنا احتمال أن يراد بسبيل اللّه خصوص المصالح العامة المرتبطة بالدين و سيأتي البحث فيه عن قريب.

و استدلّ للقول باختصاصه بالجهاد بوجوه:

الأول: تبادره عند الإطلاق.

الثاني: أن أكثر استعماله في الكتاب العزيز يكون في الجهاد.

الثالث: أن الأصل في دوران الأمر بين التخيير و التعيين في مقام الامتثال هو التعيين.

الرابع: ما رواه في الكافي بسنده عن يونس بن يعقوب أن رجلا كان بهمذان ذكر أن أباه مات و كان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصية عند الموت، و أوصى أن يعطى شي ء في سبيل اللّه فسئل عنه أبو عبد اللّه «ع» كيف يفعل به، فأخبرناه أنه كان لا يعرف هذا

الأمر، فقال «ع»: لو أن رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما. إن اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.» فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الوجه- يعني بعض

______________________________

(1)- سنن البيهقي 6/ 274- 275، كتاب الوصايا، باب الوصية في سبيل اللّه عزّ و جلّ.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 121

..........

______________________________

الثغور- فابعثوا به إليه.» «1» و رواه في الوسائل عن المشايخ الثلاثة. «2»

أقول: يرد على الوجه الأول أن التبادر الدال على الاختصاص ممنوع، نعم لما كان الجهاد من أظهر مصاديقه فهو القدر المتيقن و لعله يتبادر إلى الأذهان غالبا و لكن لا من حاق اللفظ بل بجهة كونه من أظهر الأفراد.

و يرد على الوجه الثاني أن المذكور في القرآن يكون غالبا مقرونا بألفاظ يصرفه إلى خصوص الجهاد كلفظ القتال أو المجاهدة أو نحوهما، و مثل هذا لا يوجب هجر المعنى الموضوع له أعني العموم. و ربما استعمل في العموم أيضا كقوله: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنٰابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ. الآية.» و قوله: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ ثُمَّ لٰا يُتْبِعُونَ مٰا أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لٰا أَذىً. الآية.» «3» إذ الظاهر أن محطّ النظر في هذه الآيات في سورة البقرة مطلق الإنفاقات الواجبة و المندوبة لا خصوص ما أنفق في الجهاد.

و لا سيما فيما ذكرناه من الآية الثانية بقرينة ذكر المنّ و الأذى.

و يرد على الثالث أن الأصل لا مجال له بعد إطلاق الآية و ما مرّ من الأخبار.

و يرد على الرابع أن الخبر لا يدلّ على الاختصاص، و إلّا لزم اختصاصه بالرباط على

ما هو الظاهر من البعث إلى الثغور، و لم يقل بذلك أحد، بل جواز صرفه فيه محل خلاف بين القائلين بالاختصاص. هذا مضافا إلى أن المتبع في الوصية عرف الموصي و قصده، و حيث إنه كان ممن لا يعرف، و المشهور عندهم

______________________________

(1)- الكافي 7/ 14، كتاب الوصايا، باب إنفاذ الوصية على جهتها، الحديث 4. و الآية من سورة البقرة (2)، رقمها: 181.

(2)- الوسائل 13/ 414، الباب 33 من كتاب الوصايا، الحديث 4.

(3)- سورة البقرة (2)، الآيتان 261 و 262.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 122

..........

______________________________

الاختصاص بالجهاد فلعله لذلك أمر الإمام بصرفه في ذلك، فتدبّر.

و أما ما في مسند زيد بن علي «ع»: «لا يعطى من الزكاة في كفن ميّت و لا بناء مسجد و لا تعتق منها رقبة.» «1» فهو على فرض صحته فتوى زيد نفسه، حيث لم يرو ذلك عن رسول اللّه «ص» أو عن الأئمة «ع».

[التعميم هو قول المشهور من أصحابنا]

و كيف كان فالأقوى عندنا هو التعميم إجمالا وفاقا للمشهور بين أصحابنا.

قال في الجواهر: «فلا ريب حينئذ في أن الأقوى عمومه لكل قربة، فيداخل حينئذ جميع المصارف و يزيد عليها، و إنما يفارقها في النية، ضرورة شموله لجميع القرب من بناء خانات و تعمير روضة أو مدرسة أو مسجد أو إحداث بنائها، أو وقف أرض أو تعميرها أو وقف كتب علم أو دعاء و نحوها، أو تزويج عزاب أو غيرهم، أو تسبيل نخل أو شجر أو ماء أو مأكول أو شي ء من آلات العبادة، أو إحجاج أحد أو إعانة على زيارة أو في قراءة أو تعزية أو تكرمة علماء أو صلحاء أو نجباء، أو إعطاء أهل الظلم و الشر لتخليص الناس من شرّهم و ظلمهم، أو

إعطاء من يدفع ظلمهم و يخلّص الناس من شرّهم، أو بناء ما يتحصن به المؤمنون عنهم، أو شراء الأسلحة لدفاعهم، أو إعانة المباشرين لمصالح المسلمين من تجهيز الأموات أو خدمة المساجد و الأوقاف العامة أو غير ذلك. و من هنا قال الأستاذ في كشفه أنه لا يعتبر في المدفوع إليه إسلام و لا إيمان و لا عدالة و لا فقر و لا غير ذلك للصدق.» «2»

أقول: ظاهر الجواهر تعميم سبيل اللّه لكل أمر مستحسن عند الشرع، سواء كان من الأمور المتعلقة بالأشخاص أو من المصالح العامة التي يتصدى لها الدولة و ممثل المجتمع غالبا. و مقتضى ذلك كون سبيل اللّه أعم من سائر مصارف الزكاة و إنما يفارقها بالنية كما صرّح به.

______________________________

(1)- مسند زيد/ 174، كتاب الزكاة، باب زكاة الذهب و الفضة.

(2)- الجواهر 15/ 370.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 123

..........

______________________________

و لكن في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- ما يظهر منه الاختصاص بالمشاريع و المصالح العامّة و أنه يمتاز عن سائر المصارف و لا يداخلها، قال:

«و التحقيق أن الظاهر من سبيل اللّه هو ما كان كذلك بالحمل الشائع لا بمجرد قصد القربة من حيث إعانة المؤمن و إدخال السرور في قلبه و نحو ذلك.

و المصالح العامّة كالمساجد و القناطر و نحو ذلك تعدّ من السبيل، و الجهاد و الحج كذلك.

و أما الأشخاص فيشكل فيهم الأمر، إذ فرق بين أن يعطى من الكسوة و الطعام للشخص قربة إلى اللّه- تعالى- و بين أن يصرف شي ء في سبيل اللّه قربة إليه- تعالى- فمن صرف مالا في تزويج شخص أو أعطى له مالا لأن يتزوج و قصد بذلك القربة فقد سلك سبيل الخير و حصل الأجر

و الثواب، لكن حيث لا يعدّ التزويج من سبيل اللّه- تعالى- فلم يصرف المال في ذلك.

و بهذا الكلام يندفع الإشكال من أن سبيل اللّه- تعالى- يعمّ بقية الأصناف، فإن جميع القرب إن كانت من ذلك فالأصناف السبعة قد كان إعطاء الزكاة فيها قربيّا.

و الجواب أن الأربعة الأولى التي هي مدخول أداة اللام في الآية الشريفة تعطى الزكاة لهم بقصد القربة و ذلك إعطاء لهم لا صرف في سبيل اللّه.

و الأربعة التي هي مدخول أداة «في» و هي المصارف تمتاز بالصرف في تخليص الرقبة عن الرقية و تخليص الغارم عن الغرم و إيصال ابن السبيل إلى وطنه ...

و كل ذلك أمور حسنة لكن لا يصدق عليها بالحمل الشائع أنها سبيل اللّه- تعالى- بل هي إحسان في حق الأشخاص فيبقى الصرف في المصالح العامة و الجهاد و الحج التي هي بالحمل الشائع سبيل اللّه- تعالى-.» «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية الله الميلاني 2/ 128.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 124

..........

______________________________

أقول: قد كان هو- قدّس سرّه- بصدد تفسير سبيل اللّه بنحو يفارق سائر الأصناف الثمانية بالكلية، حيث إن حمله على كل أمر قربي يوجب كونه أعم من سائر المصارف و كون ذكره بوحدته مغنيا عنها، و الأصل في الكلام و لا سيما في كلام الحكيم على الإطلاق هو التأسيس لا التأكيد.

كيف؟! و لو ذكر العام في الأول أمكن ذكر الخاص بعده لبيان الاهتمام، و لو ذكر في الآخر أمكن حمله على بيان الفذلكة، و لكنه هنا ذكر في الوسط، فأيّ محمل لذكره؟ فأراد- قدّس سرّه- الفرار من هذا الإشكال.

و لكنه بعد اللتيا و التي لم يفسّر سبيل اللّه و إنما تعرض لصدقه على المصالح العامة و الجهاد و الحج

و عدم صدقه على القربات الشخصية كتزويج الشخص مثلا، مع أن إحجاج الشخص الذي ورد في أخبار الفريقين أيضا يمكن القول بكونه من القربات الشخصية، و قد مرّ عن ابن قدامة قوله: «و الحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه و لا حاجة بهم إليه و لا حاجة به أيضا إليه لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه.» «1»

و التحقيق أن يقال: الأمر هنا يدور بين قولين:

فإما أن يقال: بأن المراد بسبيل اللّه جميع القربات و سبل الخير، كما هو المستفاد من مرسل علي بن إبراهيم و كلمات أكثر الفقهاء من أصحابنا، سواء كانت من المصالح العامة، أو من الأمور الشخصية المستحسنة شرعا كتكفين الأموات و قضاء الديون و نحوها، و هو الذي اختاره صاحب الجواهر. و قد مرّ أن سبيل اللّه في بعض آيات الإنفاق يراد به العموم.

و إما أن يقال: بأن المراد بسبيل اللّه دين اللّه القويم و صراطه المستقيم الذي يوصل من سلكه إلى ساحة قرب الحق و رضاه، و هو الذي نطلب منه- تعالى- في

______________________________

(1)- المغني 7/ 327.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 125

..........

______________________________

كل يوم في قراء الحمد أن يهدينا إليه، و في قباله سبيل الطاغوت و صراط المغضوب عليهم و الضالين. قال اللّه- تعالى-: «الَّذِينَ آمَنُوا يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّٰاغُوتِ.» «1» هذا.

و يشهد لهذا المعنى لسبيل اللّه كثير من آيات الكتاب العزيز، و القرآن يفسر بعضه بعضا.

فقوله- تعالى-: «ادْعُ إِلىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جٰادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»، «2» و قوله: «وَ لٰا تَتَّبِعِ الْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ

اللّٰهِ، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ لَهُمْ عَذٰابٌ شَدِيدٌ» «3» و قوله: «الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ أَضَلَّ أَعْمٰالَهُمْ» «4»، و نحو ذلك من الآيات الكثيرة التي قرن فيها سبيل اللّه بألفاظ الصدّ و الضلال و الإضلال متعدّية ب «عن»، لا يراد بالسبيل فيها إلّا دين اللّه القويم.

بل لعل ما ذكر فيها مقرونا بألفاظ القتال و الجهاد و المهاجرة متعدية بفي أيضا لا يراد بها إلّا ذلك، فإن الجهاد عبارة عن تحمل المشقات في طريق دين اللّه و لا يكون إلّا لإعلاء كلمة الإسلام و تقوية الدين و قمع أعدائه.

كيف؟! و لو كان السبيل بمعنى الجهاد، كما يقول به أكثر فقهاء السنة و بعض أصحابنا، صار معنى قوله: «تُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» «5»: تجاهدون في الجهاد، و الالتزام بذلك مشكل. و إرادة الجهاد أنما يفهم من لفظي القتال و الجهاد كما مرّ.

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 76.

(2)- سورة النحل (16)، الآية 125.

(3)- سورة ص (38)، الآية 26.

(4)- سورة محمد «ص» (47)، الآية 1.

(5)- سورة الصفّ (61)، الآية 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 126

..........

______________________________

فخلطوا بين المصداق و المفهوم. و على هذا فيكون المراد بسبيل اللّه في آية الزكاة أيضا دين اللّه و مظاهره و شعائره. فكل ما يقع في طريق نشر الدين الحنيف و تقوية الإسلام و شعائره يكون صرف الزكاة فيه صرفا في سبيل اللّه. و على هذا فيفترق هذا المصرف عن سائر المصارف بالكلية، و لا يصدق أيضا على كل مصلحة عامّة بل على الواقعة منها في طريق تقوية الإسلام و المسلمين بما هم مسلمون كبناء المساجد و المعاهد الدينية و نشر الكتب الإسلامية و تأسيس الحوزات العلمية و تشييد

مباني الإسلام و قواعده و دفع الدعايات الباطلة و تقوية جيوش المسلمين و نحو ذلك من الأمور المرتبطة بالدين، لا مثل إيجاد الطرق و القناطر و المستشفيات و نحوها.

قال الأستاذ المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي- طاب ثراه- في حاشيته على قول المصنف: «في كل قربة»، قال: «إذا كانت من المصالح العامة الدينية.»

و الصرف في الحج أيضا يكون من هذا القبيل، من جهة أنه من أهم مظاهر الإسلام و الشعائر الدينية و يكون مؤتمرا إسلاميا يجتمع فيه المسلمون من مشارق الأرض و مغاربها، قال اللّه- تعالى-: «جَعَلَ اللّٰهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرٰامَ قِيٰاماً لِلنّٰاسِ.» «1»

مع ما فيه من التفقه و نقل أخبار الأئمة «ع» إلى كل صقع و ناحية كما في خبر العلل. «2»

و في خبر زرارة، عن الصادق «ع»: «الحج جهاد كل ضعيف.» «3»

و في خبر هشام بن الحكم، عنه «ع» في علة التكليف بالحج، قال: «و أمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين و مصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق و الغرب ليتعارفوا و لينزع كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد،

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 97.

(2)- الوسائل 8/ 8، الباب 1 من أبواب وجوب الحج، الحديث 15.

(3)- الوسائل 8/ 7، الباب 1 من أبواب وجوب الحج، الحديث 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 127

..........

______________________________

و لينتفع بذلك المكاري و الجمال و لتعرف آثار رسول اللّه «ص» و تعرف أخباره و يذكر و لا ينسى.» «1»

و في خبر الفضل بن شاذان، عن الرضا «ع»، قال: «إنما أمروا بالحج لعلّة الوفادة إلى اللّه- عزّ و جلّ-.» «2» فراجع الوسائل. «3»

و في سنن ابن ماجة بسنده عن أم سلمة، قالت: قال رسول

اللّه «ص» «الحج جهاد كل ضعيف.» «4»

و فيه أيضا بسنده عن النبي «ص»، قال: «الغازي في سبيل اللّه و الحاج و المعتمر وفد اللّه.» «5» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال.

و بالجملة، الوجهة السياسية الدينية في الحج أقوى من الوجهة العبادية الشخصية، كما هو واضح.

و محصّل الكلام في المقام أن القول بانحصار سبيل اللّه في الجهاد مما لا وجه له و يرده ظاهر الكتاب العزيز.

اللّهم إلّا أن يراد الجهاد بالمعنى الأعم ليشمل الجهاد الفكري و التربوي و الاقتصادي و السياسي أيضا كما قيل.

فالأمر يدور بين القول بإرادة جميع القربات و سبل الخير بمقتضى مرسل علي بن إبراهيم و الإجماعات المنقولة، أو إرادة المصالح العامة المرتبطة بالدين و تشييد مبانيه. و الأحوط هو الأخير، و إن كان القول الأول لا يخلو من قوة من جهة

______________________________

(1)- الوسائل 8/ 9، الباب 1 من أبواب وجوب الحج، الحديث 18.

(2)- الوسائل 8/ 7، الباب 1 من أبواب وجوب الحج، الحديث 15.

(3)- راجع الوسائل 8/ 3- 10، الباب 1 من أبواب وجوب الحج.

(4)- سنن ابن ماجة 2/ 968، كتاب المناسك، باب الحج جهاد النساء، الحديث 2902.

(5)- سنن ابن ماجة 2/ 966، كتاب المناسك، باب فضل دعاء الحج، الحديث 2893.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 128

مع عدم تمكّنهم من الحجّ و الزيارة و الاشتغال و نحوها من أموالهم.

[جواز دفع هذا السهم في كلّ قربة مع تمكّن المدفوع إليه و عدم إقدامه إلّا بهذا الوجه]

بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كلّ قربة مع عدم تمكّن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة (1)، بل مع تمكّنه أيضا، لكن مع عدم إقدامه إلّا بهذا الوجه.

______________________________

أن الزكاة شرّعت لسدّ جميع الخلات و الحاجات و من أهمها المصالح العامة نعم يبقى هنا إشكال ذكر العام في أثناء

المصارف الخاصة، و لعله يعدّ مستهجنا إلّا أن يتحرى له نكتة محسّنة، فتدبر.

(1) أقول: هل يعتبر في من يعطى هذا السهم أو يصرف فيه، الفقر، أعني عدم مالكيته لمئونة السنة كما ربما يظهر من المسالك، أو يعتبر فيه الحاجة بمعنى احتياجه في الجهاد و غيره إلى ذلك و إن فرض كونه مالكا لمئونة سنته كما يظهر من المدارك، أو لا يعتبر شي ء منهما بعد صدق سبيل اللّه كما يظهر من الجواهر و غيره؟ وجوه بل أقوال:

1- قد مرّ عن الخلاف (كتاب قسمة الصدفات المسألة 23) قوله: «و الغارم لمصلحة ذات البين و الغازي لا يعطى إلّا مع الحاجة عند أبي حنيفة. و عند.

الشافعي: يعطى مع الغنى، و هو الصحيح.» «1»

2- و في المبسوط: «و الغزاة يأخذون الصدقة مع الغنى و الفقر، و يدفع إليهم قدر كفايتهم.» «2»

3- و في الشرائع: «و الغازي يعطى و أن كان غنيا قدر كفايته على حسب حاله.» «3»

4- و في التذكره: «لا يشترط في الغازي الفقر، و به قال الشافعي

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 352.

(2)- المبسوط 1/ 252.

(3)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 122).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 129

..........

______________________________

للعموم و لأنه كالأجرة. و كذا الغارم لإصلاح ذات البين. و قال أبو حنيفة: يشترط، لقوله «ع»: أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردّها في فقرائكم. و هو لا يقتضي اختصاصها بالفقراء. و ينتقض بابن السبيل فإنه يعطى و إن كان غنيا في بلده قادرا على الاستدانة في سفره، و معارض بعموم: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» و بما رووه عن النبي «ص»: لا تحل الصدقة لغني إلّا لثلاثة و ذكر من جملتهم الغازي.» «1»

أقول: في جواز الإعطاء لابن السبيل القادر على

الاستدانه كلام يأتي.

و المستثنيات في الحديث النبوي خمسة لا ثلاثه كما يأتي.

5- و فيه أيضا: «و إذا جعلنا سبيل اللّه أعمّ من الغزو في الجهاد كما اخترناه أولا دخل فيه معونة الزوار و الحجيج. و هل يشترط حاجتهم؟ إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السهمان، و من اندراج إعانة الغني تحت سبيل الخير.» «2»

6- و مرّ عن أمّ الشافعي قوله: «و يعطى من سهم سبيل اللّه- جلّ و عزّ- من غزا من جيران الصدقة، فقيرا كان أو غنيا.» «3»

7- و مرّ عن أبي القاسم الخرقي قوله: «و سهم في سبيل اللّه، و هم الغزاة، يعطون ما يشترون به الدواب و السلاح و ما ينفقون به على العدوّ و إن كانوا أغنياء.» «4» هذا.

8- و لكن في الغنية: «و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية إلا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا الإيمان و أن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب لما يكفيه ... بدليل الإجماع المتكرر.» «5»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 236.

(2)- التذكرة 1/ 236.

(3)- الأمّ 2/ 62.

(4)- المغني 7/ 326.

(5)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 130

..........

______________________________

9- و في المسالك: «و يجب تقييده بما لا يكون فيه معونة لغني مطلق بحيث لا يدخل فيه شي ء (في شي ء- الجواهر) من الأصناف الباقية، فيشترط في الحاج الزائر الفقر أو كونه ابن السبيل أو ضيفا. و الفرق بينهما حينئذ و بين الفقراء أن الفقير لا يعطى الزكاة ليحج بها من جهة كونه فقيرا و يعطى لكونه في سبيل اللّه.» «1»

10- و في الروضة: «و ينبغي تقييده بما لا يكون فيه معونة لغني لا يدخل في الأصناف.» «2»

11- قال في

المدارك بعد نقل كلام المسالك: «و هو مشكل، لأن فيه تخصيصا لعموم الأدلة من غير دليل. و المعتمد جواز صرف هذا السهم في كل قربة لا يتمكن فاعلها من الإتيان بها بدونه. و إنما صرنا إلى هذا التقييد لأن الزكاة إنما شرعت بحسب الظاهر لدفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها و مع ذلك فاعتباره محل تردد. «3»

12- و في الجواهر بعد نقل كلام المدارك قال: «قلت: هو في محلّه، بل الأقوى عدم اعتباره لإطلاق الأدلة، و حكمة المشروعية لا تصلح للتقييد ...» «4»

13- و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية قال: «و قال الشافعي: يجوز دفع الزكاة إلى الغازي و إن كان غنيا، و أمّا عندنا فلا يجوز إلّا عند اعتبار حدوث الحاجة.» «5»

أقول: يظهر من كلمات القائلين بالتعميم الاستدلال له بإطلاق الأدلة و منها الآية الشريفة، و بأنها كالأجرة كما في سهم العاملين، و بما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي «ص» قال: «لا تحلّ الصدقة لغني إلّا لخمسة: رجل عامل عليها، أو رجل اشتراها

______________________________

(1)- المسالك 1/ 60.

(2)- الروضة 2/ 49.

(3)- المدارك/ 318.

(4)- الجواهر 15/ 371.

(5)- بدائع الصنائع 2/ 46.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 131

..........

______________________________

بماله، أو رجل مسكين تصدّق عليه بها فأهداها لغنيّ أو غارم أو غاز في سبيل اللّه.» «1»

و عن عطاء بن يسار عنه «ص» أيضا نحوه 2 و الاستثناء من النفي إثبات.

كيف؟! و لا يظن الإشكال في جواز استفادة الأغنياء أيضا من المشاريع و المصالح العامة المبنية من هذا السهم كالمساجد و المدارس و الطرق و القناطر و المستشفيات و العمارات المعدّة للحجاج و الزوار نحوها.

[استدل القائلون بالاختصاص بوجوه]

و استدل القائلون بالاختصاص بوجوه يدل بعضها على اعتبار الفقر و بعضها

على اعتبار الحاجة إليها في الخير الذي تصدّى له و إن ملك مئونة سنته:

الأول: ما مرّ من مرسل علي بن إبراهيم، عن العالم «ع» قال: «و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به، أو في جميع سبل الخير. فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الجهاد و الحج.» «3»

الثاني: ما عن النبي «ص» من قوله: «لا تحلّ الصدقة لغني»، المروي في كتب الفريقين. «4»

الثالث: الأخبار الدالة على أن الزكاة وضعت للفقراء بنحو يظهر منها الحصر، كموثقة أبي المعزا عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إن اللّه- تبارك و تعالى- أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم.» «5»

______________________________

(1) (1) و (2)- سنن البيهقي 7/ 15، كتاب قسم الصدقات، باب العامل على الصدقة يأخذ منها بقدر عمله ...

(3)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(4)- راجع الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 18 و سنن البيهقى 7/ 13، كتاب الصدقات، باب الفقير و المسكين له كسب ...

(5)- الوسائل 6/ 148، الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 132

..........

______________________________

و خبر مبارك العقرقوفي، عن أبي الحسن «ع» قال: «إنما وضعت الزكاة قوتا للفقراء و توفيرا لأموالهم.» «1»

و في العلل: قال رسول اللّه «ص» في الصدقه «أمرت أن آخذها من أغنيائكم و أردّها في فقرائكم.» «2»

و في زكاة البخاري في قصة بعث النبي «ص» معاذا إلى اليمن، قال: «فأعلمهم أن اللّه افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم و تردّ

على فقرائهم.» «3»

و راجع البيهقى أيضا. «4»

هذا مضافا إلى وضوح أن الزكاة وضعت لسدّ الخلات و الحاجات، فلا يناسب صرفها في الأغنياء غير المحتاجين.

أقول: يمكن أن يجاب عن المرسل مضافا إلى إرساله:

أولا بأنه لا يدل على اعتبار الفقر بالمعنى المصطلح، إذ ربّ شخص يملك مئونة سنته قوة أو فعلا إن بقي في وطنه و لكنه لا يقدر على مئونة الحج أو الجهاد إلّا بإعانته من بيت المال. و لعلّ استثناء الغازي في خبر أبي سعيد أيضا كان بلحاظ حدوث الحاجة له إلى مئونة السفر و آلات الجهاد و إن كان غنيا في وطنه و بلده.

و ثانيا بأن التقييد في المرسل وقع بالنسبة إلى الحج و الجهاد لا بالنسبة إلى

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 4، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحبّ فيه، الحديث 4.

(2)- علل الشرائع/ 217 (- طبعة أخرى/ 83)، الباب 159 من الجزء الأول.

(3)- صحيح البخاري 2/ 108 (- طبعة أخرى 1/ 242)، باب وجوب الزكاة.

(4)- راجع سنن البيهقي 4/ 101، كتاب الزكاة، باب لا يؤخذ كرائم أموال الناس؛ و 7/ 2، كتاب قسم الصدقات، باب ما فرض الله- تبارك و تعالى- على أهل دينه ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 133

..........

______________________________

ما في الذيل من جميع سبل الخير، و لعل ذكرهما مقيدين كان من باب التمثيل بالفرد الواضح، و أما الذيل فقد بقي على عمومه بنحو يشمل الحج و الجهاد أيضا، فتدبر.

و يجاب عن قوله: «لا تحل الصدقه لغني» بأن الظاهر منه أنها لا تحلّ له على حسب حليتها للفقير بأن يتملكها ملكية مطلقة و يصرفها في مقاصده كيف يشاء، فلا ينافي ذلك جواز دفعها إليه ليصرفها في جهة خاصة

من سبل الخير و ترتجع منه إن لم يصرفها فيه، أو ينتفع من المشاريع و المصالح العامّة التي بنيت منها.

و في زكاة الشيخ الأنصاري- قدّس سرّه-: «إن المراد منها حرمتها على من هو غني عنها في المصرف الذي يعطى لأجله، فلا يجوز دفع الزكاة للمعاش إلى من هو غني عنها في جهة المعاش، و لا للدين إلى من هو قادر على أداء الدين، و لا للصرف في سبيل اللّه إلى من يقدر عليه بدون الزكاة ...

إن المراد حرمة أخذها و إعطائها للمصرف الذي لا يحتاج فيه إليها. فإعطاء الغارم و المكاتب و الحاج القادرين على المعيشة العاجزين عن أداء الدين و مال الكتابة و نفقة الحج لا يحلّ لهم أخذ الزكاة و لا إعطاؤهم لأجل المعيشة و يحل لأجل ما هم يفتقرون فيه إليها.

و يدل عليه أيضا ما ورد في أحكام الأرضين من أن الإمام يقسم الزكاة على الأصناف بقدر ما يستغنون به، فإن ظاهر هذا الكلام عدم حصول الغنى قبل دفع الزكاة ...

هذا مضافا إلى استمرار السيرة على النكير على من صرف الزكاة في مئونة الأغنياء كإطعامهم و الإهداء إليهم بقصد القربة.» «1»

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 505 (- طبعة أخرى/ 443).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 134

..........

______________________________

أقول: يرجع محصل كلامه إلى أن المعتبر هو الحاجة إليها في الجهة التي أخذت لها لا الفقر المصطلح، وفاقا لما مرّ من المدارك و خلافا للمسالك. فليس الغني في الرواية قسيما للفقير المصطلح، بل يراد به عدم الحاجة في الجهة و يكون أمرا نسبيا. و يمكن أن يناقش هذا بأن الظاهر منه في خبر أبي سعيد الخدري عنه «ص» بقرينة استثناء الخمسة هو الغني المصطلح في قبال الفقير المصطلح،

و حينئذ فيحمل عليه المطلقات الواردة بلا استثناء أيضا، فتدبر.

بقي الكلام في الروايات الظاهرة في اعتبار الفقر

و يمكن أن يجاب عنها بعدم ظهورها في الحصر كما مرّ من التذكرة، فلعل الغرض فيها بيان أهم المصارف و أوضحها و لا سيّما في وقت التشريع، أو يكون ذكر الفقراء من باب المثال، و المقصود الصرف في الأصناف الثمانية المذكورة في الآية، أو يراد بالفقر هنا أيضا الحاجة لا الفقر المصطلح، و يراد بالحاجة الأعم من حاجة الأشخاص أو حاجة المصارف و الجهات.

فإذا فرض حاجة المجتمع و البلد إلى المساجد و المدارس و المستشفيات و حاجة هذه المصارف إلى صرف الزكاة فيها فالحاجة و الفقر صادقان و إن فرض كون من يصرفها في المصارف أو ينتفع منها غنيا بحسب معاش نفسه.

و المشاريع و المصالح العامة المحدثة لا محالة ينتفع منها جميع الأمة أو أصناف خاصة منها حسب تعيين قيم المجتمع و البلد.

و بالجملة فالمعتبر في سبيل اللّه، هو الحاجة لا الفقر المصطلح، و يراد بها حاجة المصارف و الجهات لا حاجة كل شخص شخص.

و لا يبعد اعتبار الحاجة بهذا المعنى، إذ الزكاة شرّعت لسدّ الخلات و الحاجات

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 135

..........

______________________________

و مع عدم الحاجة يكون الصرف تبذيرا و تضييعا للأموال العامة.

فالملاك إحساس حاجة المصرف إليها؛ إن كان شخصا فحاجة الشخص، و إن كان مصلحة عامة فحاجة المصلحة العامة، و المصالح مختلفة جدا، و التشخيص محوّل غالبا إلى قيم المجتمع. و ربما يكون استيجار الشخص للجهاد مثلا أو تشويقه بإعطاء جائزة من بيت المال مصلحة للإسلام و المسلمين، فيجوز ذلك و يصدق الحاجة حينئذ و إن كان الشخص بنفسه غنيا غير محتاج. و لا يخفى أن الإنفاق إفعال من النفق بمعنى النفاد

و الخلّة، و من معاني الباب الإزالة فيكون جميع الإنفاقات الواجبة و المندوبة لإزالة الخلّات و رفع الحاجات الشخصية و الاجتماعية.

قال في مصباح الفقيه: «لا يخفى عليك أن صرف الزكاة في معونة الزوار و الحجيج و الغزاة يتصور على أنحاء:

أحدها: أن يكون ما يصرفه إليهم بمنزلة الأجرة على عملهم، كما لو لم يكن لمن يباشر العمل بنفسه داع إلى فعل الحج و الجهاد و نحوه، و لكن رأى المتولي للصرف المصلحة في إيجاد هذه الأفعال من باب تشييد الدين أو تعظيم الشعائر أو غير ذلك من المصالح، فبعثهم على الفعل بجعل الأجرة لهم أو بذل النفقة عليهم من الصدقات على أن يعملوا هذا العمل.

الثاني: أن يصرفه في من يريد بنفسه الحج و الجهاد، فيعينه ببذل الزاد و الراحلة و السلاح و نحوها.

الثالث: ما يصرفه في التسبيلات العامة من مثل المضايف و السقايات الواقعة في الطرق التي يأكل و يشرب منها عامة المستطرقين.

أما القسم الأول و الثالث فلا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط الفقر و

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 136

..........

______________________________

الحاجة فيمن يتناوله، فإن مصرف الزكاة في هذين القسمين في الحقيقة هي نفس تلك المصالح التي صرف الزكاة فيها، لا خصوص الأشخاص الذين وصل إليهم شي ء منها.

و أما القسم الثاني الذي هو في الحقيقة صرف إلى من يعمل الخيرات لا في نفس عمل الخير، و إن كان هذا الصرف أيضا باعتبار كونه إعانة على البرّ و التقوى يعدّ من السبيل، فهذا هو الذي وقع فيه الإشكال على تقدير عدم كون المصروف إليه محتاجا إلى تناوله. و الاحتياط فيه مما لا ينبغي تركه بل لا يبعد الالتزام بشمول «لا تحلّ الصدقة لغني» لمثله، و اللّه العالم.»

«1»

و في زكاة الشيخ الأعظم- قدّس سرّه- ما محصّله: «أن اعتبار الاحتياج هنا إنما هو فيما إذا قصد بالدفع إعانة الفاعل كالحاج و الزائر.

و أما إذا قصد حصول ذلك الفعل في الخارج بأن يشترك بماله مع الفاعل ببدنه فالظاهر عدم اعتبار الاحتياج هنا، لأن الإنفاق على ذلك الفعل بمنزلة الإنفاق على بناء المساجد و الربط، فصرف المال في مئونة الزائر ليحصل الزيارة التي هي من سبل الخير كصرف المال في آلات بناء المسجد، فهو مأجور بعمله و هذا بماله.

و لا ينافي هذا ما دلّ على حرمة الصدقة على الأغنياء، لأن المزكّي لم يصرف المال إلّا في تحصيل جهة خاصة و ليس تصدقا على الغني و لذا لو فضل عن مئونة العمل ردّه على المزكّي و صرفه في مصارف أخر.

و الحاصل أن المصروف فيه الزكاة قد يجعل نفس إعانة الغني، و قد يجعل نفس الفعل، و الذي اعتبرنا فيه الحاجة هو الأول لا الثاني. و كذلك حكمهم بأنه

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 102.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 137

..........

______________________________

يعطى الغازي و إن كان غنيا إنما ينافي ما دلّ على عدم حلّية الصدقة للغني إذا كان الدفع لمعونة الغازي، و أما إذا كان لحصول دفع العدوّ الحاصل من مال المزكي و بدن الغازي فليس فيه منافاة للأدلة.» «1»

أقول: و لعل ما ذكرناه من اعتبار الحاجة مطلقا- غاية الأمر أن الحاجة قد تعتبر بلحاظ الشخص و قد تعتبر بلحاظ الجهات و المصالح- أولى و أنسب، بل يمكن ملاحظة هذا المعنى في جميع مصارف الأموال العامة و جميع الأصناف، فلاحظ و تدبر.

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 505 (- طبعة أخرى/ 444).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 138

8- ابن السبيل

اشارة

الثامن: ابن السبيل، و هو

المسافر الّذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته، بحيث لا يقدر معه على الذهاب و إن كان غنيّا في وطنه (1).

[في معنى ابن السبيل]

______________________________

(1) أقول: ابن السبيل يقال للمسافر الملازم للسبيل المنقطع عن كل شي ء إلا عنه. و يسمي العرب الملازم للشي ء ابنا له، كما قال الشاعر:

«أنا ابن الحرب ربّتني وليدا إلى أن شبت و اكتهلت لداتي.» «1»

و قد جعل اللّه له في القرآن سهما في كل من الزكاة و الخمس و الفي ء.

1- قال في المقنعة: «و ابن السبيل، و هم المنقطع بهم في الأسفار. و قد جاءت رواية أنهم الأضياف، يراد به من أضيف لحاجة إلى ذلك و إن كان له في موضع آخر غنى و يسار، و ذلك راجع إلى ما قدمناه.» «2»

2- و في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 23): «و ابن السبيل المجتاز يعطى مع الغنى في بلده بلا خلاف، دليلنا إجماع الفرقة و عموم الآية ...» «3»

3- و في النهاية: «و ابن السبيل، و هو المنقطع به. و قيل: إنه الضيف الذي

______________________________

(1)- نقله في مجمع البيان 3/ 42 (الجزء 5).

(2)- المقنعة/ 39.

(3)- الخلاف 2/ 352.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 139

..........

______________________________

ينزل بالإنسان و يكون محتاجا في الحال و إن كان له يسار في بلده و موطنه.» «1»

4- و في الغنية: «و أما ابن السبيل فهو المنقطع به و إن كان في بلده غنيا.

و روي أيضا أنه الضيف الذي ينزل بالإنسان و إن كان في بلده غنيا أيضا.» «2»

5- و في الشرائع: «و ابن السبيل، و هو المنقطع به و لو كان غنيا في بلده، و كذا الضيف.» «3»

أقول: رواية الضيف لم تصل إلينا إلّا بنقل المفيد مرسلا و إفتاء الأصحاب

به في المقام. و توهم انحصار ابن السبيل فيه كتوهم عدم اشتراط الغربة و الحاجة فيه لإطلاق الرواية مدفوع بعدم ثبوت الرواية عندنا. و لو سلّم يقرب احتمال كون ذكره من باب ذكر أظهر المصاديق. و إفتاء الأصحاب به كان من قبيل ذكر الخاص بعد العام و هو الظاهر من عبارة المقنعة.

و في المبسوط: «و قد روي أن الضيف داخل فيه.» «4»

و في الوسيلة: «و قال بعض أصحابنا: الضيف إذا كان فقيرا داخل فيه.» «5»

و العمدة إطلاق ابن السبيل في الآية و الروايات.

و ابن السبيل و إن صحّ إطلاقه على كل مسافر إلّا أن الظاهر منه من انقطع عن كل شي ء إلّا السبيل، فانقطع عن وطنه و ماله و إمكاناته، بحيث لا يقدر على إدامة سفره و يقال له بالفارسية: «وامانده»:

1- ففي مرسل علي بن إبراهيم، عن العالم «ع»، قال: «و ابن السبيل أبناء

______________________________

(1)- النهاية/ 184.

(2)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(3)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 123).

(4)- المبسوط 1/ 252.

(5)- الوسيلة/ 128.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 140

..........

______________________________

الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه، فيقطع عليهم و يذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.» «1»

2- و في المستدرك عن تفسير الإمام: «و ابن السبيل: المجتاز المنقطع به لا نفقة معه.» «2»

3- و في الجعفريات بسنده عن أمير المؤمنين «ع»، قال: «و نصيب في بني السبيل، و هو الضعيف المنقطع به.» «3»

أقول: و رواه عنه في المستدرك «4» و يحتمل ضعيفا كون كلمة الضعيف فيه مصحف الضيف.

4- و في الدعائم، عن جعفر بن محمد «ع»: «و ابن السبيل: الرجل يكون في السفر فيقطع به نفقته أو تسقط

أو يقع عليه اللصوص.» «5» و رواه عنه في المستدرك. «6»

أقول: و الظاهر هنا من السفر السفر العرفي الملازم للتغرب عن الأهل و المال لا خصوص السفر الشرعي الموجب للقصر، فلا يقدح عدم قصد المسافة و لا إقامة العشرة و لا التردد ثلاثين يوما و نحو ذلك مما يمنع القصر، إذ الملاك هنا ملازمته للسبيل و انقطاعه عن وطنه و ماله، فتدبر. هذا.

و لكن يظهر من المبسوط و التذكرة دوران الحكم في المقام مدار السفر الشرعي و القصر:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(2)- المستدرك 1/ 521، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(3)- الجعفريات (المطبوع مع قرب الإسناد)/ 54، كتاب الزكاة، باب من يستوجب أخذ الزكاة.

(4)- المستدرك 1/ 523، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(5)- دعائم الإسلام 1/ 261، كتاب الزكاة، ذكر دفع الصدقات.

(6)- المستدرك 1/ 521، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 13.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 141

[يشرط عدم تمكّنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه]

بشرط عدم تمكّنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك (1).

______________________________

قال في المبسوط: «و أما المجتاز بغير بلده فإن كان يقصد الرجوع إلى بلده أعطي ما يبلغه إليه، و إن كان يقصد الذهاب إلى موضع و الرجوع منه إلى بلده أعطي ما يكفيه لذهابه و رجوعه، فإن دخل بلدا في طريقه فإن أقام به يوما أو يومين إلى عشرة اعطي نفقته، و إن أقام أكثر من ذلك لم يعط لأنه يخرج من حكم المسافرين.» «1»

و في التذكرة: «يعطى ابن السبيل ما يبلغه من البلد الذي يريده لمضيّه و عوده على ما بيناه، فإن أراد أن يقيم في البلد الذي قصده دون عشرة أيام

أخذ نفقة ذلك لأنه في حكم المسافر، و أن نوى إقامة عشرة لم يأخذ فيها من سهم ابن السبيل لأنه مقيم. و الشافعي شرط إقامة ثلاثة لا أزيد.» «2»

أقول: الملاك هنا صدق ابن السبيل الملازم للتغرب عن الوطن و المال لا صدق السفر الشرعي و القصر. و ليس في الأدلة ما يقتضي الحكومة على إطلاق ابن السبيل بنحو يتعين حمله على خصوص ما يوجب القصر.

(1) أقول: هل يعتبر في ابن السبيل عجزه عن الاستدانة و كذا التصرف في ماله الغائب بالبيع و نحوه كما في الجواهر «3» لعدم صدق الانقطاع إلا بذلك، أو يعتبر العجز عن البيع و نحوه و لا يشترط العجز عن الاستدانة عملا بالعموم كما في المدارك «4»، أو لا يعتبر شي ء منهما كما يظهر من المسالك «5» ناسبا له إلى المعتبر أيضا- و إن كان في صحة النسبة كلام- عملا بإطلاق النص؟ في المسألة وجوه.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 257.

(2)- التذكرة 1/ 246.

(3)- الجواهر 15/ 373.

(4)- المدارك/ 318.

(5)- المسالك 1/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 142

..........

______________________________

و الأظهر هو الوجه الأول، لأن الانقطاع المذكور في الروايات كناية عن عجزه عن إدامة السير و السفر، و مع التمكن من بيع ماله الغائب أو الاستدانة بسهولة لا يصدق العجز عنها.

و الإطلاق في الأخبار محمول على الغالب في تلك الاعصار، إذ كان بيع الغائب أو الاستدانة غير مقدور عليه غالبا، لعدم معرفة أهل البلاد بالنسبة إلى الغرباء غالبا.

بل يمكن أن يقال: إن عنوان ابن السبيل أيضا لا يصدق على من قدر على البيع أو الاستدانة بسهولة، إذ الظاهر من هذا التعبير كما عرفت انقطاعه عن كل شي ء إلّا عن السبيل. هذا مضافا إلى أن قوله «ص»:

«لا تحل الصدقه لغني» أيضا يقتضي عدم جواز الإعطاء لمن تمكن من أحدهما، إذ مفاده كما عرفت من الشيخ الأعظم هو حرمة الزكاة على من هو غني عنها في المصرف الذي يعطى لأجله، و مع التمكن من أحد الأمرين بسهولة يصدق الغنى عنها قطعا.

و فسّره في صحيحة زرارة بقوله: «لا يحل له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «1»

و لعل عدم تعرض أكثر الأصحاب لاعتبار العجز عنهما أيضا كان لوضوحه لا لعدم اعتباره عندهم.

نعم ينبغي تقييد كل من البيع و الاستدانة بكونه سهلا ميسورا مناسبا لشأنه، إذ مع الحرج أو الإجحاف و الضرر لا يصدق التمكن عرفا.

قال في مصباح الفقيه: «و الذي ينبغي أن يقال: إنه إن كانت الاستدانة أو التصرف في أمواله بالبيع و نحوه أمرا ميسورا له كأغلب التجار المعروفين في البلاد النائية فمثل هذا الشخص لا يعدّ من أرباب الحاجة إلى الصدقة، بل و لا ابن سبيل

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 143

[يشرط أن لا يكون سفره في معصية]

و بشرط أن لا يكون سفره في معصية (1).

______________________________

في العرف و بحكمه القويّ السويّ المتمكن من الاكتساب في الطريق بما يناسب حاله و شأنه.

و أما لو كانت الاستدانة أو البيع و نحوه أمرا حرجيا بحيث لا يتحمله إلّا عن إلجاء و اضطرار فلا يكون القدرة عليهما مانعة عن الاستحقاق، إذ لا يؤثر مثل هذه القدرة في خروجه عن حدّ الفقر عرفا.» «1»

(1) 1- قال في المبسوط: «و السفر على أربعة أضرب: واجب و ندب و مباح و معصية: فالواجب كالحج و العمرة الواجبتين، و الندب كالحج المتطوّع و العمرة كذلك و الزيارات و

غير ذلك من برّ الوالدين و صلة الأرحام، فهذين السفرين يستحق الصدقة بلا خلاف. و المباح يجري هذا المجرى على السواء، و في الناس من منع ذلك.

و أما السفر إذا كان معصية لقطع طريق أو قتل مؤمن أو سعاية و ما أشبه ذلك فانه لا يستباح به الصدقة و لا يستحقها بلا خلاف.» «2»

أقول: ظاهر التمثيل بهذه الأمثلة كظاهر المصنف أيضا أن المراد بسفر المعصية ما كانت الغاية فيه معصية. و لعل إطلاق بعض العبارات يشمل ما كان السفر بنفسه معصية أيضا، كسفر الزوجة بدون إذن الزوج و سفر الولد مع نهي الوالد و نحو ذلك، و هو المطابق للاحتياط بل لا يخلو عن قوة.

2- و في الشرائع بعد ذكر ابن السبيل و الضيف قال: «و لا بد أن يكون سفرهما مباحا، فلو كان معصية لم يعط.» «3»

3- و ذيّله في المدارك بقوله: «لا خلاف بين العلماء في عدم جواز الدفع إلى

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 103.

(2)- المبسوط 1/ 252.

(3)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 144

..........

______________________________

المسافر من سهم ابن السبيل إذا كان معصية، لما في ذلك من الإعانة له على الإثم و العدوان.» «1»

4- و في المغني لابن قدامة: «لكن يشترط كون السفر مباحا إما قربة كالحج و الجهاد و زيارة الوالدين، أو مباحا كطلب المعاش و التجارات. فأما المعصية فلا يجوز الدفع إليه فيها لأنه إعانة عليها و تسبّب إليها، فهو كفعلها.» «2»

و بالجملة فالظاهر أن المسألة متفق عليها بين علماء الفريقين إجمالا، و لذا لم يتعرض لها الشيخ في الخلاف الذي وضعه لطرح المسائل الخلافية بين الفريقين.

و يدل عليه مضافا إلى ذلك مرسل علي بن إبراهيم، عن

العالم «ع»، قال:

«وَ ابْنِ السَّبِيلِ أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم. الحديث.» «3»

قال في مصباح الفقيه: «و المراد يكون السفر في طاعة اللّه على الظاهر ما يقابل سفر المعصية، فيعم المباح أيضا، نظير ما ورد في تفسير الغارمين من أن يكون دينهم في طاعة اللّه.» «4»

أقول: و يشهد لذلك- مضافا إلى اتفاق الأصحاب عليه إلّا ما حكي عن ابن الجنيد، و أن الطاعة تستعمل كثيرا في قبال المعصية و يراد بها ما لم يكن معصية- أن الزكاة شرّعت لسد خلات المسلمين، و الأسفار المباحة المشروعة كثيرة جدا بل أكثر، و يوجد فيها أيضا ابن السبيل، فهل يحتمل إهمال الشارع لهم

______________________________

(1)- المدارك/ 318.

(2)- المغني 7/ 328.

(3)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(4)- مصباح الفقيه/ 103.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 145

..........

______________________________

و حرمانهم من الصدقات؟

و في الجواهر: «بل الرواية المزبورة دالّة على اعتبار كون السفر طاعة، كالمحكي عن ابن الجنيد، إلا أنها لقصور سندها و عدم مقاومتها لإطلاق الكتاب المعتضد بفتاوي الأصحاب ينبغي حمل الطاعة فيها على ما لا معصية فيه، و إليه أومأ في المختلف.» «1»

أقول: قصور سند الحديث و عدم مقاومته لإطلاق الكتاب لا يوجب التصرف في ظاهره لو فرض له ظاهر.

فالحق ما ذكرناه من أن الظاهر من الطاعة في أمثال المقام بمناسبة الحكم و الموضوع هو عدم المعصية. و لعل ابن الجنيد أيضا أفتى بالخبر و عبّر بمتنه و لكنه أراد بالطاعة ما ذكرناه و فهمه المشهور.

نعم لو شك في أن المستثنى خصوص سفر المعصية أو الأعم كان إطلاق الآية محكما إلّا فيما ثبت خلافه أعني خصوص سفر المعصية، فتدبر. هذا.

و أما الاستدلال

لاستثناء سفر المعصية بكونه إعانة على الإثم، فيرد عليه عدم جريان ذلك في الإياب، اللّهم إلّا أن يقال بأن فيه تقوية للعاصي المتهتك و تقريرا له على فسقه، و هو مناف لشرع الزكاة. نعم لو تاب أمكن القول بجواز الدفع إليه لتغير العنوان و لا سيّما في حال الإياب.

قال في مصباح الفقيه: «فلو استقل رجوعه بالملاحظة عرفا كما لو ارتدع عن قصده في أثناء الطريق فرجع أو ندم على عمله و تاب جاز الدفع إليه حينئذ، لعدم كونه بالفعل متلبسا بسفر المعصية عرفا. و لا يشترط التلبس بالضرب، فلو تاب و رجع عن قصد المعصية إلى الطاعة جاز الدفع إليه و لو لم

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 376.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 146

[يدفع إليه قدر الكفاية اللائقة بحاله]

فيدفع إليه قدر الكفاية اللائقة بحاله (1) من الملبوس و المأكول و المركوب أو ثمنها أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره (2) أو يصل إلى محلّ يمكنه تحصيلها بالاستدانة و البيع أو نحوهما.

______________________________

يضرب في الأرض بعد توبته، إذ المدار في صدق كونه ابن سبيل على كونه نائيا عن أهله و ماله محتاجا في الوصول إليهما إلى مئونة.» «1»

و قال ابن قدامه في المغني: «و من سافر لمعصية فأراد الرجوع إلى بلده لم يدفع إليه ما لم يتب، فإن تاب احتمل جواز الدفع إليه، لأن رجوعه ليس بمعصية فأشبه رجوع غيره، بل ربما كان رجوعه إلى بلده تركا للمعصية و إقلاعا عنها كالعاق يريد الرجوع إلى أبويه و الفار من غريمه أو امرأته يريد الرجوع إليهما. و يحتمل أن لا يدفع إليه، لأن سبب ذلك المعصية فأشبه الغارم في المعصية.» «2»

(1) لظهور الآية في كون ابن السبيل

مصرفا لها ما دام كذلك، نظير الرقاب و الغارمين و سبيل اللّه، فيصرف فيه بمقدار يزول عنه عنوان ابن السبيل. و ليس مثل الفقراء في التمليك لهم و لو فوق حدّ الغنى على القول به فيه، و إن ناقشنا نحن في ذلك أيضا.

هذا مضافا إلى ما مرّ في مرسل علي بن إبراهيم، عن العالم «ع» من قوله:

«فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.» «3»

إذ ظاهره أن المقدار المدفوع إليه هو ما يردّه إلى وطنه لا أزيد، بل ظاهره صرف هذا المقدار فيه لا دفعه إليه.

(2) إذ لا دليل على وجوب الفسخ عن العزيمة و ترك الوطر إذا فرض كونه

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 103.

(2)- المغني 7/ 329.

(3)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 147

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 147

[لو فضل ممّا أعطي شي ء]

و لو فضل ممّا أعطي شي ء- و لو بالتضييق على نفسه- أعاده على الأقوى، من غير فرق بين النقد و الدابّة و الثياب و نحوها (1).

______________________________

أمرا عقلائيا مشروعا، بل يدل على جواز الإعطاء له لإدامة السفر و قضاء الوطر بالمقدار المتعارف إطلاق الآية الشريفة و الأخبار التي مرّت، لانصرافها إلى المتعارف.

و ليس في مرسل علي بن إبراهيم دلالة على خلاف ذلك و إن توهم بدوا.

نعم لو فرض أن المسافر عزم على طيّ مسافة بعيدة و تحصيل غايات كثيرة يحتاج فيها إلى مال كثير خارج عن المتعارف ففي مثله لا يعطى أزيد مما يرده إلى وطنه، لانصراف الآية و الأخبار إلى المتعارف كما عرفت.

(1) لو فضل

شي ء مما أعطي فهل يعاد مطلقا كما نسبه في الجواهر إلى الأكثر بل المشهور، أو لا يعاد مطلقا كما في الخلاف، أو يفصّل بين ما ينتفع به مع بقاء عينه كالدابة و الثياب و الآلات و بين غيره كالنقود و الأطعمة و نحوها فيعاد في القسم الثاني دون الأول كما نسب إلى بعض؟ وجوه بل أقوال:

1- قال الشيخ في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 18): «و كذلك القول في الغارم و في سبيل اللّه و ابن السبيل لا يسترجع منهم ما يفضل من نفقتهم إذا ضيّقوا على أنفسهم أو لم ينفقوه فيما لأجله استحقوه.

و قال الشافعي: يسترجع منهم كلهم إلّا الغازي فإنه يأخذ أجرة عمله فلا يسترجع منه ما يفضل من نفقته. و إن بدا له من الغزو استرجع منه بلا خلاف.

دليلنا أنه أخذه باستحقاقه، و إيجاب استرجاعه يحتاج إلى دليل، و ليس في الشرع ما يدلّ عليه.» «1»

2- و لكن في المبسوط: «و إن دفع إليه قدر كفايته فضيّق على نفسه حتى فضل له فضل و وصل إلى بلده استرجع منه لأنه غنيّ في بلده. و الغازي إذا ضيّق على نفسه و فضل معه فضل إذا فرغ من غزوه لا يسترجع منه لأنه يعطى

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 351.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 148

..........

______________________________

مع الغنى و الفقر.» «1»

3- و في الشرائع: «و يدفع إليه قدر الكفاية إلى بلده، و لو فضل منه شي ء أعاده. و قيل: لا.» «2»

4- و في المغني: «و إن فضل معه شي ء بعد رجوعه إلى بلده ردّه، لأنه أخذه للحاجة و قد حصل الغنى بدونه فأشبه ما لو أخذه لغزو فلم يغز. و إن كان فقيرا أو اتصل بسفره

الفقر أخذ الفضل لفقره ...» «3»

أقول: نظر الشيخ- قدّس سرّه- في الخلاف إلى أن المدفوع إليه يصير ملكا له، فلا وجه لاسترجاعه منه، إذ وزان ما يفضل منه بعد الوصول إلى وطنه وزان ما يدفع إلى الفقير حين فقره ثم يعرض له الغنى، و السبب للتمليك لا يوجب تقيّد الملكية الحاصلة به.

و يمكن المناقشة في ذلك بأن ابن السبيل في الآية مدخول للفظة: «في» تقديرا، فهو مصرف محض، و لا دليل على حصول الملكية، و الحكم تابع لموضوعه، فلا يستحق هو إلّا مقدارا يخرجه عن كونه ابن السبيل، و لا دليل على جواز التمليك، و لو سلّم فلعل الملكية مشروطة أو مقيدة، أعني ملكية الصرف في هذا العنوان الخاص، فإذا خرج عن كونه كذلك انكشف عدم ملكيته لما فضل.

و بالجملة فالمتيقن من التشريع هو الصرف فيه ما دام كذلك أو التمليك المشروط أو المقيد أو المتزلزل القابل للفسخ كما قيل. و المالك أيضا امتثل ما أمر به الشرع و شرّعه، فوجب استرجاع الفاضل ليصرف في مصارفه المقررة الشرعية.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 253.

(2)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(3)- المغني 7/ 328.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 149

..........

______________________________

و إن شئت قلت: لو فرض كونه غنيا في بلده فإعطاؤها له إنما كان لحاجته الفعلية العارضة في السبيل، فلم تحلّ له إلّا بهذا المقدار، فإن الصدقة لا تحل لغني.

و لو فرض كونه فقيرا في بلده فالمفروض أن إعطاءه كان بعنوان ابن السبيل لا بعنوان الفقير فلا تحلّ له بعد زوال العنوان إلّا أن يجدّد التمليك له. نعم لو فرض ملاحظة كلا العنوانين حين الإعطاء لم يجز الاسترجاع.

و في المسالك في ذيل عبارة الشرائع قال: «و لا فرق في

ذلك بين النقدين و المتاع و الدابة.» «1»

و في الجواهر بعد نقل ما في المسالك قال: «و كأنّه أشار إلى ما عن نهاية الفاضل من أنه لا يستردّ منه الدابة، لأنه ملكها بالإعطاء. بل عن بعض الحواشي إلحاق الثياب و الآلات بها، و لعلّ ذلك لأن المزكّي يملك المستحق عين ما دفعه إليه، و المنافع تابعة، و الواجب على المستحق ردّ ما زاد من العين على الحاجة، و لا زيادة في هذه الأشياء إلا في المنافع، و لا أثر لها مع ملكية تمام العين، اللّهم إلا أن يلتزم انفساخ ملكه عن العين بمجرد الاستغناء لأن ملكه متزلزل فهو كالزيادة التي تجدد الاستغناء عنها.» «2»

أقول: ما حكاه عن نهاية العلامة لم أجده في باب ابن السبيل منه و إنما الموجود فيه في المقام هو قوله: «و لو دفع إليه شي ء ففضل عن حاجته أعاده.» «3»

و أما ما ذكره في مقام التوجيه لما حكاه فإنما يصحّ لو فرض تمليك الدابة و نحوها ملكية مطلقة. و يمكن منع صحة ذلك، إذ جعل ابن السبيل في الآية مصرفا.

______________________________

(1)- المسالك 1/ 61.

(2)- الجواهر 15/ 377.

(3)- نهاية الإحكام 2/ 395.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 150

فيدفعه إلى الحاكم و يعلمه بأنه من الزكاة (1).

[لو كان في وطنه و أراد إنشاء السفر المحتاج إليه]

و أماّ لو كان في

______________________________

اللّهم إلّا أن يقال: إن للصرف أنحاء و منها التمليك فيتمسك لصحته بإطلاق الآية.

أو يقال: بأن المتعارف في أبناء السبيل كثيرا ما كان هو التمليك المطلق و إعراض المعطي عن المال بالكلية في مثل الثوب و النقود و الأطعمة و نحوها و لم يعهد في عصر من الأعصار تعقيب أبناء السبيل و الاسترجاع و الإرجاع منهم، فيصير إطلاق الآية و الرواية منصرفا إلى

ما تعارف. و لعل الأمر في مثل الدوابّ القيّمة الثمينة كان بالعكس، نظير السيارات في أعصارنا. فلو سلّم التفصيل كان الأولى عكس ما حكاه في الجواهر عن النهاية.

و بالجملة فاللازم على ابن السبيل السؤال ممن أعطاه المال من المزكيّ أو المتصدي لبيت المال و أنه هل ملّكه ملكية مطلقة أو مقيدة أو أباح له التصرف موقتا، و لو لم يتيسّر ذلك يرجع إلى المتعارف في مثل هذا المال.

و الأقوى في المسألة هو الإرجاع في ما تعارف الإرجاع في مثله، و إلّا فعلى الأحوط، إلّا إذا كان فقيرا في الوطن و أعطي بلحاظ كلا العنوانين، فتدبر.

(1) هل الواجب دفعه إلى الحاكم مطلقا، أو الى المالك، أو إليه إن أمكن و إلّا فإلى الحاكم فإن تعذرا صرفه بنفسه إلى المستحق مطلقا أو إلى خصوص أبناء السبيل؟ في المسألة وجوه:

قال في الروضة: «و يجب ردّ الموجود منه و إن كان مأكولا على مالكه أو وكيله، فإن تعذر فإلى الحاكم، فإن تعذر صرفه بنفسه إلى مستحق الزكاة.» «1»

أقول: و يوجه الأول بأن المدفوع تعيّن كونه زكاة إما بالعزل أو بالدفع، و اختيار بيت المال بيد الحاكم.

______________________________

(1)- الروضة 2/ 50.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 151

وطنه و أراد إنشاء السفر المحتاج إليه و لا قدرة له عليه فليس من ابن السبيل (1).

______________________________

و يوجّه الثاني بمنع خروج الفاضل عن ملك المالك. و لو سلّم فيمكن كونه مثل الدخول في ملك القابض متزلزلا. و لو سلّم فاختيار تعيين المصرف بيد المالك و لو مع تعينه زكاة و له الولاية على ذلك كما هو المستفاد من أدلّة إيتاء الزكاة و منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج. «1» نعم لو أحرز إعراضه عن حقّه

هذا جاز إعطاؤه للحاكم.

و يوجّه الثالث بأنه إذا تعذر الدفع إلى المالك فلا محالة يرجع إلى الحاكم حفظا لحق المستحقين. و بذلك أيضا يوجّه إعطاؤه بنفسه إن تعذر الدفع إليهما، و لكن لا يتأتى هذا الوجه إن قيل بالرجوع إلى ملك المالك، لصيرورته ملكا شخصيا له.

و الأقوى أن المال يتعين زكاة بالعزل كما مرّ في محلّه «2»، فلا يرجع إلى ملك المالك، و حينئذ فإن أحرز إعراضه عن حقه في تعيين المصرف دفع إلى الحاكم و إلّا فالأقوى دفعه إليه، فإن تعذر فإلى الحاكم و إلّا صرفه بنفسه حسبة، و الأحوط صرفه في ابن السبيل لكونه أقرب بنظر المالك و إذنه. هذا كله إن كان الدافع هو المالك.

و أما إذا كان الدافع هو الإمام و الحاكم فلا وجه للعود إلى المالك، فتدبر.

(1) لا يخفى أن الظاهر من ابن السبيل من كان متلبسا بالسفر فعلا و انقطع عن ماله و أهله، فلا يشمل من أراد إنشاء سفر محتاج إليه و لم يجد مئونة سفره و إن جاز الدفع إليه من سهم الفقراء أو سبيل اللّه مع انطباقهما عليه. و لكن المسألة مختلف فيها بين فقهاء السنة و سرت إلى فقهنا أيضا، فلنتعرض لها اجمالا:

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- راجع ج 2 ص 173 و ما بعدها من الكتاب، المسألة 34 من فصل زكاة الغلات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 152

..........

______________________________

1- ففي الخلاف (المسألة 22 من كتاب قسمة الصدقات): «ابن السبيل هو المجتاز، دون المنشئ لسفره من بلده. و به قال مالك. و قال أبو حنيفة و الشافعي:

يدخلان جميعا فيه. دليلنا أن من اعتبرناه مجمع على دخوله فيه، و

ليس على ما قالوه دليل.» «1»

2- و في المبسوط: «و أما ابن السبيل فعلى ضربين: أحدهما: المنشئ للسفر من بلده. الثاني: المجتاز بغير بلده، و كلاهما يستحق الصدقة عند أبي حنيفة و الشافعي، و لا يستحقها إلا المجتاز عند مالك، و هو الأصحّ لأنهم «ع» فسّروه فقالوا:

هو المنقطع به و إن كان في بلده ذا يسار، فدلّ على أنه المجتاز.» «2»

3- و في المغني لابن قدامة: «و ابن السبيل هو المسافر ليس له ما يرجع به إلى بلده و له اليسار في بلده فيعطى ما يرجع به، و هذا قول قتادة، و نحوه قال مالك و أصحاب الرأي.

و قال الشافعي: هو المجتاز و من يريد إنشاء السفر إلى بلد أيضا، فيدفع إليهما ما يحتاجان إليه لذهابهما و عودهما لأنه يريد السفر لغير معصية فأشبه المجتاز.

و لنا أن ابن السبيل هو الملازم للطريق الكائن فيها، كما يقال: ولد الليل للذي يكثر الخروج فيه، و القاطن في بلده ليس في طريق و لا يثبت له حكم الكائن فيها ...» «3»

أقول: صدق ابن السبيل لا يتوقف على اليسار في البلد بل يكون أعم. و الظاهر أن المراد بأصحاب الرأي أبو حنيفة و أصحابه، فما حكاه عنهم يخالف ما حكاه الشيخ عن أبي حنيفة. هذا.

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 352.

(2)- المبسوط 1/ 252.

(3)- المغني 7/ 328.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 153

..........

______________________________

4- و لكن في المختلف: «و قال ابن الجنيد: و سهم ابن السبيل فإلى المسافرين في طاعات اللّه و المريدين لذلك و ليس في أيديهم ما يكفيهم لسفرهم و رجوعهم إلى منازلهم إذا كان قصدهم في سفرهم قضاء فرض أو قياما بسنّة.» «1»

5- و في الدروس: «و ابن السبيل و

هو المنقطع به في غير بلده و إن كان غنيا في بلده فيأخذ ما يبلغه بلده، و لو فضل أعاده. و قيل: منشئ السفر كذلك، و هو حسن.» «2»

6- و في الروضة: «و منشئ السفر مع حاجته إليه و لا يقدر على مال يبلغه ابن سبيل على الأقوى.» «3» و نسبه في الجواهر «4» إلى اللمعة، و لعل العبارة في نسخته كانت مع الخط فوقها.

7- و في أمّ الشافعي: «و ابن السبيل من جيران الصدقة الذين يريدون السفر في غير معصية فيعجزون عن بلوغ سفرهم إلّا بمعونة على سفرهم.» «5»

و كيف كان فالظاهر كما مرّ عدم صدق ابن السبيل على غير المسافر فعلا، و إطلاقه على من يريده بلحاظ ما يؤول على فرض صحّته إطلاق مجازيّ لا يحمل اللفظ عليه إلّا بقرينة.

و قد مرّ في مرسل علي بن إبراهيم، عن العالم «ع» قوله: «و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم.» «6»

______________________________

(1)- المختلف/ 182.

(2)- الدروس/ 62.

(3)- الروضة 2/ 50.

(4)- الجواهر 15/ 373.

(5)- الأمّ. 2/ 26.

(6)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 154

نعم لو تلبّس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاؤه من هذا السهم و إن لم يتجدّد نفاد نفقته بل كان أصل ماله قاصرا (1)، فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل.

نعم لو كان فقيرا يعطى من سهم الفقراء.

______________________________

و في مصباح الفقيه بعد تضعيف هذا القول قال ما ملخّصه: «و قياس مريد السفر من وطنه على مريد الخروج من موضع الإقامة مع انقطاع سفره بإقامة العشرة قياس مع الفارق،

فإن كون الإقامة أو البقاء ثلاثين يوما مترددا قاطعة للسفر شرعا لا يوجب صيرورة محل الإقامة وطنه حقيقة حتى يخرج بذلك المسافر عن موضوع ابن السبيل، خصوصا إذا كان توفقه في ذلك المكان مسببا عن نفاد زاده و راحلته و عدم تمكنه من المسافرة عنه، فإن هذا يؤكّد كونه ابن السبيل عرفا.» «1»

(1) في الجواهر بعد دعوى فساد ما حكي عن ابن الجنيد و الشهيد في المقام قال: «نعم لا بأس بالدفع إليه من سهم سبيل اللّه، كما أنه لا بأس بالدفع إليه بعد تلبّسه بالسفر على وجه يصدق عليه أنه ابن سبيل، إذ لا نعتبر فيه حدوث انقطاع الطريق به بتجدد ذهاب ماله، بل يكفي فيه انقطاع الطريق به و لو لقصور أصل ماله، و لعل ذا هو الذي دعا الشهيد إلى عدّه ابن سبيل، لأنه بمجرد تلبسه بالسفر و خروجه إلى محل الرخصة يصدق عليه ذلك فلا فائدة في اعتبار حصول ذلك منه، لكنه بعد تسليم الصدق عليه بذلك لا بدّ من تحققه في جواز التناول و التصرف لتوقف صدق الموضوع عليه، و الأول إليه غير كاف قطعا.» «2»

أقول: الظاهر من الآية الشريفة و الأخبار و الفتاوى الواردة في ابن السبيل إرادة من خرج من بيته مسافرا لغاية عقلائية و هيأ لنفسه وسائل السفر و حاجاته

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 103.

(2)- الجواهر 15/ 373.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 155

[إذا علم استحقاق شخص للزكاة و لكن لم يعلم من أيّ الأصناف]

[المسألة 30]: إذا علم استحقاق شخص للزكاة و لكن لم يعلم من أيّ الأصناف، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف (1)، بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة.

______________________________

حسب المتعارف عند العقلاء ثم انكشف في أثناء السفر عدم

كفايتها أو اتفق تلفها أو سرقتها أو نحو ذلك من الأمور الطارية.

و أما من كان ملتفتا من أول الأمر إلى نقص ماله و عدم كفايته و سافر اعتمادا على إنفاقات الناس و ما شرّعه اللّه- تعالى- من الزكاة لأبناء السبيل فشمول الآية و الروايات له لا يخلو من إشكال، إذ لا يصدق على مثله قوله: «فيقطع عليهم و يذهب مالهم» و قوله: «المجتاز المنقطع به» و نحو ذلك مما مرّ في الأخبار.

و لم يشرّع هذا الحكم لترغيب الناس في الأسفار بلا تهيئة لمقدماته و حاجاته.

و أما ما ذكره في الجواهر من الدفع من سهم سبيل اللّه فهو مبني على ما مرّ منه من التعميم لكل قربة و لو كانت شخصية، و قد مرّ البحث في ذلك.

نعم بعد اتفاق ذلك للشخص و فقره في السفر يمكن القول بالدفع إليه من سهم الفقراء بناء على كون الملاك الفقر بحسب حاله الفعلي، نظير من كان له أموال كثيرة و لكنها خارجة عن تحت اختياره و تصرّفه مطلقا، فإن الفقير يصدق عليه حينئذ.

و يمكن أن يقال بجواز إعطائه من سهم ابن السبيل بمقدار عوده إلى الوطن فقط دون قضاء وطره، فتدبّر.

(1) أقول: المسألة مبتنية على عدم وجوب البسط على الأصناف الثمانية، كما هو الحقّ و سيأتي البحث فيه.

فالمهم إعطاء الزكاة للمستحق بقصد القربة، و لا دليل على اعتبار تعيين جهة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 156

..........

______________________________

الاستحقاق بعد العلم بأصله.

و يمكن التمسك لذلك أولا بإطلاق بعض الأدلّة كقوله «ص» مثلا في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم.» «1» فتأمّل.

و ثانيا بالإطلاق الحالي، إذ لو كان التعيين واجبا لوجب بيانه و لو بدليل مستقل. إذ في المسائل

المبتلى بها يجب بيان حدودها و شرائطها و قيودها و لو كانت من القيود المنتزعة من نفس الأمر كقصد الأمر و نحوه فكيف بما ليس كذلك.

و جعل الزكاة في لسان الدليل للأصناف الثمانية لا يلازم اعتبار قصد عناوينها في مقام الامتثال، و إن كان الغالب في مقام الامتثال قصدها قهرا مع العلم بها.

و ثالثا بأصالة البراءة في كل ما شك في جزئيته أو شرطيته أو مانعيته على فرض عدم وجود الإطلاق.

فإن قلت: لا مجال للتمسك بإطلاق اللفظ و لا بأصل البراءة في الشك في القيود المنتزعة من نفس الأمر المتأخرة عنه رتبة كقصد الأمر، و قصد الوجوب أو الندب، و قصد العنوان الواقع تحت الأمر و نحو ذلك. أما التمسك بالإطلاق اللفظي فلأن هذه القيود ليست من انقسامات الموضوع و حالاته بل من كيفيات الامتثال المتأخرة عن الأمر بمرتبة و عن الموضوع بمرتبتين، و إذا لم يمكن تقييد الموضوع بها لم يكن له إطلاق أيضا بالنسبة إليها.

و أما التمسك بالبراءة فلأن الشك هنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم، فيحكم العقل بوجوب الخروج عن عهدته.

قلت: ما ذكرت هو محصل ما اختاره صاحب الكفاية، و لكن نحن قد بينا

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 157

[إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا]

[المسألة 31]: إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا لجهة راجحة أو مطلقا (1)

______________________________

في محله جواز التمسك بالإطلاق و كذا بالأصل و لو في هذه القيود، إذ يمكن أخذها في لسان الدليل في مقام الجعل و لا يتحقق محذور في مقام الامتثال أيضا، إذا الأمر كما يدعو إلى نفس المتعلق يدعو إلى أجزائه و مقدماته الوجودية

و العلمية أيضا و به يتحقق عباديتها أيضا.

ثم إن القول بعدم الإطلاق بالنسبة إلى ما لا يصح التقييد به أيضا مردود عندنا، اذ الإطلاق ليس بمعنى لحظ القيود بل بمعنى رفضها و كون الطبيعة بنفسها تمام الموضوع للحكم، فإذا امتنع تقييد الطبيعة بالنسبة إلى قيد وجب إطلاقها بالنسبة إليها. هذا.

و محل البحث في المسألة مبحث التعبدي و التوصلي من علم الأصول.

و بما ذكرنا يظهر الحال في الفرض الثاني الذي ذكره المصنف أعني فيما إذا علم استحقاقه من جهتين أو جهات.

و كما يجوز إعطاؤه حينئذ بلا تعيين جهة يجوز إعطاؤه تارة لجهة خاصة و أخرى لجهة أخرى مع بقاء الاستحقاق، فتدبر.

(1) بناء على كفاية الرجحان في أصل الطبيعة المنذورة و أنه لا دليل على اعتباره في الأوصاف و الخصوصيات الفردية أيضا، فلو نذر أن يتصدق على فقير معين وجب العمل به و لا يجوز العدول عنه إلى غيره و إن كان الغير أحوج و أفضل، و قد قالوا بذلك في باب الصلاة و الصوم و العتق و نحو ذلك أيضا: «فلو نذر أن يصلّي في مكان خاصّ أو وقت معيّن وجب العمل به و إن كان الغير أفضل، إذ المنذور ليس هو المكان أو الوقت حتى يرد أنه لا رجحان فيه، بل الصلاة فيهما و هي راجحة. و راجع في تفصيل المسائل كتاب النذر من الجواهر. «1»

هذا إن كان المنذور أصل إعطاء الزكاة بحيث كان النذر محرّكا إياه نحوه غاية

______________________________

(1)- راجع الجواهر 35/ 408 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 158

ينعقد نذره فإن سهى فأعطى فقيرا آخر أجزأ (1)، و لا يجوز استرداده و إن كانت العين باقية. بل لو كان ملتفتا إلى

نذره و أعطى غيره متعمّدا أجزأ أيضا (2)، و إن كان آثما في مخالفة النذر و تجب عليه الكفّارة، و لا يجوز استرداده أيضا لأنّه قد ملك بالقبض.

______________________________

الأمر إضافتها إلى زيد فصار زيد متعلقا للنذر تبعا، و أما إن كان نذره متعلقا بتطبيق الفقير على زيد فالظاهر اعتبار الرجحان فيه لأنه المتعلق للنذر.

(1) قالوا لأن في نذر الفعل لا يثبت للمنذور له ملك و لا حقّ، بل المال بعد باق على ما كان، فإذا أعطاه لفرد آخر من المستحقين صار مالكا له بالقبض و سقط أمر الزكاة و ارتفع موضوع النذر. و حيث وقع ذلك سهوا فلا عصيان و لا كفارة.

اللّهم إلّا أن يقال: إن مفاد صيغة النذر جعل حقّ للّه- تعالى- فقبل النذر و إن كان المالك مختارا في إعطاء زكاته لأيّ فقير كان و لكنه بالنذر حدّد سلطنة نفسه و حصرها في الإعطاء لخصوص المنذور له و نفّذه الشارع بإيجاب الوفاء فصار الفعل حقا للّه- تعالى- و المال متعلقا لحقه فلا يقع ما أعطى لغيره زكاة.

و على هذا فالأحوط للفقير الأول إرجاع عين ما أخذ مع بقائها و قيمتها مع التلف و العلم بالحال، و للناذر إعطائها للمنذور له.

و لو لم يتمكن من الاسترجاع ضمنها بالمثل أو القيمة، نظير ما إذا أعطاها لشخص بظنّ أنه فقير فبان غنيا. و قد مرّ تفصيل المسألة في المسألة الثالثة عشرة من هذا الفصل، فراجع. «1»

(2) قيل: لبقاء الأمر الزكاتي بإطلاقه، و لا يوجب الأمر النذري تقييد متعلقه، بل هو متأخر عنه رتبة لأخذه في موضوعه، فلا ينافي العصيان و الحنث

______________________________

(1)- راجع ج 2 ص 386 و ما بعدها من الكتاب.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 159

..........

______________________________

بالنسبة إليه حصول الامتثال بالنسبة إلى الأمر الزكاتي بعد بقائه على اطلاقه هذا.

و لكن يمكن أن يناقش كما في المستمسك «1».

أولا بأن الظاهر من صيغة النذر كما مرّ جعل حقّ للّه- تعالى- و قصر سلطنة نفسه، و قد نفّذه الشارع و أوجب الوفاء به، فليس له إيجاد متعلق الزكاة إلّا في المنذور و لا يقع ما يدفعه إلى غيره زكاة.

و ثانيا بأن إفراغ الذمة بغير المنذور يوجب ارتفاع موضوع النذر و سلب القدرة على امتثاله عمدا فيقع مبغوضا عليه، و المبغوض لا يصلح لأن يتقرب به فيبطل لذلك.

و لأجل ذلك أيضا اخترنا في محلّه بطلان الصلاة في الدار المغصوبة و إن قلنا بإطلاق كل من متعلقي الأمر و النهي في مرحلة التشريع و عدم تقيد أحدهما بالآخر في هذه المرحلة.

إذ بقاؤهما بإطلاقهما في مرحلة التشريع و في ناحية المولى لا ينافي البطلان بسبب الاتحاد في الوجود في مرحلة الامتثال و في ناحية العبد بسوء اختياره.

اللّهم إلّا أن يقال: لا نسلّم تقوّم العبادة بقصد القربة و صلوح الفعل للمقربية، بل يكفي فيها داعويّة أمر المولى و كون أمره محركا للعبد نحو العمل بحيث لولاه لم يصدر عنه، و هذا متحقق في المقام بعد بقاء المأمور به على إطلاقه و كون المأتى به مصداقا له، فتدبّر. هذا.

و مقتضى البطلان في المقام جواز استرجاع العين مع بقائها و قيمتها مع التلف و العلم بالحال، نعم لا ضمان على الآخذ إن جهل بالحال لكونه مغرورا، و على الناذر إعادة الزكاة و لا حنث و لا كفارة.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 272.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 160

..........

______________________________

و يظهر من الجواهر «1» الاستدلال للبطلان و عدم الإجزاء في نظير المقام بما رواه

في الوسائل عن الكافي و التهذيب بسند صحيح عن علي بن مهزيار، قال: قلت لأبي الحسن «ع»: رجل جعل على نفسه نذرا إن قضى اللّه حاجته أن يتصدق بدراهم (في مسجده بألف درهم نذرا- التهذيب)، فقضى اللّه- عزّ و جلّ- حاجته فصيّر الدراهم ذهبا و وجّهها إليك، أ يجوز أو يعيد؟ فقال: يعيد. «2»

أقول: يمكن أن يفرق بين باب الزكاة و بين الصدقة المندوبة بما مرّ من بقاء الأمر الزكاتي بإطلاقه.

و أما في مورد الرواية أعني الصدقة المندوبة فحيث إن المفروض إيجاب الصدقة بالنذر لمورد خاص فلا محالة إذا صرفها في مورد آخر بقي الأمر النذري بحاله فوجب امتثاله، و الصدقة قابلة للتكرّر، فتدبّر. هذا.

و الأحوط في مسألتنا للآخذ إرجاع ما أخذ، و للناذر إعادة الزكاة، و كذا في الفرض السابق. و الأحوط في صورة العمد إعطاء الكفارة أيضا.

و نظير المقام ما لو نذر أن يأتي بصلاة معينة جماعة، فأتى بها فرادى، أو في المسجد مثلا فأتى بها في الدار، حيث إن المأتي بها و إن قصد بها القربة و لكنها بوجودها معجّزة عن العمل بالنذر فتقع مبغوضا عليها فتبطل لذلك، اذ يشترط في صحة العبادة مضافا إلى قصد القربة صلوح العمل أيضا لأن يتقرب به، كما مرّ. و إن شئت قلت: صحة الصلاة في المقام تستلزم حنث النذر، فتصير مبغوضا عليه لذلك فتبطل، و ما استلزم وجوده عدم نفسه محال فتكون الصحة محالا. و مقتضى ذلك بطلان الصلاة المأتي بها على

______________________________

(1)- الجواهر 35/ 420.

(2)- الوسائل 16/ 193، الباب 9 من كتاب النذر و العهد، الحديث 1 (- طبعة أخرى 16/ 232)؛ عن الكافي 7/ 456، و التهذيب 8/ 305.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص:

161

[إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثمّ تبيّن له عدم وجوبها عليه]

[المسألة 32]: إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثمّ تبيّن له عدم وجوبها عليه جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية (1)، و أمّا إذا شكّ في وجوبها عليه و عدمه فأعطى احتياطا ثمّ تبيّن له

______________________________

خلاف النذر و حرمتها أيضا من باب التجرّي و عدم تحقق الحنث لبقاء القدرة على الامتثال.

اللّهم إلّا إذا أتى بها كذلك في آخر الوقت، فإنها حينئذ توجب سلب القدرة على الامتثال فيقع الحنث قهرا.

و لا ينتقض ما ذكرناه هنا بمسألة إزالة المسجد و الصلاة حيث حكمنا فيها بصحة صلاة من ترك الإزالة و صلّى، إذ في تلك المسألة ليست الصلاة معجّزة عن الإزالة حتى تصير مبغوضا عليها بخلاف المقام.

ثم لا يخفى أن هذا كله على فرض القول بعدم إمكان تبديل الامتثال و أنه إذا حصل الامتثال سقط الأمر قهرا. و إلّا فلا توجب صحة ما أتى به تعجيزا بالنسبة إلى متعلق النذر بل يأتي به ثانيا و يختار اللّه- تعالى- أحبّهما إليه، كما ورد في الصلاة المعادة جماعة «1» بناء على التعدّي عن المورد إلى أمثاله، فتدبّر.

(1) أو تالفة مع علم الآخذ بالحال، و أما مع جهله فهو مغرور من قبل الدافع فلا يضمن له.

و وجه جواز الاسترجاع أن الإعطاء للفقير كان بعنوان الزكاة، فإذا انكشف الخلاف تبيّن بقائها على ملك المالك.

و قول أبي جعفر «ع» في صحيحة محمد بن مسلم: «و لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى وجه اللّه» «2» لا يشمل المقام بعد انكشاف عدم كونه زكاة و صدقة.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 5/ 456، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10.

(2)- الوسائل 13/ 334، الباب 3 من كتاب الهبات، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص:

162

عدمه فالظاهر عدم جواز الاسترجاع و إن كانت العين باقية (2).

______________________________

(2) إذ معنى الاحتياط هو القصد إلى التمليك المطلق للمستحق، سواء وجبت عليه الزكاة واقعا أم لا، فخرجت العين عن ملك المالك مطلقا فلا يجوز استرجاعها.

و لكن يمكن أن يقال: إن هذا صحيح إن قصد الدافع الصدقة و القربة بنحو الإطلاق و تردّدت بين الزكاة الواجبة و الصدقة المندوبة.

و أما إن تردّدت بين الزكاة الواجبة و الهبة مثلا و كانت العين باقية بحالها و هيئتها و كان الآخذ أجنبيا فلا وجه لعدم جواز الاسترجاع بعد انكشاف عدم كونها زكاة، و قد أشار إلى ذلك الأستاذ الإمام- طاب ثراه- في حاشيته في المقام، و به صرّح في المستمسك أيضا. «1»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 273.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 163

7- فصل في أوصاف المستحقّين و هي أمور:

اشارة

فصل في أوصاف المستحقّين و هي أمور:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 165

1- الإيمان

اشارة

الأوّل: الإيمان، فلا يعطى للكافر بجميع أقسامه، و لا لمن يعتقد خلاف الحقّ من فرق المسلمين (1).

[أرادوا بالإيمان الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر]

______________________________

(1) أقول: أرادوا بالإيمان معناه الأخص، أعني الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر، فلنذكر بعض الكلمات في المقام:

1- قال الشيخ في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 2): «لا يجوز أن يعطى شي ء من الزكاة إلا المسلمين العارفين بالحق، و لا يعطى الكفار لا زكاة المال و لا زكاة الفطرة و لا الكفارات. و قال الشافعي: لا يدفع شي ء منها إلى أهل الذمة، و به قال مالك و الليث بن سعد و أحمد و إسحاق و أبو ثور. و قال ابن شبرمة: يجوز أن يدفع إليهم الزكوات: زكاة الفطرة و زكاة الأموال. و قال أبو حنيفة: لا تدفع إليهم زكاة الأموال، و يجوز أن يدفع إليهم زكاة الفطرة و الكفارات.

دليلنا إجماع الفرقة. و أيضا فقد اشتغلت الذمة بالزكاة بلا خلاف فإذا أعطى لغير المسلم لم تبرأ ذمته بيقين.» «1»

أقول: تعرضهم لخصوص أهل الذمة كان من جهة كونهم تحت لواء الدولة الإسلامية، و وضوح أن الكافر الحربي المحارب للإسلام و أهله لا يعطى من الزكاة،

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 346.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 166

..........

______________________________

إذ كل معونة له ربما تتحول إلى قوة و سلاح ضدّ الإسلام و المسلمين.

2- و في النهاية بعد ذكر الأصناف الثمانية قال: «و الذين يفرق فيهم الزكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحق معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك فلا يجوز أن يعطوا الزكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق لم يجزأه و كان عليه الإعادة.» «1»

أقول: ظاهر ذيل كلامه التعرض لوظيفة الشخص الذي تعلق الزكاة بماله، و ظاهر الصدر التعميم

له و للحاكم الإسلامي إذا اجتمع عنده الزكوات و كان هو المقسّم لها.

اللّهم إلا أن يقال: إن يقال: إن هذه الكلمات من أصحابنا منصرفة عن وظائف الحكومات لعدم كونها مطرحا عندهم، و سيأتي البحث في ذلك.

3- و في الشرائع: «الوصف الأول: الإيمان، فلا يعطى كافرا و لا معتقدا لغير الحق.» «2»

4- و في الجواهر في ذيل الكافر قال: «بجميع أقسامه في غير التأليف و سبيل اللّه بلا خلاف معتدّ به بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر، بل يمكن دعوى كونه من ضروريات المذهب أو الدين.» «3»

5- و في ذيل المعتقد لغير الحق قال: «من سائر فرق المسلمين بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر كالنصوص خصوصا في المخالفين.» «4»

______________________________

(1)- النهاية/ 185.

(2)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(3)- الجواهر 15/ 377.

(4)- الجواهر 15/ 378.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 167

..........

______________________________

6- و في الشرح الكبير لابن قدامة الصغير: «قال الشيخ: لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن زكاة المال لا تعطى لكافر و لا لمملوك. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمّي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا و قد قال النبي «ص» لمعاذ: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم.» ...

إلا أن يكون الكافر مؤلفا قلبه فيجوز الدفع إليه، و كذلك إن كان عاملا على إحدى الروايتين ...» «1»

أقول: و يدل على عدم جواز الإعطاء للكافر- مضافا إلى الإجماع و بعض الأخبار الآتية- الأولوية القطعية، حيث إن مقتضى عدم جواز الإعطاء للمسلم غير العارف عدم جواز إعطائه للكافر بطريق أولى.

[عدم جواز الإعطاء لغير المؤمن العارف]

و أما

عدم جواز الإعطاء لغير المؤمن العارف فيدل عليه مضافا إلى الإجماع أخبار كثيرة لعلها تبلغ حدّ التواتر، فلنذكر بعضها:

1- صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا «ع»، قال: سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: لا، و لا زكاة الفطرة.» «2»

2- خبر ضريس، قال: سأل المدائني أبا جعفر «ع»، قال: أن لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟ فقال: في أهل ولايتك، فقال: إني في بلاد ليس بها أحد من أوليائك، فقال: «ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم و لا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غدا إلى أمرك لم يجيبوك و كان و اللّه الذبح.» «3»

و لا يخفى أن السند إلى ضريس صحيح، و لكن ضريس مشترك بين رجال

______________________________

(1)- ذيل «المغني» 2/ 709.

(2)- الوسائل 6/ 152، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 152، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 168

..........

______________________________

كلهم مجاهيل.

و ظاهر الخبر و كثير من الأخبار كونها بصدد بيان وظيفة المزكّي نفسه و لا تعرّض فيها لوظيفة الإمام. لو اجتمعت عنده الزكوات.

3- صحيحة علي بن بلال، قال: كتبت إليه أسأله هل يجوز أن أدفع زكاة المال و الصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا لأصحابك.» «1»

و علي بن بلال بغدادي من أصحاب الجواد و الهادي و العسكري- عليهم السلام- ثقة.

و هل المراد بالصدقة في الحديث خصوص الزكاة و العطف تفسيري، أو الأعم فيشمل الصدقة المندوبة أيضا؟ الأظهر هو الثاني و لكن الإفتاء بتعميم الحكم مشكل، اللّهم إلا أن يكون أعانتهم بالصدقة سببا لتقوية الباطل.

4- خبر عمر بن يزيد، قال: سألته عن الصدقة على النّصاب

و على الزيدية، فقال: لا تصدق عليهم بشي ء، و لا تسقهم من الماء إن استطعت، و قال: الزيدية هم النّصاب.» «2»

أقول: الصدقه في الحديث ظاهرة في الأعم، و فيه نحو مبالغة، و لعل الزيدية في ذلك العصر كانوا متجاهرين بالنصب و العدواة للأئمة «ع»، و المعونة لهم كانت موجبة لتقوية جنود الباطل، و الأحاديث الموسمية في أخبارنا كثيرة.

5- خبر عبد اللّه بن أبي يعقور، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: جعلت فداك ما تقول في الزكاة؟ لمن هي؟ قال: فقال: هي لأصحابك. قال: قلت: فإن فضل عنهم؟

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 152، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 169

..........

______________________________

فقال: فأعد عليهم. قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم. قال: قلت: فان فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم. قال: قلت: فان فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم. قلت:

فنعطي السؤال منها شيئا؟ قال: فقال: لا و اللّه إلّا التراب إلّا أن ترحمه، فإن رحمته فأعطه كسرة، ثم أومأ بيده فوضع إبهامه على أصول أصابعه.» «1»

و لعلّ أكثر السؤال كانوا من غير الشيعة.

6- خبر إبراهيم (بن- التهذيب) الأوسي عن الرضا «ع»، قال: سمعت أبي يقول كنت عند أبى يوما فأتاه رجل فقال: إني رجل من أهل الريّ و لي زكاة فإلى من أدفعها؟ فقال: إلينا. فقال: أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال: بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا، فقال: إني لا أعرف لها أحدا. فقال: فانتظر بها سنة، قال:

فإن لم أصب لها أحدا؟ قال: انتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين. ثم قال له: إن لم تصب لها أحدا فصرّها صررا

و اطرحها في البحر، فإن اللّه- عزّ و جلّ- حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدونا.» «2»

و الرواية مرسلة و الأوسي مجهول و الراوي عنه محمد بن جمهور و هو ضعيف.

أقول: في عصر الإمام الصادق «ع» كانت الزكوات و أموال بيت المال بيد الحكومة الجائرة و كانت الشيعة محرومين جدّا، فلو فرض تقسيم جميع زكوات الشيعة في أنفسهم و الإعادة عليهم أيضا لبقي بعد نفوس منهم محرومين، فكانت المصلحة في تأكيد الإمام «ع» و إصراره على عدم تعدية الزكوات عنهم.

و الإعطاء لغير الشيعة كان تقوية لجنود الباطل، فكان اللازم المنع عنهم مهما

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 170

..........

______________________________

أمكن. و هذا أمر يعرفه كل من واجه الحكومات الجائرة و السياسات الشيطانية.

و الحكم بالطرح في البحر على فرض عدم إصابة المورد لها كان من قبيل تعليق المحال على المحال كما في الوسائل، إذ فقراء الشيعة كانوا كثيرين متفرقين في البلاد، مضافا إلى عدم انحصار مصرف الزكاة في الفقراء، و إلقاء المال في البحر أولى من تقوية أهل الباطل به. و الغرض التأكيد على عدم الإعطاء لهم، كما يشهد بذلك التعليل الواقع في آخر الرواية.

7- موثقة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» أنهما قالا:

«الزكاة لأهل الولاية، قد بين اللّه لكم موضعها في كتابه.» «1»

أقول: لعل المراد من ذيل الحديث الآيات الناهية عن موادّة أهل الباطل كقوله- تعالى- في سورة المجادلة: «لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ

أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ.» الآية. «2» و الإعانة المالية من أظهر مصاديق الموادّة.

8- ما عن المقنعة، عن زرارة و بكير و الفضيل و محمد بن مسلم و بريد كلهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» أنهما قالا: «موضع الزكاة أهل الولاية.» «3»

9- ما عن تفسير الإمام العسكري «ع»، قال: «و آتوا الزكاة مستحقها و لا تؤتوها كافرا و لا منافقا و لا ناصبا.» «4»

10- خبر يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن الرضا «ع»: أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حيّ من الزكاة شيئا؟ قال: «لا تعطهم، فإنهم كفار

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 154، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(2)- سورة المجادلة (58)، الآية 22.

(3)- الوسائل 6/ 154، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 12.

(4)- الوسائل 6/ 154، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 13.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 171

..........

______________________________

مشركون زنادقة.» «1»

11- موثقة أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يكون له الزكاة و له قرابة محتاجون غير عارفين، أ يعطيهم من الزكاة؟ فقال: «لا و لا كرامة، لا يجعل الزكاة وقاية لماله، يعطيهم من غير الزكاة إن أراد.» «2»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال، فراجع الوسائل، الأبواب 3 و 5 و 7 و 16 من أبواب المستحقين «3» و منها الأخبار المستفيضة الدالة على أن المخالف إذا استبصر لا يجب عليه إعادة أعماله و عباداته إلّا الزكاة لأنه وضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية، و يأتي ذكر هذه الأخبار في المسألة الخامسة. «4»

و قال العلّامة في المنتهى: «و لا يكفي الإسلام بل لا بد من اعتبار الإيمان، فلا يعطى غير الإمامي، ذهب إليه علماؤنا

أجمع خلافا للجمهور كافّة و اقتصروا على اسم الإسلام.

لنا أن الإمامة من أركان الدين و أصوله و قد علم ثبوتها من النبي «ص» ضرورة، فالجاحد بها لا يكون مصدّقا للرسول «ص» في جميع ما جاء به فيكون كافرا فلا يستحقّ الزكاة، و لأن الزكاة معونة و إرفاق فلا يعطى غير المؤمن لأنه محادّ للّه و لرسوله. و المعونة و الإرفاق موادّة فلا يجوز فعلها مع غير المؤمن لقوله- تعالى-: لا تجد قوما يؤمنون باللّه و اليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه و رسوله.» «5»

ثم تعرض لبعض أخبار المسألة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 157، الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 171، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- راجع الوسائل 6/ 148، 151، 156 و 170 و ما بعدها.

(4)- راجع ص 203 و ما بعدها.

(5)- المنتهى 1/ 522. و الآية المذكورة من سورة المجادلة (58)، رقمها: 22.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 172

..........

______________________________

أقول: الأخبار الكثيرة الواردة في المسألة تغنينا عما ذكره من الدليلين.

و قال في المدارك بعد نقل كلامه: «و في الدليلين بحث.» «1»

و صاحب الحدائق استحسن كلام العلامة و عقب صاحب المدارك على كلامه أشدّ التعقيب، فراجع. «2»

أقول: قد مرّ منا في أوائل بحث الزكاة أن إنكار الضروري إنما يوجب الكفر إذا التفت المنكر إلى ثبوته من الدين قطعا، بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة و لو ببعضها، فلا يجري ذلك مع وجود التأويل و الشبهة.

و كيف كان فأصل اشتراط الإيمان عندنا مما لا إشكال فيه لما مرّ من الأخبار و الاجماعات المنقولة.

و ينبغي التنبيه على أمور:

[الأول: إذا فرض انعقاد الحكومة الحقّة و اجتماع الزكوات عند إمام المسلمين فله أن يقسمها في كل من يكون تحت لوائه و لو من أهل الخلاف]

الأول: ربما يخطر بالبال أن مورد هذه الأخبار بكثرتها و كذا الفتاوي خصوص ما إذا كان المتصدي لتقسيم الزكاة

شخص المزكي أو وكيله. و أما إذا فرض انعقاد الحكومة الحقّة و اجتماع الزكوات عند إمام المسلمين فله أن يقسمها في كل من يكون تحت لوائه و طاعته و إن كانوا من أهل الخلاف، نظير ما وقع في عصر خلافة أمير المؤمنين «ع». و قد مرّ منّا و يأتي أيضا أن الزكاة ضريبة إسلامية كان يأخذها النبي و يطالبها و يقسمها في مواضعها، و بعده «ص» كان يجب أن ترفع إلى إمام المسلمين و هو الأصل فيها، و لذا جعل من مصارفها العاملون عليها، و كانت الخلفاء

______________________________

(1)- المدارك/ 319.

(2)- الحدائق 12/ 203.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 173

..........

______________________________

أيضا يطالبونها، و إنما أجاز أئمتنا «ع» تقسيم من عليه الزكاة بنفسه في عصر حكومة خلفاء الجور و صيرورة الشيعة محرومين من مرافق بيت المال، فلأجل ذلك أمروا شيعتهم بصرف زكواتهم فيهم، و إنما أوجبوا على المستبصرين إعادتها لأنهم صرفوها في تقوية أهل الباطل. و يمكن أن يستفاد هذا التفصيل من صحيحة زرارة و محمد بن مسلم أنهما قالا لأبي عبد اللّه «ع»: أ رأيت قول اللّه- تبارك و تعالى-:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ» أ كلّ هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟

فقال: «إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرّون له بالطاعة.» قال زرارة: قلت:

فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: «يا زرارة، لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأما اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلا من يعرف، فمن

وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس.» ثم قال: «سهم المؤلفة قلوبهم و سهم الرقاب عام و الباقي خاص.»

قال: قلت: فإن لم يوجدوا؟ قال: «لا يكون فريضة فرضها اللّه- عزّ و جلّ- و لا يوجد لها أهل.»

قال: قلت: فإن لم تسعهم الصدقات؟ فقال: «إن اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، و لو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم، إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه- عزّ و جلّ- و لكن أوتوا من منع من منعهم حقّهم لا مما فرض اللّه لهم، فلو أن الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 143، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 174

..........

______________________________

إذ الظاهر أن قولهما: «أكل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ إشارة إلى الأصناف الثمانية. و ظاهر جواب الإمام «ع» إعطاء الجميع و إن كانوا لا يعرفون، و على هذا فلا يختص قوله: «و إنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين» بخصوص سهم المؤلفة و إن أوهم ذلك بدوا.

و قوله: «سهم المؤلفة قلوبهم و سهم الرقاب عامّ و الباقي خاص» لعله ناظر إلى وظيفة المزكي بنفسه لئلا ينافي صدر الرواية.

و ظاهر الذيل أيضا أن اللّه فرض لجميع فقراء المسلمين في أموال الأغنياء ما يسعهم،

و معلوم أن المسلمين في كل عصر يتشعبون على مذاهب مختلفة، كما كان كذلك في عصر خلافة أمير المؤمنين «ع»، و الشيعة الإمامية بالنسبة إلى غيرهم أقل قليل.

و هل كان أمير المؤمنين «ع» يخصّ الزكوات في عصر خلافته بخصوص شيعته و محبّيه؟! أو أنه كان يعطي الجميع بعنوان المؤلفة فقط؟!

بل في حديث أنه مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل فقال

أمير المؤمنين «ع»: ما هذا؟

قالوا يا أمير المؤمنين نصراني: فقال أمير المؤمنين «ع»: «استعملتموه حتى إذا كبر و عجز منعتموه؟ أنفقوا عليه من بيت المال.» «1»

و الزكوات كانت من أهم موارد بيت المال و كونها منحازة عن سائر وجوه بيت المال يشكل الالتزام به.

و لا يخفى أن بتتبع سيرة أمير المؤمنين «ع» في هذا المجال يرتفع كثير من الإشكالات.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 49، الباب 19 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 175

..........

______________________________

و بالجملة فبمقتضى ظاهر الصحيحة المؤيد بالعمل و الاعتبار نحكم بأن الإمام يعطي لكل مسلم يكون تحت لوائه و حكمه و إن لم يكن ممن يعرف.

و احتمال كون جميع ذلك من سهم المؤلفة و إرجاع الإشارة في صدر الصحيحة إلى الناس في الخارج لا إلى الأصناف الثمانية بعيد في الغاية، فتدبّر.

[الأمر الثاني: إذا خصصنا الزكاة بأهل الولاية فلا تعطى لغير الشيعة الإمامية الاثني عشرية مثل الزيدية]

الأمر الثاني: إذا خصصنا الزكاة بأهل الولاية فلا تعطى لغير الشيعة الإمامية الاثني عشرية مطلقا حتى مثل الزيدية و الواقفة و الفطحيّة و الإسماعيلية و نحوها.

و يدل على ذلك- مضافا إلى إطلاق بعض الأخبار كقوله «ع» في صحيحة علي بن بلال: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا لأصحابك»، و في خبر ابن أبي يعفور:

«هي لأصحابك»- خصوص خبري عمر بن يزيد و يونس بن يعقوب، الرابع و العاشر مما مرّ، فراجع. «1»

[الأمر الثالث: لا تعطى الزكاة لمنتحلي العقائد الفاسدة]

الأمر الثالث: لا تعطى الزكاة لمنتحلي العقائد الفاسدة:

1- ففي خبر عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا «ع»، قال: «من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة شيئا، و لا تقبلوا له شهادة أبدا. الحديث.» «2»

2- و في خبر إبراهيم بن أبي محمود، عن الرضا «ع»، عن أبيه، عن الصادق «ع»، قال: «من زعم أن اللّه يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تعطوه من الزكاة شيئا.» «3»

3- و في خبر الحسن بن العباس بن الحريش، عن بعض أصحابنا، عن الطيّب

______________________________

(1)- راجع ص 168 و 170.

(2)- الوسائل 6/ 154، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.

(3)- الوسائل 6/ 156، الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 176

..........

______________________________

يعني علي بن محمد، و عن أبي جعفر «ع» أنهما قالا: «من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة و لا تصلّوا وراءه.» «1»

أقول: في رجال المامقاني: «قال النجاشي: الحسن بن العباس بن الحريش الرازي أبو علي روى عن أبي جعفر الثاني «ع» ضعيف جدّا، له كتاب إنا أنزلناه في ليلة القدر، و هو كتاب رديّ الحديث مضطرب الألفاظ ...» «2»

4- و في خبر عبد الملك بن هشام، قال:

قلت لأبي الحسن الرضا «ع»: يعطى الزكاة من خالف هشاما في التوحيد؟ فقال برأسه: «لا.» «3»

[الأمر الرابع: المحتملات في المسألة]

الأمر الرابع: يظهر من آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- في زكاته «4» أن المحتملات في المسألة أربعة:

الأول: أن يكون الإسلام و الإيمان شرطا، فيجب إحرازهما و لا يجوز الدفع إلى مجهول الحال. و هذا هو الأقوى لظهور الأخبار في كون الولاية شرطا.

الثاني: أن يكون الكفر أو الخلاف مانعا، و يترتب عليه جواز الدفع إلى مجهول الحال إذ لو اريد بهما الاعتقاد فهو أمر حادث فيستصحب عدمه. و لو أريد بهما الاتصاف بهما و لو تبعا للوالدين فهو أيضا مسبوق بالعدم الأزلي بناء على جريان الاستصحاب فيه.

الثالث: أن يكون عدم الاتصاف بالكفر أو الخلاف بنحو السلب المحصّل شرطا، فيمكن أيضا إثباته بالاستصحاب.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 157، الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- تنقيح المقال 1/ 286.

(3)- الوسائل 6/ 157، الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 2/ 137.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 177

[إعطاء الزكاة للمستضعفين من أهل الخلاف]

حتّى المستضعفين منهم (1).

______________________________

الرابع: أن يكون الاتصاف بعدمهما بنحو المعدولة شرطا، فلا مجال لإثباته باستصحاب العدم لأنه مثبت.

أقول: الظاهر أن العدم بما هو عدم لا يعتبر شرطا، إذ الشرط ما يكون متمما لفاعلية الفاعل أو قابلية القابل. و العدم بما هو عدم لا يؤثر و لا يتأثر. و الاعتباريات تلاحظ و تعتبر على وزان الواقعيات، فتدبّر.

(1) لعموم ما مرّ من الأخبار و غيرها. هذا مع وجود المصرف لها و لو من المؤلفة أو من سبيل اللّه بإطلاقهما.

و أما لو فرض عدم وجود المصرف لها مطلقا و لو في بلد آخر فهل يجب حفظها إلى أن يوجد المصرف و لو لسنين، أو يجوز دفعها حينئذ إلى المستضعفين من أهل الخلاف كما قيل بذلك في زكاة الفطرة

و سيجي ء في محله؟ وجهان.

قال في المعتبر: «و اذا لم يوجد المؤمن هل يصرف إلى غيرهم؟ فيه قولان، أشبههما أن زكاة المال لا تدفع إلى غير أهل الولاية.» «1»

و في الجواهر: «فمع عدم المؤمن و عدم مصرف آخر شرعي تحفظ إلى حال التمكن منه، و لا تعطى للمخالف بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه لإطلاق أدلّة المنع و ظهور جملة منها و صراحة آخر في ذلك.» «2»

أقول: و يدلّ على جواز الدفع إليهم خبر يعقوب بن شعيب الحدّاد عن العبد الصالح «ع»، قال: قلت له: الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: يضعها في إخوانه و أهل ولايته. قلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: يبعث بها إليهم. قلت: فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال: يدفعها إلى

______________________________

(1)- المعتبر/ 281.

(2)- الجواهر 15/ 381.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 178

..........

______________________________

من لا ينصب. قلت: فغيرهم؟ قال: ما لغيرهم إلّا الحجر. «1»

قال في المعتبر بعد نقل الرواية: «هي نادرة و في طريقها أبان بن عثمان، و فيه ضعف.» «2»

و في المنتهى: «لا تعويل عليها لأنها شاذة و في طريقها أبان بن عثمان، و هو ضعيف.» «3»

أقول: ظاهرهما صحة الخبر إلّا من ناحية ابان و لا يخفى أنّ أبان بن عثمان و إن عدّ من الناووسية و لكنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و بناؤهم على العمل بخبره، فالرواية لا بأس به من جهة السند و دلالتها أيضا واضحة.

و قال في الجواهر: «مطرح او محمول على مستضعف الشيعة أو نحو ذلك.» «4» هذا.

و يدلّ على ذلك أيضا ما رواه في الدعائم عن جعفر بن محمد «ع»: «و لا

يعطى من الزكاة إلّا أهل الولاية من المؤمنين.» قيل له: فإذا لم يكن بالموضع وليّ محتاج إليها؟ قال: «يبعث بها إلى موضع آخر فتقسم في أهل الولاية، و لا تعط قوما إن دعوتهم إلى أمرك لم يجيبوك و لو كان الذبح، و أهوى بيده إلى حلقه. قيل له:

فإن لم يوجد مؤمن مستحق؟ قال: «يعطى المستضعفون الذين لا ينصبون.» «5»

و رواه عنه في المستدرك «6» و ربما يظنّ كون كلمة «لو» في قوله: «و لو كان الذبح» زائدة. هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(2)- المعتبر/ 281.

(3)- المنتهى 1/ 523.

(4)- الجواهر 15/ 381.

(5)- دعائم الإسلام 1/ 260، كتاب الزكاة- ذكر دفع الصدقات.

(6)- المستدرك 1/ 522، الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 179

[الإعطاء من سهم المؤلفة قلوبهم]

إلّا من سهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و سهم سبيل اللّه في الجملة (1).

______________________________

و الصناعة الفقهية تقتضي تخصيص أخبار المنع بسبب هذين الخبرين لكونهما أخصّ. و يؤيدهما إطلاق الكتاب. و ما ورد من الأخبار في زكاة الفطرة، إذ الظاهر كونهما من واد واحد، و قد أفتى بها في الفطرة جمع من الأصحاب. بل يمكن أن يقال بانصراف أخبار الاشتراط إلى صورة وجود أهل الولاية و لو في بلاد أخر.

نعم، ظاهر خبر إبراهيم الأوسي عدم الجواز مطلقا، حيث قال فيه بعد الأمر بحفظها أربع سنين: «إن لم تصب لها أحدا فصرّها صررا و اطرحها في البحر.» و لكن الرواية ضعيفة جدا، كما مرّ.

و بالجملة، فالصناعة الفقهية تقتضي العمل بالخبرين، و لكن الأصحاب أعرضوا عنهما و أفتوا بإطلاق الأخبار السابقة و أنه مع عدم وجود المصرف يجب الحفظ إلى أن يوجد، فيشكل الإفتاء بهما، و الاحتياط

أيضا يقتضي الترك، حتى أن صاحب الحدائق الذي يعمل بالأخبار مطلقا و لا يعتني بتقسيمات علماء الدراية و الرجال لها و لا بالإجماع و الشهرة قال في ذيل خبر يعقوب بن شعيب: «فالخروج عن مقتضى تلك الروايات الكثيرة الصريحة و لا سيما رواية إبراهيم الأوسي بهذه الرواية مشكل.» «1»

(1) في المسالك في ذيل ما مرّ من الشرائع من اشتراط الإيمان قال:

«إنما يشترط الإيمان في بعض الأصناف لا جميعهم، فإن المؤلفة و بعض أفراد سبيل اللّه لا يعتبر فيهما ذلك، و لعله أطلقه لوضوح الحال فيه.» «2»

و ذكر قريبا من ذلك في المدارك أيضا، فراجع. «3»

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 206.

(2)- المسالك 1/ 61.

(3)- المدارك/ 319.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 180

..........

______________________________

أقول: هنا أمران ينبغي البحث فيهما:

الأول: هل الإيمان شرط في خصوص الفقراء و المساكين، أو يكون أعم من ذلك؟

الثاني: على فرض التعميم فهل يوجد هنا استثناء أم لا؟

أما الأول فالظاهر عدم الاختصاص، بل هو شرط حتى في الغارمين و الرقاب و ابن السبيل بل و بعض أفراد سبيل اللّه مما تعطى فيها الزكاة لمصلحة الأشخاص و حاجاتهم على القول بجوازه، لإطلاق أخبار الاشتراط و قوة دلالتها على التعميم. و حيث إنها ناظرة إلى أدلة الأصناف الثمانية، و دلالتها قوية كانت كالحاكمة عليها و الشارحة لها، فتقدم على إطلاقها و إن كانت النسبة بين مفهومها و بين كل واحد من الأصناف عموم من وجه. نظير ما قيل في أدلة نفي الحرج و الضرر بالنسبة إلى إطلاقات الأدلة الأولية من التوفيق العرفي و تقديمها عليها، و لا يلاحظ النسبة بين دليل نفي الحرج و كل واحد منها بوحدته بل يفرض جميع الأدلة الأولية كدليل واحد و يقدم عليها دليل

نفي الحرج مثلا. و إن كان لنا فيما ذكر كلام، حيث بيّنا في محلّه أن لسان قوله: «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «1» لسان الحكومة و لا يلاحظ النسبة بين الحاكم و المحكوم.

و كيف كان فأدلة اشتراط الإيمان ناظرة إلى جميع الأصناف إلا ما استثني.

و كأن عناوين الأصناف الثمانية مقتضيات للإعطاء، و الاعتقاد بخلاف الحق مانع فيقدم لسان دليل المانع عرفا لكونه أقوى.

و على فرض اعتبار الولاية شرطا أيضا كما قويناه يقدم إطلاق دليل الشرط على إطلاق أدلة المقتضي. و على هذا الأساس ورد قولهم: إن إطلاق الخاص

______________________________

(1)- سورة الحج (22)، الآية 78.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 181

..........

______________________________

و عمومه يقدّمان على اطلاق العام و عمومه، فتدبّر.

قال في الجواهر في هذا المقام: «لقوة ما دلّ على اعتبار الإيمان في دفع الزكاة من النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات، حتى إنه ورد في بعض النصوص طرحها في البحر مع عدم المؤمن، و أن أموالنا و أموال شيعتنا حرام على أعدائنا، و أنك لا تعطيهم إلا التراب، إلى غير ذلك مما لا يصغى معه إلى دعوى كون التعارض بين الأدلة من وجه التي هي في المقام شبه دعوى كون التعارض بين ما دلّ على قضاء حاجة المؤمن و حرمة اللواط مثلا من وجه.» «1»

و أما الثاني فملخص الكلام فيه أن من الواضح استثناء المؤلفة بناء على ما فسّره الأصحاب بالكفار الذين يستمالون إلى الإسلام أو الجهاد، أو بالذين يستمالون إلى الجهاد و إن كانوا كفارا، بل و كذا بناء على تفسيره بالمسلمين الضعفاء في الاعتقاد على ما دل عليه الأخبار المستفيضة و اختاره في الحدائق و جعلناه أحوط، لعدم اختصاصها بأهل الإيمان بل تعمّ

أهل الخلاف أيضا، فراجع.

و قد مرّ في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم قوله «ع»: «و إنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه.» فتأمل.

و كذا لا إشكال في استثناء سبيل اللّه في الجملة، كما في عبارة المصنف يعني بذلك ما إذا كان الصرف على المخالف أو الكافر بملاحظة مصالح المؤمنين لا بملاحظة مصلحة الشخص و احتياجه.

نعم يمكن أن يقال: إن خروجه حينئذ، بل و كذا خروج المؤلفة يكون من قبيل التخصّص لا التخصيص، بداهة أن اشتراط الإيمان على ما هو المستفاد من أخبار الباب إنما يكون في استحقاق الشخص و الإعطاء لحاجة الشخص لفقره أو غرمه

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 381.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 182

..........

______________________________

أو رقيته أو كونه ابن سبيل، فلو فسرنا سبيل اللّه بكل قربة و لو شخصية كما في الجواهر بحيث يعمّ رفع حاجة الشخص أيضا شرطنا فيه حينئذ الإيمان.

و أما إذا فسّرناه بالمصالح العامة الاجتماعية كبناء المساجد و المدارس و نحوهما فلا معنى حينئذ لاشتراط الإيمان في المصرف حتى إن الإعطاء للغازي المخالف أو الكافر من سهم المؤلفة أو من سبيل اللّه أيضا يكون بملاحظة مصلحة الإسلام و المؤمنين لا مصلحة الشخص. و الحصر في قوله «ع»: «و إنما موضعها أهل الولاية» إضافي ليس في قبال الجهات العامة بل في قبال الأشخاص من أهل الخلاف و حكومات الجور.

و ما دلّ على وجوب إعادة المخالف زكاته إذا استبصر معللا بأنه وضعها في غير موضعها أيضا محمول على الغالب من صرفها إلى فقراء أهل الخلاف أو دفعها إلى عمّال حكومات الجور، فلا يعم ما إذا صرفها في المصارف الحقة كما سيأتي.

نعم يمكن أن يقال بعدم جواز صرفها في المشاريع العامة

التي لا يعود نفعها إلى المؤمنين أصلا، ففيها أيضا تلاحظ مصالح أهل الولاية كبناء المساجد و المدارس و نحوهما لهم لا لأهل الخلاف، و الدليل على ذلك الملاك المستفاد من أخبار الاشتراط. نعم يجوز إعطاؤها لمباشري البناء و العملة من باب الأجرة و لو كانوا كفارا أيضا لأن الدفع إليهم أيضا يكون صرفا في مصالح المؤمنين و الجهات الراجعة إليهم، فتدبّر.

قال في الجواهر: «ظاهر ما دلّ على اعتبار الإيمان أنما هو في المستحقين بالذات لا ما كان مصرفه الجهات و إن رجعت إلى الذات في بعض الأوقات كإعطاء أهل الخلاف لدفع شرّهم عن المؤمنين و نحو ذلك مما هو في الحقيقة دفع للمؤمنين باعتبار وصول النفع إليهم، مع أن أدلّة اعتبار الإيمان ظاهرة في كون ذلك شرطا في الاستحقاق الشرعى، و الدفع لهؤلاء في نحو الفرض

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 183

و مع عدم وجود المؤمن و المؤلفة و سبيل اللّه يحفظ إلى حال التمكن (1).

[تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين]

[المسألة 1]: تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين (2).

______________________________

ليس لاستحقاقهم ذلك ...» هذا. «1»

و أما العاملون ففي الغنية: «و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية إلّا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا الإيمان و العدالة ...» «2»

و في الجواهر: «أما استثناء العاملين خاصّة مع المؤلفة كما وقع من ابن زهرة فلا وجه له، لما عرفت و تعرف أن العاملين يعتبر فيهم العدالة فضلا عن الإيمان، و لعلّه لحظ أن الدفع إليهم من قسم الأجرة التي لا تفاوت فيها بين المؤمن و غيره.

لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمنا.» «3»

أقول: شمول أخبار الباب للعاملين محل تأمّل، لما عرفت من أن النظر في

أكثر روايات الباب إلى بيان الوظيفة للمزكّي بنفسه، و العامل منصوب من قبل الإمام و الحاكم. مضافا إلى أن الإعطاء له لا يكون بلحاظ حاجة الشخص بل بلحاظ المصلحة العامّة، فلا دليل على اعتبار الإيمان فيه إلا الإجماع المدعى، و نحن قد جعلنا الاشتراط فيه أحوط، فراجع.

(1) قد مرّ البحث في ذلك و أنه المستفاد من خبر إبراهيم الأوسي و أن خبر يعقوب بن شعيب الحداد مما أعرض عنه الأصحاب، فراجع.

(2) 1- في النهاية: «و لا بأس أن تعطى الزكاة أطفال المؤمنين، و لا تعطى أطفال المشركين.» «4»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 380.

(2)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(3)- الجواهر 15/ 380.

(4)- النهاية/ 186.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 184

..........

______________________________

2- و في الشرائع: «و تعطى الزكاة أطفال المؤمنين دون أطفال غيرهم.» «1»

3- و في المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين علمائنا و أكثر العامة.» «2»

4- و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، بل في المختلف و الروضة و المدارك الإجماع عليه، و هو الحجة بعد إطلاق الكتاب و السنة.» «3»

و يدل على ذلك مضافا إلى الإجماع المدعى و عدم الخلاف أخبار مستفيضة:

1- صحيحة أبي بصير أو حسنته، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟ قال: «نعم حتى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم.» فقلت: إنهم لا يعرفون؟ قال: «يحفظ فيهم ميّتهم و يحبب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتمّوا بدين أبيهم، فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم.» «4»

و ظاهر الصحيحة كون العيال صغارا و كون الإعطاء من سهم الفقراء أو المساكين.

و الإطلاق في هذا

الخبر و ما بعده محمول على الغالب من تبعية الصبيان للوالدين في الدين و المذهب و أن الانتخاب المستقل لا يتحقق منهم إلا بعد البلوغ، فلو فرض هنا صبي مميز اختار بنفسه دينا أو مذهبا باطلا فشمول هذه الأخبار له مشكل لانتفاء التبعية حينئذ، و لذا قلنا في كتاب الطهارة أن ولد المسلم المميز إن اختار بنفسه الكفر و انتحل إليه انقطعت تبعيته لوالديه قهرا، فتدبّر.

2- خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «ذرّية الرجل المسلم إذا مات

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(2)- المدارك/ 319.

(3)- الجواهر 15/ 383.

(4)- الوسائل 6/ 155، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 185

..........

______________________________

يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا، و إن نصبوا لم يعطوا.» «1»

3- خبر يونس بن يعقوب المروي عن قرب الإسناد، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى أن ذلك خير لهم؟ قال: فقال: «لا بأس.» «2»

أقول: يمكن أن يقال بشمول عيال المسلمين بإطلاقه الحاصل من ترك الاستفصال للمجانين أيضا. و لعلّ الظاهر من الخبر عدم وجود الوليّ لهم و أن الإمام «ع» أجاز ليونس أو لكل مؤمن مزكّ لماله الاشتراء لهم من الزكاة. أو يراد إعطاء الزكاة من القيمة كما قيل.

4- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قلت لأبي الحسن «ع»: رجل مسلم مملوك و مولاه رجل مسلم و له مال يزكّيه و للمملوك ولد صغير حرّ أ يجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ فقال: «لا بأس به.»

«3»

و في الشرح الكبير لابن قدامة الصغير: «فإن كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه كيتيم أجنبي فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز دفع زكاته إليه لأنه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مئونته. و الصحيح- إن شاء اللّه- دفعها إليه لأنه داخل في الأصناف المستحقين للزكاة و لم يرد في منعه نصّ و لا إجماع و لا قياس صحيح فلم يجز إخراجه عن عموم النصّ بغير دليل. و قد روى البخاري أن امرأة عبد اللّه سألت النبي «ص» عن بني أخ لها أيتام في

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 156، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 156، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 205، الباب 45 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 186

..........

______________________________

حجرها فتعطيهم زكاتها؟ قال: نعم.» «1» و راجع البخاري باب الزكاة على الزوج و الأيتام في الحجر. «2» هذا.

و من العجيب ما في المسالك في هذه المسألة حيث إنه لم يتعرض لأخبار المسألة أصلا مع أن فيها صحاحا، بل قال في ذيل ما مرّ من عبارة الشرائع: «هذا إذا لم يعتبر العدالة في المستحق. أما لو اعتبرناها أمكن عدم جواز إعطاء الأطفال مطلقا لعدم اتصافهم بها، و الجواز لأن المانع الفسق و هو منفي عنهم لأنه عبارة عن الخروج عن طاعة اللّه فيما دون الكفر و هم غير مخاطبين بالطاعة.

و مبنى الإشكال على أن العدالة هل هي شرط أو الفسق مانع؟ فعلى الأول يحتمل الأول للدليل الدال على اعتبار العدالة ... و يحتمل الثاني حملا للاشتراط على من يمكن في حقّه ذلك و هو منفي في الطفل. و على

الثاني يستحق الطفل بغير إشكال. «3»

أقول: بعد ورود الأخبار الصحيحة و إفتاء الأصحاب بها لا مجال لهذا التفصيل، كما هو واضح.

و مقتضى إطلاق الأخبار و الفتاوى بل و إطلاق الآية الشريفة عدم الفرق بين ما إذا كان الأب للطفل عادلا أو فاسقا، إذ الطفل و إن تبع أباه في الإسلام و الكفر فلا دليل على تبعيته له في الفسق.

قال في المدارك: «نصّ الشيخ في التبيان و السيّد المرتضى في المسائل الطبريات على أنه يجوز أن تعطى أطفال المؤمنين و إن كان آباؤهم فسّاقا، و استحسنه العلامة

______________________________

(1)- ذيل «المغني» 2/ 713.

(2)- راجع صحيح البخاري 2/ 128 (- طبعة أخرى 1/ 256).

(3)- المسالك 1/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 187

[تعطى الزكاة من سهم الفقراء لمجاني المؤمنين]

و مجانينهم (1).

______________________________

في المنتهى، قال: لأن حكم الأولاد حكم آبائهم في الإيمان و الكفر لا في جميع الأحكام، و هو جيّد.» «1»

و المذكور في كلام المصنف و المتبادر من الأخبار و إن كان هو الإعطاء من سهم الفقراء، لكن يمكن دعوى القطع بعدم الخصوصية بعد شمول العناوين له، فلو كان الطفل غارما أو صار ابن سبيل مثلا جاز إعطاؤه من سهميهما.

و لا فرق في الحكم بين حياة الأب و موته لإطلاق بعض الأخبار.

و لو كان الأب غنيا و لكنه لا يعطي نفقة الطفل و لا يمكن إجباره جاز الإعطاء أيضا لصدق عنوان الفقير مثلا عليه.

و يشترط في الطفل ما يشترط في الكبار أيضا، فيشترط كونه من أولاد المؤمنين و عدم كونه هاشميا و عدم كونه واجب النفقة للمزكي، بل و عدم كونه شاربا للخمر و متجاهرا بالمعاصي على إشكال ما في ذلك و لكنه أحوط لوجود الملاك و إن لم يثبت التكليف.

(1) في المدارك: «و

حكم المجنون حكم الطفل.» «2»

و في المستمسك: «بلا خلاف ظاهر.» «3»

و لكن في المستند: «إن ثبت الإجماع عليه، و إلّا فمحل نظر لعدم كونه عارفا.» «4»

قال في المستمسك بعد نقله: «و هو في محلّه لظهور النصوص المتقدمة في اختصاصها بالعارف، اللّهم إلّا أن يدعى انصرافها إلى من كان موضوعا للتكليف،

______________________________

(1)- المدارك/ 319.

(2)- المدارك/ 319.

(3)- المستمسك 9/ 277.

(4)- المستند 2/ 50.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 188

من غير فرق بين الذكر و الأنثى و الخنثى، و لا بين المميّز و غيره (1).

[التمليك بالدفع إلى وليّهم أو بالصرف عليهم]

إمّا بالتمليك بالدفع إلى وليّهم (2)، و إمّا بالصرف عليهم مباشرة أو بتوسّط أمين إن لم يكن لهم ولىّ شرعيّ من الأب و الجدّ و القيّم (3).

______________________________

أعني البالغ العاقل، و في غيرهما يرجع إلى الإطلاق، لكن مقتضى ذلك جواز إعطاء مجانين غيرهم أيضا.» «1»

أقول: العناوين المذكورة في الآية و غيرها شاملة، و تبعيته في إطلاق العناوين المأخوذة شرطا لدى العرف واضحة، و هو يعدّ قطعا من عيال المسلمين فيشمله كما مرّ خبر يونس بن يعقوب.

و الاعتبار أيضا يساعد على ذلك، إذ الزكاة شرّعت لسدّ خلات المسلمين، و من أهم ذلك رفع حاجات الضعفاء و الأطفال و المجانين منهم، فالظاهر عدم الإشكال في ذلك.

و يعتبر في المجنون أيضا ما مرّ اعتباره في الطفل من الشروط بلا تفاوت بينهما، كما هو واضح.

(1) كما في الجواهر «2»، بل و إن كان رضيعا لاحتياجه إلى المرضعة و الدواء و غير ذلك. و يدل على ذلك إطلاق الأدلّة.

(2) و هو القدر المتيقن من النص و الإجماع.

(3) الطفل إما أن يوجد له وليّ شرعي أو لا، و إيصال الزكاة إليه يتصوّر إمّا بالتمليك له أو بالصرف عليه. و التمليك إما

أن يكون بقبول الوليّ أو بقبول الطفل نفسه أو بقبول أمين يتصدى لأموره حسبة. كما أن الصرف عليه إما أن يكون

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 277.

(2)- الجواهر 15/ 384.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 189

..........

______________________________

بمباشرة الوليّ أو الطفل أو المزكي أو أمين يتصدى لأموره، فهذه صور محتملة.

فهل يجوز جميع ذلك أو يتعين البعض؟ وجوه وقع البحث فيها هنا إجمالا.

1- ففي مجمع الفائدة و البرهان: «و الظاهر أنه لو أطعمهم من الزكاة لا يحتاج إلى القابض و الوليّ، كما في الكفارة، بل يحسب ما أكلوه من الزكاة. و يمكن كون النية عند الوضع عندهم، أو الوضع في الفم، و عند الأخذ، و عند المضغ، و عند البلع. و الظاهر أن قصد الزكاة عند ذلك يكفي.» «1»

2- و في زكاة الشيخ الأعظم: «ثم إنه هل يجوز للمالك صرف الزكاة للطفل و لو مع وجود الوليّ كأن يطعمه في حال جوعه و إن لم يعلم بذلك أبوه؟ الظاهر عدم الجواز من سهم الفقراء لأن الظاهر من أدلة الصرف في هذا الصنف هو تمليكهم إياه.

نعم يجوز في سبيل اللّه. و يحتمل الجواز من سهم الفقراء بدعوى أن الظاهر من تلك الأدلة استحقاقهم للزكاة لا تملكهم لها، فالمقصود هو الإيصال.» «2»

3- و لكن صاحب الجواهر مصرّ على تعيّن التمليك في سهم الفقراء و أنه يتعين فيه الإعطاء للوليّ الشرعي.

قال: «ثم لا يخفى أن المراد من إعطاء الأطفال في النصّ و الفتوى الإيصال إليهم على الوجه الشرعي المعلوم بالنسبة إليهم، فإذا أراد الدفع إليهم من سهم الفقراء مثلا سلّم بيد وليهم لأن الشارع سلب أفعالهم و أقوالهم فلا يترتب ملك لهم على قبضهم، و معلوم اعتبار الملك في هذا السهم.

و احتمال الاجتزاء

به هنا تمسكا بالإطلاق المزبور الذي لم يكن مساقا لذلك في غاية الضعف كاحتمال عدم اعتبار الملك في هذا السهم تمسكا بإطلاق الأمر

______________________________

(1)- مجمع الفائدة و البرهان 4/ 176.

(2)- كتاب الزكاة للشيخ/ 507 (- طبعة أخرى/ 455).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 190

..........

______________________________

بالإيتاء الشامل للأمرين ...» «1»

أقول: و يمكن المناقشة في كلا الأمرين الذين أصرّ عليهما:

أما الأول فلأن الفقراء في الآية و إن كان مدخولا للأم الملك و لكن مفادها مالكية العنوان و الجهة، لا مالكية الأشخاص، و لا وجوب التمليك لهم، فلا دليل على تعين خصوص التمليك.

و لكن يمكن أن يقال: إن مقتضى جعل المال للغير، إيصاله إلى صاحبه بحيث يقع تحت يده يتصرف فيه كيف يشاء، فيجب دفع مال الفقراء إلى أشخاصهم بما هم مصاديق لهذا العنوان، و هو الظاهر من لفظ الإيتاء و من كثير من الأخبار و من السيرة العملية في جميع الاعصار حتى أعصار النبي «ص» و الأئمة «ع».

نعم، في العناوين التي دخلت عليها لفظة «في» يجوز الصرف بلا إشكال لظهورها في كون المدخول مصرفا محضا كالغارمين و الرقاب و سبيل اللّه و نحوها.

و تغيير السياق و حرف الربط في الآية الشريفة يكون لا محالة لنكتة و لعلّ مورد خبر يونس بن يعقوب كما مرّ عدم وجود الوليّ الشرعي للعيال فأجاز الإمام «ع» لخصوص يونس أو لكل من يكون مثله صرف الزكاة في مصالحهم حسبة بعد قصد التمليك، أو يكون المراد اشتراء الطعام و الثياب و إعطاؤها من باب أداء القيمة، و قد مرّ في محله جواز أداء القيمة في الزكاة و لو من غير النقدين، فراجع. «2»

و أما الثاني فلما ذكره في مصباح الفقيه في هذا المجال، قال:

«مع أن ما يظهر منهم من التسالم عليه من عدم حصول الملكية للطفل إلّا بقبض الوليّ

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 384.

(2)- راجع كتاب الزكاة ج 1 ص 212 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 191

..........

______________________________

قابل للمنع، فإن ما دلت على سلب أفعال الصبي و أقواله إنما يدل عليه في عقوده و إيقاعاته و نظائرها مما فيه إلزام و التزام بشي ء على وجه يترتب على مخالفته مؤاخذة، لا مطلق أعماله، و لذا قوّينا شرعيّة عباداته، فكذا معاملاته التى لم يكن فيها إلزام و التزام بل مجرّد اكتساب كحيازة المباحات و تناول الصدقات و نظائرها.

ألا ترى قضاء الضرورة بعدم جواز السرقة مما حازه الصبيّ من المباحات الأصلية و غيرها مما يجوز حيازتها بقصد الاكتساب، فكذا الشأن فيما يتناوله من وجوه الصدقات. نعم ليس للمالك الاجتزاء بدفعها إليه في تفريغ ذمّته لإمكان أن يقال بكون الملكية الحاصلة بقبضه مراعاة بعدم إتلافها و صرفها فيما يجوز لوليّه الصرف فيه، أو يقال بأنها و إن دخلت في ملكه بقبضه كالحطب الذي يحوزه للاكتساب و لكنها مضمونة على المالك حتى يصرفها في حاجته.» «1»

4- و قال العلامة في التذكرة: «فروع: الف- لا يجوز الدفع إلى الصغير و إن كان مميزا لأنه ليس محلّ الاستيفاء لماله من الغرماء فكذا هنا، و عن أحمد رواية جواز دفعها إلى اليتيم المميّز لأن أبا جحيفة قال: بعث رسول اللّه «ص» ساعيا فأخذ الصدقة من أغنيائنا فردّها في فقرائنا، و كنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني قلوصا.

و لا دلالة فيه لاحتمال الدفع إلى وليّه أو من يقوم بأمره و لأنه حجة في فعل الساعي.

ب- لا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره بأن الدفع

إلى الوليّ، فإن لم يكن له وليّ جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره و يعتني بحاله.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 106.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 192

..........

______________________________

ج- حكم المجنون حكم الصبي غير المميز.» «1»

أقول: خبر أبي جحيفة رواه البيهقي في السنن، فراجع. «2» و القلوص من الإبل: الطويلة القوائم و الشابّة منها.

و ظاهر كلام العلامة تعيّن الدفع و التمليك، و لم يرخّص في الدفع إلى الطفل و لكنه أجاز الدفع إلى غير الوليّ مع عدم الوليّ.

5- و في المدارك بعد نقل كلام العلامة قال: «و مقتضى كلامه جواز الدفع إلى غير وليّ الطفل إذا لم يكن له وليّ، و لا بأس به إذا كان مأمونا، بل لا يبعد جواز تسليمها إلى الطفل بحيث يصرف في وجه يسوغ للوليّ صرفها فيه. و حكم المجنون حكم الطفل.» «3»

6- و في الجواهر بعد نقل كلام المدارك قال: «و عن الكركي في فوائده على الكتاب و الكفاية و شرح المفاتيح للمولى الأكبر موافقته على جواز الدفع لغير الوليّ ممن يقوم بأمره مع عدم الوليّ.

بل ربما ظهر من بعض المعاصرين الميل إلى جواز ذلك مع التمكن من الوليّ، و هو أغرب من سابقه ضرورة منافاتهما للمعلوم من قواعد المذهب بلا مقتض عدا بعض الاعتبارات التي لا تصلح لأن تكون مدركا لحكم شرعي، و الإطلاق الذي لم يسق لإرادة تناول ذلك كما عرفت.

و أغرب من ذلك دعوى بعضهم بعد أن ذكر الحكم المزبور اتحاد حكم المجنون مع الطفل. و مقتضاه جواز التسليم إليه مطلقا أو مع عدم الوليّ، و هو كلام لا يصغى إليه و لا يستأهل التصدّي للردّ عليه خصوصا في المجنون الذي

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 236.

(2)- راجع سنن البيهقي 7/

9، كتاب قسم الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(3)- المدارك/ 319.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 193

..........

______________________________

يكون حاله كحال غير المميز.» «1»

أقول: و محصّل الكلام أنه إن قلنا بتعيّن التمليك في سهم الفقراء و المساكين كما قربناه فيمكن القول بعدم تعيّن الدفع إلى الوليّ الشرعي، بل يمكن الدفع إلى غير الوليّ إن كان هو المتصدي لأموره حسبة بما أنه من عدول المؤمنين أو ممن لم يقم بأموره إلا هو، فتأمّل.

كما يمكن القول بدفعها إلى الطفل نفسه إن كان مميزا و حصل الوثوق بعدم تفريطه، بل يصرفها في مصالحه و حاجاته و لو بمعونة الوليّ الشرعي أو من يتصدى لأموره.

و يدلّ على ذلك كلّه إطلاق الأخبار التي مرّت إذ لو كان الدفع إلى خصوص الوليّ الشرعي متعينا لكان على الإمام «ع» التنبيه عليه.

و لكن يمكن أن يناقش الإعطاء للطفل بأنه خلاف ظاهر قوله- تعالى- في سورة النساء: «وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ» «2»، حيث إن الظاهر منه توقف إعطاء المال للطفل على أمرين: البلوغ و إيناس الرشد معا. اللّهم إلا أن يقال: إن النظر في الآية الشريفة إلى إعطاء المال له مستقلا بحيث يصنع فيه ما يشاء بنفسه، فلا ينافي التمليك و الإعطاء له قبل البلوغ مع الوثوق بصرفه فيما يصرفه وليّه أو يرشده إليه. هذا كله على فرض تعين التمليك.

و أما إن قلنا بجواز الصرف عليه مطلقا أو في خصوص الطفل و المجنون فلا دليل أيضا على تعين الوليّ لذلك، بل لعل المستفاد من خبر يونس جواز صرف المزكي

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 385.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 3، ص: 194

[يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا]

[المسألة 2]: يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا (1) و إن كان يحجر عليه بعد ذلك. كما أنّه يجوز الصرف عليه من سهم

______________________________

بنفسه- اللّهم إلا أن يقال: مورده عدم الولي، أو يقال إن المراد إعطاء القيمة من غير النقدين كما مرّ- كما يمكن الصرف عليه أيضا بتوسط الشخص الأمين.

قال في المستمسك: «إذا كان ظاهر الأدلة الأولية كون الفقراء مصرفا للزكاة لا أنها ملك لهم فمقتضى الإطلاق جواز الصرف على الطفل- و لو بإشباعه إذا كان جائعا- بلا حاجة إلى وليّه.

و عدم جواز التصرف في الطفل بغير إذن وليّه غير ثابت في نحو ذلك، بل يختص بما للولي ولاية عليه من التصرفات الاعتبارية فيه و في ماله، و لا يشمل مطلق الإحسان إليه و البرّ به لعموم ما على المحسنين من سبيل.» «1»

أقول: قد مرّ منا الإشكال في الصرف على الفقير، نعم يمكن القول بالجواز في خصوص الطفل أو المجنون بإذن الولي الشرعي أو الحاكم كما هو أحد المحتملات في خبر يونس، و لكن الأحوط فيهما أيضا التمليك لهما ثم الصرف فيهما، فتدبّر.

(1) في التذكرة: «أما السفيه فإنه يجوز الدفع إليه لكن يحجر إليه (عليه- ظ.) الحاكم.» «2»

و في المدارك «3» أيضا نحو ذلك.

أقول: وجه ذلك أنه محجور عن التصرف لا عن الأخذ و التملك. و لا ينحصر جواز الدفع في سهم الفقراء فيجوز الدفع من سهم الغارمين و ابن السبيل أيضا إذا كان منهما.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 278.

(2)- التذكرة 1/ 236.

(3)- المدارك/ 319.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 195

سبيل اللّه (1)، بل من سهم الفقراء أيضا على الأظهر من كونه كسائر السهام أعمّ من التمليك و الصرف (2).

[الصبي المتولّد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن]

اشارة

[المسألة 3]: الصبي المتولّد بين المؤمن و غيره

يلحق بالمؤمن (3) خصوصا إذا كان هو الأب. نعم لو كان الجدّ مؤمنا و الأب غير مؤمن ففيه إشكال، و الأحوط عدم الإعطاء.

______________________________

(1) بناء على تعميمه لكل قربة و لو شخصية و لكن مرّ الإشكال في ذلك، نعم لا إشكال فيما إذا انطبق عليه الصرف في المصالح العامة.

(2) مرّ الإشكال فيه إلّا أن يكون بإذن الوليّ بعد التمليك له و لكنه خلاف الفرض.

(3) في التذكرة: «إنما يعطى أطفال المؤمنين لأنهم بحكم آبائهم، و لا يجوز إعطاء أولاد المشركين إلحاقا بآبائهم، و كذا أولاد غير المؤمنين. و لو أسلم أحد أبوي الطفل لحق به سواء كان الأب أو الأمّ و يأخذ الزكاة حينئذ.» «1»

أقول: ظاهر كلامه صدرا و ذيلا تبعية الطفل للأمّ في الإسلام دون الإيمان.

و في البيان: «و لو تولد من المسلم و الكافر فمسلم، و لو تولّد بين المحقّ و المبتدع فالأقرب جواز إعطائه خصوصا إذا كان المحقّ الأب.» «2»

و في المسالك: «و لو تولد بين المؤمن و الكافر تبع الأشرف. و في المتولد بين المؤمن و غيره من الفرق الإسلامية نظر، و الأجود استحقاقه خصوصا إذا كان المؤمن الأب.» «3»

أقول: لا إشكال في تبعية الولد لأبويه في الإسلام و الكفر و كذا الإيمان و

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 236.

(2)- البيان/ 196.

(3)- المسالك 1/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 196

..........

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 196

______________________________

الخلاف مع اتفاقهما فيهما و عدم استقلاله في انتخاب الدين أو المذهب.

و لو اختلف الأبوان في الإسلام أو الإيمان فهل يتبع الولد أباه مطلقا أو يتبع الأشرف منهما و لو

كان هو الأمّ؟

فلنبحث في مقامين: تارة في الإسلام و الكفر، و أخرى في الإيمان و الخلاف:

[الأوّل البحث في الإسلام و الكفر]

أمّا الأول فنقول: لا يخفى أن الإنسان يعدّ تابعا لأبيه عرفا و من عشيرة أبيه لا أمّه، بل و كذلك شرعا و لذا يعطى الخمس لمن انتسب إلى هاشم من قبل الأب فقط، و لا يعطى لمن انتسب إليه من قبل الأمّ فقط بل يعطى الزكاة كما دلّ عليه خبر حماد بن عيسى الطويل عن العبد الصالح «ع»، قال: «و من كانت أمّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحلّ له و ليس له من الخمس شي ء لأن اللّه يقول: ادعوهم لآبائهم.» «1»

و هكذا الحال في التحيّض إلى ستّين في القرشية.

و في خبر حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك، فقال: «إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار و هم إحراز. الحديث.» «2»

فيدل الخبر على تبعية الولد لأبيه في الإسلام و هذا مما لا إشكال فيه.

و لكن يظهر من الأصحاب في أبواب الطهارة و النكاح و الميراث و غيرها تبعية الولد للمسلم منهما و لو كان هو الأمّ:

قال المحقق في ميراث الشرائع: «إذا كان أحد أبوي الطفل مسلما حكم

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- الوسائل 11/ 89، الباب 43 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 197

..........

______________________________

بإسلامه، و كذا لو أسلم أحد الأبوين و هو طفل.» «1»

بل في ميراث المسالك قال: «و في إلحاق إسلام أحد الأجداد و الجدّات بالأبوين وجهان: أظهرهما ذلك، سواء كان الواسطة بينهما حيّا

أو ميّتا.» «2»

أقول: الظاهر عدم الإشكال في باب الطهارة و النجاسة، إذ الأصل في الأشياء الطهارة، و المتيقن من التبعية في النجاسة على القول بها صورة كون الأبوين كافرين، فلو كان أحدهما مسلما فلا نصّ و لا إجماع على نجاسته فيرجع إلى الأصل.

و أما في سائر الأحكام من النكاح و التوارث و تجهيز الميت و الدفن في مقابر المسلمين و حرمة السبي و غير ذلك فإجراء أحكام الإسلام على من كان أبوه كافرا و أمه مسلمة يحتاج إلى دليل و لو كان إجماعا. و لو فرض تحصيله في مورد منها فلا وجه لقياس غيره.

و تغليب الإسلام في جميع ذلك بقوله «ع»: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» «3» و قوله «ع»: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه و ينصّرانه و يمجّسانه.» «4» مشكل جدّا، إذ الظاهر أن المراد بالأول الحكومة الحقة و السلطة و بالثاني المعرفة و هذه يشترك فيها أولاد الكفار أيضا.

نعم وردت هنا أخبار مستفيضة فيما إذا كان أحد الأبوين حرّا و الآخر رقّا فحكمت بتبعية الولد للحرّ منهما و لو كان هو الأمّ، فراجع الوسائل. «5»

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 13 (- طبعة أخرى/ 815).

(2)- المسالك 2/ 312.

(3)- الوسائل 17/ 376، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 11.

(4)- عوالي اللئالي 1/ 35، الفصل الرابع، الحديث 18 عن رسول الله «ص»؛ و روى نحوه في الوسائل 11/ 96، الباب 48 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3 عن أبي عبد الله «ع».

(5)- راجع الوسائل 14/ 528- 531، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 198

..........

______________________________

ففي رواية الصدوق عن أبي عبد اللّه «ع»: «إذا كان أحد والديه

حرّا فالولد حرّ.» «1»

و يظهر من صاحب الجواهر إسراء هذا الحكم إلى باب الإسلام و الكفر بالأولوية، قال: «و لعله لدليل التبعية لأشرف الأبوين و لو لكون الشرف بالنسبة إلى الإسلام و الكفر أتمّ من الرقية بالنسبة للحرية، و كذا الحال في الإيمان.» «2»

أقول: يمكن منع وحدة الملاك و الأتميّة، فإن الولد لما كان نماء للوالدين و يشتركان فيه طبعا لتكونه من نطفتهما صار في مفروض البحث بعضه حرّا، و الحرية سارية شرعا فتسري إلى الجزء الآخر تغليبا لها على الرقية.

و كون الإسلام كذلك في هذه المراحل أول الكلام، اللّهم إلا أن يكون هنا إجماع، و لذا قال في المستمسك بعد نقل كلام الجواهر: «و الإشكال فيما ذكره ظاهر.» «3» هذا.

و يمكن أن يستدل للمسألة بخبر أبان بن عثمان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه «ع» في الصبيّ إذا شبّ فاختار النصرانية و أحد أبويه نصراني أو مسلمين، قال: «لا يترك و لكن يضرب على الإسلام.» «4»

بتقريب أن الظاهر من الخبر أن إسلام أحد الأبوين يكفي في الحكم بإسلامه و وجوب ضربه للارتداد.

و لكن الخبر مرسل إلا في نقل الصدوق، و لكن من المحتمل سقوط الواسطة في نقله.

______________________________

(1)- الوسائل 14/ 528، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1.

(2)- الجواهر 15/ 384.

(3)- المستمسك 9/ 279.

(4)- الوسائل 18/ 546، الباب 2 من أبواب حدّ المرتد، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 199

..........

______________________________

اللّهم إلا أن يقال: إن أبان من أصحاب الإجماع و هو كاف. و المسألة تحتاج إلى تتبع و تحقيق أزيد.

و يمكن أن يقال: إن المرجع في كل مسألة العمومات أو الأصول بعد الشك في الإلحاق بأحدهما كما مرّ في باب الطهارة

و النجاسة من الرجوع إلى أصل الطهارة.

هذا كله في مسألة الإسلام و الكفر.

[الثاني في الإيمان و الخلاف]

و أمّا الثاني: أعني مسألة الإيمان و الخلاف فالظاهر عدم الإشكال فيما إذا كان الأب مؤمنا لكون الولد تابعا له عرفا و شرعا كما مرّ. و المذكور في أكثر الأخبار السابقة كصحيحتي أبي بصير و عبد الرحمن بن الحجاج و خبر أبي خديجة هو الأب، و إطلاقها يشمل ما إذا كانت الأمّ من المذاهب الأخر، حيث إن في أعصار أئمّتنا «ع» كان التزوج بالنساء غير المؤمنات كثيرا جدّا.

و أما إذا كان الأب مخالفا و الأمّ مؤمنة فإثبات تبعية الولد لها في ذلك محل إشكال. و لو فرض ثبوت الإجماع في مسألة الكفر و الإسلام على ثبوت التبعية لأشرفهما فإسراؤه إلى المقام يحتاج إلى دليل.

و قد يقال: إن العمومات كالآية و نحوها شاملة لهذا الولد، و المانع و هو الاعتقاد بالخلاف لا يوجد فيه فتحكم العمومات.

و فيه مضافا إلى النقض بأولاد أهل الخلاف، أن هذا خلاف الفرض لأن المفروض كون الولاية شرطا و هي غير متحققة فعلا في المقام، فتدبّر.

و أشكل من التبعية للأمّ التبعية للجدّ و الجدة و لا سيّما مع حياة الواسطة و كون الولد في حضانة والديه لا في حضانة الجد و الجدة.

و كون الولد متكونا منهما بالواسطة و شرافة الإسلام و الإيمان على الكفر و الخلاف لا يقتضيان تبعية الولد لهما في العرف و الشرع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 200

[لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين فضلا عن غيرهم]

[المسألة 4]: لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين- فضلا عن غيرهم- من هذا السهم (1).

______________________________

و المذكور في صدر خبر أبي خديجة و إن كان لفظ الذرّية الصادقة على الأحفاد أيضا و لكن المذكور في ذيله هو الأب فيصير قرينة على المراد من الصدر.

كيف! و لو كان إسلام الجد أو الجدة أو

إيمانهما كافيا في الإلحاق لزم الحكم بالإسلام أو الإيمان لجميع الصغار من السادات مثلا لارتقاء نسبهم إلى أمير المؤمنين و الأئمة الأطهار «ع» و هم أجداد لهم.

نعم لو فرض موت الوالدين أو فرارهما مثلا و انتقال الطفل في صغره إلى حضانة الجد و الجدة أمكن القول بتبعيته لهما عرفا، نظير تبعية اللقيط و المسبي للملتقط و السابي على ما قيل.

(1) يعني في حال صغره و احتياجه في الحكم بالإسلام و الإيمان إلى التبعية، و أما المستقل بنفسه فالملاك اختيار نفسه.

قال في الجواهر: «و ولد الزنا من المؤمنين كولده من الكافرين لا تبعية فيه لأحدهما، بناء على كونها في النكاح الصحيح. فدفع الزكاة إليه حينئذ مبني على كون الإيمان فعلا أو حكما شرطا فلا يعطى، أو أن الكفر فعلا أو حكما مانع فيعطى.» «1»

أقول: لا يخفى أنه و إن اشتهر أن ولد الزنا ليس بولد شرعا و لا يترتب عليه أحكامه، و لكن الظاهر أن ألفاظ الولد و البنت و الابن و مقابلاتها لها مفاهيم لغوية و عرفية، و ملاكها تكوّن الشخص من نطفته و نطفتها.

و ليس للشرع و لا للمتشرعة في المقام جعل و اصطلاح خاصّ. و لم يرد في أخبارنا نفي ولدية ولد الزنا.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 384.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 201

..........

______________________________

نعم ثبت إجمالا نفي التوارث بين ولد الزنا و والديه، فقد أفتى المشهور من أصحابنا بعدم التوارث بينه و بين والديه و قرابته منهما.

و أفتى فقهاء السنة بعدم التوارث بينه و بين والده و أنه يكون بحكم ولد الملاعنة و على ذلك دلّ بعض أخبارنا و به أفتى بعض أصحابنا أيضا على ما في الخلاف (كتاب الفرائض، المسألة 114). «1»

و لكن هذا

حكم تعبدي خاصّ و يكون أعم من نفي الولدية، ألا ترى أن الولد الكافر و الرق و القاتل أيضا لا يرثون مع ثبوت الولدية لهم قطعا. و المذكور في الحديث الشريف قوله «ع»: «الولد لغيّة لا يورث.» «2» فأطلق لفظ الولد و مع ذلك نفى التوريث.

و أمّا قوله «ص»: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» فمورده الشك في كون الولد للزوج أو المولى أو من الزنا:

ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «أيّما رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعى ولدها فإنه لا يورث منه شي ء، فإن رسول اللّه «ص»، قال:

الولد للفراش و للعاهر الحجر. الحديث.» «3» و نحوه أخبار أخر، فراجع.

و مقتضاها كون الولد لصاحب الوليدة، و لأجل ذلك يشكل الاستدلال بهذه الأخبار على عدم توريث ولد الزنا.

و كيف كان فالواجب في غير مورد الإرث حمل الألفاظ الواردة في لسان الشرع في الأبواب المختلفة على مفاهيمها العرفية.

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 296.

(2)- الوسائل 17/ 567، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه، الحديث 2.

(3)- الوسائل 17/ 567، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 202

[أعمال غير المؤمن بعد الاستبصار]

[إعادة غير المؤمن زكاته بعد الاستبصار]

[المسألة 5]: لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمّ استبصر أعادها (1).

______________________________

كيف! و هل يلتزم أحد بصحة تزوج الرجل ببنت ولدت من نطفته أو نطفة أبيه زناء، أو تزوج المرأة بابن ولد منها زناء؟

و مقتضى ما ذكرناه أن ما دلّ على وجوب نفقة الولد على والده و إجباره عليها يقتضي وجوب إنفاقه على من ولد منه بزناء أيضا كسائر أولاده.

كيف! و الولد محتاج إلى النفقة و يجب الإنفاق عليه لا محالة، و أبوه الذي

ولّده أولى بذلك من كل أحد، فإنه السبب لوجوده.

و إذا كان الإنسان يجبر على نفقة بهيمته فكيف لا يجبر على نفقة من ولد من نطفته؟ و إذا مات الأب المنفق عليه فهو مثل سائر أولاده الفقراء محتاج إلى النفقة، بل هو أولى بذلك منهم لعدم توريثه و يكون حاجاته من أهم خلّات المسلمين.

فالمناسب حفظ الميت فيه كما دلّ عليه صحيحة أبي بصير الماضية.

و لو قيل بانصراف الأخبار الأربعة التي مرّت عن مثله فلا محالة يجب على إمام المسلمين الإنفاق عليه. و من أهم المنابع المالية للإمام الزكوات.

و بالجملة لا يجوز إهمال هذا الطفل حتى يموت جوعا، و إذا كان هذا الطفل في حضن أبيه و أمّه كسائر أولادهما فالعرف يعدّونه تابعا لهما في الإسلام و الإيمان أيضا.

و أما ما ذكره في الجواهر من المبنى للمسألة ففيه أن المستفاد من الأخبار كما مرّ شرطية الولاية و الإيمان لا مانعية الكفر و الخلاف، فتدبّر.

(1) 1- قال في النهاية: «و لو أن مخالفا أخرج زكاته إلى أهل نحلته ثم استبصر كان عليه إعادة الزكاة.» «1»

أقول: الظاهر أن المراد بالمخالف في المقام كل مسلم غير اثني عشري و إن كان

______________________________

(1)- النهاية/ 185.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 203

..........

______________________________

من فرق الشيعة كالزيدية و الواقفة مثلا.

2- و في الشرائع: «و لو أعطى مخالف زكاته لأهل نحلته ثم استبصر أعاد.» «1»

3- و في المدارك: «هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا.» «2»

4- و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل لعلّه إجماعي كما حكاه في التنقيح و غيره.» «3»

أقول: و يدل على ذلك- مضافا إلى الإجماع المدّعى و عدم الخلاف، و أنها من قبيل حق الناس فتكون على عهدة المكلف حتى

يوصلها إلى أهلها- أخبار مستفيضة:

1- ما رواه المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن عمر بن أذينة، عن زرارة و بكير و الفضيل و محمد بن مسلم و بريد العجلي كلّهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء: الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية، ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كل صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة، و لا بدّ أن يؤدّيها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنما موضعها أهل الولاية.» «4»

أقول: في النهاية: «الحرورية: طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء بالمد و القصر، و هو موضع قريب من الكوفة كان أول مجتمعهم و تحكيمهم فيها.» «5»

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(2)- المدارك/ 319.

(3)- الجواهر 15/ 386.

(4)- الوسائل 6/ 148، الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(5)- النهاية لابن الأثير 1/ 366.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 204

..........

______________________________

و فيه في معنى المرجئة: «هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضرّ مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، سمّوا مرجئة لاعتقادهم أن اللّه أرجى تعذيبهم على المعاصي أي أخّره عنهم.» «1»

و في مجمع البحرين بعد بيان معنى المرجئة قال: «و في الأحاديث: المرجئ يقول: من لم يصلّ و لم يصم و لم يغتسل من جنابة و هدم الكعبة و نكح أمّه فهو على إيمان جبرئيل و ميكائيل!» «2»

و في مجمع البحرين أيضا: «و في الحديث ذكر القدرية، و هم المنسوبون إلى القدر، و يزعمون أن

كل عبد خالق فعله، و لا يرون المعاصي و الكفر بتقدير اللّه و مشيّته.» «3»

أقول: فالمراد بالقدرية جاحدوا تقدير اللّه- تعالى- في أفعال الإنسان.

و الظاهر أن المراد بالعثمانية من حارب أمير المؤمنين «ع» أو كان على رأيهم باسم الحماية عن عثمان.

2- ما رواه الشيخ بسند صحيح عن عمر بن أذينة، عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي عبد اللّه «ع» (في حديث)، قال: «كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلّا الزكاة، فإنه يعيدها، فإنه وضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية، و أما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء.» «4»

______________________________

(1)- النهاية لابن الأثير 2/ 206.

(2)- مجمع البحرين/ 35.

(3)- مجمع البحرين/ 280.

(4)- التهذيب 1/ 449 (طبعته الحجرية)، باب وجوب الحج؛ و الوسائل 6/ 148، الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 205

..........

______________________________

3- ما رواه الكليني بسند صحيح عن ابن أذنية، قال كتب إليّ أبو عبد اللّه «ع»: «إن كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم منّ اللّه عليه و عرّفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه و يكتب له إلّا الزكاة، فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها، و إنما موضعها أهل الولاية، و أما الصلاة و الصوم فليس عليه قضاؤهما.» «1»

أقول: و الظاهر اتحاد هذا الخبر مع سابقه و سقوط بريد من سنده، فتأمّل.

4- ما رواه في الذكرى نقلا من كتاب علي بن إسماعيل الميثمي، عن محمد بن حكيم، قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين، فقالا: إنا كنا نقول بقول، و إن اللّه

منّ علينا بولايتك، فهل يقبل شي ء من أعمالنا؟ فقال: «أما الصلاة و الصوم و الصدقة فإن اللّه يتبعكما ذلك و يلحق بكما.

و أمّا الزكاة فلا، لأنكما أبعدتما حقّ امرء مسلم و أعطيتماه غيره.» «2» هذا.

و مقتضى وجوب إعادة الزكاة عدم وقوع ما أعطاه زكاة فيجوز استرجاعه مع بقاء عينه، بل يجب مع تعيّنه زكاة بالعزل.

و أما مع التلف فيشكل جواز استرجاعه إذ الآخذ مغرور و قد رأى نفسه مستحقا فلا وجه لتضمينه.

و مقتضى تعليل وجوب الإعادة بوضعها في غير موضعها وجوب إعادة كل واجب ماليّ كالخمس و الكفارات أيضا إذا فرض وضعهما في غير موضعهما. و الفارق بين الواجبات المالية و غيرها أن الواجب المالي يشتمل على حق الناس فيبقى على العهدة حتى يصل إلى أهله بخلاف العبادات المتمحضة في حق اللّه- تعالى- لإمكان إسقاطها رحمة على من استبصر كما أسقطها عمن أسلم رحمة منه تعالى.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 149، الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 1/ 98، الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 206

[عدم إعادة غير المؤمن الصلاة و الصوم بعد الاستبصار]

بخلاف الصلاة و الصوم (1)

______________________________

(1) لما في النصوص المتقدمة من التصريح بعدم وجوب قضائهما مع أن المتعارف بينهم الإتيان بهما على وفق مذاهبهم و على خلاف المذهب الحقّ.

و لكن في التذكرة بعد نقل ما مرّ من صحيحة الفضلاء قال: «و هذا الحديث حسن الطريق، و هل هو مطلق؟ نصّ علماؤنا على أنه في الحج إذا لم يخلّ بشي ء من أركانه لا تجب عليه إعادته، أما الصلاة و الصوم ففيهما إشكال، من حيث إنّ الطهارة لم تقع على الوجه المشروع، و الإفطار قد يقع منهم في غير وقته.

و يمكن الجواب بأن الجهل

عذر كالتقية فصحّت الطهارة، و الإفطار قبل الغروب إذا كان لشبهة فلا يستعقب القضاء كالظلمة الموهمة فكذا هنا، و بالجملة فالمسألة محل إشكال.» «1»

أقول: لا يخفى أن ما ذكره- قدّس سرّه- كأنه اجتهاد في مقابلة النص كما في الجواهر. «2» و قياسه الجهل على التقية مع الفارق، فإن التقية كالاضطرار عنوان ثانويّ يوجب انقلاب التكليف بخلاف الجهل و لو كان عن قصور فإنه و إن كان معذورا حينئذ و لكن الواقع باق على ما كان، و مقتضاه عدم الإجزاء بعد انكشاف الخلاف إلّا مع قيام الدليل كما في المقام.

و ينبغي هنا التنبيه على أمرين:
[الأول: ليس في عدم القضاء دلالة على صحة الأداء]

الأول: قال في المدارك في المقام: «ليس في هذا الحكم أعني سقوط القضاء دلالة على صحة الأداء بوجه، فإن القضاء فرض مستأنف فلا يثبت إلّا مع الدلالة فكيف مع قيام الدليل على خلافه.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 234.

(2)- الجواهر 15/ 387.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 207

..........

______________________________

مع أن الحقّ بطان عبادة المخالف و إن فرض وقوعها مستجمعة لشرائط الصحة عندنا للأخبار المستفيضة المتضمنة لعدم انتفاعه بشي ء من أعماله.» «1»

أقول: الأخبار المستفيضة التي أشار إليها في المدارك مذكورة في أبواب مقدمات العبادات من الوسائل «2»، و مفادها بكثرتها عدم قبول الأعمال و عدم نفعها و عدم الثواب عليها بدون ولاية أهل البيت «ع» و معرفة الإمام منهم.

و لأحد المناقشة في دلالتها على عدم الصحة، إذ عدم القبول و الثواب لا ينافي الصحة بمعنى إسقاط الأمر و عدم وجوب الإعادة و القضاء، بل و عدم استحقاق العقوبة على الترك.

و لذا نختار وجوب القضاء على المخالف و لو بعد استبصاره إن كان ترك واجباته العبادية من الصلاة و الصوم رأسا أو أتى بها فاقدة لأركانها على وفق مذهبه، و إنما نقول

بعدم القضاء إن أتى بها على وفق مذهبه و هو المستفاد من الأخبار في المقام، و لعل الظاهر منها صحة ما أتى به.

اللّهم إلا أن يقال: إن إسقاط القضاء تفضل منه- تعالى- بعد استبصاره، و التفضل إنما وقع منه بالنسبة إلى من كان بصدد امتثال أوامر اللّه لا التارك لها عصيانا و طغيانا.

و في الجواهر بعد نقل كلام المدارك قال: «قلت: لعلّ قوله «ع»: «يؤجر عليه» فيه دلالة على الصحة كخبر ابن حكيم ... فيكون الإيمان حينئذ شرطا كاشفا لصحة عباداته السابقة، و الأخبار المستفيضة إنما تدلّ على الأعمال التي لم يتعقبها إيمان.» «3»

______________________________

(1)- المدارك/ 320.

(2)- راجع الوسائل 1/ 90- 96، الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات.

(3)- الجواهر 15/ 387.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 208

..........

______________________________

أقول: مراده من خبر ابن حكيم قوله: «فإن اللّه يتبعكما ذلك فيلحق بكما.»

و كيف كان فلا إشكال في عدم وجوب قضاء الصلاة و الصوم بعد ما استبصر إذا كان قد أتى بهما على وفق مذهبه، سواء قلنا بالصحة مطلقا أو بشرط الإيمان المتأخر أو بالسقوط تفضلا، فتدبّر.

[الأمر الثاني: السقوط عن الكافر الأصلي]

الأمر الثاني: في المدارك في فصل قضاء الصلوات قال: «و أمّا سقوطه عن الكافر الأصلي فموضع وفاق أيضا و في الأخبار دلالة عليه، و يستفاد من ذلك أنه لا يخاطب بالقضاء و إن كان مخاطبا بغيره من التكاليف لامتناع وقوعه منه في حال كفره و سقوطه بإسلامه.» «1»

أقول: و هذا البيان يجري في المخالف في المقام أيضا بناء على عدم صحة عباداته. و محصّله استحالة تكليفهما بالقضاء، إذ التكليف مشروط بالقدرة على الامتثال. و المفروض أنه في حال الكفر أو الخلاف لا يصح منهما، و بعد الإسلام أو الاستبصار يسقط. و لا

يجري هذا الإشكال في الأداء لإمكان امتثاله في الوقت بتحصيل الشرط فيه أعني الإسلام و الإيمان.

و قد تعرض لهذا الإشكال في الجواهر و قال: «ربما أجيب بالتزام عدم التكليف به، أو بأن التكليف به ابتلائي و امتحاني، لأنه هو الذي صيّر نفسه كذلك، ضرورة إمكان حصول الإيمان منه قبل فوات وقت الأداء لتعقل خطابه بالقضاء.» «2»

أقول: مفاد الجواب الأول هو الالتزام بالإشكال و هذا ينافي الإجماع المدّعى على الشركة في التكاليف و أن الكفار و أهل الخلاف مكلّفون بالفروع أيضا.

______________________________

(1)- المدارك/ 255.

(2)- الجواهر 15/ 388.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 209

..........

______________________________

و أما الجواب الثاني فينحل إلى جوابين:

الأول أن التكليف بالقضاء و إن لم يمكن امتثاله و لكن يترتب عليه أثره و هو العقاب على الترك كما في كل تكليف امتحاني لا يراد منه تحقق الفعل خارجا كأمر إبراهيم «ع» بذبح ولده، و الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

الثاني أنه بعد الوقت و إن لم يصح تكليفه بالقضاء، و لكنه في الوقت حيث كان يتمكن من اختيار الإسلام و الإيمان ثم الإتيان بالصلاة فيه أداء و بعده قضاء فلا مانع من تكليفه حينئذ بهما.

و بعبارة أخرى يشترط كل من الأداء و القضاء بالإسلام و الإيمان في الوقت و هما مقدوران، فكأنه قيل له في الوقت: أسلم و آمن ثم أدّ الصلاة فيه و إن تركتها فاقضها. هذا.

و لكنه يمكن أن يجاب عن البيان الأول بقبح العقاب على أمر غير مقدور، و قبح التكليف فعلا مع سلب الاختيار و لو بالاختيار.

و عن البيان الثاني بما في المستمسك قال: «لكن هذا راجع إلى تسليم عدم تكليف الكافر بالقضاء تكليفا فعليا في خارج الوقت، و أن التكليف بالقضاء متوجه إليه

في الوقت لا غير، و بعد خروج الوقت لا تكليف فعلي في حقه إذا لم يسلم في الوقت لانتفاء القدرة على شرطه و هو الإسلام في الوقت الفائت بفوات الوقت ...» «1»

أقول: و الذي يسهّل الخطب جواز منع الإجماع على الشركة في جميع الفروع حتى في مثل القضاء، إذ الإجماع على فرض تحققه دليل لبّي و المتيقن منه على فرض صحّته التكاليف و الخطابات الأولية لا مثل القضاء المتفرع على ترك العمل في وقته، فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 7/ 53.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 210

[الحكم ثابت فيما إذا جاء بهما على وفق مذهبه]

إذا جاء بهما على وفق مذهبه (1).

______________________________

(1) في صلاة مصباح الفقيه: «و لو أتى بها على وفق مذهبنا على وجه تأتى منه قصد القربة كما لو جهل بشي ء فسأل المفتي مثلا فأرشده إلى ما يوافق الحق فعمل به بقصد التقرب فهل يلحق بالفاسدة في وجوب قضائها لكونها فاسدة عندهم من حيث المخالفة لمذهبهم و عندنا أيضا لكونها فاقدة لشرط الولاية المعتبرة لدينا في قبول الأعمال؟ وجهان: أوجههما العدم، فإن ما دلّ على مضيّ أعمالهم بعد الإسلام يدل عليه في مثل الفرض بالفحوى بل شمول قوله «ع» في صحيحة الفضلاء و رواية ابن أذينة: «و كل عمل عمله ...» لمثل الفرض أوضح من شموله للعبادات الفاسدة الواقعة على وفق مذهبهم، مع أن شرطية الولاية لقبول الأعمال على الظاهر ليس على وجه يكون منافيا لذلك فلا ينبغي الاستشكال فيه.» «1»

أقول: قوله: «بعد الإسلام» من سهو القلم، و الصحيح: «بعد الإيمان»

ثم نقول: إن المخالف إن اعتقد صحة العمل الذي أتى به على وفق مذهبنا مثل أن أفتى مفتيهم بجواز العمل على وفق مذهب الشيعة أيضا فهذا في الحقيقة يرجع إلى العمل على وفق

مذهبهم فيشمله الأخبار قطعا.

و أما إن اعتقد بطلان العمل على وفق مذهبنا بحيث لا يرجو عليه أجرا و إن فرض حصول قصد القربة منه كما إذا استفتى من أحد من علماء الشيعة بزعم أنه من علماء مذهبه فعمل بقوله ثم انكشف له بطلان عمله على وفق مذهب نفسه فشمول هذه الأخبار له مشكل لانصرافها عنه. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: بعد الاستبصار لا يرى وجه للحكم ببطلان ما عمله على وفق المذهب الحق مع تحقق قصد القربة إلّا فقدانه للولاية حين العمل، و إذا فرض كفاية الولاية بنحو الشرط المتأخر في صحة ما أتى به على وفق المذهب الباطل فكيف لا يكتفي بها في صحّة ما أتى به على وفق المذهب الحقّ؟!

______________________________

(1)- مصباح الفقيه (كتاب الصلاة)/ 601.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 211

[حج المخالف ثم الاستبصار]

بل و كذا الحجّ، و إن كان قد ترك منه ركنا عندنا على الأصحّ (1).

______________________________

و بالجملة، الأخبار المذكورة و إن فرض انصرافها بدوا و لكن الأولوية التي ادعاها في مصباح الفقيه واضحة، فتدبّر.

(1) قد مرّ عن التذكرة قوله: «نصّ علماؤنا على أنه في الحج إذا لم يخلّ بشي ء من أركانه لا يجب عليه إعادته.» «1»

و في حجّ الشرائع: «و المخالف إذا استبصر لا يعيد الحج إلا أن يخلّ بركن منه.» «2»

و نحو ذلك في حج المعتبر «3» و القواعد «4».

أقول: كلامهم ذو وجهين: فإن أرادوا بالإخلال الإخلال بما هو ركن في مذهبه فالحكم بالإعادة فيه وجيه إذ ظاهر الأخبار الماضية صورة الإتيان بالعمل بنحو يصح على مذهبه.

و إن أرادوا الإخلال بما هو من الأركان في مذهبنا ففيه أن هذا التفصيل مخالف لإطلاق الأخبار الماضية.

و لكن في حج الدروس: «و اختلف في اشتراط

الإيمان في الصحة، و المشهور عدم اشتراطه، فلو حج المخالف أجزأ ما لم يخلّ بركن عندنا لا عندهم، فلو استبصر لم تجب الإعادة» «5»

قال في المدارك هنا: «لا وجه لتقييد ذلك في الحج بعدم الإخلال بركن منه كما سنبينه في محلّه.» «6»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 234.

(2)- الشرائع 1/ 228 (- طبعة أخرى/ 167).

(3)- المعتبر/ 331.

(4)- القواعد 1/ 76.

(5)- الدروس/ 85.

(6)- المدارك/ 320.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 212

[لو دفع الزكاة إلى المؤمن ثمّ استبصر]

نعم لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن ثمّ استبصر أجزأ (1)، و إن كان الأحوط الإعادة أيضا.

______________________________

و في الجواهر بعد نقل كلام الدروس قال: «لم نجد ما يصلح للفرق بينه و بين غيره من العبادات التي عرفت اعتبار عدم الإخلال بها على مذهبه لا مذهبنا، بل ظاهر الأدلة أو صريحها عدم الفرق.» «1»

أقول: إطلاق الأخبار الماضية واضح، نعم يظهر من بعض الأخبار لزوم إعادة الحج عليه، فكأنهم جمعوا بين طائفتين بالتفصيل بين الإخلال بالركن و عدمه، و يظهر من صاحب الوسائل أيضا ذلك. و فيه أن هذا جمع تبرعي لا شاهد له. و الظاهر حمل الطائفة الثانية على الاستحباب بقرينة طائفة ثالثة تشهد لذلك: ففي صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ اللّه عليه بمعرفته و الدينونة به، أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال: «قد قضى فريضته و لو حج لكان أحبّ إليّ.» قال: و سألته عن رجل حج و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من اللّه عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الإسلام؟ فقال: «يقضي أحبّ إليّ.» «2» هذا.

و محل البحث في

المسألة كتاب الحج.

(1) إذ علة عدم الإجزاء كان وضعها في غير موضعها، مضافا إلى عدم كون المزكي من أهل الإيمان و الولاية، فإذا فرضنا وضعها في موضعها، و قلنا بكفاية لحوق الإيمان بنحو الشرط المتأخر كما مرّ في الصلاة و الصيام و الحج فلا يبقى وجه لعدم الإجزاء.

فإن قلت: يعتبر في الصحة قصد القربة، و المخالف يرى الشيعي مبدعا غير

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 388.

(2)- الوسائل 8/ 42، الباب 23 من أبواب وجوب الحج، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 213

..........

______________________________

أهل فكيف بقصد بعمله القربة؟!

قلت: بعضهم يرى المصرف كل مسلم، و لو سلّم فلعله لم يلتفت حين الأداء إلى كونه شيعيا.

فإن قلت: مقتضى إطلاق الأخبار الماضية عدم صحة زكاتهم مطلقا، و التعليل لا يخصّص.

قلت: الظاهر أن العلة تعمم و تخصّص و يكون الحكم دائرا مدارها و على ذلك بناء الفقهاء في جميع الأبواب.

فكما عمّمنا الحكم للخمس و الكفارات بسبب عموم العلة فكذلك نخصّص الحكم بمورد العلة بسبب كونها خاصة من جهة.

و لكن في الجواهر بعد ما نسب عدم وجوب الإعادة هنا الى غير واحد قال ما ملخّصه:

«و فيه بحث لمعارضته بإطلاق المعلّل إذ هو كالبحث في اقتضاء اختصاص الضمير العائد الى العام تخصيص العام كقوله- تعالى-: «وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ. وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذٰلِكَ إِنْ أَرٰادُوا إِصْلٰاحاً.» فيبقى العام على دلالته اللفظية، اللّهم إلّا أن يدّعى الفهم العرفي و هو غير بعيد.» «1»

أقول: ما ذكره أخيرا من الفهم العرفي هو الصحيح، و تنظيره المقام بمورد الآية الشريفة غير صحيح كما في مصباح الهدى، قال ما محصله: «أنه في الآية الشريفة ثبت حكمان مستقلان: أحدهما للعام و الآخر لبعض أفراده فلا يصادم

الحكم الثاني عموم الأول.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 388؛ و الآية المذكورة من سورة البقرة (2)، رقمها: 228.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 214

[وقت النية في دفع الزكاة للطفل و المجنون]

[المسألة 6]: النيّة في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الوليّ (1) إذا كان على وجه التمليك، و عند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف (2).

______________________________

و هذا بخلاف المقام و نظائره من موارد التعليل، حيث إن المذكور فيه حكم واحد وضع على العام أو المطلق و لكن علّل عقيب ذلك بعلة أخصّ من وجه بنحو يظهر منها دوران الحكم مدارها فلا ينعقد للجملة الأولى ظهور في إرادة العموم و الإطلاق أصلا.» «1»

و ما ذكره وجيه يساعده الفهم العرفي. هذا.

و لو صرف المخالف الزكاة في الجهات العامة التي يجوز صرفها فيها كالجهاد و بناء المساجد و المدارس لأهل الإيمان ثم استبصر فالظاهر أن حكمه حكم الإعطاء للشيعة.

و لو أعطى الشيعي زكاته للمخالف وجب عليه إعادتها لما دلّ من أن موضعها أهل الولاية. و لخصوص صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له:

رجل عارف أدّى زكاته إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال: نعم. الحديث. «2»

(1) أو إلى من يقوم بأمر هما مع عدم الوليّ، كما مرّ عن التذكرة، بل و إلى الطفل نفسه إن كان مميزا، كما مرّ عن مصباح الفقيه. «3»

(2) و قد مرّ عن مجمع الفائدة قوله: «و يمكن كون النية عند الوضع عندهم، أو الوضع في الفم، و عند الأخذ، و عند المضغ، و عند البلع، و الظاهر أن قصد الزكاة عند ذلك يكفي.» «4»

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 258.

(2)- الوسائل 6/ 147، الباب 2 من أبواب المستحقين

للزكاة، الحديث 1.

(3)- راجع ص 190.

(4)- مجمع الفائدة و البرهان 4/ 176.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 215

[كفاية الإقرار الإجمالي بالأئمة]

[المسألة 7]: استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوامّ المؤمنين الذين لا يعرفون اللّه إلّا بهذا اللفظ، أو النبي «ص» أو الأئمّة «ع» كلّا أو بعضا، أو شيئا من المعارف الخمس، و استقرب عدم الإجزاء.

بل ذكر بعض آخر أنه لا يكفي معرفة الأئمة «ع» بأسمائهم، بل لا بدّ في كلّ واحد أن يعرف أنّه من هو، و ابن من. فيشترط تعيينه و تمييزه عن غيره، و أن يعرف الترتيب في خلافتهم.

و لو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، يعتبر الفحص عن حاله، و لا يكفي الإقرار الإجمالي بأني مسلم مؤمن اثنا عشري.

و ما ذكروه مشكل جدّا، بل الأقوى كفاية الإقرار الإجمالي و إن لم يعرف أسماءهم أيضا فضلا عن أسماء آبائهم و الترتيب في خلافتهم (1).

______________________________

أقول: و الشبهة في الفرض الأخير بل و ما قبله خروجه عن المالية عرفا، و استظهار الكفاية من جهة كونه مالا عند الآكل. و قد مرّ منا الاحتياط بالتمليك ثم الصرف عليهما.

(1) في الحدائق: «نعم يبقى الإشكال في جملة من عوام الشيعة الضعفة العقول ممن لا يعرفون اللّه- سبحانه- إلا بهذه الترجمة حتى لو سئل عنه من هو؟ لربما قال: محمّد أو عليّ! و لا يعرف الأئمة- عليهم السلام- كملا و لا يعرف شيئا من المعارف الخمس أصلا فضلا عن التصديق بها.

و الظاهر أن مثل هؤلاء لا يحكم بإيمانهم و إن حكم بإسلامهم و إجراء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 216

..........

______________________________

أحكام الإسلام عليهم في الدنيا. و أمّا في الآخرة فهم من المرجين لأمر اللّه إما يعذبهم

و إما يتوب عليهم.

و في إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال لاشتراط ذلك بالإيمان و هو غير ثابت. و ليس كذلك النكاح و الميراث و نحوهما فإن الشرط فيها الإسلام و هو حاصل. و بالجملة فالأقرب عندي عدم إجزاء إعطائهم.» «1»

و في المستند بعد نقل كلام الحدائق قال: «و هو كذلك، إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر و من كان من أهل الولاية. و من لم يعرف الأئمة «ع» أو واحدا منهم أو النبي «ص» لا يصدق عليه أنه يعرف صاحب هذا الأمر و لا يعلم أنه من أهل الولاية و أنه العارف، بل و كذلك لو عرف الكل بأسمائهم فقط يعني مجرد اللفظ و لم يعرف أنه من هو و ابن من، إذ لا يصدق عليه أنه يعرفه و لا يتميز عن غيره.

و الحاصل أنه يشترط معرفته بحيث يعيّنه في شخصه و يميّز عن غيره، و كذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم.

و لو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا فهل يشترط في الإعطاء الفحص عنه؟ الظاهر نعم إذا احتمل في حقّه عدم المعرفة و لا يكفي الإقرار الإجمالي بأني مسلم مؤمن و اثنا عشري.

و لو علمنا أنه يعرف النبي «ص» و الأئمة «ع» بأسمائهم الشريفة و أنسابهم المنيفة و ترتيبهم و أقرّ بما يجب الإقرار به في حقهم فهل يجب الفحص عن حاله أنه هل هو مجرد إقرار أو مذعن بما يعترف و معتقد له؟ لا يجب، لأنه خلاف سيرة العلماء و وظيفتهم و لأن معرفة ذلك غير ممكن غالبا إذ قد يحصل

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 206.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 217

..........

______________________________

اليقين بما لا يمكنه بيانه ...»

«1»

أقول: الظاهر صحة ما ذكره المصنف من كفاية الإقرار الإجمالي و إن لم يعرف أسماءهم لا بأن يتلفظ بالألفاظ بلا توجّه إلى المعاني أصلا بل بأن يؤمن بهم و لو إجمالا، و ذلك للسيرة القطعية في جميع الأعصار على عدّهم عرفا من طائفة الشيعة و معاملة الشيعة الإمامية معهم في انقسامات المجتمع، و الصدق العرفي كاف في شمول العمومات و إجراء الأحكام. و لعل ما ذكره العلمان و لا سيما صاحب المستند يوجب تخصيص الكثير و حرمانهم عن الزكوات. هذا.

مضافا إلى ما مرّ من أن الروايات ناظرة إلى بيان وظيفة المزكّي لا الإمام و الحاكم، و أن الإمام لا محالة يجب عليه أن يسدّ بالزكوات و نحوها خلّات جميع المسلمين ممن يكون تحت لوائه و حكمه.

و هل ترى أن أمير المؤمنين «ع» في عصر خلافته كان لا يعتني بهذا القبيل من المسلمين الكثيرين في البوادي و العشائر البدوية و كان يمنع فقراءهم و ضعفاءهم من أموال بيت المال؟

بل في خبر الإمام العسكري «ع» في تفسيره المنسوب إليه: «فقيل لرسول اللّه «ص»: فمن يستحق الزكاة؟ قال: المستضعفون من شيعة محمد و آله الذين لم تقو بصائرهم. فأما من قويت بصيرته و حسنت بالولاية لأوليائه و البراءة من أعدائه معرفته فذاك أخوكم في الدين، أمسّ بكم رحما من الآباء و الأمهات المخالفين، فلا تعطوه زكاة و لا صدقة فإن موالينا و شيعتنا منّا، و كلنا كالجسد الواحد يحرم على جماعتنا الزكاة و الصدقة. و ليكن ما تعطونه إخوانكم المستبصرين: البرّ، و ارفعوهم عن الزكوات و الصدقات، و نزهوهم عن أن تصبّوا عليهم أوساخكم.

______________________________

(1)- المستند 2/ 50.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 218

[لا يكفي مجرّد الدعوى للإيمان]

لكن هذا مع العلم بصدقه

في دعواه أنّه من المؤمنين الاثني عشرييّن. و أمّا إذا كان بمجرّد الدعوى و لم يعلم صدقه و كذبه فيجب الفحص عنه (1).

______________________________

الحديث.» «1» و رواه عنه في الوسائل باختلاف ما، فراجع. «2»

أقول: ما تضمن من منع الشيعة المستبصرين من الزكاة و الصدقة محمول على الاستحباب، كما في الوسائل.

(1) ما مرّ كان في بيان المؤمن بحسب مقام الثبوت و أنه هل يعتبر في صدقه العلم التفصيلى بأسماء الأئمة «ع» و جميع خصوصيّاتهم أو يكفى العلم و الأيمان إجمالا؟

و أمّا في مقام الأثبات ففي الجواهر قال: «فمجهول الحال لا يعطى إلّا أن يكون هناك طريق شرعي لإثبات إيمانه: بدعواه أو كونه مندرجا في سبيل أهل الإيمان. قال الأستاذ في كشفه: و يكفي في ثبوت وصف الايمان ادّعاؤه و كونه مندرجا في سلك أهله، أو ساكنا أو داخلا في أرضهم ما لم يعلم خلافه.» «3»

أقول: ما يمكن أن يعتمد عليه في مقام الإثبات: العلم و البينة و شهادة العدل الواحد و دعوى نفسه و كونه مندرجا في سلكهم أو ساكنا في بلادهم.

أما العلم و البينة فواضحان. و أما العدل الواحد فمحل إشكال، اللّهم إلّا أن يحصل بقوله الوثوق و سكون النفس.

و أما دعوى نفسه فإن حصل منها الوثوق فلا إشكال، و أما مع الشك فقد ظهر من كشف الغطاء و الجواهر الاكتفاء بها و عدم وجوب الفحص، و كذلك مرّ

______________________________

(1)- تفسير الإمام العسكري «ع» (ط. الجديدة)/ 79.

(2)- الوسائل 6/ 157، الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(3)- الجواهر 15/ 379.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 219

..........

______________________________

من المستند، قال: «لأنه خلاف سيرة العلماء.»

و المصنف أفتى بوجوب الفحص. و الأقوى وفاقا لكثير من الأساتذة المعلقين على

المتن عدم وجوب الفحص إلّا إذا كان المدّعي متهما بالكذب و النفاق أو ظاهرا عليه آثاره. و على ذلك استقرّ بناء العقلاء و سيرة العلماء في هذا السنخ من الأمور التي لا تعرف غالبا إلّا من قبل المدّعي. و لكن الأحوط الاقتصار على صورة حصول الظن.

و أما مع احتفاف الدعوى بما يوجب الوثوق أو الظن بالخلاف و أنه يكذب و ينافق فالظاهر عدم الاعتبار و عدم الدليل على كون الإيمان مثل الإسلام في ترتيب آثاره على المنافق في إظهاره أيضا.

و إنما حكمنا بذلك في باب الإسلام لما ثبت من معاشرة النبي «ص» مع المنافقين المظهرين للإسلام معاشرة إسلامية مع علمه بنفاقهم، و دلالة جملة من الأخبار على كفاية إظهار الشهادتين في إجراء أحكام الإسلام بنحو الموضوعية لا الطريقية.

و في الكتاب العزيز: «قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ.» «1»

و أما كونه مندرجا في سلك أهل الإيمان أو ساكنا في أرضهم و بلادهم بلا إقرار و اعتراف فالاعتماد عليهما مشكل إلا مع الوثوق و الاطمئنان.

و تنظيرهما على بلاد الإسلام و سوق المسلمين المجعولين أمارة على إسلام من فيها و تذكية الجلود و اللحوم قياس، و نحن لا نقول به، و لعل ذلك كان لتسهيل الأمر على المسلمين، فتدبّر.

______________________________

(1)- سورة الحجرات (49)، الآية 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 220

[لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثمّ تبيّن خلافه]

[المسألة 8]: لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثمّ تبيّن خلافه فالأقوى عدم الإجزاء (1).

______________________________

(1) هذه المسألة نظير المسألة الثالثة عشرة أعني ما لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيا، و قد تعرضنا للمسألة بالتفصيل، فراجع كتابنا في الزكاة. «1»

و اخترنا هناك عدم الإجزاء إذا كان

الدفع بالعلم الوجداني أو أمارة عقلائية لعدم جعل شرعي فيهما.

و أمّا إذا كان بإذن شرعي من أصل أو أمارة مجعولة أو دفعها إلى المجتهد أو المأذون من قبله بعنوان الولاية الشرعية، و الاشتباه في الدفع كان من قبل المجتهد فعدم الضمان وجيه بل عدم الضمان مطلقا مع عدم التفريط أيضا لا يخلو من وجه و لا سيما إذا كانت معزولة، فتدبّر.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 386.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 221

2- أن لا يكون الدفع إليه إعانة على الإثم

اشارة

الثاني: أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي، خصوصا إذا كان تركه ردعا له عنها.

و الأقوى عدم اشتراط العدالة، و لا عدم ارتكاب الكبائر، و لا عدم كونه شارب الخمر. فيجوز دفعها إلى الفساق و مرتكبي الكبائر، و شاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان (1).

[العدالة المعتبرة في مستحق الزكاة ما هي]

______________________________

(1) هل يعتبر فيمن يعطى الزكاة العدالة بالمعنى المعتبر في إمام الجماعة و البينات و نحوهما كما هو الظاهر من أكثر القدماء من أصحابنا، أو أن يكون تقيا أو عفيفا كما عن المفيد، أو أن لا يكون فاسقا كما هو الظاهر من السيد في الانتصار، أو أن لا يكون مقيما على الكبائر كما عن ابن الجنيد، أو عدم كونه شارب خمر كما هو المستفاد من بعض الأخبار، أو عدم كونه ممن يصرفها في المعاصي كما في المتن فلا يعطى لعادل يعلم بأنه في المآل يصرفها في المعاصي و يعطى لفاسق يعلم بعدم صرفه فيها، أو لا يعتبر شي ء من هذه الأمور بل يكفي كونه من أهل الولاية كما هو الظاهر من ابني بابويه و سلار، حيث اعتبروا الولاية دون غيرها؟ في المسألة أقوال:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 222

..........

______________________________

1- ففي المقنعة بعد ذكر الفقر و المسكنة قال: «و لا تجوز لأحد من هذين الصنفين و لا من الستة المقدم ذكرهم إلّا بعد أن يكون عارفا تقيا.» «1»

2- و في المختلف عن غرية المفيد: «و لا يعطى منها فقير حتى يكون عارفا عفيفا.» «2»

أقول: إن أراد بالتقوى و العفة اجتناب المعاصي عن ملكة صارا عبارة أخرى عن العدالة بمعنى الملكة.

3- و في الانتصار: «و ممّا انفردت

به الإمامية القول بأن الزكاة لا تخرج إلى الفسّاق و إن كانوا معتقدين الحقّ، و اجاز باقي الفقهاء أن تخرج إلى الفساق و أصحاب الكبائر. دليلنا على صحّة مذهبنا الإجماع المتردّد و طريقة الاحتياط و اليقين ببراءة الذمّة أيضا لأن إخراجها إلى من ليس بفاسق مجزئ بلا خلاف، و إذا أخرجها إلى الفاسق فلا يقين ببراءة الذمّة منها.

و يمكن أن يستدلّ على ذلك بكل ظاهر من قرآن أو سنة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معونة الفساق و العصاة و تقويتهم، و ذلك كثير.» «3»

أقول: قال الراغب في المفردات: «فسق فلان: خرج عن حجر الشرع و ذلك من قولهم: فسق الرطب إذا خرج عن قشره، و هو أعمّ من الكفر. و الفسق يقع بالقليل من الذنوب و بالكثير، لكن تعورف فيما كان كثيرا.» «4»

فإن أراد السيّد- قدّس سرّه- بالفاسق المعنى الأخير أعني من كثر منه الذنوب و اعتادها صار عبارة أخرى عن المقيم على كبيرة المذكور فيما يأتى عن ابن الجنيد

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- المختلف/ 182.

(3)- الجوامع الفقهية/ 112 (- طبعة أخرى/ 154).

(4)- مفردات الراغب/ 394.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 223

..........

______________________________

فينطبق على المتهتك المتجاهر بالمعاصي، و لعله الظاهر من التعبير بأصحاب الكبائر بل و مما استدل به في آخر كلامه أيضا.

و بالجملة يراد بالفاسق المعنى الثبوتي لا الحدوثي فلا يصدق على من حدث منه ذنب ما في خلال أفعاله اليومية لعارض اتفاقي الذي لا ينجو منه إلّا الأوحدىّ من الناس، حيث إن الواجد لملكة العدالة و الخوف من اللّه- تعالى- أيضا ربما يتفق له صدور معصية منه لفوران الشهوة أو الغضب آنا ما ثم يتنبه فورا و يندم و يرجع إلى حالته الأولى من جهة

قوة الملكة فيكون عادلا و لا يطلق عليه عنوان الفاسق.

لوضوح افتراق العدالة عن العصمة.

و على هذا فمرجع كلامه إلى كون الفسق بمعنى التهتك و المداومة على المعاصى مانعا، و اليه يرجع كلام ابن الجنيد أيضا. و إن أراد السيد بالفاسق مطلق من حدث منه ذنب كان مقتضاه اعتبار الاجتناب عن الذنوب مطلقا أو عن الكبائر لا محالة، اللّهم إلّا أن يتوب و يحرز توبته، و حينئذ فإن فسّرنا العدالة أيضا بالاجتناب عن الذنوب عملا بلا اعتبار لوجود الملكة كما نسب إلى ابني إدريس و حمزة أمكن القول برجوع كلامه إلى اشتراط العدالة الذي عليه الأكثر كما يأتي.

و أما إن فسّرناها بالكيفية النفسانية الباعثة على ملازمة التقوى عملا، أو بالاستقامة الفعلية الناشئة عن ملكة الخوف و التقوى على ما هو المشهور بين المتأخرين صار اشتراط عدم الفسق مغايرا لاشتراط العدالة في كلام الأصحاب، إذ من الممكن أن يكون الاجتناب ناشئا من عدم تحقق الشرائط أو عدم الميل أو وجود الحياء أو حفظ الموقعية الاجتماعية أو نحو ذلك فيصدق حينئذ عدم الفسق و لا تصدق العدالة، و مرجع ذلك أيضا إلى كون الفسق مانعا لا كون العدالة شرطا.

و لكن في المسالك قال: «لا ريب في أن اعتبار العدالة أولى مع الإمكان بل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 224

..........

______________________________

ادعى المرتضى على اشتراطها الإجماع.» «1»

و صاحب الجواهر أيضا أصرّ على إرجاع كلام السيد هنا إلى القول باشتراط العدالة و الإجماع عليه، قال: «و من هنا حكى الفاضلان و الشهيد و غيرهم عن السيد كما قيل شرطيتها و دعواه الإجماع عليها.» «2»

أقول: و مما ذكرنا يظهر لك عدم صحة هذه النسبة إلا على بعض الوجوه.

ثم إن ظاهر كلام السيد

بقرينة العطف أن مراده بالفاسق مرتكب الكبيرة فقط، اللّهم إلّا أن يكون العطف من قبيل عطف الخاص على العام للاهتمام، فتدبّر.

4- و في الجامع لابن عمّ المحقق: و لا تحلّ الزكاة لمخالف في الاعتقاد و لا لفاسق و إن وافق فيه.» «3»

أقول: و الكلام فيه ما هو الكلام في كلام السيد المرتضى.

5- و في المختلف عن ابن الجنيد: «لا يجوز إعطاء شارب خمر أو مقيم على كبيرة منها شيئا.» «4»

أقول: الظاهر من المقيم على كبيرة بل و كذا من شارب خمر: المعتاد المدمن لها لا من ارتكبها من باب الاتفاق، فما نسب إليه من اعتبار مجانبة الكبائر مطلقا محل إشكال. و المذكور في رواية داود الصرمى الآتية شارب الخمر، فلعله استفاد منها الكبائر بإلغاء الخصوصية. و هل يعم الكبيرة في كلامه الإصرار على الصغائر أيضا أم لا؟ وجهان، و لعل الأظهر هو الثاني.

______________________________

(1)- المسالك 1/ 61.

(2)- الجواهر 15/ 389.

(3)- الجامع للشرائع/ 144.

(4)- المختلف/ 182.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 225

..........

______________________________

6- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 3): «الظاهر من مذهب أصحابنا أن زكاة الأموال لا تعطى إلّا العدول من أهل الولاية دون الفسّاق منهم. و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: إذا أعطى الفاسق برئت ذمّته، و به قال قوم من أصحابنا. دليلنا طريقة الاحتياط، لأنه إذا اعطاها العدول برئت ذمّته بلا خلاف، و إذا أعطاها لغير عدل لم تبرأ ذمته بيقين.» «1»

أقول: يظهر من عبارة الخلاف عدم كون المسألة إجماعية عندنا كما أن الظاهر منها عدم الواسطة بين العدالة و الفسق عنده، فلعله أراد بالفسق ارتكاب الذنب و بالعدالة عدمه. و كذا فيما يأتي من كلماته.

7- و في النهاية: «و لا يجوز

أن يعطى الزكاة من أهل المعرفة إلّا أهل الستر و الصلاح، فأما الفسّاق و شرّاب الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا.» «2»

أقول: الظاهر أن الستر و الصلاح كالتقوى و العفة في كلام المفيد عبارة أخرى عن العدالة.

8- و في المبسوط: «و يعتبر مع الفقر و المسكنة الإيمان و العدالة، فإن لم يكن مؤمنا أو كان فاسقا فإنه لا يستحق الزكاة.» «3»

9- و في الجمل: «و يراعى فيهم أجمع- إلّا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ- شروط أربعة:

الإيمان و العدالة ...» «4»

10- و في الاقتصاد: «و يراعى فيهم أجمع- إلّا المؤلفة- الإيمان و العدالة.» «5»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 347.

(2)- النهاية/ 185.

(3)- المبسوط 1/ 247.

(4)- الوسائل العشر للشيخ/ 206.

(5)- الاقتصاد/ 282.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 226

..........

______________________________

11- و في الكافي لأبي الصلاح الحلبي: «فمستحق الزكاة و الفطرة الفقير المؤمن العدل دون من عداه.» «1»

12- و في المهذب في شروط المستحقين قال: «أولها أن يكونوا من أهل العدالة و الإيمان المعتقدين له ...» «2»

13- و في الغنية: «و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية إلّا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا الإيمان و العدالة ... بدليل الإجماع المتكرر و طريقة الاحتياط.» «3»

14- و في الوسيلة: «و يعتبر الإيمان في جميع الأصناف إلّا المؤلفة، و العدالة إلّا في المؤلفة و الغزاة.» «4»

15- و في السرائر: «و الذين يفرّق فيهم الزكوات اليوم ينبغي أن يحصل فيهم مع إحدى الصفات الأصلية و هى المسكنة و الفقر و كونه ابن سبيل و كونه غارما خمس صفات أخر إلى الصفات الأصلية، فيجتمع فيه ستّ صفات و هي الفقر و الإيمان و العدالة أو حكمها ...» «5»

أقول: قول ابن إدريس: «اليوم» لعله يظهر منه أن

الحكم في عصر الأئمة «ع» و لا سيما حين بسط يد الإمام كما في عصر أمير المؤمنين «ع» لم يكن كذلك، نظير ما مرّ منا في اعتبار الإيمان، حيث إنه كان يقسم الزكاة في جميع من كان تحت لواء حكومته و لو كان من أهل الخلاف، فتدبّر.

______________________________

(1)- الكافي/ 172.

(2)- المهذب 1/ 169.

(3)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(4)- الوسيلة/ 129.

(5)- السرائر/ 106.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 227

..........

______________________________

16- و في الشرائع: «الوصف الثاني: العدالة و قد اعتبرها كثير. و اعتبر آخرون مجانبة الكبائر كالخمر و الزنا دون الصغائر و إن دخل بها في جملة الفسّاق.

و الأول أحوط.» «1»

17- و في المختصر النافع: «و الثاني العدالة، و قد اعتبرها قوم و هو أحوط، و اقتصر آخرون على مجانبة الكبائر.» «2»

أقول: فهذه كلمات كثيرة من فحول أصحابنا الإمامية يستفاد منها اعتبار العدالة في المقام. و قد عرفت أن الظاهر من العفة و التقوى في كلامي المفيد و الستر و الصلاح في النهاية أيضا هو العدالة بمعني الاستقامة الفعلية الدينية عن ملكة.

18- و في المسالك في ذيل عبارة الشرائع قال: «و قد عرفها الشهيد هنا بأنها هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى بحيث لا يقع منه كبيرة و لا يصرّ على صغيرة، فلم يعتبر فيها المروة كما اعتبرها في غير هذا المحل بناء على أن الدليل إنما دلّ على منع فاعل المعاصي، و عدم المروّة ليس معصية و إن أخلّ بالعدالة.» «3»

19- و في الروضة بعد اعتبار المصنف تجنب الكبائر قال: «و الصغائر إن أصرّ عليها ألحقت بالكبائر و إلّا لم توجب الفسق، و المروّة غير معتبرة في العدالة هنا على ما صرّح به المصنف

في شرح الإرشاد فلزم من اشتراط تجنب الكبائر اشتراط العدالة. و مع ذلك لا دليل على اعتبارها، و الإجماع ممنوع.» «4»

أقول: الظاهر أن المنافي للمروّة إن أوجب تحقير المرتكب و هتكه في المجتمع صار حراما لذلك لحرمة هتك المؤمن مطلقا، و إلا فلا دليل على إخلاله

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(2)- المختصر النافع/ 59.

(3)- المسالك 1/ 61.

(4)- الروضة 2/ 51.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 228

..........

______________________________

بالعدالة لا هنا و لا في سائر الموارد. و لعل الكبائر في كلماتهم هنا منصرفة عن الإصرار على الصغائر. و إرجاع تجنب الكبائر إلى العدالة متوقف على عدم اعتبار الملكة فيها كما مرّ. هذا.

و ربما يخطر بالبال بنحو الاحتمال أن الأصحاب أرادوا بالعدالة في المقام ما ربما يجعل كاشفا عنها شرعا و أمارة عليها تعبدا أعني حسن الظاهر أو الاعتراف بالإسلام و عدم ظهور الفسق لا بما أنهما طريقان إلى العدالة بل اعتبرا هنا موضوعا، نظير اعتبار القطع موضوعا لبعض الأحكام، فأرادوا عدم جواز إعطاء الزكاة للمتهتك المتجاهر، فيرجع كلامهم إلى ما احتملناه في كلامي السيد و ابن الجنيد. إذ اشتراط نفس العدالة بمعنى الاستقامة الفعلية الناشئة عن الملكة يوجب حرمان أكثر المؤمنين. و يبعد جدّا التزام الأصحاب بذلك، فتأمل.

و بالجملة الظاهر من كلمات الأصحاب في المقام و إن كان اعتبار العدالة بالمعنى المصطلح أو مجانبة الكبائر بنحو الإطلاق، و لكن اعتبارهما لا يلائم ما يستفاد من الأخبار من الحكمة لتشريع الزكاة، إذ يستفاد منها أنها شرّعت لسدّ خلّات الفقراء و المساكين و أبناء السبيل و غيرهم من ذوي الحاجات.

و بعبارة أخرى لسدّ جميع خلّات المجتمع على وجه لو لم يقصّر الأغنياء في أدائها لاستغنى الجميع، ففي

رواية معتب عن الصادق «ع»: «إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء، و لو أن الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا و لاستغنى بما فرض اللّه له، و إن الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلّا بذنوب الأغنياء. الحديث.» «1»

و لو كانت العدالة بمعنى الملكة شرطا لزم منه حرمان الجلّ، إذ قلّ من يتصف

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 4، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 229

..........

______________________________

بوصف العدالة أو مجانبة الكبائر بإطلاقها و لا نظنّ التزام الأصحاب بذلك.

و فيما رواه المحدثون في باب الزكاة أن رسول اللّه «ص» لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: «فأخبرهم أن اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم.» «1» و ظاهره التعميم لجميع الفقراء.

و قد كان النبي «ص» و الخلفاء و أمير المؤمنين «ع» في عصر خلافته يقسمون الزكوات بين المحتاجين بأجمعهم و لم يعهد منهم و لا من عمّالهم في البلاد تخصيصها بأفراد خاصّة أحرز فيهم العدالة بالمعنى المصطلح. كما لم يعهد في عصر من الأعصار التزام المزكين بالفحص عن عدالة الفقراء و المساكين و أبناء السبيل نحو التزامهم بالفحص عن عدالة البينات و المفتين و أئمة الجمعة و الجماعات.

نعم لو كان إعطاء الزكاة لفاسق خاصّ إعانة له على فسقه أو كان منعها عنه ردعا له عن المعصية أمكن القول بعدم جواز الإعطاء و سيأتي البحث فيه.

كما يمكن القول باستقرار السيرة على منع المتجاهرين بالفسق و الفجور.

و ليس في أخبارنا ما يدلّ على اعتبار العدالة أو مجانبة الكبائر بنحو الإطلاق. بل مقتضى عموم الفقراء و المساكين و

الغارمين في الآية الشريفة و كذا إطلاقات أكثر الروايات المتعرضة لمصارف الزكاة و لا سيما ما ورد منها في جواب الأسئلة عن المصارف بلا استفصال عن تحقق العدالة أو مجانبة الكبائر عدم اعتبارهما. و معها لا مجال لقاعدة الشغل و الاحتياط على ما مرّ في كلامي السيد و الشيخ- قدّس سرّهما-.

ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم قال الصادق «ع» مخاطبا لزرارة:

______________________________

(1)- صحيح البخاري 5/ 109 (- طبعة أخرى 3/ 73)، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى و معاذ إلى اليمن؛ و سنن البيهقي 7/ 7، كتاب قسم الصدقات، باب من جعل الصدقة في صنف ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 230

..........

______________________________

«فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس.» «1» و في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع»: «و إنما موضعها أهل الولاية.» و هكذا في صحيحة ابن أذينة. «2»

و في رواية عبد اللّه بن أبي يعقور قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: جعلت فداك ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال: فقال: «هي لأصحابك.» «3»

و في رواية ضريس قال: سأل المدائنى أبا جعفر «ع» قال: إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال: «في أهل ولايتك.» «4»

و في رواية إبراهيم الأوسي عن الرضا «ع»: «إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا.» «5»

و في رواية أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن «ع»: رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك و له زكاة أ يجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال: «نعم.» «6»

و لا يخفى أن تحقق العدالة أو مجانبة الكبائر في جميع قرابة الرجل و لا سيما في النساء و الضعفة منهم بعيد جدّا.

و في رواية

الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» و سأله إنسان فقال: إني كنت أنيل البهيمية من زكاة مالي حتى سمعتك تقول فيهم، فأعطيهم أم أكفّ؟ قال: «بل أعطهم، فإن اللّه حرّم أهل هذا الأمر على النار.» «7»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 149، الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(4)- الوسائل 6/ 152، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(6)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(7)- الوسائل 6/ 155، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 16.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 231

..........

______________________________

و ظهور الرواية في كفاية الاعتقاد بإمامة أئمتنا واضح.

إلى غير ذلك من الأخبار التي يستفاد منها الاكتفاء بالإيمان و الولاية.

و لكن ناقش في مصباح الهدى في الاستدلال بما ذكر فقال: «و الإنصاف عدم العموم أو الإطلاق في شي ء من ذلك، بل الآية الكريمة لها إهمال من هذه الجهة و إنما هي في مقام بيان الأصناف لا الشروط المعتبرة في الأصناف. و الأخبار المذكورة و ما يضاهيها إنما هي في مقام بيان [اعتبار- ظ-] الإيمان لا نفي اعتبار ما عداه حتى يتمسك بإطلاقها على نفي اعتبار العدالة. فالعمدة في نفيه هو عدم الدليل على اعتبارها فيرجع في نفيه بالأصل.» «1»

أقول: الاستدلال بالآية الشريفة مبني على دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم فلا إهمال فيها. و ما اشتمل من الأخبار المذكورة على السؤال و الجواب أيضا ظاهرة في العموم بمقتضى ترك الاستفصال.

و يدل أيضا على عدم اعتبار العدالة

أو مجانبة الكبائر ما عن العلل بسند فيه إرسال عن بشر بن بشّار، قال: قلت للرجل يعني أبا الحسن «ع» ما حدّ المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال: «يعطى المؤمن ثلاثة آلاف، و يعطى الفاجر بقدر، لأن المؤمن ينفقها في طاعة اللّه و الفاجر في معصية اللّه.» «2»

و الشيخ عدّ الرجل في رجاله «3» من أصحاب الإمام الهادي «ع» و حاله مجهول، و المراد بأبي الحسن على هذا أبو الحسن الثالث.

و يظهر من الجواب أن السؤال كان عن المقدار الذي يعطى للمؤمن لا عن حدّ نفس المؤمن، و ذكر حكم الفاجر وقع تطفلا و تفضلا، و كيف كان فالرواية تدلّ

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 264.

(2)- الوسائل 6/ 171، الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- رجال الشيخ/ 411.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 232

..........

______________________________

إجمالا على عدم اعتبار العدالة و جواز إعطاء الفاجر أيضا. نعم يستفاد منها عدم جواز الإعطاء لمن يصرفها في المعصية.

فالفرق بين المؤمن و الفاجر أن المؤمن بحسب إيمانه لا يصرفها إلا في الطاعة.

و أما الفاجر فإن أعطي بقدر فلا محالة يصرفها في نفقاته اليومية، و لو زيد على ذلك كان الغالب على طبعه صرفها في المعصية.

و بذلك يظهر أنه لو فرض أن الفاجر إذا أعطي عشرة آلاف من الزكاة تنبه و انقطع عن الفجور و العصيان، و أن المؤمن لو أعطي عشرة آلاف طغى أن رآه استغنى و صرفها في المصارف المحرمة انعكس الأمر بمقتضى التعليل. و بالجملة ليس الفجور و عدم العدالة سببا للمنع و إنما السبب له كونه بحيث يصرفها في معصية اللّه كما هو مختار المصنف في المتن.

و احتمل في الجواهر حمل الخبر على التقيّة، قال: «و يؤيده

كون الخبر المزبور عن أبي الحسن «ع» و التقية في زمانه في غاية الشدة.» «1»

أقول: لا وجه لهذا الحمل بعد ما لم يوجد معارض أقوى و لم نعثر في كلامهم على هذا التفصيل بين المؤمن و الفاجر، فتدبّر.

[استدل لعدم اعتبار العدالة بوجوه]

و استدل لعدم اعتبار العدالة أو مجانبة الكبائر أيضا بما مرّ من تفسير الإمام «ع» من قوله «ع»: «فقيل لرسول اللّه «ص»: فمن يستحقّ الزكاة؟

قال: المستضعفون من شيعة محمد و آله الذين لم تقو بصائرهم، فأمّا من قويت بصيرته و حسنت بالولاية لأوليائه و البراءة من أعدائه معرفته فذاك أخوكم في الدين، أمسّ بكم رحما من الآباء و الأمهات المخالفين، فلا تعطوه زكاة و لا صدقة.» «2»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 391.

(2)- تفسير الإمام العسكري «ع»/ 79.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 233

..........

______________________________

بتقريب أنّ أرباب البصائر الضعيفة لا يخلون غالبا من الكبائر كما هو واضح.

و يمكن أن يستدل أيضا بما دلّ على جواز الإعطاء لمدّعي الفقر من دون استفصال عن عدالته و تقواه كمرسلة العرزمي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «جاء رجل إلى الحسن و الحسين- عليهما السلام- و هما جالسان على الصفا، فسألهما فقالا: إن الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع أو غرم مفظع أو فقر مدفع، ففيك شي ء من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه. الحديث.» «1»

أقول: أدقعه: أفقره و أذلّه. اللّهم إلّا أن يقال: لا دليل على كون المراد بالصدقة في الحديث الزكاة الواجبة، فتأمّل فإن عمومها يشملها. هذا.

[استدل لاعتبار العدالة بوجوه]

و استدل لاعتبار العدالة أو مجانبة الكبائر بوجوه:

الأول: الإجماع المدّعى في الانتصار و الغنية.

و فيه أولا أنه قد ظهر مما مرّ من الخلاف كون المسألة خلافية عندنا، و قد عرفت عدم تعرض ابني بابويه و سلار إلّا لشرط الإيمان و الولاية.

و لكن في الجواهر «2» احتمل أن يكون اكتفاؤهم بذكر الإيمان كان مبنيا على اعتبار أعمال الجوارح فيه عندهم، كما يدل على ذلك جملة من النصوص، فراجع أصول الكافي. «3»

أقول: لا يخفى أن للمؤمن اصطلاحين:

أحدهما في قبال المخالف و الآخر في

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 145، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الجواهر 15/ 389.

(3)- الكافي 2/ 33- 40، كتاب الإيمان و الكفر، باب في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 234

..........

______________________________

قبال الفاسق، و العمل إنما يعتبر في الثاني دون الأول، فيجب أن لا يخلط بينهما، و المذكور في المقنع الولاية و في المراسم الاعتقاد للحق.

و ثانيا أنه قد مرّ أن الفاسق في كلام السيّد كان يحتمل أن يراد به خصوص من تكرر منه المعاصي بحيث صار متهتكا لا يعتني بموازين الإسلام.

و ثالثا أن الإجماع إنما يكون حجة عندنا إذا كشف عن تلقيهم المسألة من الأئمة «ع» يدا بيد، و لم يحرز في المقام ذلك إذ لعل المدرك لهم كان ما ذكروه في كلماتهم من الأدلة، و مع الاحتمال يسقط الاستدلال. و بذلك يظهر أن اعتبار العدالة في المقام و إن تعرض له كثير من القدماء في كتبهم المعدّة لنقل الأصول المتلقاة عن المعصومين «ع» كما مرّ، لكن ليس هذا بنحو يطمئن النفس بوصول نصّ إليهم غير النصوص و الأدلة الواصلة إلينا، فتأمل.

الثاني: قاعدة الشغل و الاحتياط.

و فيه مضافا إلى عدم جريانها في قبال العمومات و الإطلاقات، أن أصالة عدم الاشتراط حاكم عليها.

الثالث: خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع» في بيان مصرف الزكاة، قال:

«و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسمها في قوم ليس بهم بأس أعفّاه عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا. الحديث.» «1»

و فيه أن عدم البأس أعم من العدالة أو مجانبة. الكبائر، و لعله لإخراج المخالف أو المتهتك المتجاهر بالفسق. هذا مضافا إلى أن الخبر محمول

على الاستحباب قطعا، إذ من مصارف الزكاة المسكين الذي يسأل: ففي صحيح محمد بن مسلم عن

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 235

..........

______________________________

أحدهما «ع» أنه سأله عن الفقير و المسكين فقال: «الفقير الذي لا يسأل، و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل.» «1» و مرّ في خبر العرزمي أيضا أن الرجل سأل الحسن و الحسين فأعطياه، فتأمل.

الرابع: رواية محمد بن سنان عن الرضا «ع» في بيان علة الزكاة، قال:

«مع ما فيه من الزيادة و الرأفة و الرحمة لأهل الضعف، و العطف على أهل المسكنة، و الحثّ لهم على المواساة و تقوية الفقراء و المعونة لهم على أمر الدين. الحديث.» «2»

و فيه أن المعونة على أمر الدين ذكرت حكمة لإعطاء الفقراء و هي أيضا من مصارف الزكاة و لكن لا يتعين صرفها فيها قطعا. مضافا إلى أن ذلك غير اعتبار العدالة أو مجانبة الكبائر في الآخذ. و كم من فاسق يهتم بالشعائر الدينية أيضا و يصرف المال فيها.

الخامس: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن عيسى، عن داود الصرمي، قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال: «لا.» و رواه الكليني أيضا عن داود الصرمي «3»

أقول: في رجال الشيخ المطبوع في أصحاب الهادي «ع»: «داود الصيرفي يكنى أبا سليمان.» «4» و لعل الصيرفي مصحف الصرمي. و في الفهرست: «داود الصرمي له مسائل أخبرنا بها عدّة من أصحابنا عن أبي المفضل، عن ابن بطة، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عنه.»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 5، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه

الزكاة، الحديث 7.

(3)- الوسائل 6/ 171، الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(4)- رجال الشيخ/ 415.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 236

..........

______________________________

و الرجل مجهول لم يذكر بمدح و لا بقدح، و إن كان يظهر من المامقاني عدّة من الحسان. «1»

و يرد على الاستدلال بالرواية مضافا إلى جهل الراوي و الإضمار و عدم العلم بالمسؤول أنها تختص بشارب الخمر فقط. و الظاهر منه المعتاد المدمن له، فالتعدي منه إلى مطلق المرتكب بل مطلق المقيم على الكبائر مشكل، و إن احتملنا أن ابن الجنيد صنع ذلك بإلغاء الخصوصية، إذ يظهر من الأخبار أن لشارب الخمر خصوصية، و لذا وقع النهي عن تزويجه و عيادته إذا مرض، فراجع الوسائل. «2»

و لعل المنع من إعطائه كان من جهة أن الظاهر من حال المعتاد على شرب الخمر أنه يصرف ما يجده من المال فيما اعتاده كما هو الحال في سائر المعتادين، و ليس فقرهم غالبا بالعجز عن قوت السنة بل بالعجز عن ثمن الخمر و نحوه.

و بهذا يفترق شارب الخمر عن أصحاب الكبائر التي لا تتوقف على صرف المال كالغيبة و الفحش و النميمة و نحوها. و بالجملة فمفاد الخبر يرجع إلى ما مرّ في بيان خبر بشر من أن المنع ليس بسبب كون الشخص فاجرا بل بسبب أن المال يصرف في المعصية، فتدبّر.

و لو سلّم إلغاء الخصوصية و التعدّي إلى سائر أصحاب الكبائر كان مقتضاه منع الإعطاء لمن صار مثل شرب الخمر أو غيره من الكبائر أمرا عاديّا له بحيث يعرف بهذه الصفة و يطلق عليه عرفا، لا مطلق من صدر عنه معصية و لو مرّة واحدة من جهة فوران الشهوة أو الغضب أو وقوع الغفلة آنا. و

قد عبّر ابن الجنيد عن ذلك بالمقيم على كبيرة، و نحن نعبّر عنه بالمتهتك المتجاهر.

______________________________

(1)- الفهرست/ 68؛ و تنقيح المقال 1/ 411.

(2)- راجع الوسائل 14/ 53، الباب 29 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 237

..........

______________________________

فما في الشرائع و غيره من التعبير عن هذا القول باعتبار مجانبة الكبائر محل إشكال.

السادس: ما في صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه «ع» الواردة في بيان بعث أمير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة لجباية زكوات الأنعام من قوله «ع»: «فيقسمن بإذن اللّه على كتاب اللّه و سنة نبيه على أولياء اللّه.» «1» و واضح أن الفسّاق ليسوا من أولياء اللّه.

و فيه أن لأولياء اللّه مراتب فأعلاها ينحصر في المعصومين، و لكن كل من دان بدين اللّه و قبل إمامة أهل البيت- عليهم السلام- يعدّ من أولياء اللّه في قبال أعداء اللّه. نعم يمكن القول بانصرافه عن المتجاهر بالفسق و لعلّ لزكاة الأنعام أيضا خصوصية كما ترى أنه يستحب أن تخرج إلى المتجملين من أهل الفقر. «2»

كيف! و هل يمكن رفع اليد عن العمومات و الإطلاقات الكثيرة الواردة في مقام البيان و الحاجة، و عن السيرة المستمرة للنبي «ص» و الأئمة «ع» و المسلمين في جميع الأعصار بسبب هذه الأخبار المحتملة لوجوه؟

السابع: الاستيناس للمقام بما دلّ على منع الغارم في المعصية و ابن السبيل العاصي بسفره.

و فيه مضافا إلى أنه قياس لا نقول به أنه مع الفارق إذ المنع فيهما لكونهما من الجهات لا من المستحقين و الصرف في جهة المعصية يرجع إلى الصرف في المعصية بخلاف الإعطاء للفقير العاصي للصرف في نفقاته و حاجاته المحللة، فتأمل.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 89، الباب 14 من أبواب

زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- راجع الوسائل 6/ 182، الباب 26 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 238

..........

______________________________

الثامن: أن منعها عن الفسّاق من النهي عن المنكر بالمعنى الأعم أعني الحيلولة بين الشخص و بين المعاصي فيجب لذلك.

و فيه منع الإطلاق إذ ربما كان الإعطاء له لنفقاته و حاجاته يوجب ارتداعه عن المعاصي إذ الفقر كاد أن يكون كفرا.

نعم لو فرض كون منعه موجبا لارتداعه سلّمنا وجوب المنع من غير فرق بين أن يكون ممن يصرفها في المعاصي أم لا.

التاسع: ما دلّ من الآيات و الروايات على النهي عن الموادّة لمن حادّ اللّه و رسوله، و عن الركون إلى الظالمين، و عن التعاون على الإثم و العدوان، و عن إعانة الظالمين و لو بمدّة قلم أو في طريق الحج أو بناء الأبنية الشامل بإطلاقها للمساجد أيضا أو نحو ذلك. «1»

و في الجواهر بعد الاستدلال بذلك و ببعض الأخبار الأخر قال: «لا أقلّ من ذلك كله يحصل الشك في اندراج هؤلاء الفاسقين المعاندين المحاربين للّه و رسوله في اطلاق الآية الذي لم يكن مساقا لبيان جميع الشرائط، كإطلاق الشيعة و أهل الولاية و العارفين و المؤمنين في الروايات، سيّما مع ملاحظة ما ورد في المؤمن و الشيعي و الموالي من المدح و الثناء على وجه يقطع بعدم إرادة أولئك منهم، و أنّ الشيعة الذين أمرنا بإعطائهم و أن الوصول إليهم وصول إلى الأئمة «ع» غير هؤلاء المعاندين المرتكبين الفجور من الزنا و اللواط و شرب الخمر و أمثال ذلك. بل ربما كان بعضهم من أجناد الظلمة و يعيش مدة عمره لم يأت بصلاة واحدة فضلا عن استمراره على أنواع المعاصي.» «2»

______________________________

(1)- راجع الوسائل 12/ 127-

132، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به.

(2)- الجواهر 15/ 391.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 239

..........

______________________________

و فيه أن الكلام في اعتبار العدالة أو مجانبة الكبائر. و العناوين المذكورة تغايرهما. و نحن لا نأبى عن منع الإعطاء إذا فرض في مورد صدق أحدها.

و لكن ليس كل من لا يكون عادلا أو صدر عنه معصية محادّا للّه و لرسوله أو معاندا أو محاربا لهما أو ظالما أو من أجناد الظلمة.

و ليس كل إعانة مالية لفقير غير عادل على نفقاته و حاجاته اليومية و لا سيما فيما يجب عليه كأداء ديونه و نفقة زوجته مثلا موادّة له أو ركونا إلى الظالم أو إعانة للفاسق في فسقه أو تقوية للظالم.

و لم نجد ما يدل على حرمة إعانة الفاسقين على غير فسقهم و إن قيل بذلك في إعانة الظلمة و لو على غير ظلمهم.

و العجب من صاحب الجواهر حيث خلط بين غير العادل و المرتكب للكبيرة و بين المتهتك المتجاهر الذي لا يبالي بالصلاة و موازين الشرع و يستمر على أنواع المعاصي.

و لعل المتشرعة بفطرهم يستنكفون من إعانة المتهتكين و إيتاء الزكاة لهم و لكن استمرت سيرتهم على إعطائها لمن يواظب على الطاعات و لكن ربما يصدر عنه المعاصي أيضا من باب الاتفاق.

و قد مرّ أيضا أن التمسك بالآية يكون بعمومها المستفاد من اللام لا بإطلاقها حتى يناقش بعدم كونها في مقام البيان.

و لعل التعاون على الإثم و العدوان ظاهر في المشاركة في الفعل بمقتضى صيغة التفاعل، فلا يصدق على من أوجد مقدمة من مقدمات فعل الغير و إن علم بترتب الحرام عليه.

نعم يمكن القول بصدق الإعانة عليه و لكن يمكن القول بعدم حرمتها،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 240

..........

______________________________

و لو سلّم فلعلها مشروطة بقصد المعين لذلك أو انحصار فائدة فعله في الحرام عرفا، نظير إعطاء العصا للظالم حين ما أراد جدّا ضرب أحد- و لعله لا يخلو حينئذ من القصد أيضا- أو انحصار طريق الفاعل في ذلك بحيث يصير ترك الإعطاء ردعا له عن المنكر، و الإعطاء إغراء له عليه، نظير بيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا و لا يقدر على العنب إلا من هذا الشخص.

و أما بدون ذلك كله فيشكل صدق الإعانة و إن علم بوقوع الصرف فيه في المآل.

و على ذلك حملوا أخبار جواز بيع العنب أو العصير ممن يعلم أنه يجعله خمرا، فراجع الوسائل «1»، إذ البائع غالبا لا يقصد إلا بيع متاعه و لعله لا يرضى أصلا بتخميره فلا تصدق الإعانة.

قال المحقق الأردبيلي- قدّس سرّه- في زبدة البيان في تفسير آية التعاون:

«و الظاهر أن المراد الإعانة على المعاصي مع القصد أو على الوجه الذي يقال عرفا أنه كذلك، مثل أن يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم فيعطيه إياها، أو يطلب منه القلم لكتابة ظلم فيعطيه إياه و نحو ذلك مما يعدّ معاونة عرفا، فلا يصدق على التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه أنه معاون للظالم العاشر في أخذ العشور، و لا على الحاج الذي يؤخذ منه بعض المال في طريقة ظلما و غير ذلك مما لا يحصى، فلا يعلم صدقها على شراء من لم يحرم عليه شراء السلعة من الذي يحرم عليه البيع و على بيع العنب ممن يعمل خمرا و الخشب ممن يعمل صنما، و لهذا ورد في الروايات الكثيرة الصحيحة جوازه و عليه الأكثر.» «2»

______________________________

(1)- راجع الوسائل 12/ 168- 170، الباب 59 من أبواب ما يكتسب

به.

(2)- زبدة البيان/ 297، (كتاب الحج).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 241

..........

______________________________

و راجع في المقام المستمسك «1» أيضا و التفصيل يطلب من محلّه. هذا.

و لكن يمكن المناقشة بعدم جريان ما ذكرناه في هذا المقام، إذ مقتضى خبر بشر بن بشار السابق عدم جواز الإعطاء إذا علم بصرفها في المعصية مطلقا. هذا مضافا إلى أنه خلاف حكمة الزكاة، إذ هي شرعت لسدّ الخلّات و الحاجات المشروعة، و لعله لأجل ذلك شرط أصحابنا العدالة ليحرز بها عدم الصرف في الحرام.

و ربما يقال بصدق الإعانة عرفا على إيجاد مقدمة الحرام للغير و تهيئة بعض أسبابه له مع العلم بصرفها فيه و لو مع عدم القصد و عدم الانحصار و كون المقدمة مشتركة بين الحرام و الحلال.

و لو سلّم عدم صدق الإعانة فالعقل يحكم بقبح هذا العمل، فكما أن عصيان المولى قبيح عند العقل فكذلك تهيئة بعض مقدماته للغير مع العلم، و لذلك ترى في القوانين الجزائية العادية يقررون مقررات جزائية لمن أعان مجرما على جرمه أو هيأ له بعض مقدمات فعله مع العلم و إن لم يشركه بالمباشرة، و الأحكام العقلية غير قابلة للتخصيص.

و لذا استشكل في الرياض في مسألة بيع العنب ممن يعمله خمرا في العمل بأخبار الجواز، قال: «لكن مقاومة هذه النصوص و إن كثرت و اشتهرت و ظهرت دلالتها بل ربما كان في المطلب صريحا بعضها، لما مرّ من الأصول و النصوص المعتضدين بالعقول إشكال، و المسألة لذلك محل إعضال.» «2»

و في الكافي بسند لا بأس به عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»:

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 284.

(2)- الرياض 1/ 500.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 242

..........

______________________________

«من أكل الطين فمات فقد أعان على

نفسه.» «1»

فقد استعمل لفظ الإعانة مع وضوح عدم قصد الأكل لقتل نفسه.

و النقض بتجارة التاجر و نحوها غير وارد، إذ المحرم إيجاد مقدمة فعل الغير، نظير سلطته على العصا للضرب أو على العنب للتخمير بحيث لو لم يوجدهما هذا أوجدهما بنفسه من طريق آخر، و أما تجارة التاجر فليس فعلا للظالم العاشر و لا مقدمة لفعله، بل فعل للتاجر، غاية الأمر أن الظالم يستفيد منه استفادة سوء، و كذا خروج المرأة من البيت لحاجاتها اليومية بالنسبة إلى نظر الأجانب إليها، فتأمّل.

و على هذا فالأحوط في المسألة ما أفتى به المصنف من عدم جواز الإعطاء لمن يصرفها في المعاصي مطلقا، كما أن الأحوط عدم إعطائها لشارب الخمر و لا للمتهتك المتجاهر بالمحرمات، لما مرّ من خبر داود الصرمي و حمل كلمات الأعلام على ذلك و استقرار سيرة المتشرعة عليه و كون الإعطاء لهم مرغوبا عنه عندهم. و قد تعرض لهذا الاحتياط كثير من الأعلام المعلّقين على المتن، فراجع. هذا.

و قد مرّ عن الانتصار قوله: «و أجاز باقي الفقهاء أن تخرج الى الفساق و أصحاب الكبائر.» «2»

و مرّ عن الخلاف بعد شرط العدالة قوله: «و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: إذا أعطى الفاسق برئت ذمته، و به قال قوم من أصحابنا.» «3»

و في المنتهى بعد ما نسب إلى المفيد و ابني بابويه و سلّار عدم اشتراط العدالة قال: «و به قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك و أحمد، و هو الأقرب.» «4»

______________________________

(1)- الكافي 6/ 266، كتاب الأطعمة، باب أكل الطين، الحديث 8.

(2)- الجوامع الفقهية/ 112 (- طبعة أخرى/ 154).

(3)- الخلاف 2/ 347. كتاب قسمة الصدقات، المسألة 3.

(4)- المنتهى 1/ 523.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص:

243

[الأحوط اشتراط العدالة]

و إن كان الأحوط اشتراطها (1)، بل وردت رواية بالمنع عن

______________________________

فلعل الظاهر من ذلك كله عدم اشتراطهم شيئا.

و لكن في فقه الزكاة للقرضاوي: «أمّا الفاسق فأجازوا إعطاءه من الزكاة ما دام باقيا على أصل الإسلام، استصلاحا لحاله، و احتراما لآدميّته، و لأنها تؤخذ منه فيجوز أن تردّ عليه فيدخل في عموم الحديث: «تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم.» و هذا ما لم يأخذ الزكاة للاستعانة بها على فسقه و معصيته كأن يشتري بها خمرا أو يقضي بها وطرا محرما لأنه لا يعان بمال اللّه على معصية اللّه. و يكفي في ذلك غلبة الظن.

و لهذا قال بعض المالكية: لا يجزي دفع الزكاة لأهل المعاصي إن ظن أنهم يصرفونها فيها و إلّا جاز الإعطاء لهم.

و عند الزيدية: الفاسق كالغني لا تحل له الزكاة و لا يجزي صرفها إليه إلا إذا كان من العاملين عليها أو الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.

و الراجح عندي أن الفاسق الذي لا يؤذي المسلمين بفسقه و لا يتحدّاهم بفجوره و معاصيه لا بأس بإعطائه من الزكاة، و إن كان الصالحون و المستقيمون أولى بالإجماع.

و أما الفاسق المستهتر المتبجح بإباحيّته المجاهر بفسقه فلا ينبغي أن يعطى من مال الزكاة حتى يقلع عن غيّه و يعلن توبته فإن أوثق عرى الإيمان الحب في اللّه و البغض في اللّه ...» «1»

فهو أيضا جعل الصرف في المعصية و كذا التجاهر بها مانعين من الإعطاء فتدبر.

(1) لما مرّ من اعتبارها في كلمات كثير من القدماء في كتبهم المعدّة لنقل

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 243

______________________________

(1)- فقه الزكاة 2/ 708.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 244

إعطائها لشارب الخمر (1).

[يشترط العدالة في العاملين على الأحوط لا في غيرهم]

نعم يشترط العدالة في العاملين على الأحوط (2)، و لا يشترط في

______________________________

المسائل الأصلية المأثورة.

(1) و هي رواية داود الصرمي، و قد عرفت أن الأحوط التعميم لمطلق المتهتك المتجاهر.

(2) في الجواهر: «و أما العاملون أي السعاة ففي الإرشاد و الدروس و المهذب البارع و الروضة و غيرها الإجماع على اعتبارها فيهم، و هو الحجة بعد اعتضاده بالتتبع و بما في العمالة من تضمن الاستيمان.

و قد سمعت ما في الصحيح من أنه «لا يوكّل بها إلا ناصحا شفيقا أمينا، و لا أمانة لغير العدل». «1»

أقول: الصحيح صحيح بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد اللّه «ع». «2»

و تحقق الإجماع ممنوع، إذ ليس في بعض الكتب المعدة لنقل المسائل المأثورة كالمقنع و النهاية مثلا تعرض لاعتبار العدالة في العاملين. و الكلمات السابقة التي حكيناها أكثرها ناظرة إلى مثل الفقراء و المساكين و نحوهما ممن يعطى لاستحقاقه، و تكون منصرفة عن العاملين إذ هم بمنزلة الأجراء.

و في الغنية مع اعتبار الإيمان و العدالة و ادّعاء الإجماع عليهما صرّح باستثناء المؤلفة و العاملين. «3»

و أمّا قوله: «لا أمانة لغير العدل» فقابل للمناقشة أيضا، إذ كم من فاسق يكون أمينا في الأمور المالية.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 394.

(2)- راجع الوسائل 6/ 88، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3)- الجوامع الفقهيه/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 245

الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (1)، بل و لا في سهم سبيل اللّه (2)، بل و لا في الرقاب (3) و إن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء.

______________________________

نعم يمكن القول بدلالة ما في نهج البلاغة: «و لا تأمنن عليها إلا من تثق بدينه» «1» على اعتبار

العدالة.

فالأحوط اعتبارها اللّهم إلا أن يقال: إن الحديث ناظر إلى وقت استعمالهم و لعل العدالة معتبرة فيهم عند استعمالهم، و أما عند الفراغ من العمل و أخذ الأجرة من الزكاة فلا دليل على اعتبارها فيهم و محل الكلام هنا العدالة حين الإعطاء، فتأمّل. و قد مرّ تفصيل شروط العاملين فيما طبع من زكاتنا، فراجع. «2»

(1) لوضوح عدم اعتبارها فيهم و إن قيل بانحصارهم في المسلمين.

(2) إن أريد به كما مرّ الجهات و المشاريع العامة الدينية أو مطلقا فلا معنى لاعتبار العدالة في الجهة، كما لا وجه لاعتبارها في من يتصدّى فيها للأعمال البنائية و الخدمات.

نعم يمكن القول باعتبارها في من ينتفع بها و لكن لا دليل على ذلك، بل حكمة التشريع تقتضي عدم الاعتبار.

و كلمات الأصحاب التي مرّت أكثرها منصرفة عنه. نعم لو قيل بإطلاقه على كل قربة و لو شخصية فعلى فرض اعتبارها في الفقراء و المساكين فالظاهر اعتبارها فيهم و لو كان الإعطاء من سهم سبيل اللّه و إلا كان اعتبار العدالة لغوا.

(3) في الجواهر: «و أما ابن السبيل و الغارم فقد يؤمي اقتصارهم على اعتبار عدم كون السفر و الغرم في معصية ممن اعتبرها هنا، إلى عدم اعتبارها فيهما و إن اقتضاه إطلاق بعضهم كبعض الأدلة، لكن الأقوى الأول و كذا الرقاب.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 91، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 7.

(2)- كتاب الزكاة 2/ 412.

(3)- الجواهر 15/ 394.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 246

..........

______________________________

أقول: كل مورد شك في اعتبار العدالة فيه يكون عموم الآية الشريفة و إطلاق الأخبار محكّمين، لعدم الإطلاق للمخصص على فرض وجوده إذ ليس في المقام إلا الإجماع المدّعى و هو دليل لبّي يقتصر فيه على

القدر المتيقن و هو موارد التمليك لا الصرف.

كيف؟! و لو قيل باعتبارها في ابن السبيل لزم منه سدّ باب الإعطاء له لتعذر إثبات العدالة فيه غالبا. و العبيد لا يعطون غالبا بل تصرف الزكاة في شرائهم و إعتاقهم. و أكثر الكلمات ناظرة إلى بيان من يعطى لاستحقاقه.

و الذي يسهّل الخطب أنا منعنا اعتبار العدالة من رأس لعدم الدليل، فتدبّر.

و هنا أمور ينبغي التنبيه عليها إجمالا:

[الأول: لو قيل في مورد باشتراط العدالة فالواجب إحرازها]

الأول: لو قيل في مورد باشتراط العدالة فالواجب إحرازها، و الأصل عدمها مع الشك. فلا يعطى في المقام مجهول الحال إلا أن تحرز عدالته و لو بأمارة شرعية كحسن الظاهر على القول بكونه أمارة تعبدية.

و في آداب القضاء من الخلاف (المسألة 10): «إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما و لا يعرف فيهما جرح حكم بشهادتهما و لا يقف على البحث.» «1»

فجعل نفس الإسلام أمارة على العدالة، و ليس هنا محل البحث في ذلك.

و أما لو قلنا بمانعية الفسق أو ارتكاب الذنب فمقتضى الأصل عدم المانع فيعطى مجهول الحال أيضا.

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 312.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 247

..........

______________________________

فإن قلت: إن الفسق قد يحصل بترك الواجب كترك الصلاة مثلا، فإذا شك في ذلك كان مقتضى الأصل عدم الإتيان بها، فيثبت الفسق.

قلت: ترك الواجب أعم من الفسق، اذ لا يثبت الفسق إلا بتركه طغيانا و عصيانا لا خطاء و نسيانا، و الأصل عدم تحقق العصيان.

[الثاني: لو علم بحصول الفسق ثم شك في ارتفاعه بالتوبة]

الثاني: لو علم بحصول الفسق بارتكاب بعض الذنوب كما هو الثابت في غالب الناس ثم شك في ارتفاعه بالتوبة فهل يحكم بعدم التوبة و بقاء الفسق بالاستصحاب أو يحكم بالتوبة لظهور حال المسلم في عدم إخلاله بما هو واجب عليه من التوبة؟

قال الشيخ الأعظم في زكاته: «الظاهر هو الثاني.» «1»

و فيه كلام، و لعل الواجب إحرازها بسبب ظواهر حاله و أفعاله بنحو يحصل الوثوق. و هذا البيان يجري في كل مورد شرط فيه العدالة. و عن أبي جعفر الثاني «ع» قال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه.» «2»

[الثالث: لو قلنا بعدم جواز الإعطاء للفاسق فالفاسق لا يجوز له الأخذ]

الثالث: لو قلنا بعدم جواز الإعطاء للفاسق فيمكن أن يقال: إن الفاسق أيضا لا يجوز له الأخذ لعدم كونه مصرفا شرعيا، فلو تخيّله المعطي عادلا و هو يعلم بفسق نفسه كان مقتضى الاشراط حرمة أخذه، نظير ما لو ظنّه فقيرا و هو يعلم بغنى نفسه.

قال الشيخ الأعظم: «و يحتمل عدم حرمة الأخذ إذا أعطي لأن الأدلّة دلّت على حرمة معونته و على حرمة إعطائه لا على عدم حلّ الزكاة له كما لا تحلّ للغني

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 508 (- طبعة أخرى/ 447).

(2)- الوسائل 5/ 393، الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 248

[دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل]

[المسألة 9]: الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل، و الأفضل فالأفضل، و الأحوج فالاحوج (1). و مع تعارض الجهات يلاحظ الأهم فالأهمّ، المختلف ذلك بحسب المقامات.

______________________________

و الهاشمي، فيرجع فيه إلى عموم ما دلّ على جعل الزكاة للفقراء و أن الفقراء شريك الأغنياء.» «1»

و الظاهر أن ما ذكره- قدّس سرّه- وجيه، إذا فرض أنه يصرفها في نفقاته و حاجاته المشروعة. و المزكّي كان يمنع من الإعطاء لاحتمال الصرف في الحرام أو كونه تقوية للفاسق المتجاهر لا لعدم كونه بحاجاته المشروعة من المصارف.

و إن شئت قلت: عموم الآية يشمله و المتيقن من التخصيص عدم الإعطاء له لا عدم حليتها له.

و بعبارة أخرى لا خصوصية لعدالة الفقير في حلية الزكاة له و إنما اعتبرت طريقا لاطمينان المعطي بعدم صرفها في المعصية و المفروض هنا عدم الصرف فيها.

(1) يدل على الترجيح بالجهات المرجحة إجمالا أخبار مستفيضة:

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن الأول «ع» عن الزكاة يفضّل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره؟ فقال: «نعم

يفضّل الذي لا يسأل على الذي يسأل.» «2»

و لعل تفضيل من لا يسأل لحرمانهم غالبا لتعففهم عن السؤال فيحسبهم الجاهل أغنياء فيكونون أحوج.

2- خبر عبد اللّه بن عجلان السكوني، قال: قلت لأبي جعفر «ع»: إني ربما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ قال: «أعطهم على الهجرة

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 508 (- طبعة أخرى/ 447).

(2)- الوسائل 6/ 181، الباب 25 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 249

..........

______________________________

في الدين و الفقه و العقل.» «1»

و الشي ء في كلام السائل يعم الزكاة أيضا إلّا أن يجعل قوله: «أصلهم به» قرينة على كونه صلة لا زكاة.

3- ما عن أمير المؤمنين «ع» فيما سأله الرجل اليماني، حيث قال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أ تصدق بعشرة آلاف، فمن المستحق لذلك يا أمير المؤمنين؟

فقال أمير المؤمنين «ع»: «فرّق ذلك في أهل الورع من حملة القرآن، فما تزكو الصنيعة إلّا عند أمثالهم فيتقوون بها على عبادة ربّهم و تلاوة كتابه، فانتهى الرجل إلى ما أشار به أمير المؤمنين «ع».» «2»

4- خبر عنبسة بن مصعب عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سمعته يقول: «أتي النبي «ص» بشي ء يقسمه فلم يسع أهل الصفة جميعا فخصّ به أناسا منهم، فخاف رسول اللّه «ص» أن يكون قد دخل قلوب الآخرين شي ء فخرج إليهم فقال: معذرة إلى اللّه- عز و جل- و إليكم يا أهل الصفة، إنا أوتينا بشي ء فأردنا أن نقسمه بينكم فلم يسعكم فخصصت به أناسا منكم خشينا جزعهم و هلعهم.» «3»

و الاستدلال بالرواية مبني على عدم الفرق بين الزكاة و غيره بل و احتمال كون الشي ء زكاة.

هذا مضافا الى أن الزكاة شرّعت لسدّ الخلات و الحاجات فتقديم

الأحوج أقرب إلى الحكمة.

و هنا روايات تدلّ على تفضيل الأقارب على غيرهم، فراجع الوسائل. «4»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 181، الباب 25 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- المستدرك 1/ 523، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 184، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- راجع الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 250

..........

______________________________

و روايات تدل على إعطاء زكاة الأنعام لذوي التجمل من الفقراء، فراجع الوسائل. «1»

و المصنف تعرّض للأولى في المسألة السادسة عشرة الآتية، و للثانية في الثالثة من فصل بقية أحكام الزكاة.

و لعلّ العرف بإلغاء الخصوصية للخصوصيات المذكورة في الروايات يحكم بالترجيح بجميع المزايا العقلية و الشرعية. و الترجيح بها مما يستحسنه العقل و العرف و لو فرض عدم وجود رواية معتبرة بها. هذا.

و لكن يظهر من بعض الأخبار أن الأولى بل المتعين في مال اللّه هو التسوية بين المستحقين و فضائلهم بينهم و بين اللّه، يعني يوجرهم اللّه على فضائلهم. و ملاك الاستحقاق للزكاة و نحوها الفقر و الاحتياج لا الفضائل.

ففي الوسائل بسنده عن حفص بن غياث، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول و سئل عن قسم بيت المال فقال: أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوّي بينهم في العطاء، و فضائلهم بينهم و بين اللّه، أجعلهم (أجملهم- التهذيب) كبني رجل واحد لا يفضل أحد منهم لفضله و صلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص.

قال: و هذا هو فعل رسول اللّه «ص» في بدو أمره. و قد قال غيرنا: أقدّمهم في العطاء بما قد فضّلهم اللّه بسوابقهم في الإسلام إذا كان بالإسلام قد أصابوا ذلك، فأنزلهم على مواريث ذوي الأرحام بعضهم أقرب

من بعض و أوفر نصيبا لقربه من الميت و إنما ورثوا يرحمهم، و كذلك عمر كان يفعله.» «2»

و الروايات الدالة على التسوية في بيت المال كثيرة، و منها ما في نهج البلاغة:

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 182، الباب 26 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2)- الوسائل 11/ 81، الباب 39 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 251

..........

______________________________

من كلام له «ع» لمّا عوتب على التسوية في العطاء: «أ تأمرونّي أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه؟ و اللّه ما أطور به ما سمر سمير و ما أمّ نجم في السماء نجما، لو كان المال لي لسوّيت بينهم فكيف! و إنما المال مال اللّه. الحديث.» «1»

أقول: طار به: قرب منه. و السّمر محركة: حديث الليل. ما سمر سمير: ما تحدّث الناس ليلا.

و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد في ذيل كلامه «ع» قال: «و اعلم أن هذه مسألة فقهية و رأي علي «ع» و أبي بكر فيها واحد، و هو التسوية بين المسلمين في قسمة الفي ء و الصدقات، و إلى هذا ذهب الشافعي.

و أما عمر فإنه لما ولي الخلافة فضل بعض الناس على بعض: ففضّل السابقين على غيرهم، و فضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين. و فضّل المهاجرين كافة على الأنصار كافة، و فضل العرب على العجم، و فضّل الصريح على المولى، و قد كان أشار على أبي بكر أيام خلافته بذلك فلم يقبل و قال: إن اللّه لم يفضل أحدا على أحد و لكنه قال: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ، و لم يخصّ قوما دون قوم، فلما أفضت إليه الخلافة عمل بما كان أشار به أولا، و قد ذهب كثير من

فقهاء المسلمين إلى قوله. و المسألة محل اجتهاد، و للإمام أن يعمل بما يؤدّيه إليه اجتهاده، و إن كان اتباع عليّ «ع» عندنا أولى لا سيما إذا عضده موافقة أبي بكر على المسألة. و إن صحّ الخبر أن رسول اللّه «ص» سوّى فقد صارت المسألة منصوصا عليها لأن فعله «ع» كقوله. «2»

أقول: و بالجملة فالظاهر من هذه الأخبار تعيّن التسوية في تقسيم بيت المال

______________________________

(1)- نهج البلاغة، عبده 2/ 10؛ لح/ 183، الخطبة 126.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8/ 111.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 252

..........

______________________________

و أنه لا وجه للتفضيلات التي ذكروها كتفضيل العرب على العجم و المهاجر على غيره و الصريح على المولى و نحو ذلك. بل و السوابق الحسنة و الفضائل و مراتب القرب إلى اللّه أيضا لا توجب التفضيل في العطايا الملحوظ فيها رفع الحاجة في المعيشة.

نعم كثرة الحاجة و العائلة ربما تكون ملاكا للتفضيل إذ الحكمة لتشريع الزكاة كان سدّ الخلات و الحاجات، و لعله لأجل ذلك فضّل النبي «ص» بعض فقراء أهل الصفة بأن كان جزعهم أمارة على شدة فقرهم، فتأمّل.

و على هذا فيتعارض هذه الأخبار للأخبار السابقة الدالة على التفضيل بالجهات المرجحة فما وجه التوفيق بينهما؟

و يمكن أن يقال: إن الأخبار الدالة على التفضيل ناظرة إلى تقسيم صاحب المال للزكاة المتعلقة بماله، و أخبار التسوية ناظرة إلى بيان وظيفة إمام المسلمين بما هو إمامهم، و لعل ترجيحه و تفضيله لبعض على بعض يوجب تحقق عقدة الحقارة و الضغائن في بعض النفوس بالنسبة إلى الإمام و إلى بعض آخر، فكان على الإمام رعاية مصلحة النظام و أن ينظر الجميع بنظر واحد، و هذا بخلاف المزكّي نفسه إذا تصدى

هو بنفسه للتقسيم و عليك بالتتبع في المسألة.

و راجع لبيان التسوية و الأخبار الواردة فيها كتابنا في ولاية الفقيه. «1»

و في الحدائق حمل أخبار التسوية على خصوص الخراج، قال: «و هو الذي علم من النبي «ص» و عليّ «ع» في زمن خلافته تسوية الناس في قسمته.» «2»

فتأمّل.

______________________________

(1)- راجع دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية 2/ 669- 693.

(2)- الحدائق 12/ 228.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 253

3- أن لا يكون واجب النفقة على المزكي

اشارة

الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي كالأبوين و إن علوا، و الأولاد و إن سفلوا من الذكور أو من الإناث، و الزوجة الدائمة الّتي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعية، و المملوك سواء كان آبقا أو مطيعا فلا يجوز إعطاء زكاته إيّاهم للإنفاق (1).

[كلمات الأصحاب]

______________________________

(1) 1- قال الشيخ في النهاية: «و لا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النفقة عليه، مثل الوالدين و الولد و الجدّ و الجدّة، و الزوجة و المملوك. و لا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل و القرابات من الأخ و الأخت و أولادهما، و العم و الخال، و العمة و الخالة و أولادهم.» «1»

و في المقنعة أيضا قريب من ذلك، فراجع. «2»

2- و في فقه الرضا الذي قيل إنّه رسالة علي بن بابويه: «و لا تعطي من أهل الولاية الأبوين و الولد و الزوجة (و الصبي خ. ل) و المملوك، و كل من

______________________________

(1)- النهاية/ 186.

(2)- المقنعة/ 40.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 254

..........

______________________________

هو في نفقتك فلا تعطه.» «1»

3- و في الهداية للصدوق: «و لا يعطى من أهل الولاية الأبوان و الولد و لا الزوج و لا الزوجة و المملوك و كل من يجبر الرجل على نفقته.» «2» و نحوه في المقنع. «3» و نحو ذلك في الأمالي «4» أيضا ناسبا ذلك إلى دين الإمامية.

4- و في الفقيه: «و لا تعط من أهل الولاية الأبوين و الولد، و لا الزوج و لا الزوجة، و لا المملوك، و لا الجدّ و لا الجدّة و كل من يجبر الرجل على نفقته. و لا بأس أن يعطى الأخ و الأخت و العم و

العمة و الخال و الخالة من الزكاة.» «5»

أقول: فالصدوق في كتبه الأربعة ذكر الزوج أيضا، و الظاهر أنه لا وجه له لعدم وجوب نفقته على الزوجة.

اللّهم إلا أن يقال: إنه على فرض فقره و غنى الزوجة يكون هو في نفقتها غالبا، و كون الشخص في نفقة غيره خارجا يكفي في المنع من إعطاء زكاته له لأنه من قبيل الإلقاء من يد في يد آخر لنفسه، و مقتضى ذلك عدم جواز الإعطاء لكل من كان في نفقة الإنسان خارجا و إن لم يكن من أقاربه، و لعله الظاهر من عبارة فقه الرضا التي مرّت، و لكن أصحابنا لا يلتزمون بذلك.

أو يقال: إن إعطاءها للزوج يوجب عود نفعها إلى نفسها لصرفها في نفقتها.

5- و في الغنية في شرائط المستحقين: «و أن لا يكون ممن تجب على المرء نفقته،

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 199).

(2)- الجوامع الفقهية/ 54.

(3)- الجوامع الفقهية/ 14.

(4)- الأمالي/ 385 (- طبعة أخرى/ 516)، المجلس 93.

(5)- الفقيه 2/ 11 (- طبعة أخرى 2/ 22)، أبواب الزكاة، باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة، ذيل الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 255

..........

______________________________

و هم الأبوان و الجدّان و الولد و الزوجة و المملوك ... بدليل الإجماع المتكرر.» «1»

6- و في الشرائع: «الوصف الثالث أن لا يكون ممن تجب نفقته على المالك، كالأبوين و إن علوا، و الأولاد و إن سفلوا، و الزوجة و المملوك.» «2»

7- و في المدارك: «أجمع الأصحاب على أنه يشترط في مستحق الزكاة لفقره أن لا يكون ممن تجب نفقته على المالك، بل قال في المنتهى: إنه قول كل من يحفظ عنه العلم.» «3»

8- و في المنتهى: «الوصف الثالث أن لا يكون ممن

يجب نفقته عليه، و هو قول كل من يحفظ عنه العلم. و قد وقع الاتفاق على وجوب الإنفاق على الوالدين و إن علوا، و الأولاد و إن نزلوا، و الزوجة و المملوك. و في غيرهم خلاف يأتي تحقيقه إن شاء اللّه. فكل من يجب نفقته لا يجوز للمنفق أن يعطيه زكاته لأنه عياله. و لأن المالك يجب عليه شيئان: الزكاة و الإنفاق، و مع صرف الزكاة إلى من يجب عليه نفقته يسقط أحد الواجبين فيكون الدفع في الحقيقة عائدا إليه كما لو قضى دين نفسه.» «4»

9- و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة: «و لا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدين و إن علوا و لا للولد و إن سفل، و لا للزوج و لا للزوجة.» «5»

10- و في المغني في شرح القسمة الأولى قال: «قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(2)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(3)- المدارك/ 320.

(4)- المنتهى 1/ 523.

(5)- المغني 2/ 511 و 513.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 256

..........

______________________________

على النفقة عليهم، و لأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته و تسقطها عنه و يعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه.» «1»

11- و في شرح القسمة الأخيرة قال: «أما الزوجة فلا يجوز دفع الزكاة إليها إجماعا. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة، و ذلك لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن أخذ الزكاة ...

و أما الزوج ففيه روايتان: إحداهما لا يجوز دفعها إليه، و هو

اختيار أبي بكر و مذهب أبي حنيفة ... و الرواية الثانية يجوز لها دفع زكاتها إلى زوجها، و هو مذهب الشافعي و ابن المنذر و طائفة من أهل العلم ...» «2»

[يستدل على الحكم بأمور]

أقول: و يستدل على الحكم بأمور:

الأول: الاجماعات المحكمية في كلمات الفريقين. و يمكن أن تناقش باحتمال كون الفتاوى ناشئة عن الأخبار الواردة في المسألة، و مع الاحتمال يسقط الاستدلال.

الثاني: أنه مع إيسار المنفق و إنفاقه يكون واجب النفقة بالنسبة إلى نفقته بحكم الواجد الغني، و لذا ربما يناقش في أخذه الزكاة من الغير أيضا.

قال في المعتبر: «فكل من تجب نفقته لا يجوز تسليم زكاة المنفق إليه لأنه غني به.» «3»

و في البيان: «و من تجب نفقته على غيره لفقره غني مع بذل المنفق.» «4»

______________________________

(1)- المغني 2/ 511.

(2)- المغني 2/ 513.

(3)- المعتبر/ 281.

(4)- البيان/ 193.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 257

..........

______________________________

و في المسالك: «لأن واجب النفقة غنيّ مع بذل المنفق.» «1»

أقول: و يمكن المناقشة في ذلك بأن هذا على فرض تسليمه في الزوجة لكون نفقتها دينا في ذمة الزوج فيصدق الغنى مع إيسار الزوج و إنفاقه، يمكن منعه في الأقارب فإن وجوب الإنفاق عليهم تكليف محض.

بل كما قيل: الفقر علّة لوجوب الإنفاق و لاستحقاق الزكاة معا في رتبة واحدة فلا وجه لتقديم أحدهما على الآخر، بل الفقر موضوع لوجوب الإنفاق و الحكم لا يعدم موضوع نفسه.

كيف؟! و لو كان وجوب الإنفاق راجعا إلى الغنى لم يكن وجه لشرط عدمه مستقلا.

و لو كان لواجب النفقة عيال واجب النفقة و لم تجب نفقتهم على المزكّي جاز له أخذ الزكاة من باب الفقر لنفقتهم، من هذا المزكّي و غيره فكيف يطلق عليه الغني؟ اللّهم إلّا أن يحكم بالتبعيض

في الغنى.

الثالث: ما يستفاد من بعض الكلمات التي مرّت من أن الإعطاء لواجب النفقة يغنيه عن الإنفاق عليه و يسقطه عنه كما لو قضى بها دين نفسه فكان كمن دفعها إلى نفسه و أعطى بيمينه و أخذ بشماله، و هذا خلاف حكمة تشريع الزكاة و مخالف لظاهر أدلتها الحاكمة بالإيتاء و الدفع و الإخراج و نحو ذلك.

و ناقش في ذلك الشيخ الأعظم في زكاته «2» بما حاصله: منع أن دفع الزكاة إليهم لا يصدق عليه الإيتاء، و بالإيتاء لهم يرتفع عنهم الفقر فينتفي موضوع وجوب الإنفاق.

______________________________

(1)- المسالك، 1/ 61.

(2)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 447).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 258

..........

______________________________

كيف؟! و الصدقة المندوبة و الواجبة على نهج واحد، و لا شك في صدق الإيتاء في المندوبة.

و إسقاط بعض ما يلزم الإنسان من المؤونة بالزكاة مما لا إشكال فيه كما إذا دفع زكاته إلى أخيه فصار غنيا بحيث شاركه في الإنفاق على أبيهما الفقير فأسقط بزكاته نصف مئونة أبيه عن نفسه.

الرابع: ما في زكاة آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- قال: «إن هنا حكمين:

أحدهما وجوب الإنفاق و الآخر وجوب أداء الزكاة. و الثاني متعلقه الطبيعي المتحقق في ضمن كل فرد، و الأول متعلقه الشخص، و يمكن امتثال كليهما، و لا يعقل امتثال واحد للتكليفين فإنهما لا يجتمعان على واحد، كما لا وجه للتأكيد.» «1»

أقول: ما ذكره مبنيّ على منع التداخل في مقام الامتثال، و يمكن منع ذلك من غير فرق بين المتساويين و العام و الخاص و العامين من وجه. بل يمكن أن يقال:

إن إطلاق المتعلق يقتضي التداخل، إذ عدم التداخل يستلزم تقييد الموضوع في كل منهما بعدم الآخر و كونه غيره، و مقتضى ذلك

كون كل من الدليلين ناظرا إلى الآخر، و هذا خلاف ظاهرهما بل خلاف المقطوع به.

اللّهم إلا أن يقال: إن وزان الأسباب الشرعية و منها الأوامر بعناية ما وزان الأسباب العقلية التكوينية.

و في الأسباب التكوينية يقتضي كل سبب مسببا من قبله، حيث إن المسبب ظلّ للسبب و قائم به قيام الفي ء بالشي ء. و قد قالوا: إن المسبب بالنسبة إلى سببه لا مطلق و لا مقيّد و لكنه لا ينطبق إلّا على المقيّد.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية الميلاني 2/ 143.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 259

..........

______________________________

و على هذا فمقتضى تعدد الأسباب و الأوامر تعدد المسبب و الامتثال، و لذا نرى العرف حاكمين بعدم التداخل في الامتثال إلّا فيما دلّ الدليل على التداخل.

الخامس: الأخبار المستفيضة الواردة في المقام و هي العمدة:

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأمّ و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك أنهم عياله لازمون له.» «1»

و المراد بالمرأة: الزوجة. و الظاهر من الزكاة زكاة المنفق لا كلّ زكاة و لو زكوات غيره و إن قلنا بالمنع فيها أيضا.

و هل المراد باللزوم اللزوم شرعا يعني وجوب نفقتهم عليه، أو الملازمة له عرفا و خارجا بحيث يعدّون من بيته و عائلته و يرتزقون من قبله فيستغنون بذلك عن الزكاة؟ الظاهر هو الأول و يدلّ عليه الخبران التاليان.

نعم الظاهر إن مجرد الوجوب الشرعي لا يصلح دليلا للمنع عرفا إلا أن يرجع إلى أمر مركوز من قبيل تحقق الغنى به أو عدم صدق الإيتاء معه أو كون التداخل خلاف ارتكاز العقلاء، إذ التعليل يقع غالبا بأمر واضح مركوز في أذهان العقلاء.

2- ما رواه الصدوق في

الخصال و العلل بسنده عن عدّة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد اللّه «ع» أنه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك لأنه يجبر على النفقة عليهم.» «2»

3- خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى «ع»، قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضل بعضهم على بعض فيأتيني إبان الزكاة أ فأعطيهم منها؟

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 165، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 166، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 260

..........

______________________________

قال: مستحقّون لها؟ قلت: نعم. قال: هم أفضل من غيرهم أعطهم. قال: قلت: فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتّى لا أحسب الزكاة عليهم؟ فقال: أبوك و أمّك.

قلت: أبي و أمي؟ قال: «الوالدان و الولد.» «1»

أقول: الرواية تدلّ على أن عدم جواز الإعطاء لواجب النفقة كان أمرا واضحا يعرفه الراوي و إنما سأل عمن تجب نفقته. و إنما تعجب عن جواب الإمام «ع» لظهوره في انحصار واجب النفقة في الوالدين فاستدرك الإمام «ع» فأضاف الولد. و إنما لم يذكر الزوجة و المملوك لعدم كونهما من القرابة المذكورة في السؤال.

4- خبر زيد الشحام عن أبي عبد اللّه «ع»، قال في الزكاة: «يعطى منها الأخ و الأخت و العمّ و العمّة و الخال و الخالة، و لا يعطى الجدّ و الجدّة.» «2»

5- خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول. الحديث.» «3»

و هل يراد بمن تعول: من تجب نفقته أو كل من يكون فعلا في عيلولته و إن لم تجب نفقته كإخوانه و أخواته اليتامى في حجره و أمّ

الزوجة و أمثالها؟ كل محتمل. و إن كان الأوفق بالقواعد الأول.

6- و في سنن البيهقي بسنده عن عبد اللّه بن المختار، قال: قال علي بن أبي طالب «ع»: «ليس لولد و لا لوالد حق في صدقة مفروضة و من كان له ولد أو والد فلم يصله فهو عاقّ.» و روينا عن ابن عباس أنه قال:

______________________________

(1)- الكافي 3/ 551، كتاب الزكاة، باب تفضيل القرابة في الزكاة، الحديث 1؛ و الوسائل 6/ 166.

(2)- الوسائل 6/ 166، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 261

..........

______________________________

«لا تجعلها لمن تعول.» «1»

و قد تعارض هذه الأخبار بأخبار أخر:

1- خبر عمران بن إسماعيل بن عمران القمّي، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث «ع» إن لي ولدا رجالا و نساء أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟

فكتب «ع»: «إن ذلك جائز لك.» «2»

2- خبر محمد بن أحمد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن جزّك، قال:

سألت الصادق «ع»: أدفع عشر مالي إلى ولد ابنتي؟ قال: «نعم لا بأس.» «3»

أقول: محمد بن جزّك الجمّال عدّه الشيخ في رجاله «4» من أصحاب الهادي «ع» و قال: ثقة، فلعلّ المراد بالصادق «ع» الإمام الهادي «ع». قيل: جزّك بفتح الجيم و تشديد الزاء المعجمة فارسية بمعنى القنفذ.

3- صحيحة علي بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن الأول «ع»: رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن تقضى عنه الزكاة و ولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضررا شديدا. فقال «ع»: «يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم.» «5»

أقول: و هنا روايات مستفيضة تدل على جواز دفع

الرجل زكاته لقرابته أو في أهل بيته بل استحباب ذلك «6»، و لعلها بعمومها و إطلاقها تشمل واجب النفقة

______________________________

(1)- سنن البيهقي 7/ 28، كتاب قسم الصدقات، باب لا يعطيها من تلزمه نفقته ...

(2)- الوسائل 6/ 167، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 167، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- رجال الشيخ/ 422.

(5)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(6)- راجع الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 262

..........

______________________________

أيضا، و لكنها لا تقاوم الأخبار السابقة إذ الخاص يحكّم على العام.

كما أن هنا أخبارا مستفيضة يستفاد منها جواز صرف الزكاة في التوسعة على العيال «1»، و قد حملت على غير الزكاة الواجبة، أو على التوسعة غير الواجبة على المنفق أو غير المقدورة له، و سيأتي البحث فيها. و محلّ الكلام في المقام الإعطاء لها للنفقة الواجبة. فالعمدة في المعارضة هذه الأخبار الثلاثة.

و أجيب عن الخبر الأول بأن عمران بن إسماعيل مجهول، و بأن العمل به متروك، و بكونه مكاتبة فلا تقاوم الأخبار المستفيضة، و باحتمال اختصاص الحكم بهذا الراوي بقرينة قوله «ع»: «جائز لك.» و لعلّه لعدم تمكنه من الإنفاق عليهم، كما عن الشيخ في التهذيبين، و باحتمال إرادة الصرف في التوسعة الزائدة على النفقة الواجبة كما في الوسائل عن الشيخ، و باحتمال الزكاة المندوبة، و باحتمال أن يكون الرجال و النساء من الأقارب و أطلق عليهم اسم الولد مجازا بسبب مخالطتهم للأولاد كما في المنتهى. «2»

أقول: و باحتمال أن يراد بالزكاة فيه زكاة غير المنفق و لعل السائل كان عاملا لجمع الزكوات من قبل الإمام «ع» فاستجاز صرف

بعضها في ولد نفسه.

و أجيب عن الثاني بالإرسال، و ببعض ما ذكر، و باحتمال عدم إرادة السؤال عن الزكاة، بل المشاورة في هبة العشر من ماله أو الصدقة المندوبة، و باحتمال قيام الأب أو الجدّ له على النفقة الواجبة لها فيكون ما يدفعه الجدّ للأمّ للتوسعة.

و أجيب عن الثالث ببعض ما ذكر، و بأنه بالموت يسقط وجوب الإنفاق فلا مانع من دفع زكاته إليهم. هذا.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 166، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2)- المنتهى 1/ 523.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 263

..........

______________________________

و يظهر من كشف الغطاء كون المنع في غير الزوجة و المملوك على الندب، قال:

«و الحكم فيما عدا الأخيرين بطريق الندب و موافقة الاحتياط.» «1»

أقول: لعله- قدّس سرّه- أراد بذلك الجمع بين الأخبار المتعارضة، و هو عجيب لمخالفته لإجماع الفريقين.

و احتمل في الجواهر حمل كلامه على التفصيل بين احتساب النفقة زكاة فلا يجوز و بين الدفع إليهم فيجوز.

قال: ما ملخّصه: «اللّهم إلا أن يكون الأستاذ في الكشف قد حمل النص و الفتوى على إرادة احتساب نفقتهم زكاة، لا أن المراد عدم جواز دفع الزكاة لهم مطلقا.

و ربما يؤيده ما صرّح به الفاضل في المنتهى، و المحكي عن التذكرة و النهاية و يحيى بن سعيد في الجامع و الكركي في فوائده و الشهيد في الدروس من جواز تناول ما عدا الزوجة و المملوك الزكاة من غير المنفق و إن كان موسرا باذلالها، إذ لو كان وجوب النفقة رافعا للفقر لمنع من التناول من الغير أيضا، و كذا ما ذكروه من جواز التناول من المالك فضلا عن غيره للتوسعة و للحقوق اللازمة عليهم كنفقة الزوجة و المملوك و نحوهما، إذ ذلك كله مؤيد لجواز

الدفع من المالك، لأن وجوب النفقة عليه لا يخرجهم عن حدّ الفقر، فتحمل النصوص المانعة على عدم جواز احتساب النفقة الواجبة زكاة فله أن يدفع إليهم من الزكاة لاتصافهم بالفقر فيرتفع به وجوب النفقة لارتفاع موضوعه أعني الحاجة.» «2»

أقول: ما ذكره من التفصيل بين الاحتساب و بين الدفع احتمال مرتجل بعيد عن مساق النصوص و الفتاوى، و لم أر منه أثرا في كلام كاشف الغطاء

______________________________

(1)- كشف الغطاء/ 356.

(2)- الجواهر 15/ 397.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 264

[حكم التوسعة على العيال من الزكاة]

بل و لا للتوسعة على الأحوط، و إن كان لا يبعد جوازه (1).

______________________________

أيضا، و ما هو المذكور في أكثر النصوص و الفتاوى المانعة لفظ الإعطاء لا الاحتساب، فراجع. و ما ذكره من الفروع بعنوان التأييد لجواز الدفع يأتي الكلام فيها. و تأييد بعضها للمقام قابل للمنع إذ جواز الإعطاء له للإنفاق غير الواجب على المزكّي كالإنفاق على زوجته و مملوكه مثلا لا يدلّ على جواز الإعطاء له للإنفاق الواجب. فتدبّر.

ثم لا يخفى صحة الحكاية عن المنتهى حيث حكم فيه بجواز أخذ الولد المكتفي بنفقة أبيه و بالعكس من زكاة غيره «1» و لكن حكم في التذكرة و النهاية بخلاف ذلك، فراجع. «2»

فرع: لو نذر الإنسان أن يعطي نفقة رجل أجنبي من ماله

و كان قادرا على الوفاء به فالظاهر بل الواضح كونه كالأقارب في عدم جواز إعطاء الزكاة لإنفاقه بل عدم الجواز هنا أوضح، إذ وجوب الإنفاق على القرابة تكليف محض على ما قالوا.

و أمّا في النذر فالإنفاق يصير ملكا للّه- تعالى- فلعله ينتزع من ذلك ثبوت حق للمنذور له أيضا، فتأمّل. و أولى بذلك ما إذا شرط الإنفاق في ضمن عقد لازم، فإنه يوجب الحقّ قطعا.

(1) حكاه في الجواهر عن الكركي و الشهيد الثاني و قال: «بل حكاه بعضهم عن غيرهما.» «3»

قال الشيخ في النهاية: «و إن كان معه سبعمائة درهم و هو لا يحسن أن يتعيش بها جاز له أن يقبل الزكاة، و يخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزكاة

______________________________

(1)- راجع المنتهى 1/ 519.

(2)- راجع التذكرة 1/ 231؛ و نهاية الإحكام 2/ 383.

(3)- الجواهر 15/ 400.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 265

..........

______________________________

فيتسع به على عياله.» «1»

و في المسالك: «نعم يجوز دفعها إليه في التوسعة الزائدة على القدر الواجب بحيث لا

يخرج إلى حدّ يتجاوز عادة نفقة أمثاله.» «2»

أقول: لا يخفي أن القدر المتيقن من الفتاوى و الإجماعات المحكية و النصوص المانعة التي مرّت بمناسبة الحكم و الموضوع و بملاحظة التعليلين فيها عدم جواز الإعطاء من سهم الفقراء و المساكين لواجب النفقة لأصل الإنفاق الواجب بحيث يتداخل أمر الزكاة و أمر الإنفاق في مقام الامتثال.

قال في الجواهر نقلا عن المحقق الكركي: «يشترط في المستحقين للزكاة أن لا يكونوا واجبي النفقة على الدافع إجماعا في أصل الإنفاق.» «3»

و على هذا فيقع البحث في أنه هل يجوز الإعطاء لهم للتوسعة اللائقة بحالهم مطلقا لصدق الفقر و عدم وجوبها على المنفق و لدلالة الأخبار الآتية،

أو لا يجوز مطلقا لإطلاق الأخبار و الفتاوى المانعة،

أو يفصل بين تمكن المنفق من التوسعة عليهم و عدمه كما يظهر من المصنف لصدق الفقر في الثاني دون الأول،

أو يفصّل بين ما إذا كان في معيشتهم فتور بدونها و بين التوسعة الزائدة على النفقة اللائقة التي لو فرض تملّكه لها و لثمنها كان الزكاة محرمة عليه كما في زكاة الشيخ الأنصاري- قدّس سرّه- «4» بناء منه على صدق الغنى في الثاني دون الأول؟

في المسألة وجوه بل أقوال.

______________________________

(1)- النهاية/ 187.

(2)- المسالك 1/ 61.

(3)- الجواهر 15/ 399.

(4)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 447- 448).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 266

[دليل جواز التوسعة على العيال من الزكاة]

______________________________

و استدلّوا للجواز إجمالا بوجهين:

الوجه الأول: إطلاق الأدلّة من الآية و الأخبار المطلقة. و لا يعارضها الأخبار المانعة عن الإعطاء لواجب النفقة، إذ الظاهر منها بمناسبة الحكم و الموضوع و التعليلين فيها المنع عن الإعطاء للنفقة الواجبة فلا تشمل التوسعة الزائدة بل و لا التتميم غير المقدور.

و ما في بعض الكلمات من تحكيم عموم قوله: «خمسة لا

يعطون من الزكاة شيئا.» مردود بأن بناء الأصحاب في جميع الأبواب على تحكيم التعليل و لو كان مذكورا في بعض أخبار الباب و الحكم بدوران الحكم مداره عموما و خصوصا.

و حمل قوله: «و ذلك أنهم عياله لازمون له» على إرادة أن لزومهم له مخرج لهم عن الفقر الى الغنى و لو تعبدا مطلقا و مانع من كونهم موضوعا للزكاة رأسا و لو من الغير فضلا عن المنفق تخرّص و رجم بالغيب.

بل الظاهر من الأخبار المانعة و التعليلين عدم جواز التداخل في مقام الامتثال يجعل الإنفاق الواجب مصداقا للزكاة فلا تشمل التوسعة الزائدة بل و لا الإنفاق غير الواجب و لو لعدم القدرة.

و المراد بالتوسعة الزائدة على المقدار الواجب من الإنفاق بشرط أن لا تصل إلى حدّ الإسراف و التبذير، و ذلك كالثمن لشراء الكتب و مصارف السفر و الضيافة و الإطعام و نحو ذلك و مثل ثمن الفواكه و الحلويات لبعض المقاطع و الأيام الخاصة من السنة. و لا فرق في ذلك بين أن يكون للمنفق ما يوسّع به عليهم أم لا بعد ما فرض عدم وجوبها عليه. كما لا فرق في ذلك بين الزوجة و بين الأقارب بعد فرض جواز التوسعة و احتياجهم إليها عرفا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 267

..........

______________________________

اللّهم إلا أن يقال: إن نفقة الزوجة لما كانت دينا على الزوج صارت غنيّة بذلك شرعا فتخرج عن موضوع الزكاة، و هذا بخلاف الأقارب لعدم خروجهم عن حدّ الفقر بمجرد وجوب الإنفاق عليهم، فتأمّل.

الوجه الثاني أخبار مستفيضة:

1- موثقة إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل له ثمانمائة درهم، و لابن له مأتا درهم، و له عشر من العيال و هو يقوتهم

فيها قوتا شديدا و ليس له حرفة بيده إنما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثم يأكل من فضلها، أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتّسع (يسبغ- الكافي) عليهم بها النفقة؟ قال: «نعم و لكن يخرج منها الشي ء: الدرهم.» «1»

و لا يخفى أن الظاهر منها كون موردها زكاة مال التجارة و كون الصرف لتتميم الإنفاق الواجب عند التمكن لا للتوسعة الزائدة غاية الأمر عدم تمكن المنفق منه فلم يجب بالفعل.

و احتمال إرادة بقاء حدّ النصاب من الدراهم سنة لتكون من زكاة النقدين بعيد في الغاية كاحتمال كون العيال العشر بأجمعهم من غير واجبي النفقة.

فمفاد الحديث جواز صرف زكاة التجارة في تتميم الإنفاق الواجب بالطبع إذا لم يكن عنده ما يتمه به.

و على فرض التعدّي إلى الزكاة الواجبة فموردها صورة عدم وجوب الإنفاق بالفعل لعجزه.

2- موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة و يكون فضله الذي يكسب بماله كفاف

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 66، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 268

..........

______________________________

عياله لطعامهم و كسوتهم و لا يسعه لأدمهم، و إنما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة. قال: «فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قلّ أو كثر فيعطيه بعض من تحلّ له الزكاة و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير إسراف و لا يأكل هو منه، فإنه ربّ فقير أسرف من غنيّ.» فقلت: كيف يكون الفقير أسرف من الغني؟ فقال: «إن الغني ينفق مما أوتي

و الفقير ينفق من غير ما أوتي.» «1»

و هذه الرواية أيضا من حيث المورد و المصرف و الاحتمالات و المفاد كالرواية السابقة، و يراد بالوجوب فيها الثبوت. و هذا الاستعمال كان شائعا في تلك الأعصار. و النهي عن أكل نفسه لعله من جهة أنه لا يصدق عليه حينئذ الدفع و الإيتاء أصلا، فتأمّل.

3- رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفّاف و له عيال كثير أله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: «يا أبا محمد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟» قال: نعم. قال: كم يفضل؟ قال: لا أدري. قال:

«إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة.» قال: قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: بلى. قال:

قلت: كيف يصنع؟ قال: «يوسع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم و يبقى منها شيئا يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتى يلحقهم بالناس.» «2»

و مورد هذه الرواية أيضا زكاة مال التجارة، و لعل المراد باللزوم فيها تأكّد الاستحباب أو عبّر به تقية.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 167، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 159، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 269

..........

______________________________

و قد صرّح في الرواية بصرفها في التوسعة على عياله. و المتيقن من العيال الأزواج و الأولاد. و لا قرينة فيها على إرادة التتميم للإنفاق الواجب فتشمل بمقتضى ترك الاستفصال للتوسعة الزائدة أيضا، بل لعلها بقرينة الذيل ظاهرة في ذلك. فتأمّل.

و أما قوله: «إن كان يفضل عن القوت مقدار

نصف القوت» فلعل المراد به كما في الحدائق: «أنه متى فضل هذا المقدار فإنه يجزي للقيام بكسوتهم و سائر ضرورياتهم فلا يجوز له تناول الزكاة، و إن كان أقل من ذلك فإنه لا يقوم بمؤونة السنة فيجوز له أخذ الزكاة.» «1» و لا محالة تكون القضية خارجية حاكية عن المصارف في تلك الأعصار.

ثم لا يخفى أن في الرواية و أمثالها مما ذكر فيها مقدار الدراهم نظرا إلى ردّ أبي حنيفة و أمثاله ممن جعل الملاك في الغنى المانع عن أخذ الصدقة أن يملك الرجل نصاب الصدقة أعني مأتي درهم أو عشرين دينارا.

4- صحيحة أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره.» قلت: فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة.

قال: «زكاته صدقة على عياله. الحديث.» «2»

و الرواية محتملة لكل من زكاة التجارة و زكاة المال و إن كان الأول أظهر لبعد إبقاء هذا المقدار من المال سنة بلا عمل فيه.

و يحتمل بعيدا إرادة عدم وجوب الزكاة، و عبر عن الإنفاق على العيال بالزكاة و الصدقة مسامحة.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 158.

(2)- الوسائل 6/ 158، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 270

..........

______________________________

5- خبر محمد بن مسلم و غيره عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «تحلّ الزكاة لمن له سبعمائة درهم إذا لم يكن له حرفة و يخرج زكاتها منها و يشتري منها بالبعض قوتا لعياله و يعطي البقية أصحابه. الحديث.» «1»

و يحتمل فيه كل من زكاة التجارة و زكاة المال، و الأول أظهر، و يستفاد من جميع ذلك جواز صرف الزكاة المندوبة على العيال.

6- خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا

تعط من الزكاة أحدا ممن تعول.» و قال: «إذا كان لرجل خمسمائة درهم و كان عياله كثيرا» قال: «ليس عليه زكاة ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم و كسوتهم و في طعام لم يكونوا يطعمونه، و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسمها في قوم ليس بهم بأس أعفاء عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا.» و قال: «لا تعطين قرابتك الزكاة كلها و لكن أعطهم بعضها و اقسم بعضها في سائر المسلمين.» و قال: «الزكاة تحلّ لصاحب الدار و الخادم و من كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال و يجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله يوسّع عليهم.» «2»

و لا يخفي عدم خلوّ الخبر من الاضطراب و اشتمل على مسائل مختلفة. و يشبه أنه «ع» نهى أوّلا عن إعطاء الزكاة للعيال و المتيقن منه الإعطاء للإنفاق الواجب عليه. ثم رأى «ع» أن زكاة التجارة أمر متعارف حيث أفتى بوجوبها فقهاء السنة و كانوا يعطونها للخلفاء و عمّالهم، فأراد «ع» بيان عدم وجوبها و لا سيّما على من له عيال كثير، بل الأولى له صرف ماله في النفقة على عياله، و على فرض إرادة الإعطاء أيضا حفظا للصورة و عملا بالاستحباب

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 271

..........

______________________________

كان الأولى له صرفها في التوسعة على عياله بعد ما لم يتمكن منها من أصل ماله، فتدبّر.

و قد تلخّص مما ذكرنا أنا لم نجد في أخبارنا ما تدل بالصراحة أو بالظهور القويّ على جواز صرف الزكاة الواجبة في التوسعة على واجب النفقة.

بل هي ظاهرة في زكاة التجارة، و مورد الأكثر أيضا هو التتميم لمن لا يقدر عليه لا التوسعة الزائدة على ما يجب.

نعم مقتضى الاطلاقات الأولية جواز ذلك اذا لم يتمكن المنفق من التوسعة أو لم تجب عليه حيث يكون حينئذ صرفا فيما لا يجب عليه بالفعل.

و المستفاد من أخبار المنع بمناسبة الحكم و الموضوع و التعليلين فيها المنع عن الصرف فيما يجب عليه، فتدبّر. هذا.

و صاحب الجواهر بعد ما أشار إلى أخبار التوسعة قال ما ملخّصه: «لكن الجميع يحتمل زكاة التجارة التي قد عرفت ندبها، فيكون المراد بيان أولوية مراعاة استحباب التوسعة من إخراج زكاة التجارة، بل ظاهر آخر أنه لا زكاة عليه للتوسعة المزبورة. على أنه يمكن أن يكون المراد غير واجبي النفقة من عياله.

كل ذلك لإطلاق أدلّة المنع الذي يمكن عدم معارضة التعليل له و إن كانت التوسعة غير واجبة على المنفق إلّا أن كثيرا من أفرادها أفضل أفراد الواجب المخيّر كشراء البرّ عوض الشعير و لبس الحرير عوض الخام، فالإنفاق الممنوع من احتسابه زكاة شامل لذلك حينئذ، خصوصا بملاحظة ندرة الاقتصار على أقلّ الواجب من المنفقين، و خصوصا بملاحظة السيرة المستمرة بين الأعوام و العلماء في إخراج الزكاة من الفقراء و الأغنياء.

بل لو كان ذلك جائزا لاشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار لشدّة الداعي له،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 272

..........

______________________________

و لكان عذرا في عدم إخراج الزكاة. بل معه تهلك الفقراء من الجوع. بل يمكن دعوى ضرورة المذهب أو الدين على خلاف ذلك.» «1»

أقول: فهو- قدّس سرّه- كما ترى ينكر جواز صرف الزكاة الواجبة في التوسعة على واجب النفقة.

و قد سبقه في حمل الأخبار المذكورة على زكاة التجارة صاحب الحدائق، فراجع. «2»

و

الشيخ الأعظم الأنصاري- طاب ثراه- في زكاته بعد ما حكم بجواز أخذ الزكاة للتوسعة من المنفق فضلا عن غيره إذا كان في معيشته فتور بدونها و الاستدلال له بموثقتي سماعة و إسحاق بن عمار، قال:

«و دعوى أنهما في مقام بيان زكاة التجارة المندوبة فيجوز التسامح فيها باعطاء من لا يجوز اعطاؤه الواجبة فاسدة جدّا، إذ بعد تسليم ظهور زكاة التجارة منه و منع احتمال بقاء مقدار النصاب من ألف درهم إلى تمام الحول فوجب فيه الزكاة لا ريب في أن المقام مقام بيان مصرف الزكاة المندوبة المتحد مع مصرف الواجبة إجماعا.» «3»

أقول: إن فرض أن في معيشته بدونها فتورا فالأخذ لا محالة للتتميم لا للتوسعة الزائدة فيجب أن يقيد الجواز بما إذا لم يقدر المنفق على التتميم و هو المستفاد من الموثقتين أيضا.

ثم إن الإجماع على اتحاد الواجبة و المندوبة في المصرف إجمالا لا ينافي إجازة نحو من التسامح في المندوبة كما في سائر أبواب الفقه، حيث يتسامح في

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 400.

(2)- الحدائق 12/ 213.

(3)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 448).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 273

إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم (1).

[جواز إعطاء الزكاة لواجبي النفقة للتوسعة على عيالهم]

نعم يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه (2) كالزوجة للوالد أو الولد و المملوك لهما مثلا.

______________________________

المندوبات فيها بما لا يتسامح في الواجبات.

و سيجي ء البحث في التتميم في المسألة التاسعة عشرة.

(1) بل مطلقا في التوسعة الزائدة على ما يجب كشراء الكتب و مصارف السفر و الأضياف مثلا لعدم وجوبها على المنفق.

(2) قال في المسالك: «الضابط أن القريب إنما يمتنع دفعه لقريبه من سهم الفقراء لقوت نفسه مستقرا في وطنه، فلو كان من باقي

الأصناف جاز الدفع إليه، و كذا لو أراد السفر أعطي ما زاد على نفقة الحضر، و كذا يعطى لنفقة زوجته و خادمه إذ لا يجب ذلك على القريب.» «1»

و في المدارك: «يجوز للمالك أن يصرف إلى قريبه الواجب النفقة ما زاد على النفقة الواجبة كنفقة الزوجة و المملوك لعدم وجوب ذلك عليه، و لقوله «ع» في صحيحة عبد الرحمن: «و ذلك أنهم عياله لازمون له.» فإن مقتضى التعليل أن المانع لزوم الإنفاق و هو منتف فيما ذكرنا.» «2»

و في الجواهر: «نعم لو كان جهة فقر غير الإنفاق كما إذا كان عنده من يعول به أو غير ذلك جاز الدفع إليه لإطلاق الأدلّة السّالم عن معارضة نصوص المقام بعد ظهورها بقرينة ما فيها من التعليل في النفقة.» «3»

و يمكن أن يستفاد أيضا كما في المستمسك «4» من صحيحة

______________________________

(1)- المسالك 1/ 61.

(2)- المدارك/ 320.

(3)- الجواهر 15/ 401.

(4)- المستمسك 9/ 289.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 274

..........

______________________________

عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ فقال: «لا بأس.» «1» بناء على عموم السؤال لأخذ الزكاة من المنفق أيضا.

و نفقة واجب النفقة تكون من جملة ما يحتاج إليه الإنسان و إن لم تجب على المزكّي.

أقول: لا يخفى أن ما ذكره المصنف هنا و يأتي في بعض المسائل الآتية أيضا إنما يصحّ بناء على ما نسب إلى أصحابنا من عدم وجوب إعفاف الوالد و الولد الفقيرين و عدم وجوب الإنفاق على زوجتهما و عدم كونهما عرفا من النفقة الواجبة على القريب:

1-

قال في المبسوط: «فأما إعفافه فلا يجب عندنا، سواء كان ناقص الأحكام أو الخلقة معسرا كان أو موسرا، و قال بعضهم: إن كان معسرا ناقص الاحكام و الخلقة فعليه أن يعفّه بعقد نكاح أو ملك يمين لقوله: «وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً.» و إن كان معسرا كامل الأحكام و الخلقة قال بعضهم: يجب عليه إعفافه، و قال آخرون:

لا يجب.» «2»

أقول: مقتضى استدلاله بالآية الشريفة رجوع الضمير في «إعفافه» إلى الوالد لا الولد.

و كيف كان فظاهر الشيخ اتفاق أصحابنا على عدم وجوب الإعفاف مطلقا و إنما الخلاف فيه وقع من فقهاء السنة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 163، الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- المبسوط 6/ 34.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 275

..........

______________________________

2- و في نفقات النكاح من الشرائع: «و لا يجب إعفاف من تجب النفقة له.» «1»

3- و في الجواهر في ذيل هذه العبارة قال: «بلا خلاف معتدّ به أجده فيه للأصل السالم عن معارضة إطلاق النفقة في الأدلّة السابقة بعد القطع أو الظن بعدم إرادة ما يشمل ذلك من النفقة المزبورة المراد بها ما هو المتعارف في الإنفاق من سدّ العوزة و ستر العورة و ما يتبعهما. و المصاحبة بالمعروف المأمور بها في الوالدين إنما يراد بها المتعارف من المعروف، و ليس هو إلا ما ذكرنا، لا أقلّ من الشك في ذلك، و الأصل البراءة.» «2»

أقول: و لكن المسألة عندي لا تخلو من شائبة إشكال، إذ النفقة يراد بها ما يحتاج إليه الإنسان في حياته و عيشته. و الزوجة بالمعنى الأعم من المتعة و ملك اليمين من أشدّ الحاجات في حياته و لا سيما بالنسبة إلى الشاب الشبق. و الفقهاء ذكروا من أقسام النفقة الواجبة

نفقة الخادم لمن يحتاج إليه من أهل الرفعة و الشرف.

و الحاجة إلى الزوجة لتحصيل العفاف ربما تكون أشدّ من الحاجة إلى الخادم، و لا محالة تحتاج الزوجة إلى النفقة أيضا. و العقلاء يذمّون و يخطّئون الرجل المتمكن الذي لا يزوّج ابنه مع حاجته إلى الزواج.

و قال اللّه- تعالى- في كتابه الكريم: «وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ.» «3»

كيف؟! و لو كان الفقير محتاجا إلى الزواج فلا شك في أنه يجوز إعطاء الزكاة له من سهم الفقراء للتزويج و لنفقة زوجته.

______________________________

(1)- الشرائع 2/ 353 (- طبعة أخرى/ 574).

(2)- الجواهر 31/ 377.

(3)- سورة النور (24)، الآية 32.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 276

..........

______________________________

و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»: «بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوّج و يتصدق و يحجّ.» «1» و كما أن الفقر موضوع لاستحقاق الزكاة فهو أيضا موضوع للإنفاق الواجب بلا تفاوت بينهما في ذلك.

و تحقق الإجماع منّا على عدم الوجوب غير واضح، إذ ليست المسألة معنونة في كتب القدماء من أصحابنا المعدّة لنقل المسائل المأثورة و إنما تعرض لها الشيخ- قدّس سرّه- في مبسوطه الذي هو كتاب تفريعي. و بذلك يظهر عدم صحة دعوى عدم الخلاف في المسألة مع عدم كونها معنونة في كلمات الأكثر.

و يظهر من المسالك خلاف أصحابنا فيها أيضا:

قال في المسالك في ذيل ما مرّ من الشرائع: «و قد قال بوجوبه بعض الأصحاب و جماعة من العلماء للأب و إن علا لأن ذلك من أهمّ المصاحبة بالمعروف، و لأنه من وجوه حاجاته المهمة فيجب على الابن القيام به كالنفقة

و الكسوة، و الأشهر الاستحباب ... و نفقة الزوجة حينئذ تابعة للإعفاف فإن وجب وجبت و إلّا استحبّت. و كذا القول في نفقة زوجة الأب التي تزوّجها بغير واسطة الابن. و أوجب الشيخ في المبسوط نفقة زوجته و إن لم يجب إعفافه لأنها من جملة مئونته و ضرورته كنفقة خادمه حيث يحتاج إليه.» «2»

و في المبسوط: «رجل فقير لا مال له و له زوجة فقيرة و أولاد صغار لا مال لهم و له ابن غني فعلى الغني نفقة والده و نفقة زوجة والده لأنها من مئونة والده، و نفقتها تجب عليه مع إعسار والده، و أما ولده الصغار فلا يجب عليه نفقتهم ... فإن كانت بحالها و لم يكن له ابن موسر لكن له والد موسر فعلى والده

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- المسالك 1/ 594.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 277

..........

______________________________

نفقته لأنه ولده و هو فقير و عليه نفقة زوجته لأن عليه كفاية ولده و لأنها نفقة يلزم ولده مع الإعسار.» «1»

أقول: فالشيخ في المبسوط فرّق بين إعفاف الولد و الوالد و بين نفقة زوجتهما، فأوجب النفقة دون الإعفاف، مع حاجة الولد أو الوالد إلى كليهما و صدق الفقر بالنسبة إليهما، فحكمهما واحد كما مرّ عن المسالك.

ثم إن التعليل الذي ذكره لوجوب نفقة زوجة الوالد يجري في نفقة ولده الصغار أيضا كما لا يخفي.

فإن قلت: إن زوجة الولد و الوالد لم تذكرا في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الحاصرة لواجب النفقة في خمسة.

قلت: إن زوجة الولد أو الوالد ليست هنا ملحوظة مستقلة، و إنما تجب نفقتهما لكونها جزء من نفقة الوالد أو الولد.

و في المختلف: «لا يجب

على الولد الغني الإنفاق على زوجة والده المعسر، و لا على الوالد وجوب الإنفاق على زوجة ولده المعسر لأصالة البراءة. و أوجب الشيخ في المبسوط النفقة فيهما لأنها من مئونة والده، و أوجب أيضا الفطرة لأنها بمنزلة النفقة، و الكل ممنوع.» «2»

أقول: ما ذكره يصحّ على مبناهم من عدم وجوب الإعفاف.

و راجع في مسألة الإعفاف الحدائق أيضا. «3»

______________________________

(1)- المبسوط 6/ 49.

(2)- المختلف/ 582.

(3)- الحدائق 25/ 137.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 278

[الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من أجل الفقر]

[المسألة 10]: الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء و لأجل الفقر. و أمّا غيره من السهام كسهم العاملين إذا كان منهم، أو الغارمين، أو المؤلّفة قلوبهم، أو سبيل اللّه، أو ابن السبيل، أو الرقاب إذا كان من أحد المذكورات فلا مانع منه (1).

______________________________

و في المغني لابن قدامة: «قال أصحابنا: و على الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته و كان محتاجا الى إعفافه، و هو قول بعض أصحاب الشافعي. و قال بعضهم: لا يجب ذلك عليه. و لنا أنه من عمودي نسبه و تلزمه نفقته فيلزمه إعفافه عند حاجته إليه كأبيه ... و كل من لزمه إعفافه لزمته نفقة زوجته لأنه لا يتمكن من الإعفاف إلا بذلك. و قد روي عن أحمد: أنه لا يلزم الأب نفقة زوجة الابن. و هذا محمول على أن الابن كان يجد نفقتها.» «1» هذا. و تفصيل المسألة موكول إلى مبحث النفقات من كتاب النكاح.

و قد تحصل مما ذكرنا الإشكال في جواز إعطاء الزكاة لواجب النفقة للإعفاف أو نفقة الزوجة لدى الحاجة إليهما و قدرة المنفق. نعم يجوز الإعطاء للتوسعة الزائدة على ما يجب كتعدّد الزواج مثلا و نفقات الزوجات الجديدة ما لم يصل

إلى حدّ الإسراف و الخروج عن المتعارف، و كما إذا كان في سنّ أو حال لم يحتج عرفا إلى الزوجة و عدّت له من قبيل التوسعة الزائدة.

و كذلك يجوز الإعطاء إذا لم يقدر المزكّي على ذلك على ما يأتي بحثه في المسألة التاسعة عشرة.

(1) 1- قال في المبسوط: «و من تجب نفقته لا يجوز دفعها إليه و إن كان من الفقراء و المساكين. فإن كان أراد أن يدفع إليهم من غير سهم الفقراء جاز أن يدفع

______________________________

(1)- المغني 9/ 264.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 279

..........

______________________________

إليهم من سهم العاملين و المؤلفة و الغارمين و الغزاة و من سهم الرقاب، و ابن السبيل يجوز أن يدفع إليه قدر حاجته للمحمولة فأما قدر النفقة فلا يجوز.» «1»

2- و في الشرائع: «و لو كان من تجب نفقته عاملا جاز أن يأخذ الزكاة، و كذا الغازي، و الغارم و المكاتب، و ابن السبيل لكن يأخذ هذا ما زاد عن نفقته الأصلية مما يحتاج إليه في سفره كالحمولة.» «2»

3- و في الجواهر: «فمن المعلوم أن منع المالك من دفع الزكاة لمن وجبت نفقته عليه إنما هو من سهم الفقراء لا مطلقا، أمّا إذا دخلوا تحت مستحقي باقي السهام فلا خلاف معتدّ به كما لا إشكال في جواز الدفع إليهم من المالك و غيره لعموم الأدلة السالم عن المعارض بعد تنزيل النصوص السابقة على الدفع من سهم الفقراء.» «3»

4- و في الذخيرة: «فلو كان من يجب نفقته عاملا أو غازيا أو غارما أو مكاتبا أو ابن السبيل جاز الدفع إليهم و هو مقطوع به في كلامهم. و منع ابن الجنيد من إعطاء المكاتب، و يدل على المشهور عموم الآية السالم عن

المعارض.» «4»

5- و في الحدائق: «لا إشكال في جواز الدفع إليه من سهام هذه الأصناف لعموم الآية السالم عن المعارض.» «5»

أقول: مع ادعائهم الشهرة و المقطوعية و عدم الخلاف المعتدّ به و عدم الإشكال في المسألة، ليست المسألة بتمام مصاديقها معنونة في كلمات القدماء من أصحابنا في كتبهم المعدّة لنقل المسائل المأثورة حتى يعتمد فيها على الإجماع أو

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 258.

(2)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(3)- الجواهر 15/ 405.

(4)- الذخيرة/ 459.

(5)- الحدائق 12/ 215.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 280

..........

______________________________

الشهرة. فاللازم إتمامها بالقواعد و الروايات الواردة.

و الظاهر جواز التمسك فيها بعموم الآية و نحوها بعد استظهار اختصاص الأخبار المانعة بمناسبة الحكم و الموضوع و التعليلين فيها بخصوص ما إذا كان الإعطاء للصرف في النفقات بملاحظة الفقر و الاحتياج.

و أما ما يأخذه العامل فهو أجرة لعمله و يستوي فيه الفقير و الغني، و نحوه الغازي و لذا يجوز لهما الأخذ مع اليسر و العسر. و المكاتب يأخذ لفداء رقبته، و الغارم لوفاء دينه، و لا يجبر القريب على شي ء من ذلك إجماعا، و كذا ابن السبيل بالنسبة إلى ما زاد عن نفقته الأصلية.

و إن شئت قلت: إن ظاهر تعليل المنع بأنهم عياله لازمون له و أنه يجبر على نفقتهم أنهم في نفقاتهم بحكم الأغنياء لا يحتاجون فيها إلى الزكاة، فالمنع لا محالة يكون بملاحظة الفقر و المسكنة لا المصارف التي يشترك فيها الفقير و الغني، فتدبّر.

هذا مضافا إلى ما ورد في قضاء دين الأب من سهم الغارمين، و في اشتراء الأب من سهم الرقاب:

1- ففي موثقة اسحاق بن عمّار قال: سألت أبي عبد اللّه «ع» عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة

أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال: «نعم و من أحقّ من أبيه؟» «1»

2- و في خبر أبي محمد الوابشي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله، قال: «اشترى خير رقبة؛ لا بأس بذلك.» «2»

و الوابشي مجهول و لكن الراوي عنه ابن محبوب و هو من أصحاب الإجماع،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 173، الباب 19 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 281

[حكم جواز أخذ الزكاة على من لا تعطى نفقته]

[يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه]

[المسألة 11]: يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه إذا لم يكن قادرا على إنفاقه، أو كان قادرا و لكن لم يكن باذلا (1).

______________________________

و السند إليه صحيح.

3- و عن فقه الرضا: «و إن اشترى رجل أباه من زكاة ماله فأعتقه فهو جائز.» «1»

و عن المقنع مثله. «2»

و أمّا ما عن ابن الجنيد من عدم جواز دفع المولى زكاته إلى مكاتبه ليفك بها رقبته فاستدل له بعود نفعه إلى نفسه.

و فيه مضافا إلى أنه اجتهاد في مقابل النصّ، أنه لا دليل على منع ذلك بعد وجود الاستحقاق و صدق الدفع و الإيتاء. و قد مرّ نظير ذلك في الإعطاء للأخ الفقير بحيث يصير غنيا فيشاركه في الإنفاق على أبيهما الفقير، فتأمّل.

(1) و لم يمكن إجباره و لو بالرجوع إلى الحاكم أو عدول المؤمنين.

و لا فرق في ذلك بين الزوجة و بين الأقارب بعد تحقق الفقر و عدم تمكن الزوج أو القريب أو عدم إنفاقهما.

و مجرد وجوب الإنفاق شرعا بل و اشتغال ذمّة الزوج المماطل أيضا لا يوجب صدق الغنى و لا يصير

مانعا عن الأخذ ما لم يتحقق البذل و لم يمكن الإجبار أيضا. و هل يرضى الشرع المبين بحرمان الشخص و مؤاخذته بذنب غيره و ظلمه و مماطلته؟

و يستفاد هذا الحكم من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الآتية بالأولوية القطعية.

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 119)؛ و المستدرك 1/ 523، الباب 10 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2)- الجوامع الفقهية/ 14؛ و المستدرك 1/ 523، الباب 10 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 282

..........

______________________________

و في التذكرة: «و إن لم ينفق أحد منهم و تعذر ذلك جاز الدفع إليهم كما لو تعطلت منفعة العقار.» «1»

و في البيان: «و لو لم يبذل النفقة جاز من غيره قطعا.» «2»

و في المدارك: «و لو امتنع المنفق من الإنفاق جاز التناول في الجميع قولا واحدا.» «3»

و قد يتوهم أن قوله «ع»: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا، الحديث،» يعمّ بإطلاقه زكاة المنفق و غيره.

و هذا توهم غريب، إذ هل يحتمل أن كون الشخص أبا أو أما أو ولدا أو زوجة لشخص ما يوجب حرمانه عن زكاة أيّ شخص كان؟ و هل يوجد أحد لا ينطبق عليه أحد من هذه العناوين؟ اللّهم إلّا أن يموت الجميع و يبقى منفردا.

و لو كان الزوج أو القريب موسرا غير باذل و لكن يمكن السرقة من ماله بإذن الحاكم بلا حرج أشكل حينئذ أخذ الزكاة. كما في قصة هند زوجة أبي سفيان: ففي سنن البيهقي بسنده عن عائشة أن هندا قالت للنبي «ص»:

إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جناح أن آخذ من ماله؟ قال:

«خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف.» «4»

و رواها في الجواهر. «5» و في سنن ابن ماجة بسنده عن عائشة، قالت:

جاءت هند إلى النبي «ص» فقالت: يا رسول اللّه، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 231.

(2)- البيان/ 194.

(3)- المدارك/ 320.

(4)- سنن البيهقي 7/ 466، كتاب النفقات، باب وجوب النفقة للزوجة.

(5)- الجواهر 31/ 302.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 283

[عدم جواز الدفع إذا كان باذلا]

و أمّا إذا كان باذلا فيشكل الدفع إليه و إن كان فقيرا كأبناء الأغنياء إذا لم يكن عندهم شي ء. بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل (1).

______________________________

يكفيني و ولدي إلّا ما أخذت من ماله و هو لا يعلم، فقال: «خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف.» «1»

(1) 1- قال العلامة في التذكرة: «لو كان للولد المعسر أو الزوجة الفقيرة أو الأب الفقير والد أو زوج أو ولد موسرون، و كل منهم ينفق على من تجب عليه لم يجز دفع الزكاة إليهم لأن الكفاية حصلت لهم بما يصلحهم من النفقة الواجبة فأشبهوا من له عقار يستغني بأجرته.» «2»

أقول: لا يخفى أن مراده دفع زكاة غير المنفق أو مطلقا، و لم يفصل في عدم الجواز بين الزوجة و بين الأقارب.

2- و قال في نهايته: «و الزوجة الفقيرة إذا كان زوجها موسرا و كان ينفق عليها لم يجز دفع الصدقة إليها إجماعا لأنها غنيّة به ... و الولد المكتفي بنفقة أبيه أو بالعكس لا يجوز له أخذ الزكاة لأنه غني به، نعم لو احتاج إلى اتّساع في النفقة و هي زائدة عن الواجب فالأقرب جواز دفع الصدقة إليه لقول الكاظم- عليه السلام-.» «3»

أقول: و مراده بقول الكاظم صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ

يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟

______________________________

(1)- سنن ابن ماجة 2/ 769، كتاب التجارات، باب ما للمرأة من مال زوجها، الحديث 2293.

(2)- التذكرة 1/ 231.

(3)- نهاية الإحكام 2/ 383.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 284

..........

______________________________

فقال: «لا بأس.» «1»

و أنت ترى أن مورد الصحيحة صورة عدم بذل المنفق للتوسعة و عبارة النهاية مطلقة.

3- و في مجمع البرهان: «لا يجوز لغير من وجب نفقتهم عليه أيضا إعطاؤهم من سهم الفقراء مع كون المنفق غنيّا باذلا، إذ ليس ذلك بأقلّ من الكاسب القادر على القوت.» «2» هذا.

4- و لكن العلامة في المنتهى قال: «الولد إذا كان مكتفيا بنفقة أبيه أو الأب المكتفي بنفقة الولد هل يجوز له أخذ الزكاة؟ أمّا منه فلا إجماعا لما يأتي ... و أما من غيره فالأقرب عندي الجواز لأنه فقير، و يؤيده ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع» ... و فيه إشكال.»

و قال قبل ذلك في الزوجة: «و هل يجوز لها مع الإنفاق أخذ الصدقة من غيره؟ الوجه عدم الجواز لأن نفقتها كالعوض فأشبهت أجرة العقار.» «3»

أقول: فهو في المنتهى فصّل بين الزوجة و بين الأقارب. و الظاهر أن قوله:

«فيه إشكال» يرجع إلى التأييد بالصحيحة، و وجهه أن مورد الصحيحة التوسعة مع عدم بذل المنفق لها، فلا ترتبط بالمقام.

5- و في الدروس: «و لو أخذ من غير المخاطب بالإنفاق فالأقرب جوازه إلا الزوجة إلا مع إعسار الزوج و فقرها.» «4»

6- و في البيان: «و من تجب نفقته على غيره لفقره غني مع بذل المنفق. و في

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 163، الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث

1.

(2)- مجمع الفائدة و البرهان 4/ 178.

(3)- المنتهى 1/ 519.

(4)- الدروس/ 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 285

..........

______________________________

رواية عبد الرحمن بن الحجاج يجوز له تناولها، و هو قوي، نعم لا يجوز له أخذها من قريبه المنفق.» «1»

أقول: قد عرفت عدم ارتباط الرواية بالمقام. ثم كان عليه استثناء الزوجة كما في الدروس.

7- و صاحب المدارك «2» أيضا فصّل بين الزوجة و بين الأقارب كما في المنتهى و أفتى بالجواز في الثاني. و ناقش في تنظير العلامة في التذكرة للمقام بأجرة العقار بأنه قياس مع الفارق.

8- و في الجواهر قال: «الأقوى جواز التناول من الغير، و اختاره في المدارك، لعدم الخروج بذلك عن حدّ الفقر، فيندرج حينئذ في إطلاق الأدلة و عمومها، و لصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع» ....

بل مقتضى ما ذكرنا الجواز أيضا في الزوجة مع فقرها إن لم يقم إجماع.

اللّهم إلّا أن يفرق بأن نفقتها كالعوض عن بضعها و لذا يضمنها المنفق إذا لم يؤدّها بخلاف نفقة الوالد و الولد.

و إن كان قد يناقش فيه بأنها و إن كانت كذلك إلا أنها إنما تملك عليه يوما فيوما، و مثله لا يخرجها عن حدّ الفقر الذي هو عدم ملك مئونة السنة. و كونها حينئذ كذي الصنعة قياس أولا و مع الفارق بالدليل ثانيا. لكن الإجماع على عدم جواز تناولها مع يسار الزوج و بذله يمكن تحصيله و إن احتمل بعض الناس الجواز أيضا.» «3»

و بالجملة ففي المسألة ثلاثة وجوه بل أقوال: عدم الجواز مطلقا، و الجواز مطلقا، و التفصيل بين الزوجة و بين الأقارب.

______________________________

(1)- البيان/ 193.

(2)- المدارك/ 320.

(3)- الجواهر 15/ 398 و 399.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 286

و استدلّ القائلون بعدم الجواز بوجهين:

______________________________

الأول: حصول الكفاية الموجب

لصدق الغنى، نظير من له عقار يكتفي بأجرته اليومية أو حرفة أو صنعة كافية لمئونته.

و قد مرّ بعض الكلمات هنا، و تقدم عن المعتبر و البيان و المسالك صدق الغني على من وجب نفقته على غيره و بذلك استدلوا على عدم جواز إعطاء زكاته لهم.

و العلامة في النهاية أيضا استدل لذلك بقوله: «و لأنهم أغنياء به» «1»

و في زكاة الشيخ الأعظم: «و لصدق الغني عليه بعد اجتماع وصفي وجوب الإنفاق و بذل المنفق و إن كان كل واحد منهما لا يكفي في نفي الفقر عنه إلا إذا امتنع المنفق و قدر المنفق عليه على الاستيفاء و لو بمعونة الحاكم، لكنه محل تأمل.» «2»

الوجه الثاني: إطلاق بعض نصوص المنع بحيث يعمّ زكاة غير المنفق أيضا كقوله «ع» في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه «ع»: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا. الحديث.» «3»

بل ظاهر التعليل بقوله: «و ذلك أنهم عياله لازمون له» أنهم صاروا بذلك بمنزلة الأغنياء في عدم الاحتياج.

و أجيب عن الأول بأن الملاك في الغني على ما هو المستفاد من الأخبار و الفتاوى كونه مالكا لمئونة السنة فعلا أو قوة قريبة من الفعل.

______________________________

(1)- نهاية الإحكام 2/ 397.

(2)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 447).

(3)- الوسائل 6/ 165، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 287

..........

______________________________

و مجرّد كونه تحت عيلولة المنفق لا يوجب صدق الغني عليه، و لذا لم يكن إشكال ظاهر في جواز إعطاء عيال الموسر الباذل إذا لم يكن واجب النفقة عليه. و الفرق بينهما باللزوم و عدمه غير فارق كما في المستمسك. «1»

و أجيب عن الثاني بأن دعوى الإطلاق في النصوص غريب، لوضوح

أن المراد فيها منع زكاة المنفق.

و هل يحتمل أحد أن كون الشخص أبا أو أمّا أو ولدا أو زوجة أو جدّا أو جدّة لشخص ما يوجب حرمانه عن زكاة أيّ شخص كان؟!

و أمّا التعليل فلعله ناظر إلى أنه لما كان نفقتهم واجبة عليه و أنه يجبر عليها شرعا فلا مجال لاحتسابها زكاة بتداخل التكليفين في مقام الامتثال، و لا يجعل زكاته وقاية لماله، و التداخل مخالف لارتكاز العقلاء أيضا، و التعليل يقع غالبا بالأمور الواضحة عند العقلاء.

و كيف كان فلا تشمل نصوص المنع لزكاة غير المنفق.

و استدل القائلون بالجواز أيضا بوجهين:

الأول: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع» و قد مضت.

و فيه أن المورد فيها كما مرّ الأخذ للتوسعة إذا كان المنفق لا يوسّع، فلا ربط لها بالمقام.

الثاني: صدق الفقير عليه لعدم كونه مالكا لمئونة السنة، فيشمله إطلاق الأدلة و عمومها. كيف؟ و الفقر موضوع لوجوب الإنفاق، و الحكم لا يعدم موضوع نفسه.

و الفقر موضوع لوجوب الإنفاق و لاستحقاق الزكاة في رتبة واحدة، فلا وجه

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 291.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 288

..........

______________________________

لتقديم أحد هما على الآخر.

و كما لا يرتفع الفقر ببذل الزكاة بحيث يخرج عن موضوع وجوب الإنفاق كذلك لا يرتفع ببذل النفقة بحيث يخرج عن موضوع الزكاة، فلو كان فقيرا يرتزق من الزكاة ثم صار أبوه غنيا وجب عليه الإنفاق عليه فكذلك الإنفاق لا يخرجه عن موضوع الزكاة.

فإن قلت: يكفي في الخروج أن يستحق الشخص على قريبه الإنفاق عليه و قيام القريب ببذل ما يستحقه، و الفرق بين وجوب الإنفاق و جواز دفع الزكاة أن موضوع وجوب الإنفاق هو عدم القدرة على مئونة نفسه و هذا حاصل و إن تكفله رجل من

باب الزكاة. و أما جواز دفع الزكاة فموضوعه الحاجة و الفقر و يرتفع بتملكه على غيره و لو من باب التكليف مئونته، فموضوع الزكاة يرتفع بالإنفاق الواجب، و موضوع الإنفاق لا يرتفع بدفع الزكاة، و لأجل ما ذكرنا لو دفع أحد زكاة ماله إلى أولاد الأغنياء من دون الثروة عدّ دافعا إلى غير الفقراء.

قلت: هذا ما ذكره الشيخ الأعظم في زكاته. «1»

و لكن يمكن أن يناقش بأن مجرد الحكم التكليفي بالإنفاق لا يجعل القريب مالكا لما يبذل، فكيف يخرج بذلك عن حدّ الفقر؟ بل كان الأولى و الأنسب له- قدّس سرّه- أن يعكس في البيان، لأن موضوع الزكاة الفقر و هو حاصل لعدم كونه مالكا لمئونة السنة. و موضوع وجوب الإنفاق عدم القدرة على النفقة و هو غير حاصل مع بذل الزكاة له.

و لذا احتمل في شرح النافع- على ما حكاه عنه في الجواهر- «2» عدم وجوب

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 447).

(2)- الجواهر 31/ 372.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 289

..........

______________________________

الإنفاق على من بذلت له الزكاة و نحوها من الحقوق، و إن استغربه في الجواهر، و لكنه غير ظاهر، إذ ليس في أدلة وجوب الإنفاق إطلاق يرجع إليه عند الشك فيقتصر فيه على القدر المتيقن و لا يقين بوجوبه مع بذل الزكاة و نحوها و عدم المانع له من التعيش بها.

و عليك بمراجعة المستمسك في المقام. «1» و التحقيق في المسألة موكول إلى محلها.

و استدلّ القائل بالتفصيل بين الزوجة و بين الأقارب

بما مرّ من الجواهر من أن نفقة الزوجة دين على الزوج و لذا يضمنها إن فرّط فيها. و كونها يوما فيوما لا ينافي صدق الغني بعد بقاء الملاك إلى السنة و ما بعدها و لو بالاستصحاب فضلا عن

وجود الوثوق و الاطمينان غالبا ببقاء البذل و الباذل، و على ذلك يدور محور حياة العقلاء في المعاملات و المعاشرات اليومية، فيكون هذا نظير الاستفادات اليومية التدريجية لأرباب الحرف و الصنائع مع عدم حصول شي ء بالفعل سوى القوة و الاستعداد و ليس هذا من القياس.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 289

و قد مرّ عن الجواهر قوله: «لكن الإجماع على عدم جواز تناولها مع يسار الزوج و بذله يمكن تحصيله.» «2»

و هذا بخلاف نفقة الأقارب، إذ الثابت فيها تكليف محض، أعني وجوب رفع الخلّة الذي لا يتصور تداركه بعد فواته، نظير وجوب إعانة المحتاج فلا يصدق فيه الملك و لو بالقوة. هذا.

فهذا ما يوجّه به الوجوه و الأقوال الثلاثة في المسألة.

و لكن بعد اللتيا و التي فالظاهر عدم جواز الأخذ مطلقا: أمّا في الزوجة فواضح

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 292.

(2)- الجواهر 15/ 399.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 290

..........

______________________________

مع إيسار الزوج و بذله أو إمكان إجباره أو السرقة منه بلا حرج.

و أمّا في الأقارب فلأن المستفاد من أدلّة تشريع الزكاة أنها شرّعت لسدّ الخلّات و الحاجات. و من وجبت نفقته على غيره و يكون المنفق موسرا باذلا لها بلا حرج و منة فمثل هذا الشخص لا يوجد له في عيشته خلّة و حاجة عرفا و يعدّون مثله في عداد الأغنياء.

و هذا كغالب أولاد الأثرياء و المتمكنين الذين يتصرفون و يتنعمون في أموال آبائهم تصرّف الملّاك في أموالهم. و نحن لا نشك في انصراف لفظي الفقراء و المساكين عنهم.

و لو قال المولى لعبده فرّق هذه الدراهم و الدنانير في

فقراء البلد ففرّقها في أبناء التجار و أهل الثروة المتنعمين في أموال آبائهم عدّ العبد عاصيا مستحقا للذمّ و العقاب. و لا مانع من رفع الحكم بعد إجرائه لموضوع نفسه، فوجوب الإنفاق بعد إجرائه يرفع الفقر كما يرفع وجوب غسل النجاسة بعد إجرائه للنجاسة.

و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر «ع» المروية عن معاني الأخبار قال:

قال رسول اللّه «ص»: «لا تحلّ الصدقة لغني و لا لذي مرّة سويّ و لا لمحترف و لا لقويّ» قلنا: ما معنى هذا؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «1»

فيستفاد من هذه الصحيحة أن الملاك في الفقر احتياجه إلى الزكاة عرفا و عدم قدرته عرفا على أن يكفّ نفسه عنها لا عدم كونه مالكا لمئونة سنته.

و إن شئت قلت: إن المراد بالملك هنا هو الواجدية و لو بالقوة، و هي تصدق في المقام نحو صدقها على المحترف يوما فيوما، و لا يراد به الملكية الاعتبارية المحضة كما

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 291

..........

______________________________

في الزوجة إذا كان زوجها مماطلا لا يمكن إجباره، فالملاك الإيسار و البذل خارجا.

و ببيان آخر: الملكية لا موضوعية لها، و إنما الملاك الاستفادة من المال و التنعم به، فالنظر إلى المالكية نظر طريقي، و المال وسيلة لا هدف، و الهدف التنعم و التعيش.

ثم إن نفقة القريب و إن لم تكن كنفقة الزوجة مملوكة مضمونة على المنفق و لكن يمكن أن يقال: إنها ليست تكليفا محضا بل يوجد فيها نحو حقّ لهم- و الحقّ مرتبة ضعيفة من مراتب الملك- و لذا يطالب بها و يجبر عليها عند الامتناع

كما هو المصرّح به في أخبار الباب. «1»

و تؤخذ من ماله مع امتناعه أو غيبته بإذن الحاكم، و مع تعذره بإذن عدول المؤمنين و يستدان عليه أيضا بإذنهم و يكون عليه قضاؤه، فراجع الجواهر. «2»

نعم يقع الإشكال فيما إذا أمكن التعيش بالزكاة و نحوها بلا حرج و لا منّة كما مرّ و لكن هذا إشكال آخر. و هذا هو الفارق المهم بين الزوجة و بين الأقارب، إذ الزوج مديون لها مطلقا.

و يمكن أن يقال بدلالة صحيحة زرارة على عدم جواز الأخذ من الزكاة إذا فرض الإنفاق عليه خارجا بلا حرج و منّة و إن لم يكن ممن تجب نفقته عليه شرعا فضلا عما إذا وجبت، و ذلك كأمّ الزوجة و الإخوة و الأخوات الصغار اليتامى إذا كانوا تحت عيلولته و كان موسرا باذلا لهم، حيث لا يصدق في أمثالهم وجود الخلّة و الحاجة، و يصدق أنهم يقدرون على أن يكفّوا أنفسهم عن الزكاة، فنفس الوجوب لا أثر له و إنما الملاك الإنفاق خارجا، وجب أو لم يجب.

و لو التزمنا بذلك لزم منه عدم جواز إعطاء الزكوات و الكفارات لعيال الفقير أيضا إذا فرض إنفاقه عليهم خارجا بقدر الحاجة، نعم يجوز الإعطاء لنفس المنفق إذا

______________________________

(1)- راجع الوسائل 15/ 237، الباب 11 من أبواب النفقات.

(2)- راجع الجواهر 31/ 379.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 292

[عدم جواز الأخذ مع إمكان إجبار الزوج على البذل]

بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعا منه (1).

[عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة]

بل الأحوط عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضا (2).

______________________________

كان فقيرا، فتدبّر. و لكن الظاهر عدم التزام أصحابنا بذلك و إن التزم به بعض فقهاء السنة، و سيأتي البحث فيه في المسألة الخامسة عشرة.

(1) إذ الامتناع مع إمكان الإجبار لا يوجب انتفاء الغنى بالقوة، فوزانها وزان سائر الأغنياء إذا غصبت أموالهم و أمكن لهم استنقاذها بلا حرج، بل الظاهر جريان ذلك في الأقارب أيضا إذا أمكن لهم إجبار المنفق و لو بالرجوع إلى الحاكم.

نعم مع صعوبة الإجبار بحيث لا يقدم الناس على مثله يجوز دفع الزكاة و لو إلى الزوجة.

و نظير الإجبار الأخذ سرّا بإذن الحاكم، كما مرّ في قصة هند زوجة أبي سفيان، حيث أذن لها النبي «ص» في الأخذ لنفسها و ولدها. «1»

(2) أقول: قد دلّت صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع» على جواز الأخذ من الزكاة للتوسعة إن كان المنفق لا يوسّع، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ قال: «لا بأس.» «2» و المتيقن منها زكاة غير المنفق، و هي ساكتة عن صورة كون المنفق باذلا للتوسعة أيضا فيجب إتمامها بالعمومات و القواعد.

و التوسعة تارة يراد بها تتميم النفقة الواجبة المتعارفة في قبال التضييق و

______________________________

(1)- راجع سنن البيهقي 7/ 466، كتاب النفقات، باب وجوب النفقة للزوجة.

(2)- الوسائل 6/ 163، الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص:

293

..........

______________________________

التقتير، و قد يراد بها الأمور الزائدة على ما يجب على الزوج و القريب كثمن الكتب و الفواكه الفصلية و مصارف السفر و الضيوف مثلا.

و الفرق بينهما وجوب الأولى على الزوج و القريب دون الثانية، و الصحيحة محتملة لكلتيهما، و إن كان الظاهر بقرينة قوله: «يكفيه مئونتة» هو الثانية منهما.

و يظهر من الشيخ في زكاته «1» حملها على خصوص الأولى، و من المستمسك «2» حملها على الثانية. و الإشكال في الأولى أظهر، إذ حيث تجب على الزوج و القريب و يكون المنفق عليه مالكا أو ذا حقّ بالنسبة إليها أمكن القول بعدم جواز أخذ الزكاة لها من غير المنفق أيضا بخلاف الثانية، إذ إنفاق المنفق بالنسبة إليها يقع تبرّعا نظير التبرع بنفقة الأخ و العمّ و نحوهما ممن لا تجب نفقتهم.

و بناء الأصحاب في مثلها على جواز الأخذ من الزكاة و إن وقع الإنفاق خارجا، و إن ناقشنا نحن في ذلك، و أولى بذلك ما إذا لم يقع الإنفاق خارجا و قد دلّت صحيحة ابن الحجاج على الجواز حينئذ كما مرّ.

و بما ذكرنا يظهر أن ما في المستمسك في المقام لا يخلو من مناقشة، قال:

«الإشكال فيه يبتني على الإشكال في جواز الدفع للنفقة، فإنه إن جاز جاز، و إن لم يجز- لعدم صدق الفقير- لم يجز، إذ الغني لا يجوز الدفع إليه و لو للتوسعة. و التفكيك بين النفقة و التوسعة في صدق الفقر و الغنى غير ظاهر ... و مما ذكرنا يظهر أنه لا فرق في المنع و الجواز بين بذل المنفق مقدار التوسعة و عدمه لأن المعيار في الفقر و الغنى خصوص النفقة اللازمة دون التوسعة كما لعله ظاهر.» «3»

أقول: يمكن أن

يقال بالتفكيك و صدق الغنى بالنسبة إلى النفقة الواجبة

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 448).

(2)- المستمسك 9/ 294.

(3)- المستمسك 9/ 294 و 295.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 294

[يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها إذا لم يشترط النفقة على الزوج]

[المسألة 12]: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها (1)، سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره، و سواء كان للإنفاق أو للتوسعة، و كذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه.

______________________________

بلحاظ وجوبها على المنفق، و صدق الفقر بالنسبة إلى التوسعة بلحاظ عدم وجوبها عليه و وقوعها تبرّعا، اللّهم إلا أن يجعل المعيار في صدق الغنى وقوع الإنفاق خارجا لا وجوبه شرعا و لكنه خلاف بناء الأصحاب.

و أوضح مما ذكر صورة عدم بذل المنفق للتوسعة، حيث إنه مع عدم وجوبها على المنفق و عدم بذله لها و تحقق الاحتياج إليها عرفا يصدق الفقر بالنسبة إليها بلا إشكال كما يظهر من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، و دائرة الفقر في باب الزكاة أوسع منها في باب الإنفاق الواجب كما يظهر من الصحيحة و كذا من قوله «ع» في صحيحة أبي بصير: «بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوج و يتصدق و يحج.» «1» إذ الإعطاء للتصدق و الحج ليس بواجب في الإنفاق الواجب قطعا، فتدبّر.

(1) و ذلك لعدم وجوب نفقتها فتكون كمرأة أجنبية. و احتمال المنع لإطلاق بعض النصوص مدفوع بأن التعليل بلزوم النفقة حاكم على ذلك الإطلاق.

و منه يظهر الحال في الدائمة المشروط سقوط نفقتها.

و في المقام كلام غريب حكاه في الجواهر عن الأستاذ الأكبر، قال فيه: «و من الغريب ما وقع هنا للأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح، فإنه بعد أن حكى عن الذخيرة الجواز

في المتعة لعدم وجوب الإنفاق عليها قال: «هذا أيضا فيه ما فيه، لأن الدائمة ربما لا تتمكن من أخذ النفقة، و ربما وقع اشتراط عدم النفقة. و في المتعة ربما

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 295

..........

______________________________

يقع الاشتراط، و مع عدمه ربما تكفي مئونتها كما هو المتعارف الغالب الآن، فعدم الوجوب لا يصير علّة، بل العلّة عدم كفاية المؤونة، مع أنه لا تفاوت بين بضعها و بين بضع الدائمة في القابلية للعوض. فعندها العوض قبل إيقاع العقد و متمكنة منه و بعد إيقاع العقد، و إعطاء البضع من دون عوض يكون حالها حال الدائمة التي يشترط عليها عدم النفقة، أو تهب النفقة لزوجها و تأخذ الزكاة بإدخال نفسها في الفقراء الغير المتمكنين من العوض شرعا مع تمكنها من العوض و تحصيل المؤونة به، فلا بدّ لها من عذر شرعي في ذلك، إذ هي كمن عنده مئونة السنة و يهبها للرحم أو بعوض قليل غاية القلّة أو يتلفها و يجعل الزكاة عليه حلالا بعد أن كانت حراما، فمع العذر الشرعي يكون الأمر كما ذكره بلا شبهة، و أما مع عدمه يكون حراما، فعلى اعتبار عدم المعصية في الآخذ لا يجوز الدفع و لا الأخذ.»

إذ هو كما ترى من غرائب الكلام، ضرورة معلومية كون المدار في الفرق بين الدائمة و غيرها وجوب الإنفاق و عدمه بناء على غالب الحال فيهما، لا ما إذا فرض انعكاس الأمر بشرط أو نحوه، فإن الحكم حينئذ ينعكس. و قوله: إن المدار على كفاية المؤونة لا الوجوب واضح الفساد إذا كانت الكفاية بطريق التبرع و نحوه مما هو غير لازم،

و لذلك جاز دفع المالك زكاته إلى بعض من يعول به ممن لا يلزمه عيلولته بلا خلاف نصّا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه.» «1» انتهى كلام الجواهر في نقل كلام الأستاذ و نقده.

أقول: فيما حكاه عن الأستاذ الأكبر كما في مصباح الهدى «2» موارد النظر:

منها عدّه بضع المرأة من قبيل الأموال بحيث تعدّ به المرأة غنية، و هو كما ترى.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 402.

(2)- مصباح الهدى 10/ 278.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 296

نعم لو وجبت نفقة المتمتّع بها على الزوج- من جهة الشرط أو نحوه- لا يجوز الدفع إليها (1)

______________________________

و منها جعله النفقة في الدائمة عوضا عن البضع، مع أن عوضه المهر في الدائمة و المنقطعة كلتيهما.

و منها أن في جواز اشتراط عدم النفقة في الدائمة أو هبتها لزوجها و إدخال نفسها في الفقراء لا بد من عذر شرعي و أنها نظير من عنده مئونة السنة الذي لا بد في جواز هبتها للرحم مجانا أو بعوض قليل من عذر شرعي، و مع عدمه يكون حراما، مع فساد ما ذكر في المقيس و المقيس عليه.

و منها قوله: فعلى اعتبار عدم المعصية في الآخذ لا يجوز الدفع و لا الأخذ، مع أنه على فرض كون الخروج من المال معصية فلا دليل على عدم جواز الدفع إليه من الزكاة إلّا على القول باعتبار العدالة في المستحق مع أنه يمكن الإعطاء إليه بعد التوبة.

أقول: و أفظع من ذلك كله أن فيما ذكره خفضا لكرامة إنسانية المرأة المسلمة و حطّا لها إلى حدّ سلعة تباع و ترتزق بأنوثتها، و أنها ممنوعة عن الشرط و الإيثار و الهبة، و أنها لو كانت فقيرة وجب عليها الزواج لنفقتها و إلّا كانت

عاصية محرومة عن الزكاة و الحقوق الشرعية على فرض اشتراط العدالة في مصرفها.

و أما كون المدار على كفاية المؤونة لا الوجوب فهو عين ما لوّحنا إليه سابقا و لا نستبعده، و لكنك ترى أن صاحب الجواهر حكم بكونه واضح الفساد و مخالفا للإجماع بقسميه، و يأتى البحث فيه في المسألة الخامسة عشرة.

(1) للزوم نفقتها حينئذ فتدخل في عموم التعليل. نعم لو كان الشرط هو الإنفاق عليها و لو بالزكاة و الحقوق الشرعية جاز الدفع.

و في الجواهر: «نعم لو وجبت نفقتها بالنذر أو الشرط أو غيرهما أمكن القول

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 297

مع يسار الزوج (1).

[حكم دفع الزكاة إلى الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز]

[المسألة 13]: يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز لتمكّنها من تحصيلها بتركه (2).

______________________________

بعدم الجواز حينئذ للتعليل المزبور.» «1»

و الظاهر من عبارته الترديد في الحكم، و لعله لاحتمال انصراف اللزوم إلى اللزوم الأصلي. و فيه منع الانصراف بعد كونه عارضيا غالبا معلولا لعروض الفقر كما في الأقارب.

(1) مجرد يسار الزوج كاف في منع نفسه بل حكم المصنف في المسألة التاسعة عشرة بالمنع و لو مع إعساره.

و أمّا في منع الغير فيعتبر يسار الزوج و بذله معا، فلو كان موسرا غير باذل و لم يمكن إجباره و لا السرقة منه جاز للغير إعطاء الزكاة لها كما مرّ.

(2) في المعتبر: «لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء و المسكنة، مطيعة كانت أم عاصية، إجماعا لتمكنها من النفقة.» «2»

أقول: ظاهره كظاهر المصنف أن سبب المنع صدق الغنى و أن مجرّد تمكنها من الإطاعة و الاستحقاق كاف في صدق الغنى، نظير القادر على التكسب فيعم المنع زكاة الزوج و غيره. و لو كان سبب المنع وجوب النفقة

لزم منه الجواز في الناشزة من الزوج و غيره بناء على عدم اشتراط العدالة.

و يدلّ على المنع مضافا إلى كفاية القوة و القدرة في صدق الغنى قوله «ع» في صحيحة زرارة السابقة: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «3»

و لكن في الجواهر بعد ما حكى عن كاشف الغطاء الجزم بالمنع قال: «لكن

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 402.

(2)- المعتبر/ 282.

(3)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 298

[يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج]

[المسألة 14]: يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج (1) و إن أنفقها عليها.

______________________________

لا يخلو من إشكال، ضرورة اندراجها في إطلاق الأدلة و عمومها السالمين عن معارضة ما هنا بعد عدم وجوب الإنفاق عليها. و قدرتها على الطاعة لا تدرجها تحت الموضوع المزبور الذي قد عرفت كونه المدار لا غيره مع إمكان منع صدق الغنى عليها بالقدرة المزبورة.» «1»

(1) لإطلاق الأدلة بعد عدم وجوب نفقته على الزوجة.

قال الشيخ في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 25): «يجوز للزوجة أن تعطي زكاتها لزوجها إذا كان فقيرا من سهم الفقراء، و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: لا يجوز. دليلنا قوله- تعالى-: إنما الصدقات للفقراء، و هذا فقير، و تخصيصه يحتاج إلى دليل.» «2»

و قال العلامة في المنتهى: «قد بينا أنه لا يجوز للرجل أن يعطي زوجته شيئا من زكاته. أما الزوجة فإنه يجوز لها أن تعطي زوجها من زكاتها، و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمد. و قال أبو حنيفة: لا يجوز، و عن أحمد روايتان. لنا ما رواه الجمهور عن زينب امرأة عبد اللّه بن مسعود، قالت: يا نبي اللّه، إنك أمرت

القوم بالصدقة و كان عندي حليّ لي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه هو و ولده أحقّ من تصدقت عليهم، فقال النبي «ص»: صدق ابن مسعود، زوجك و ولدك أحق من تصدقت به عليهم. و عن عطاء قال: أتت النبي «ص» امرأة فقالت: يا رسول اللّه، إن عليّ نذرا أن أتصدق بعشرين درهما و إن لي زوجا فقيرا أ فيجزي أن أعطيه؟ قال: «نعم لك كفلان من الأجر.» «3»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 403.

(2)- الخلاف 2/ 353.

(3)- المنتهى 1/ 523.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 299

..........

______________________________

أقول: قوله: «كفلان من الأجر» لعله يراد به أجر الصدقة و أجر الصلة كما في خبر آخر. «1»

و الرواية الأولى رواها البخاري في الزكاة «2» و الرواية الثانية رواها ابن قدامة في المغني «3» عن الجوزجاني بإسناده عن عطاء. و دلالتهما على المقام غير واضحة، إذ مورد الثانية نذر الصدقة المطلقة، و الأولى يحتمل قريبا كون موردها الصدقة المندوبة، إذ الحليّ لا زكاة فيه، و الزكاة الواجبة لا تعطى للولد إجماعا من الفريقين، فعمدة الدليل للجواز إطلاق الأدلة و عمومها.

و استدل لأبي حنيفة كما في المغني و المنتهى بأنه أحد الزوجين، و بأنه يوجب عود نفعها إلى نفسها إذ بها يصير الزوج موسرا فينفقها عليها.

و أجيب عن الأول بالفرق بينهما بأن الزوجة تجب نفقتها و الزوج لا تجب نفقته.

و عن الثاني بالمنع عن كون ذلك مانعا عن الإعطاء، و لذا جاز لصاحب الدين دفع زكاته إلى مدينه المعسر ليؤدّي بها دينه. و راجع في تفصيل المسألة المغني. «4» هذا.

و قد مرّ عن الصدوق في الفقيه قوله: «و لا تعط من أهل الولاية الأبوين و الولد و لا الزوج و لا

الزوجة و لا المملوك ...» «5» و نحو ذلك في المقنع «6» و الهداية «7» و الأمالي «8»

______________________________

(1)- راجع البيهقي 7/ 29، كتاب قسم الصدقات، باب المرأة تصرف من زكاتها في زوجها ...

(2)- صحيح البخاري 2/ 127 (- طبعة أخرى 1/ 255)، باب الزكاة على الأقارب.

(3)- المغني 2/ 514.

(4)- المغني 2/ 513.

(5)- الفقيه 2/ 11 (- طبعة أخرى 2/ 22)، أبواب الزكاة، باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة، ذيل الحديث 6.

(6)- الجوامع الفقهية/ 16.

(7)- الجوامع الفقهية/ 54.

(8)- الأمالي/ 385 (- طبعة أخرى/ 516)، المجلس 93.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 300

و كذا غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب الخارجية (1).

[إذا عال بأحد تبرّعا]

[إذا عال بأحد تبرّعا جاز له دفع زكاته له]

[المسألة 15]: إذا عال بأحد تبرّعا جاز له دفع زكاته له- فضلا عن غيره- للإنفاق أو التوسعة (2)، من غير فرق بين القريب الذي

______________________________

ناسبا له إلى دين الإمامية. و حكى نحو ذلك في المختلف «1» عن رسالة ابن بابويه أيضا، فالصدوق في كتبه الأربعة و كذا أبوه أفتيا بالمنع إما بناء على ما مرّ من الإشكال بعود نفعها إلى نفسها، أو لأن الزوجة إذا كانت غنيّة و الزوج فقيرا فبالطبع تنفق الزوجة عليه خارجا، و قد مرّ منا احتمال كون الإنفاق خارجا كافيا في المنع عن إعطاء الزكاة.

و لكن هذا خلاف بناء الأصحاب و إجماعهم كما يأتي و نحن أيضا لا نستشكل في إعطاء زكاة المنفق له.

قال في الجواهر: «فما عن ابني بابويه من المنع مطلقا حتى إنه جعله أحدهما من معقد ما حكاه عن دين الإمامية في أماليه على ما قيل، واضح الضعف، و كذا ما عن ابن الجنيد من الجواز لكن لا ينفق عليها منها، بل هو أوضح فسادا من الأوّل

كما لا يخفى.» «2»

أقول: وجه الضعف في الأخير أن الزكاة تصير ملكا للفقير، و بعد ما صارت ملكا له فله أن يصرفها في جميع حاجاته اليومية، و من أهمّها نفقة زوجته.

(1) كالشرط و النذر و نحوهما، فيجوز لهم إعطاء زكاتهم للمنفق عليهم و إن صرفها فيهم، و يظهر وجهه مما مرّ في الزوجة من إطلاق الأدلّة و عدم المانع.

(2) أقول: هنا مسألتان تعرض لهما أولا فقهاء السنة:

______________________________

(1)- المختلف/ 190.

(2)- الجواهر 15/ 404.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 301

لا يجب نفقته عليه- كالأخ و أولاده و العم و الخال و أولادهم- و بين الأجنبي. و من غير فرق بين كونه وارثا له- لعدم الولد مثلا- و عدمه.

______________________________

الأولى أنه إذا عال أحدا تبرّعا فهل يجوز إعطاء زكاة المعيل للعيال للإنفاق أو للتوسعة أم لا؟

الثانية أنه إذا كان القريب- غير الوالدين و إن علوا و الأولاد و إن سفلوا- وارثا فهل يجوز له دفع زكاته إلى الموروث أم لا؟

و الأكثر منهم في المسألتين على الجواز، و أحمد في رواية على المنع فيهما.

و قد تعرض للمسألتين في التذكرة و المنتهى و المغني. و المصنف جمعهما هنا في مسألة واحدة:

1- قال في التذكرة: «العيلولة من دون القرابة غير مانعة من الإعطاء عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر العلماء. فلو كان في عائلته من لا يجب الإنفاق عليه كيتيم أجنبي جاز أن يدفع زكاته إليه، لأنه داخل في أصناف المستحقين للزكاة، و لم يرد في منعه نصّ و لا إجماع و لا قياس، فلا يجوز تخصيصه من العمومات بغير دليل. و عن أحمد رواية بالمنع لأنه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مئونته.

و لو سلّم لم يضرّ فإنه نفع لا

يسقط واجبا عنه إذا العيلولة ليست واجبة.» «1»

2- و فيه أيضا: «لو كان القريب ممن لا تجب نفقته جاز الدفع إليه بأيّ سبب كان، سواء كان وارثا أو غير وارث، و هو قول أكثر العلماء و أحمد في رواية لقوله «ع»: «الصدقة على المسكين صدقة و هي لذي الرحم اثنتان: صدقة و صلة.»

فلم يشترط نافلة و لا فريضة و لم يفرّق بين الوارث و غيره ....

و عن أحمد رواية أخرى منع الموروث لأن على الوارث مئونة الموروث فيغنيه

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 235

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 302

..........

______________________________

بزكاته عن مئونته و يعود نفع زكاته إليه فلم يجز له دفعها إليه كدفعها إلى والده أو قضاء دينه، و نمنع وجوب المؤونة على ما يأتى.» «1»

3- و في المغني: «فإن كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه كيتيم أجنبي فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز له دفع زكاته إليه لأنه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مئونته. و الصحيح- إن شاء اللّه- جواز دفعها إليه لأنه داخل في أصناف المستحقين للزكاة و لم يرد في منعه نصّ و لا إجماع و لا قياس صحيح، فلا يجوز إخراجه من عموم النصّ بغير دليل ...» «2»

4- و فيه أيضا: «فأمّا سائر الأقارب فمن لا يورث منهم يجوز دفع الزكاة إليه ... و إن كان بينهما ميراث كالأخوين الذين يرث كل واحد منهما الآخر ففيه روايتان:

إحداهما يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته إلى الآخر، و هي الظاهرة عنه، رواها عنه الجماعة ... و هذا قول أكثر أهل العلم. قال أبو عبيد: هو القول عندي لقول النبي «ص»: «الصدقة على المسكين صدقة و هي لذي الرحم اثنتان: صدقة

و صلة.»

فلم يشترط نافلة و لا فريضة، و لم يفرّق بين الوارث و غيره. و لأنه ليس من عمودي نسبه فأشبه الأجنبي.

و الرواية الثانية: لا يجوز دفعها إلى الموروث و هو ظاهر قول الخرقي لقوله: «و لا لمن تلزمه مئونته» و على الوارث مئونة الموروث لأنه يلزمه مئونته فيغنيه بزكاته عن مئونته و يعود نفع زكاته إليه فلم يجز كدفعها إلى والده أو قضاء دينه بها.» «3»

و راجع للمقام الأموال لأبي عبيد أيضا. «4»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 234.

(2)- المغني 2/ 514.

(3)- المغني 2/ 512.

(4)- راجع الأموال/ 693، باب دفع الصدقة إلى الأقارب.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 303

..........

______________________________

و الحديث الذي رواه العلامة و ابن قدامة رواه أبو عبيد «1» و كذا البيهقي. «2»

إذا عرفت هذا فنقول: أما وجوب الإنفاق على الموروث غير العمودين و الزوجة فلا نقول به كما قال العلامة. نعم لو قيل به كان اللازم عدم جواز دفع زكاة المنفق إليه لعموم التعليل الذي مضى في أخبارنا، بل و زكاة غير المنفق أيضا مع الإيسار و البذل كما مرّ. و بالجملة يصير حكمه حكم سائر من وجبت نفقته.

و لا يخفى أن المذكور في كلماتهم كما مرّ و كذا في الجواهر «3» كون نفقة الموروث على الوارث.

و في المستمسك «4» عكس ذلك و هو وهم، و الظاهر أن عمدة الدليل للقائل بالوجوب قوله- تعالى-: «وَ عَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ.» «5» و البحث فيه موكول إلى محلّه.

و أما من وقع في عيلولة الإنسان خارجا ممن لا تجب نفقته عليه فقد مرّ عن الجواهر في ردّ الأستاذ الأكبر قوله: «و لذلك جاز دفع المالك زكاته إلى بعض من يعول به ممن لا يلزمه عيلولته بلا خلاف

نصّا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه.» «6»

و يدل على ذلك مضافا إلى الإجماع و الإطلاقات خصوص خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى «ع»، قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضّل بعضهم على بعض فيأتيني إبّان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال:

مستحقون لها؟ قلت: نعم. قال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم.» قال: قلت: فمن ذا

______________________________

(1)- الأموال/ 696، باب دفع الصدقة إلى الأقارب، الحديث 1874.

(2)- سنن البيهقي 4/ 174، كتاب الزكاة، باب الاختيار في أن يؤثر بزكاة ... ماله ذوي رحمة ...؛ و 7/ 27.

(3)- الجواهر 15/ 403.

(4)- المستمسك 9/ 297.

(5)- سورة البقرة (2)، الآية 233.

(6)- الجواهر 15/ 403.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 304

..........

______________________________

الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ فقال: «أبوك و أمك.»

قلت: أبي و أمّي؟ قال: «الوالدان و الولد.» «1»

و يؤيد ذلك بل يدل عليه أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟

فقال: «لا بأس.» «2»

بناء على أن يراد من التوسعة التتميم لما يجب.

اللّهم إلّا أن يقال: إن البحث في إعطاء الزكاة لما يبذل و مورد الرواية الأخذ لما لا يبذل المنفق فيأخذ الزكاة من غيره للتتميم أو للتوسعة. هذا.

و يمكن أن يستدل للمنع بوجوه:

الأول: عموم قوله «ع» في خبر أبي خديجة: «لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول.» «3»

لشموله لواجب النفقة و غيره، و عموم الخاص مقدّم على عموم العام.

الثاني: ما في فقه الرضا: «و لا تعطي من أهل الولاية الأبوين و الولد و الزوجة (و

الصبيّ خ. ل) و المملوك، و كل من هو في نفقتك فلا تعطه.» «4»

و الظاهر من عطف الذيل على الصدر كون المراد به غير المذكورات في الصدر.

الثالث: أنه بإنفاق الموسر الباذل يحصل الغنى و يرفع الخلّة و الحاجة عرفا،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 166، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2؛ و 6/ 169، الباب 15 منها، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 163، الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(4)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 199).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 305

..........

______________________________

و لا دخل لوجوب الإنفاق في ذلك، فلو كان وجوب بلا إنفاق فلا غناء، و لو حصل الإنفاق المستمرّ خارجا حصل الغنى عرفا و إن لم يجب، فالملاك وجود الإنفاق خارجا لا وجوبه شرعا.

و يؤيد ذلك كله ما مرّ في صحيحة زرارة السابقة من قوله «ع»: لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «1»

و هذا البيان يجري بالنسبة إلى زكاة الغير أيضا بل جريانه فيه أقوى كما لا يخفى، إذا الخلّة قد سدّت بإنفاق المنفق فلا يصدق على زكاة الغير سدّ الخلّة، و أما المنفق فحيث لا يجب عليه الإنفاق يمكن له منع الإنفاق و إيتاء الزكاة، فتدبّر. هذا.

و يجاب عن خبر أبي خديجة بحمله على من وجب نفقته بالغلبة و بقرينة ما مرّ من الإجماع و خبر إسحاق بن عمار.

و يجاب عن فقه الرضا مضافا إلى عدم حجيته أن المراد بالذيل فيه من وجب نفقته و قد ذكر ضابطا للمذكورات في الصدر للدلالة على الملاك الجامع و تعميم الوالد و الولد للأجداد و الأحفاد أيضا، فتأمّل.

و

يجاب عن الثالث بمنع صدق الغنى مع عدم الإلزام و جواز القطع كل آن، و بالجملة فالوجوب و الإلزام أقوى ضمان لصدق الغنى و سدّ الخلّة، و بعد القطع يصدق أنه لا يقدر على أن يكف نفسه عنها.

و لكن جريان هذا البيان في زكاة الغير محل إشكال إلا بعد وقوع القطع للإنفاق من ناحية المنفق خارجا.

و كيف كان فالظاهر صحة ما في المتن بالنسبة إلى زكاة المنفق، و أمّا زكاة الغير مع فرض إيسار المنفق و بذله بلا حرج و منة فلا يخلو من إشكال.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 306

[يستحبّ إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم]

[المسألة 16]: يستحبّ إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم و فقرهم و عدم كونهم ممّن تجب نفقتهم عليه (1). ففي الخبر أيّ.

الصدقة أفضل؟ قال- عليه السلام-: «على ذي الرحم الكاشح.»

و في آخر: «لا صدقة و ذو رحم محتاج.»

______________________________

(1) قال الشيخ في النهاية: «و لا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل و القرابات من الأخ و الأخت و أولادهما، و العم و الخال و العمة و الخالة و أولادهم. و الأفضل أن لا يعدل بالزكاة عن القريب مع حاجتهم إلى ذلك، إلى البعيد، فإن جعل للقريب قسط و للبعيد قسط كان أفضل.» «1»

أقول: و يدل على الحكم أخبار مستفيضة:

1- خبر إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى «ع»، قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضّل بعضهم على بعض فيأتينى إبان الزكاة أ فأعطيهم منها؟

قال: مستحقون لها؟ قلت: نعم. قال: «هم أفضل من غيرهم أعطهم. الحديث.» «2»

2- و عن المفيد في المقنعة قال: و قال رسول اللّه «ص»: «الصدقة بعشرة، و

القرض بثمانية عشرة، و صلة الإخوان بعشرين، و صلة الرحم بأربع و عشرين.» «3» اللهم إلا أن يقال: إن اطلاق الصلة ينصرف إلى الإعطاء مجّانا لا من الزكاة.

3- ما مرّ من قول النبي «ص»: «الصدقة على المسكين صدقة و هي لذي الرحم اثنتان: صدقة و صلة.» «4»

______________________________

(1)- النهاية/ 186.

(2)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 70، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(4)- الأموال/ 696؛ و سنن البيهقي 4/ 174، كتاب الزكاة، باب الاختيار في أن يؤثر بزكاة ... ماله ذوى رحمة ...؛ و 7/ 27.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 307

..........

______________________________

4- ما رواه البيهقي بسنده عن زينب امرأة ابن مسعود أنها قالت: يا رسول اللّه، أ يجزي عنّا أن نجعل الصدقة في زوج فقير و بني أخ أيتام في حجورنا؟ فقال رسول اللّه «ص»: «لك أجر الصدقة و أجر الصلة.» «1» إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما الخبران المذكوران في المتن فالخبر الأول رواه في الوسائل بسنده عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سئل رسول اللّه «ص»: أيّ الصدقة أفضل؟ الحديث.» «2»

و رواه البيهقي أيضا في السنن «3» بسنده عنه «ص».

و إطلاق الصدقة يشمل الزكاة أيضا.

و قال ابن الأثير في النهاية: «فيه: أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح.»

الكاشح: العدوّ الذي يضمر عداوته و يطوي عليها كشحه؛ أي باطنه. و الكشح:

الخصر، أو الذي يطوي عنك كشحه و لا يألفك.» «4»

و نحو ذلك في مجمع البحرين في لغة كشح. «5»

قال في المستمسك: «لكن دلالتها على ما نحن فيه غير ظاهرة لأنها أخصّ.» «6»

أقول: بعد تسليم عموم الصدقة للزكاة فهل يحتمل أن تكون صلة الرحم المعادي

لها فضل و لا يكون لصلة الرحم الموالي فضل؟! فتأمّل.

و امّا الخبر الثاني فرواه في الوسائل عن الصدوق، قال: قال «ع»: «لا صدقة و

______________________________

(1)- سنن البيهقي 7/ 29، كتاب قسم الصدقات، باب المرأة تصرف من زكاتها في زوجها ...

(2)- الوسائل 6/ 286، الباب 20 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(3)- سنن البيهقي 7/ 27، كتاب قسم الصدقات، باب الرجل يقسم صدقته على قرابته ...

(4)- النهاية لابن الأثير 4/ 175.

(5)- مجمع البحرين/ 179.

(6)- المستمسك 9/ 297.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 308

..........

______________________________

ذو رحم محتاج.» «1»

فالرواية مرسلة، و في دلالتها على المقام نظر، لمنع الظهور في كون الإنفاق على ذي الرحم المحتاج بعنوان الصدقة، بل لعلّ المراد المنع عن التصدّق مع وجود ذي الرحم المحتاج فيصرف فيه مجّانا كالصرف على عائلة نفسه.

ثم لا يخفى أن الظاهر من المتن و من بعض الأخبار استحباب إعطاء الزكاة بأجمعها للأقارب.

و لكن الظاهر من بعضها أفضلية التقسيط كما في عبارة النهاية، و هو الأقرب إلى العدل و الإنصاف.

ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إن الزكاة و الصدقة لا يحابى بها قريب و لا يمنعها بعيد.» «2»

و في خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع»: «لا تعطين قرابتك الزكاة كلها، و لكن أعطهم بعضها و اقسم بعضها في سائر المسلمين.» «3»

و يشهد لذلك أيضا موثقتا اسحاق بن عمار و سماعة الواردتان في التوسعة على العيال. «4»

و النهي في خبر أبي خديجة و أمثاله يحمل على الكراهة أو الإرشاد الى اختيار الأفضل أعني التقسيط لا الحرمة و عدم الجواز، لصراحة بعض الأخبار في جواز إعطاء الجميع للقرابة كصحيحة أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن

«ع»:

رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك و له زكاة أ يجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 286، الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 150، الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6؛ و 6/ 170، الباب 15 منها، الحديث 4.

(4)- الوسائل 6/ 166 و 167، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 309

[يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج]

[المسألة 17]: يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج و كذا العكس (1).

______________________________

قال: «نعم». و نحوه خبر علي بن مهزيار عن أبي الحسن «ع» «1»

و بالجملة فالظاهر حمل اختلاف الأخبار على مراتب الفضل فيكون التقسيط أفضل من الحصر فيهم.

و يمكن أيضا حمله على اختلاف الموارد من كثرة عدد القرابة و قلتهم و شدّة الحاجة و ضعفها و كثرة المال و قلّته و نحو ذلك، و لعلّ هذا أقرب إلى الاعتبار.

و بعبارة أخرى كما تكون القرابة من المرجحات تكون شدّة الحاجة و الفقاهة و العفة و أمثال ذلك أيضا من المرجحات و عند تزاحم الملاكات يقدم الأهم فالأهم و إن لم يتعين ذلك في باب المندوبات.

و سنعود إلى هذا البحث في المسألة الثالثة من الفصل الآتي أيضا عند تعرض المصنف له.

(1) هذا و ما في المسألة التالية مبنيان على عدم وجوب إعفاف واجب النفقة لدى احتياجه إليه و أنه لا يعدّ عرفا من شعب النفقة الواجبة. و لكن قد مرّ منّا في ذيل المسألة التاسعة الإشكال في ذلك، فراجع.

نعم لو لم يتمكن المزكّي منه بحيث سقط وجوبه عنه أو كان الإعطاء للتوسعة الزائدة

على مقدار الواجب كالزوجة الثانية مثلا فالظاهر الجواز ما لم يصل إلى حدّ الإسراف و الخروج عن المتعارف.

و الملاك في الإنفاق الواجب و إن كان هو الحدّ المتعارف، و لكن للمتعارف مراتب، و يجوز للمنفق في أداء الواجب منه الاقتصار على المرتبة النازلة منه. و المستفاد من أخبار باب الزكاة و لا سيما ما ورد في التوسعة عدم وجوب الاقتصار

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 310

[يجوز للمالك دفع زكاته إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه]

[المسألة 18]: يجوز للمالك دفع زكاته إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء (1)، كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلميّة من سهم سبيل اللّه (2).

[لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادرا على إنفاقه أو لا]

[المسألة 19]: لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب

______________________________

في صرفها على المرتبة النازلة:

فقد مرّ في ذيل خبر أبي بصير قوله «ع»: «و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتى يلحقهم بالناس.» «1»

و في ذيل صحيحة أبي بصير: «بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوج و يتصدق و يحج.» «2»

و بالجملة لا منع من صرف الزكاة في التوسعة ما لم يصل إلى حدّ الإسراف.

و قوله «ع» في صحيحة زرارة: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها» «3» لا يراد به المنع عن التوسعة في مقام الصرف. بل يراد به ظاهرا عدم صرف الزكاة مع وجود منابع مالية له كالملك أو رأس المال أو الحرفة أو الإنفاق من الموسر الباذل أو نحو ذلك، فتدبّر.

(1) لصدق الفقر بعد احتياجه في الإنفاق على زوجته أو خادمه و وجوبه عليه.

(2) بل من سهم الفقراء بناء على جواز الإعطاء للتوسعة الزائدة، و منها شراء الكتب بالمقدار المتعارف. و أما من سهم سبيل اللّه فلا يخلو من إشكال إلّا أن يكون من المصالح العامة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 159، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 311

نفقته عليه بين أن يكون قادرا على إنفاقه أو عاجزا (1).

______________________________

(1) يمكن أن يستدل لما ذكره المصنف

من المنع مطلقا بوجوه:

الأول: أصالة الاشتغال عند الشك و أن الاشتغال اليقيني بالتكليف يقتضي البراءة اليقينية.

الثاني: إطلاق معقد الإجماعات المحكية على المنع.

الثالث: إطلاق الأخبار المانعة.

و يرد على الأول أن عموم الآية و ما حذا حذوها من الروايات وارد على الأصل بعد كون المتيقن من الأخبار المانعة صورة القدرة على النفقة و وجوبها بالفعل، إذ لا إجبار في غير هذه الصورة.

و يرد على الثاني مضافا إلى احتمال كون الإجماع في المقام مدركيّا ناشئا من الأخبار الواردة في المسألة فلا حجية فيه، منع الإطلاق في معقده بعد انصرافه إلى صورة وجوب الإنفاق بالفعل.

و يرد على الثالث أن المنع في الأخبار محفوف بالتعليل بأنهم عياله لازمون له و أنه يجبر على النفقة عليهم. و انتفاء القدرة على الإنفاق رافع لوجوبه أو تنجزه فعلا، و الحكم يدور مدار العلة وجودا و عدما. و حملها على الحكمة لا العلّة خلاف الظاهر.

و مع الشك أيضا يسقط الإطلاق عن الحجية لاحتفافه بما يصلح للقرينية، فيكون المرجع عموم الآية.

اللّهم إلّا أن يقال: إن العلة لا توجد في بعض الأخبار المانعة، فالواجب حينئذ هو الرجوع إليه لأن إطلاق الخاص مقدم على إطلاق العام. هذا.

و قد مرّ أن كثيرا من الأصحاب استدلّوا للمنع بتحقق الغنى لواجب النفقة،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 312

..........

______________________________

و الغنى إنما يحصل مع إيسار المنفق و بذله. و استظهرنا نحن من التعليلين أنهما ناظران إلى بيان ما يساعده العرف من المنع عن تداخل التكليفين، و مع عدم القدرة على الإنفاق لا تكليف به فلا تداخل.

و على هذا فالأظهر هو الجواز مع العجز المسقط للتكليف و إن كان ما في المتن أحوط.

و في المستمسك: «بل لو قيل بأن القدرة شرط شرعي لوجوب

نفقة الأقارب- كما يقتضيه ظاهر الكلمات- فالجواز أوضح، لانتفاء الملاك بانتفائها، و كأنه لذلك احتمل غير واحد في روايتي عمران القمي و محمد بن جزّك المتقدمتين حملهما على صورة عجز المنفق، فإذا القول بجواز أخذ الزكاة من المنفق- كغيره- للنفقة أوفق بالعمومات.» «1»

أقول: ما ذكره أخيرا بعنوان النتيجة هو الأظهر كما مرّ. و لكن القدر المتيقن هو الاشتراط عقلا، و أما اشتراطه بالقدرة شرعا نظير الاستطاعة في باب الحج فمحل تأمّل، إذ مضافا إلى كونه خلاف إطلاق أدلة الوجوب يستلزم عدم وجوب التكسب لتحصيلها مع القدرة عليه، و الالتزام بذلك مشكل.

و لو سلّم فالتعبير بانتفاء الملاك بانتفائها لا يخلو من إشكال لمنع استلزام الاشتراط شرعا عدم وجود الملاك بدونه، بل في باب الحج لعلّنا نقطع بوجود الملاك في حج المتسكع أيضا، غاية الأمر أن البعث الإيجابي بنحو الإطلاق لعله كان مستلزما للحرج و المشقة، فلذلك صار الوجوب مشروطا بالاستطاعة، كما أن في المقام أيضا الملاك في الإنفاق موجود قطعا و لو مع عدم قدرة المنفق، اللّهم إلا أن يريد بالملاك ملاك الإيجاب لا ملاك نفس الفعل.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 299.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 313

كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام (1)، فلا يجوز الإنفاق عليهم من سهم سبيل اللّه أيضا، و إن كان يجوز لغير الإنفاق. و كذا لا فرق على الظاهر الأحوط بين إتمام ما يجب عليه و بين إعطاء تمامه، و إن حكي عن جماعة أنّه لو عجز عن إنفاق تمام ما يجب عليه جاز له إعطاء البقية، كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم، لإطلاق بعض الأخبار الواردة في التوسعة (2) بدعوى شمولها

للتتمّة، لأنّها أيضا نوع من التوسعة، لكنه مشكل فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء.

______________________________

(1) مرّ بيان الجواز من سائر السهام مع انطباقها في المسألة العاشرة، فراجع.

(2) أقول: الظاهر بملاحظة أخبار المنع عدم الفرق بين التمام و الإتمام، إذ المفروض كون الشخص واجب النفقة للمزكّي، و الواجب تمام نفقته، فإن أخذنا بإطلاق الأخبار كان مقتضاه المنع مطلقا، و إن أخذنا بمفاد التعليل فيها كان مقتضاه الجواز مطلقا، إذ المفروض في المقام كون المزكّي عاجزا عن الإنفاق الواجب فسقط عنه وجوبه، من غير فرق بين التمام أو الإتمام.

و لكن قد يتوهم جواز الإتمام فقط بملاحظة ما مرّ من أخبار التوسعة بدعوى عمومها للزكاة الواجبة و شمولها للتتمة أيضا:

قال في المستند: «لو عجز أحد عن إنفاق تمام ما يجب عليه من النفقة لمن يجب عليه نفقته كما إذا عجز عن إدامه أو إكسائه يجوز له إتمامه من زكاته على ما صرّح به جماعة بل من غير خلاف يوجد كما قيل، لا للأصل و انتفاء المانع، لوجود المانع الدافع للأصل من بعض الروايات المتقدمة، بل لرواية أبي بصير ... و موثقتي إسحاق و سماعة ....

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 314

..........

______________________________

و الإيراد بأن الظاهر من هذه الأخبار أنها وردت في زكاة مال التجارة المستحبة دون الواجبة مردود بأنه لو كان فإنما هو في الأخيرة. و أما قوله: «في ماله» في الأولى، و «إذا حضرت الزكاة» في الثانية مطلقان غير مختصّين لا صريحا و لا ظاهرا في زكاة التجارة.

و بأن الأوليين واردة في التوسعة دون تتمة الواجب مردود بأن تتمة الواجب أيضا من التوسعة.» «1»

أقول: قد مرّ منا ذكر أخبار التوسعة و بيان مفادها في أواخر المسألة التاسعة، و بينا هناك

أن مورد الروايات الثلاث زكاة مال التجارة، و المذكور في موثقتي إسحاق و سماعة تتميم النفقة بها مع عجز المنفق عن التتميم. نعم رواية أبي بصير تشمل بمقتضى ترك الاستفصال فيها للتوسعة الزائدة أيضا إن لم نقل بظهورها في خصوصها.

و كيف كان فالاستدلال بالروايات لصرف الزكاة الواجبة في التتميم أو في التوسعة مشكل.

نعم لو عجز المزكّي عن الإنفاق الواجب تماما أو إتماما فالظاهر جواز صرف زكاته فيه لعموم الآية و ما حذا حذوها كما يجوز صرفها في التوسعة الزائدة. و لا نسلّم وجود المانع من ذلك بعد حمل الأخبار المانعة بمناسبة الحكم و الموضوع و لحاظ التعليل فيها على صورة وجوب الإنفاق فعلا.

و لو سلّم إطلاق الأخبار المانعة فلا فرق أيضا بين التمام و الإتمام و التوسعة الزائدة، فما يظهر من المصنف هنا من الإفتاء بالمنع في التمام و الاحتياط في الإتمام مما لا وجه له.

______________________________

(1)- المستند 2/ 51.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 315

[يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير]

[المسألة 20]: يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير (1) إذا لم يكن ذلك الغير باذلا لنفقته، إمّا لفقره أو لغيره سواء كان العبد آبقا أو مطيعا.

______________________________

فإن قلت: يمكن أن يستدل على الجواز مع العجز عن الإنفاق تماما أو إتماما بما مرّ من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأوّل «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ فقال: «لا بأس.» «1»

بتقريب إطلاق الزكاة في السؤال لزكاة المنفق و غيره و شمول التوسعة للتتميم أيضا مع عجز المنفق عنه و تدل على الجواز لأصل الإنفاق مع العجز أيضا

بالأولوية.

قلت: لو سلّم إطلاق الزكاة في السؤال لزكاة المنفق أيضا فلا نسلّم شمول التوسعة للتتميم الواجب، بل الظاهر من قوله: «يكفيه مئونته» كفايته للنفقة المتعارفة، فالسؤال وقع عن التوسعة فقط مع عدم توسيع المنفق، فتدبّر.

(1) في الجواهر: «و كأن المصنّف و غيره ممن ذكر المملوك في المقام تبعا للنصّ، و إلّا فالأصحّ أن المانع فيه الرقيّة لا وجوب النفقة، و لذا لم يتفاوت الحال بين زكاة المالك و زكاة غيره، بل و لا بين إعسار المولى و يساره في عدم جواز الدفع إليه من سهم الفقراء، و لعله لظهور الأدلّة في اعتبار كون المدفوع إليه من هذا السهم قابلا للملك، خصوصا ما دل منها على جواز تصرّف الفقير بما يقبضه من الزكاة كيف يشاء لأنه ملكه، فضلا عن قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ» إلى آخره، و لذا صرّح غير واحد باعتبار الحريّة في أوصاف المستحق، نعم لا بأس بالدفع إليه من سهم سبيل اللّه لعدم اعتبار الملك فيه.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 163، الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الجواهر 15/ 404.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 316

..........

______________________________

و في زكاة الشيخ الأعظم: «و التحقيق أنه لو أنفق المولى على عبده النفقة اللائقة فلا يجوز له أخذ الزكاة من مولاه و لا من غيره، و إن عجز المولى عنها جاز له الأخذ مطلقا.»

ثم شرع في الاستدلال لما ذكره من الحكمين إلى أن قال: «و كيف كان فجواز إعطاء العبد الفقير من سهم الفقراء لا يخلو من قوة كما صرّح به في حاشيتي الإرشاد و الشرائع و اختاره في المناهل، و الأحوط أن لا يعطى إلّا من سهم سبيل اللّه و أحوط منه عدم إعطائه

مطلقا.» «1»

أقول: ما استدل به للمنع من إعطاء الزكاة للعبد أمور:

الأول: أن إعطاء الزكاة من سهم الفقراء تمليك لهم، و العبد لا يملك شيئا.

أما الصغرى فلظهور اللام في الآية في الملك، و لقوله «ع» في خبر أبي المعزا:

«إن اللّه- تبارك و تعالى- أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال.» «2» و لقوله «ع» في موثقة سماعة: «فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ما له يصنع بها ما يشاء.»

فقلت: يتزوج بها و يحج منها؟ قال: «نعم.» «3»

و أما الكبرى فللإجماع المدعى. قال في زكاة الخلاف (المسألة 44): «دليلنا إجماع الفرقة على أن العبد لا يملك.» «4»

الثاني: أنه غني بوجوب نفقته على مولاه.

الثالث: أنه لملازمته لمولاه لا يسمى الإعطاء له إيتاء.

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 510 (- طبعة أخرى/ 448).

(2)- الوسائل 6/ 148، الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 200، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(4)- الخلاف 1/ 286.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 317

..........

______________________________

الرابع: ما مرّ من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأمّ و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك أنهم عياله لازمون له.» «1»

و نحوها مرفوعة الصدوق مع التعليل فيها بأنه يجبر على النفقة عليهم. «2»

الخامس: الأخبار الواردة بهذا المضمون، و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا.» «3»

و في موثقة إسحاق بن عمار: «و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا.» «4» هذا.

و أجيب عن الأول بمنع الصغرى أولا، إذ اللام

في الآية لمطلق الاستحقاق كما يقتضيه القول بعدم وجوب البسط. و يكفي هذا في إطلاق الشركة أيضا.

و رواية سماعة محمولة على الغالب من كون الدفع بنحو التمليك، فلا تدل على الحصر، فيجوز أن يكون بنحو الصرف فيه كما في الطفل.

و منع الكبرى ثانيا، لمنع الإجماع المفيد و منع عدم مالكيته. نعم ليس له ملكية مطلقة طلقة لكونه مع ما في يده لمولاه، فهو مالك في طول مالكية المولى. و التحقيق يطلب من محله.

و يجاب عن الثاني بمنعه مع إعسار المولى أو عدم بذله و عدم إمكان إجباره.

و يجاب عن الثالث مضافا إلى منعه أنه أخصّ من المدّعي لعدم جريانه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 165، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 166، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 60، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(4)- الوسائل 6/ 61، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 318

..........

______________________________

في إعطاء زكاة الغير.

و يجاب عن الرابع مضافا إلى كونه أخص من المدعى لاختصاصه بزكاة المالك، أنه لا يجري مع إعسار المولى لعدم وجوب النفقة حينئذ.

و يجاب عن الخامس بأن الظاهر من الإعطاء المنهي عنه التمليك له، فلا ينافي الصرف فيه. و لعل المراد باحتياجه المذكور في النص ما يقابل الغنى المسبب عن تسليط المولى له على طائفة من المال.

و مجرّد هذا لا يكفي في جواز الإعطاء له مع بذل المولى لنفقته. و إنما العبرة في استحقاق العبد باحتياج مولاه أو امتناعه الموجبين لاتصافه بالفقر الحقيقي. و ظاهر ما مرّ في صحيحة ابن الحجاج و مرفوعة الصدوق أن العلّة لعدم الإعطاء له

ليس إلّا كون نفقته على المولى. و قد مرّ عدم جريانها مع إعسار المولى. و احتمال أن يكون في العبد مانعان: ذاتي و هو الرقية، و عرضي و هو وجوب نفقته على مولاه خلاف ظاهر الخبرين لظهورهما في الحصر.

أقول: بعد اللتيا و التي حيث إن الأحوط في سهم الفقراء كما مرّ سابقا هو التمليك لا الصرف كما يقتضيه ذكر اللام في بعض السهام و «في» في البعض الآخر فالأحوط عدم إعطائها للعبد و إن قلنا بملكه لكونه محجورا عن التصرف، بل تعطى لمولاه الفقير ليصرفها عليه. و مع امتناعه و عدم إمكان إجباره تعطى للعبد و لكن تصرف عليه بإذن الحاكم فإنه وليّ الممتنع، فتدبّر.

ثمّ إن عدم بذل المولى إن كان مستندا إلى إباق العبد أشكل حينئذ صرف الزكاة فيه و كذا الإعطاء له، و وجهه واضح، إذ هو نظير الزوجة الناشزة، و قد مرّ الإشكال فيها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 319

4- أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره

اشارة

الرابع: أن لا يكون هاشميا (1).

[كلمات الفقهاء في هذا المجال]

______________________________

(1) 1- قال الشيخ في النهاية: «و لا تحلّ الصدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. و هم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين- عليه السلام- و جعفر بن أبي طالب، و عقيل بن أبي طالب، و عباس بن عبد المطلب. فأمّا ما عدا صدقة الأموال فلا بأس أن يعطوا إياها. و لا بأس أن تعطى صدقة الأموال مواليهم.

و لا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. و إنما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.» «1»

أقول: الظاهر أن مراده بما عدا صدقة الأموال: الصدقات المندوبة لا زكاة الأبدان لثبوت الحرمة فيها أيضا كما يأتي.

و المراد بالمولى هنا المعتق من عبيدهم و إمائهم، إذ غير المعتق لا يعطى من الزكاة لكونه في نفقة مولاه.

و كان الأولى له ذكر الحارث و أبي لهب أيضا، ففي المبسوط: «و لا يوجد هاشمي إلّا من ولد أبي طالب: العلويين، و العقيليين، و الجعفريين، و من ولد

______________________________

(1)- النهاية/ 186.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 320

..........

______________________________

العباس بن عبد المطلب، و من أولاد الحرث بن عبد المطلب، و يوجد من أولاد ابي لهب أيضا.» «1»

2- و في الشرائع: «الوصف الرابع أن لا يكون هاشميا، فلو كان كذلك لم تحلّ له زكاة غيره.» «2»

3- و في الجواهر في ذيل العبارة: «بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين، بل و بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما متواتر كالنصوص التي اعترف غير واحد بكونها كذلك.» «3»

4- و في التذكرة: «يشترط أن لا يكون هاشميا. و قد أجمع المسلمون كافة على تحريم الصدقة المفروضة على بني هاشم.» «4» و في المنتهى: «و قد أجمع علماء الإسلام.» «5»

5- و

في مختصر أبي القاسم الخرقي في فقه الحنابلة: «قال: و لا لبني هاشم.»

و قال في المغني: «لا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحلّ لهم الصدقة المفروضة. و قد قال النبي «ص»: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد «ص»، إنما هي أوساخ الناس.» أخرجه مسلم. و عن أبي هريرة قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة فقال النبي «ص»: «كخ كخ!» ليطرحها و قال: «أ ما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة؟» متّفق عليه. «6»

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 259.

(2)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 124).

(3)- الجواهر 15/ 406.

(4)- التذكرة 1/ 235.

(5)- المنتهى 1/ 524.

(6)- المغني 2/ 519.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 321

..........

______________________________

أقول: راجع الخبرين في الباب 50 و 51 من كتاب الزكاة من صحيح مسلم. «1»

و فيه: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة؟» و راجع البيهقي أيضا. «2»

[الأخبار الواردة في هذا الباب من طرق الفريقين]

و الأخبار الواردة في هذا الباب من طرق الفريقين كثيرة، و لعلّها كما قيل متواترة إجمالا، فلنذكر بعضها:

1- صحيحة الفضلاء المروية في الكافي، ففيه: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن محمد بن مسلم و أبي بصير و زرارة، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع»، قالا: قال رسول اللّه «ص»: «إن الصدقة أوساخ أيدي الناس، و إن اللّه قد حرّم عليّ منها و من غيرها ما قد حرّمه، و إن الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب.» ثم قال: «أما و اللّه لو قد قمت على باب الجنة ثم أخذت بحلقته لقد علمتم أني لا أؤثر عليكم فارضوا لأنفسكم بما رضي اللّه و رسوله لكم.»

قالوا: قد رضينا.

و رواها الشيخ أيضا عن الكليني مسقطا لأبي بصير من

السند. «3»

أقول: لما كان إعطاء الزكاة صعبا على المسلمين جدّا و لا سيما على حدثاء العهد بالإسلام كما يظهر من استنكاف كثيرين من إعطائها و ارتدادهم بسبب مطالبتها منهم، و كانوا يكرهونها و يعدّونها غرامة كما يشهد بذلك- قوله تعالى-:

«وَ لٰا يُنْفِقُونَ إِلّٰا وَ هُمْ كٰارِهُونَ» «4»، و قوله: «وَ مِنَ الْأَعْرٰابِ مَنْ يَتَّخِذُ مٰا يُنْفِقُ مَغْرَماً» «5»، و هكذا جبّل طباع أكثر الناس على حبّ المال و البخل به، فلأجل ذلك كان المناسب

______________________________

(1)- صحيح مسلم 2/ 751 و 753، الحديث 1069 و 1072.

(2)- سنن البيهقي 7/ 29، كتاب قسم الصدقات، باب آل محمد «ص» لا يعطون من الصدقات المفروضات.

(3)- الكافي 4/ 58، كتاب الزكاة، باب الصدقة لبني هاشم ...، الحديث 2؛ و التهذيب 4/ 58؛ و الوسائل 6/ 186.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 54.

(5)- سورة التوبة (9)، الآية 98.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 322

..........

______________________________

تنزيه النبي «ص» و أهل بيته و المنتسبين إليه عن الزكاة لكي لا يتوهم من في قلبه ريب أنه «ص» أراد بالإصرار على حكم الزكاة مصلحة نفسه و عائلته و أهل بيته.

فكان هو «ص» ينفق على نفسه و عائلته مما أفاء اللّه عليه من الكفّار و من خمس الغنائم المأخوذة و يتنزّه عن صرف الزكاة في أهل بيته.

و الخمس جعل أولا و بالذات للّه و للرسول و للإمام و عبّر عنه في الحديث بوجه الإمارة «1»، غاية الأمر أن الإمام يتولّى أمور الفقراء من بني هاشم، فهم يتمتعون من مال الإمام و الحكومة لا من أموال الناس، بخلاف الأصناف الثمانية في الزكاة فإنهم يتمتعون من أموال الناس و أيديهم في كيس الناس.

و التعبير عنها بالأوساخ لم يكن لتحقير أمر

الزكاة بل ليتنفر منها أهل بيته و أقاربه و لا يطمعوا فيها. و لعلّه مقتبس من قوله- تعالى-: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا.» «2»

و حيث إنه «ص» احتمل انكسار قلوب المنتسبين إليه بذلك و توهّمهم أنه «ص» فضّل غيرهم بذلك استمالهم و استألفهم بأنه مغرم بهم و أنه لا يؤثر غيرهم عليهم في الشفاعة و الجنة، فتدبّر.

2- صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا تحلّ الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم.» «3»

3- و في رواية إبراهيم الأوسى عن الرضا «ع»: إنّ رجلا قال لأبيه: أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال: «بلى». «4»

أقول: لا يخفى أنّ القدر المتيقّن المستفاد من هذا الخبر الحرمة على الأئمة «ع»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(3)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 323

..........

______________________________

دون غيرهم من بني هاشم.

4- و في الفقيه: قال الصادق «ع»: «إنّ اللّه لا إله الّا هو لما حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، و الخمس لنا فريضة، و الكرامة لنا حلال.»

و رواه العيّاشي في تفسيره بسنده عن الصادق «ع» «1».

و الظاهر أنّ المراد بالكرامة: التحف و الهدايا، و المستفاد من هذا الخبر حرمة الصدقة على كلّ من ثبت له الخمس.

5- و عن الطبرسي في صحيفة الرضا «ع» بإسناده قال: قال رسول اللّه «ص»:

«إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة، و أمرنا بإسباغ الوضوء، و أن لا ننزى حمارا على عتيقة و لا

نمسح على خفّ.» «2»

أقول: المسح على الخفّ لا يجوز عندنا مطلقا الّا في حال التقية، و لعلّه «ع» أراد أنّ أهل بيته لما كانوا أساسا للشريعة الغرّاء وجب عليهم الاستنكاف عنه مطلقا بلغ ما بلغ، أو أنه لا يتفق لهم موارد التقية و لعل المراد خصوص الأئمة «ع».

6- و في خبر الريان بن الصلت عن الرضا «ع»: «لأنّه- تعالى- لمّا نزّه نفسه عن الصدقة نزّه رسوله «ص» و نزّه أهل بيته لا بل حرّم عليهم لأنّ الصدقة محرّمة على محمد و آله و هي أوساخ أيدي الناس لا تحلّ لهم، الحديث.» «3»

7- و عن أمالي ابن الطوسي بسنده عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللّه «ص» بغدير خمّ: «إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لأهل بيتي.» «4»

______________________________

(1)- الفقيه 2/ 21 (- طبعة أخرى 2/ 41)، باب الخمس؛ و الوسائل 6/ 187، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(2)- الوسائل 6/ 187، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(3)- المستدرك 1/ 523، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(4)- المستدرك 1/ 524، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 324

..........

______________________________

8- و في نهج البلاغة: «و أعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها و معجونة شنئتها كأنّما عجنت بريق حيّة أو قيئها، فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة؟

فذلك محرم علينا أهل البيت.» «1» هذا.

و الأخبار في هذا المجال كثيرة يأتي بعضها في الفروع الآتية، و المذكور في أخبارنا و كذا في أخبار السنة تحريم الصدقة عليهم و لكن ورد في بعض الأخبار تفسيرها بالزكاة المفروضة «2» و سيأتي البحث في ذلك فانتظر.

9- و في سنن

البيهقي بسنده عن ابن عباس قال: «و اللّه ما اختصّنا رسول اللّه «ص» بشي ء دون الناس إلّا ثلاث: أمرنا أن نسبغ الوضوء، و أمرنا أن لا نأكل الصدقة و لا ننزي الحمير على الخيل.» «3»

10- و فيه أيضا بسنده عن زيد بن أرقم يقول: قام فينا رسول اللّه «ص» ذات يوم خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد أيّها الناس إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيبه و إنّي تارك فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور فتمسكوا بكتاب اللّه و خذوا به» فحثّ عليه و رغّب فيه. ثمّ قال:

«و أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي»- قال حصين لزيد: و من أهل بيته؟، نساؤه [من أهل بيته]؟ قال: بلى إنّ نساءه من أهل بيته، و لكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: و من هم؟ قال: آل عليّ و آل عقيل و آل جعفر و آل عباس.

قال: كلّ هؤلاء تحرم عليهم الصدقة؟ قال: نعم- أخرجه مسلم في الصحيح من حديث أبي حيّان ...» «4»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، عبده 2/ 244؛ لح/ 347، الخطبة 224.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- سنن البيهقي 7/ 30، كتاب الصدقات، باب آل محمد «ص» لا يعطون من الصدقات المفروضات.

(4)- سنن البيهقي 7/ 30، كتاب الصدقات، باب بيان آل محمد «ص» الذين تحرم عليهم الصدقة المفروضة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 325

..........

______________________________

أقول: راجع صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن ابي طالب. «1»

و فيه رواية أخرى: «فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا، و أيم اللّه أنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثمّ

يطلقها فترجع إلى أبيها و قومها. أهل بيته أصله و عصبته الذين حرموا الصدقة بعده.»

و لا يخفى أنّ التفسير لأهل البيت وقع من زيد، و يظهر منه أنّ حرمة الصدقة على الطوائف الأربع كان أمرا واضحا عندهم. و لكن أهل البيت الذين عدّهم رسول اللّه «ص» عدلا للقرآن الكريم و تكون أقوالهم حجة في تفسير الكتاب و السنّة ينحصرون عندنا في المعصومين منهم أعني أمير المؤمنين و الأئمة الإحدى عشر من ولده كما حقّق في محلّه.

و بالجملة فأصل حرمة الزكاة على بني هاشم إجمالا أمر واضح بديهي لا خلاف فيه و لا إشكال بل عليه إجماع الفريقين.

و أمّا ما ورد في الأخبار من إعطاء زكاة الأموال و كذا الفطرة للأئمة- عليهم السلام- و أخذهم لها فواضح أنّه لم يكن لصرفها على أنفسهم و أهليهم، بل لولايتهم و تصدّيهم لصرفها في المصارف المقررة كما كان رسول اللّه «ص» يأخذها و يصرفها فيها حيث إنّ الزكاة من ضرائب الحكم الإسلامي و هم كانوا أحقّ به و أهله كما قرّر في محلّه.

و أما رواية أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

«أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها منهم فإنّها تحلّ لهم، و إنّما تحرم على النبي «ص» و على الإمام الذي يكون بعده و على الأئمة- عليهم السلام-.» «2»

فلا بدّ من طرحها أو تأويلها بعد مخالفة ظاهرها لإجماع المسلمين.

______________________________

(1)- صحيح مسلم 4/ 1874.

(2)- التهذيب 4/ 60، الباب 15 من كتاب الزكاة (باب ما يحل لبني هاشم و ما يحرم ...)، الحديث 8؛ و الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 326

[الحكم ثابت إذا كانت الزكاة من غيرهم و لا الاضطرار]

إذا كانت

الزكاة من غيره مع عدم الاضطرار (1)، و لا فرق بين سهم الفقراء و غيره من سائر السهام حتّى سهم العاملين و سبيل اللّه (2).

______________________________

قال في الوسائل: «حمل الأصحاب ما تضمن الجواز على الضرورة أو على زكاة بعضهم لبعض أو على المندوبة.» «1»

و في التهذيب: «يحتمل أن يكون أراد- عليه السلام- حال الضرورة دون حال الاختيار لأنّا قد بيّنا أنّ في حال الضرورة مباح لهم ذلك. و يكون وجه اختصاص الأئمة «ع» منهم بالذكر في الخبر أن الأئمة «ع» لا يضطرّون الى أكل الزكوات و التقوّت بها. و غيرهم من بني عبد المطلب قد يضطرّون إلى ذلك.» «2»

أقول: و لعلّ القضية خارجية و أنّ بني هاشم في عصر الإمام الصادق «ع» كانوا في عسر و ضيق ممنوعين من أخماسهم. أو لعلّ المخاطب بقوله «ع»: «أعطوا» كانوا من بني هاشم، و إنّما استثنى النبيّ «ص» و الأئمة- عليهم السلام- لقداسة منصبي النبوة و الإمامة عن أخذ الزكاة لأنفسهما و لو كانت من هاشمي لملازمة ذلك عرفا لنحو من المذلّة فتدبّر.

(1) لما يأتى من جواز أخذ الهاشمي من مثله، و كذا في صورة الاضطرار و لو من غيره. و يأتي من المصنّف أيضا جواز أخذه من الزكاة المندوبة «3»، فكان الأولى له الإشارة إلى ذلك هنا أيضا، فشروط المنع عنده ثلاث: أعني كون الزكاة واجبة، من غير الهاشمي، مع عدم الاضطرار.

(2) في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 13): «لا يجوز لأحد من ذوي القربى أن يكون عاملا في الصدقات لأنّ الزكاة محرّمة عليهم، و به قال

______________________________

(1)- نفس المصدر السابق.

(2)- نفس المصدر السابق.

(3)- راجع آخر هذه المسألة و المسألة الآتية (المسألة 21) من المصنّف.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 3، ص: 327

..........

______________________________

الشافعي و أكثر أصحابه. و في أصحابه من قال: يجوز ذلك لأنّ ما يأخذه على جهة المعاوضة كالإجارات. دليلنا إجماع الفرقة. و أيضا روي أن الفضل بن عباس و المطلب بن ربيعة سألا النبيّ «ص» أن يولّيهما العمالة فقال لهما: إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس و إنها لا تحلّ لمحمّد و آل محمّد.» «1»

أقول: إنّما تعرض في الخلاف لسهم العاملين لأنّه محطّ الخلاف بيننا و بين بعض فقهاء السنة، و لكنّ إطلاق الروايات الماضية في المقام و كذا كلمات الفقهاء و معاقد الإجماعات التي مرّ بعضها يعمّ جميع الأصناف الثمانية.

و في المغني: «و ظاهر قول الخرقي هاهنا أنّ ذوي القربى يمنعون الصدقة و إن كانوا عاملين. و ذكر في باب قسم الفي ء و الصدقة ما يدلّ على إباحة الأخذ لهم عمالة و هو قول أكثر أصحابنا لأنّ ما يأخذونه أجر فجاز لهم أخذه كالحمال و صاحب المخزن إذا أجرهم مخزنه.» «2» هذا.

و قد صرّح بالتعميم في الجواهر قال: «و لا فرق في الحكم المزبور بين السهام كلّها كما صرّح به غير واحد و هو مقتضى إطلاق الأدلّة حتى معقد الإجماع منها، مضافا إلى تصريح صحيح العيص عن الصادق «ع» بحرمة سهم العاملين عليهم الذي هو كالعوض عن العمل فغيره أولى.» «3»

أقول: روى الكليني بسند صحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه «ص» فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه للعاملين عليها فنحن أولى به. فقال رسول اللّه «ص»: يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم،

______________________________

(1)- الخلاف 2/

350.

(2)- المغني 2/ 520.

(3)- الجواهر 15/ 406.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 328

..........

______________________________

و لكني قد وعدت الشفاعة- ثمّ قال أبو عبد اللّه «ع»: و اللّه لقد و عدها صلى اللّه عليه و آله- فما ظنّكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنّة أ تروني مؤثرا عليكم غيركم؟.

و رواه الشيخ أيضا عن الكليني. «1»

و من مشابهة ذيل هذه الصحيحة لذيل صحيحة الفضلاء التي مرّت ربما يظنّ اتحاد موردهما.

و في صحيح مسلم ذكر بسنده قصّة ذهاب عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث، و الفضل بن عباس بتحريك أبويهما إلى رسول اللّه «ص» و هو يومئذ عند زينب بنت جحش فتكلّم أحدهما فقال: يا رسول اللّه أنت أبرّ الناس و أوصل الناس و قد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدّي إليك كما يؤدّي الناس و نصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلّمه. قال:

و جعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلّماه. قال: ثم قال:

«إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنّما هي أوساخ الناس. ادعوا لي محمية (و كان على الخمس) و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب» قال: فجاءاه فقال لمحمية:

«أنكح هذا الغلام ابنتك.» (للفضل بن عباس) فأنكحه. و قال لنوفل بن الحارث:

«أنكح هذا الغلام ابنتك» (لي) فانكحني. و قال لمحمية: «اصدق عنهما من الخمس كذا و كذا.» «2»

و رواه البيهقي أيضا في السنن عن مسلم. «3»

______________________________

(1)- الكافي 4/ 58، كتاب الزكاة، باب الصدقة لبني هاشم ...، الحديث 1؛ و التهذيب 4/ 58، الباب 15 من كتاب الزكاة، الحديث 1؛ و الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- صحيح مسلم 2/ 752، الباب 51

من كتاب الزكاة، الحديث 167.

(3)- سنن البيهقي 7/ 31، كتاب الصدقات، باب لا يأخذون من سهم العاملين بالعمالة شيئا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 329

..........

______________________________

أقول: عبد المطلب بن ربيعة ربّما قيل: إنّ اسمه مطلب كما في أسد الغابة و رجال المامقاني. «1»

و قد مرّ عن الخلاف ذكره بهذا الاسم، و لعلّ عبد المطلب كان لقبا له.

و في المستدرك عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع» أنّه قال: «لا تحلّ لنا زكاة مفروضة و ما أبالي أكلت من زكاة أو شربت من خمر إن اللّه حرّم علينا من صدقات الناس أن نأكلها و نعمل عليها. «2»

و كيف كان فإطلاق الروايات المانعة التي مرّت و كلمات الفقهاء يشمل جميع السهام الثمانية.

و صحيح حفص و ما ماثله يدلّ على المنع في سهم العاملين بالصراحة و على منع غيره بالأولوية كما مرّ عن الجواهر.

و لكن في كشف الغطاء قال: «و يعمّ المنع سهم الفقراء و المساكين و العاملين غير المستأجرين و الغارمين و أبناء السبيل.

و أمّا سهم المؤلفة وَ فِي الرِّقٰابِ مع فرضهما بارتداد الهاشمي أو كونه من ذرية أبي لهب و لم يكن في سلسلة (سلسلته. ظ) مسلم، و الحاجة إلي الاستعانة به، و بتزويجه الأمة و اشتراط رقيّة الولد عليه على القول به، و سهم سبيل اللّه فعلى تامّل.» «3»

و في المستمسك بعد نقل ذلك قال: «و كأنّه للتعليل في بعض النصوص:

بأنّها أوساخ أيدي الناس، الدال على أن منعهم إيّاها تكريم لهم، و هو غير منطبق على سهم المؤلّفة لعدم استحقاقهم هذا التكريم، و لا على سهم الرقاب لعدم تصرّفهم فيه بوجه و إنّما يدفع إلى المالك عوضا عن رقابهم. و أمّا تأمّله في سهم

______________________________

(1)-

أسد الغابة 3/ 331؛ و تنقيح المقال 2/ 227.

(2)- المستدرك 1/ 524، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- كشف الغطاء/ 356.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 330

..........

______________________________

سبيل اللّه فلأجل قيام السيرة على تصرّفهم فيه كغيرهم في جملة من الموارد، لكن كان عليه التأمّل أيضا في سهم الغارمين لأنّ إفراغ ذمّته كفكّ رقبته.» «1»

أقول: الأولى تحقيق المسألة ببيان تفصيلي أوفى فنقول: القدر المتيقّن من الروايات المانعة و الفتاوى و الإجماعات المنع في سهمي الفقراء و المساكين، و يلحق بهما سهم العاملين أيضا بلا إشكال لصحيحة حفص و ما ماثلها.

و هل يشمل المنع لمن استوجر لعمل خاص جزئي كحفظ أنعام الزكاة و رعيها و علاجها مثلا أو تنصرف عن ذلك حيث إنّه لا يعطى بعنوان الزكاة بل باسم الأجرة لعمله الخاص نظير استيجار الغني أو واجب النفقة لمثل ذلك فيحمل منع العامل على مثل الجابى و المسؤول العام للزكوات؟ وجهان. و لعلّ الظاهر هو الثاني و إليه أشار كاشف الغطاء في عبارته المتقدّمة و لكن الأحوط خلافه لاشتراك الجميع في أنها تؤدّى من سهم العاملين و ظاهر الصحيحة منع هذا السهم مطلقا فتأمّل.

و أمّا المؤلّفة قلوبهم فظاهر كشف الغطاء حصرهم في الكفار و لذا أتعب نفسه في تصوير ذلك في بني هاشم، و لكن قد عرفت في محله أن المستفاد من أخبارنا حصرهم في المسلمين الذين لم تقو بصائرهم و لم يستقر الإيمان في قلوبهم، و لا أقلّ من التعميم لهم أيضا.

و هل يشمل المنع لهم أولا؟ وجهان: من إطلاق الأخبار و الفتاوى و الأولوية بالنسبة الى سهم العاملين كما في الجواهر. و من انصراف أدلّة المنع عنهم لعدم استحقاقهم للتكريم كما في المستمسك.

و مثله

الكلام فِي الرِّقٰابِ أيضا مضافا إلى عدم تصرفهم فيه و إنّما يدفع إلى المالك عوضا عن رقابهم، و التكريم فيه أقوى من منعهم الزكاة. هذا. و لكن الأحوط

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 304.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 331

[يجوز للهاشمي التصرف في الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل اللّه]

نعم لا بأس بتصرّفه في الخانات و المدارس و سائر الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل اللّه (1).

______________________________

المنع لإطلاق الأدلّة.

و بذلك يظهر الحكم في الغارمين و ابن السبيل أيضا مضافا إلى أنّ ابن السبيل جعل له سهم في الخمس و الأخبار المستفيضة تدلّ على أن اللّه تعالى لمّا حرّم الصدقة على بني هاشم عوّضهم بالخمس.

بقي الكلام في سهم سبيل اللّه و يأتي بيانه في الحاشية التالية.

(1) لا يخفى أن المصرف في سبيل اللّه يخالف سائر المصارف سنخا لأنّ المصرف فيه هي الجهات العامة لا الأشخاص كما مرّ بيانه في محلّه.

و الأخبار في المقام ناظرة الى الأشخاص، و لذا قال في الجواهر بعد الإشكال في كلام كاشف الغطاء: «نعم هو كذلك بالنسبة إلى بعض أفراد سهم سبيل اللّه مما لا يعدّ أنه صدقة عليهم كالتصرف في بعض الأوقاف العامّة المتخذة منه و الانتفاع بها و نحو ذلك مما جرت السيرة و الطريقة على عدم الفرق فيها بين الهاشمي و غيره و إن كانت متخذة من الزكاة، مع أنّها في الحقيقة كتناول الهاشمي الزكاة من يد مستحقها بعد الوصول إليه، فإنّه لا إشكال في جواز ذلك له ضرورة عدم كونها زكاة حينئذ كما هو واضح.» «1»

أقول: بعد إطلاق الروايات و الفتاوى فالعمدة في جواز التصرف في مثل الأوقاف و المصالح العامّة المتخذة منها هي السيرة المستمرة فيمكن المناقشة فيما إذا ملكت الزكاة من هذا السهم للشخص كالمجاهد في سبيل اللّه

مثلا، بل و لو صرفت في مصرف خاص لبني هاشم كبناء مدرسة لهم خاصة مثلا أو تأسيس مكتبة عامة لهم فالأحوط في أمثال ذلك الترك.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 407.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 332

و ينبغي التنبيه على أمور لم يتعرض لها المصنّف:

الأول: المشهور عندنا أنّ المحرّم عليهم الصدقة الواجبة هم بنو هاشم خاصة

______________________________

و به قال أبو حنيفة أيضا، و نسب إلى الإسكافي و المفيد منا إلحاق بني المطلب أيضا و به قال الشافعي و أحمد في رواية.

1- قال الشيخ في كتاب الوقوف و الصدقات من الخلاف (المسألة 4): «تحرم الصدقة المفروضة على بني هاشم من ولد ابي طالب: العقيليين و الجعافرة و العلويين و ولد العباس بن عبد المطلب و ولد أبي لهب و ولد الحارث بن عبد المطلب و لا عقب لهاشم إلّا من هؤلاء، و لا يحرم على ولد المطلب و نوفل و عبد شمس بن عبد مناف.

و قال الشافعي: تحرم الصدقة المفروضة على هؤلاء كلّهم و هم جميع ولد عبد مناف.

دليلنا إجماع الفرقة الحقّة [المحقّة خ. ل] و لأنّ ما قلناه مجمع عليه و ما ذكروه ليس عليه دليل.» «1»

2- و في الشرائع: «و الذين يحرم عليهم الصدقة الواجبة من ولد هاشم خاصّة على الأظهر.» «2»

3- و ذيّله في الجواهر بقوله: «الأشهر بل المشهور، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، خلافا للإسكافي و المفيد فألحقا به أخاه المطلب، و لا ريب في ضعفه كما أوضحنا ذلك في كتاب الخمس، مع أنّ المسألة قليلة الثمرة لعدم معلومية من ينتسب إليه في هذا الزمان.» «3»

4- و في التذكرة: «و هل تحرم على أولاد المطلب؟ أكثر علمائنا على المنع من

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 227.

(2)- الشرائع 1/ 164 (- طبعة أخرى/ 124).

(3)- الجواهر 15/ 415.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 333

..........

______________________________

التحريم، و به قال أبو

حنيفة للعموم و الأصل، و لأنّ بني المطلب و بني نوفل و عبد شمس قرابتهم واحدة، و إذا لم يمنع بنو نوفل و بنو عبد شمس فكذا بنو المطلب. و قال الشافعي بالتحريم عليهم و هو قول شاذّ للمفيد منا لقوله «ع»: نحن و بنو المطلب هكذا- و شبك بين أصابعه- لم نفترق في الجاهلية و الإسلام. و من طريق الخاصّة قول الصادق «ع»: لو كان عدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة ...» «1»

5- و في المغني: «فأمّا بنو المطّلب فهل لهم الأخذ من الزكاة؟. على روايتين:

إحداهما ليس لهم ذلك، نقلها عبد اللّه بن أحمد و غيره لقول النبي «ص»: «أنا و بنو المطلب لم نفترق في جاهلية و لا إسلام، إنّما نحن و هم شي ء واحد.» و في لفظ رواه الشافعي في مسنده: «إنّما بنو هاشم و بنو المطلب شي ء واحد.» و شبّك بين أصابعه. و لأنّهم يستحقون من خمس الخمس فلم يكن لهم الأخذ كبني هاشم. و قد أكّد ذلك ما روي أن النبيّ «ص» علّل منعهم الصدقة باستغنائهم عنها بخمس الخمس: فقال: «أ ليس في خمس الخمس ما يغنيكم؟»

و الرواية الثانية: لهم الأخذ منها و هو قول أبي حنيفة لأنّهم دخلوا في عموم قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ.» الآية، لكن خرج بنو هاشم لقول النبي «ص»: «إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد.» فيجب أن يختصّ المنع بهم.

و لا يصحّ قياس بني المطلب على بني هاشم لأنّ بني هاشم أقرب إلى النبي «ص» و أشرف و هم آل النبي «ص» ...» «2»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران،

دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 333

أقول: رواية التسوية بين بني هاشم و بني المطلب رواها العامّة عن جبير بن مطعم عن النبي «ص» بألفاظ مختلفة:

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 235.

(2)- المغني 2/ 519.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 334

..........

______________________________

منها ما عن سعيد بن المسيّب قال: أخبرني جبير بن مطعم قال: لمّا كان يوم خيبر وضع رسول اللّه «ص» سهم ذي القربى في بني هاشم و بني المطلب، و ترك بني نوفل و بني عبد شمس، فانطلقت أنا و عثمان بن عفّان حتّى أتينا النبي «ص» فقلنا: يا رسول اللّه هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك اللّه به منهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم و تركتنا، و قرابتنا واحدة؟ فقال رسول اللّه «ص»: «إنّا و بنو المطلب لا نفترق في جاهلية و لا إسلام، و إنّما نحن و هم شي ء واحد» و شبّك بين أصابعه «ص».

راجع سنن أبي داود كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة. «1»

و الخبر لم يثبت بطرقنا، و اشتراك بني المطلب في سهم القرابة من الخمس بل في الخمس مطلقا ممنوع عندنا.

و قد حرّرنا في كتاب الخمس أنّ المراد بذي القربى في آية الخمس مقام الإمامة و بيّنا أيضا أنّ الحقّ كون الخمس بأجمعه حقا وحدانيا للنبي «ص» و بعده للإمام القائم مقامه، و لعلّه «ص» أعطى بني المطلب أيضا من خمس خيبر لمصالح رآه فظنّ جبير و أمثاله أنّه «ص» أعطاهم من سهم ذي القربى بتطبيقه عليهم فراجع ما حرّرناه في كتاب الخمس. «2»

و كيف كان فعمدة ما استدل به لمنع الزكاة عن بني المطلب أمران: الأوّل هذه الرواية. الثاني موثقة زرارة عن ابي عبد اللّه

«ع» في حديث قال: «إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة. إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، ثمّ قال: إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة. و الصدقة لا تحلّ

______________________________

(1)- سنن أبي داود 3/ 146 (- طبعة أخرى 2/ 131)؛ كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، الباب 20، الحديث 3.

(2)- كتاب الخمس/ 11 و 250 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 335

..........

______________________________

لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئا و يكون ممّن يحلّ له الميتة.» «1»

و أجاب عنهما العلّامة في التذكرة بقوله: «و يحمل الأوّل على الاتحاد في الشرف أو المودّة أو الصحبة أو النصرة لا على صورة النزاع. و الثاني خبر واحد ترك العمل به أكثر الأصحاب فلا يخصّ به العموم المقطوع.» «2»

و راجع في هذا المجال المنتهى أيضا و المعتبر للمحقق «3» و لعل العلامة أخذ ما ذكره منه.

أقول: لا يخفى أنّ إنكارهما لصحة الرواية كان أولى مما ذكراه في تأويلها إذ موردها تشريك النبي «ص» لبني هاشم و بني المطلب في خمس القرابة، و لو صحّ هذا كان اللازم منه تحريم الزكاة عليهما أيضا لكون الخمس عوضا منها كما نطقت بذلك الأخبار فتدبّر.

و في الحدائق في مقام الجواب عن الموثقة ما حاصله: «و الأظهر ما ذكره بعض مشايخنا المحقّقين حيث قال: و يمكن أن يكون المراد بالمطلبي في الخبر من ينتسب إلى عبد المطلب فإن النسبة إلى مثله قد تكون بالنسبة إلى الجزء الثاني حذرا من الالتباس كما قالوا منافي في عبد مناف. و قد صرّح بذلك سيبويه. و على هذا فلا يكون في الخبر دلالة على مذهب المفيد.

فإن

قلت: فعلى هذا يلزم عطف الشي ء على مرادفه و ما ماثله.

قلت: لا بأس بذلك فإنّ العطف التفسيري شائع، و معلوم أن هاشما لم يعقّب إلّا من عبد المطلب، ففائدة العطف التنبيه على هذا المعنى.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 191، الباب 33 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- التذكرة 1/ 235.

(3)- المنتهى 1/ 525؛ و المعتبر/ 282.

(4)- الحدائق 12/ 216.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 336

..........

______________________________

و في زكاة الشيخ الأعظم: «و يمكن أن يكون الوجه في الملازمة بين دفع الناس الخمس و بين حصول التوسعة للمطلبيين: أن توسعة الهاشميين مستلزم لتوسعتهم لكمال اختلاطهم معهم لا لأجل استحقاقهم بأنفسهم للخمس.

و الأنسب في الجواب منع مقاومته للعمومات الكثيرة، و ما يستفاد من تخصيص بني هاشم بالذكر في الأخبار المعتضدة بالشهرة و حكاية الإجماع.

و يؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه قول الكاظم «ع» في المرسلة الطويلة لحماد بن عيسى:

«و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبي «ص» الذين ذكرهم اللّه- تعالى- فقال: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. و هم بنو عبد المطلب أنفسهم: الذكر منهم و الأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد» و فيها أيضا: «و من كانت أمّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له.» و أمّا النبوىّ فضعيف بلا جابر.» «1»

أقول: و المرسلة معمول بها في فقراتها كما مرّ في باب الخمس و راجع الوسائل «2»، هذا.

و الذي يسهّل الخطب ما مرّ من الجواهر من عدم معلوميّة من ينتسب إلى المطلب في هذا الزمان.

الأمر الثاني: الظاهر أنّه لا خلاف عندنا في جواز إعطاء الزكاة لموالي بني هاشم

أعني عتقاءهم.

و أمّا فقهاء السنة ففيهم خلاف فلنتعرض لبعض الكلمات في المقام:

1- قد مرّ عن الشيخ في النهاية قوله: «و لا بأس

أن تعطي صدقة الأموال مواليهم.» «3»

______________________________

(1)- زكاة الشيخ الأعظم/ 510 (- طبعة أخرى/ 449).

(2)- الوسائل 6/ 358، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(3)- النهاية لشيخ الطائفة/ 187.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 337

..........

______________________________

2- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 15): «موالي آل محمد لا تحرم عليهم الصدقة، و به قال الشافعي و أكثر أصحابه، و منهم من قال:

تحرم عليهم لقوله «ص» «مولى القوم منهم.» دليلنا إجماع الفرقة و عموم الأخبار و قوله: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» و من ادّعى إخراجهم من الآية فعليه الدلالة.» «1»

3- و في التذكرة: «و تحلّ الصدقة الواجبة و المندوبة لموالي بني هاشم- و هم من أعتقهم هاشمي- عند علمائنا أجمع و هو قول أكثر العلماء و الشافعي في أحد القولين ... و قال أحمد بالتحريم و هو الثاني للشافعي لأن رسول اللّه «ص» بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصيب منها، فقال: لا، حتى آتي رسول اللّه «ص» فأسأله فانطلق إلى النبي «ص» فسأله فقال:

«إنّا لا تحلّ لنا الصدقة و أنّ موالي القوم منهم ...» «2»

أقول: و تعرّض للمسألة في المغني و اختار التحريم و استدل له بهذا الحديث و قال: أخرجه أبو داود و النسائي و الترمذي و قال: حديث حسن صحيح. «3»

و راجع أبا داود، باب الصدقة على بني هاشم. «4»

و أبو رافع و اسمه إبراهيم أو أسلم أو هرمز أو ثابت كان لعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي «ص» فلمّا بشّر النبي «ص» بإسلام عبّاس أعتقه النبي «ص» و كان من المخلصين له و صار من شيعة أمير المؤمنين «ع» و خواصّه و جعله في زمان خلافته

أمينا على بيت المال. هذا.

______________________________

(1)- كتاب الخلاف 2/ 350.

(2)- التذكرة 1/ 235.

(3)- المغني 2/ 519.

(4)- سنن أبي داود 2/ 123 (- طبعة أخرى 1/ 384).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 338

..........

______________________________

و يدلّ على حلّية الصدقات لهم- مضافا إلى الإجماع و عموم الآية و ما حذا حذوها، و وجود المقتضي أعني الفقر و نحوه و عدم وجود المانع أعني قرابة النبي «ص» و شرف النسب، و أنّ اللّه لم يعوضهم عنها بالخمس فلا يحرمون منها- أخبار مستفيضة:

1- صحيحة الأعرج قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: أ تحل الصدقة لموالي بني هاشم؟ فقال: «نعم». «1»

2- خبر جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه «ص» قال: سألته هل تحلّ لبني هاشم الصدقة؟ قال: «لا»، قلت: تحلّ لمواليهم؟ قال: «تحلّ لمواليهم، و لا تحلّ لهم إلّا صدقات بعضهم على بعض.» «2»

3- خبر ثعلبة بن ميمون قال: كان أبو عبد اللّه «ع» يسأل شهابا من زكاته لمواليه، و إنّما حرّمت الزكاة عليهم دون مواليهم. «3»

4- مرسلة حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح «ع» في حديث طويل قال: «و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبي «ص» و هم بنو عبد المطلب أنفسهم: الذكر منهم و الأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد و لا فيهم و لا منهم في هذا الخمس من مواليهم، و قد تحلّ صدقات الناس لمواليهم، و هم و الناس سواء.» «4»

نعم يعارض هذه الأخبار خبران:

1- موثقة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «مواليهم منهم، و لا تحلّ الصدقة من

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 192، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 192، الباب

34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 192، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 6/ 192، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 339

..........

______________________________

الغريب لمواليهم و لا بأس بصدقات مواليهم عليهم.» «1»

قال في الوسائل: «حمله الشيخ على كون الموالي مماليك لأنّ المملوك لا يعطى من الزكاة، و يحتمل الحمل على الكراهة و على التقية»

و في الحدائق بعد نقل حمل الشيخ قال: «و استبعده المحدث الكاشاني في الوافي لعدم جريان ذلك في قوله في بقية الخبر: «و لا بأس بصدقات مواليهم عليهم» قال: لأنّ المملوك لا يجد شيئا يتصدق به، فالأولى أن يحمل على الكراهة كما في الاستبصار. انتهى. و هو جيد. و المراد بقوله: «صدقات مواليهم عليهم، أي بعضهم على بعض.» «2» انتهى ما في الحدائق.

الثاني ما مرّ من خبر أبي رافع، و رواه في الوسائل أيضا عن أمالي ابن الشيخ بسنده عن ابن أبي رافع أنّ النبي «ص» بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع اصحبنى كيما تصيب منها فقال: حتى آتي النبي «ص» فأسأله فأتى النبي «ص» فسأله فقال: مولى القوم من أنفسهم و إنا لا تحل لنا الصدقة.» «3»

أقول: الأخبار الأول أكثر و عليها عمل الأصحاب، و قد ورد في الخبرين المتعارضين قوله «ع»: «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك «4» هذا. مضافا إلى أنّ اللّه لم يعوّضهم بالخمس فلا يحرمون الزكاة كما مرّ. و على هذا فتحمل الطائفة الثانية على الكراهة أو على التقية

أو تطرح. و كون مولى الرجل ممّن يرثه الرجل أحيانا لا يوجب إلحاقه به في جميع الأحكام.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 193، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(2)- الحدائق 12/ 221.

(3)- الوسائل 6/ 193، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(4)- الوسائل 18/ 75، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 340

..........

______________________________

و يمكن أن يجاب عن قصة أبي رافع بأنّه لمّا كان من موالي النبي «ص» كان اشتراكه في أخذ الصدقات و جمعها موجبا لتوهّم بعض المعاندين أنّ النبي «ص» بهذه الواسطة يجلب بعض الصدقات إلى نفسه و عائلته فهو «ص» أراد قطع جذور هذا السنخ من التوهمات و الإلقاءات عن حياة نفسه و عائلته، فقوله «ص»:

«إنّ موالي القوم منهم» إنّ الناس يعدّون موالي القوم من عائلتهم فتدبّر.

الأمر الثالث: لا يخفى أنّ المحرّم على بني هاشم هو الزكاة بما هي زكاة لا مال الزكاة

و إن تبدّل عنوانها: فلو باع الفقير الزكاة التي أخذها لهاشمي أو وهبها له أو أهداها إليه فلا إشكال، بل و كذلك لو تصدق بها أيضا عليه ندبا بناء على حليّة الزكاة المندوبة له، نظير ما إذا باعها لغني أو لفاسق أو لواجب النفقة أو أهداها إليهم.

1- و في كتاب الزكاة من الوافي عن المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع»: أنّه ذكر أنّ بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة فاشترتها عائشة فأعتقتها فخيّرها رسول اللّه «ص» و قال: «إن شاءت تقرّ عند زوجها، و إن شاءت فارقته» و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أنّ لهم ولاءها، فقال رسول اللّه «ص»: «الولاء لمن أعتق»، و تُصُدِّقَ على بريرة بلحم فأهدته إلى رسول اللّه «ص» فعلقته عائشة و قالت: إن رسول اللّه «ص»

لا يأكل لحم الصدقة فجاء رسول اللّه «ص» و اللحم معلّق فقال: ما شأن هذا اللحم لم يطبخ؟ فقالت:

يا رسول اللّه صُدّق به على بريرة و أنت لا تأكل الصدقة، فقال: «هو لها صدقة و لنا هدية» ثم أمر بطبخه فجاء فيها ثلاث من السنن. «1»

______________________________

(1)- الوافي 2/ 28 م 6، الباب 18 من أبواب زكاة المال؛ و الوسائل 14/ 559، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 2؛ و 16/ 40 (- طبعة أخرى 16/ 47)، الباب 37 من كتاب العتق، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 341

..........

______________________________

قال في الوافي: «السُنّة الأولى تخيّر المعتقة في فسخ نكاحها، و الثانية أن الولاء لمن أعتق و إن اشترط البائع لنفسه، و الثالثة حلّ الصدقة لبني هاشم إذا أهداها لهم المتصدق عليه لأنّها ليست لهم بصدقة.»

فإن قلت: اللحم المتصدق به لبريرة يشبه أن كان صدقة مندوبة و هي لا تحرم على بني هاشم كما يأتي.

قلت: لعله كان من نعم الصدقة أو يقال: إنّ الصدقة المندوبة و إن حلّت لبني هاشم و لكنها لا تناسب لمقام النبوّة و الإمامة الكبرى فلعلّها كانت محرّمة عليهما كما يأتي بحثه.

2- و في صحيح مسلم بسنده عن عائشة قالت: كانت في بريرة ثلاث قضيّات، كان الناس يتصدّقون عليها و تُهدي لنا فذكرت ذلك للنبي «ص» فقال: «هو عليها صدقة و لكم هديّة فكلوه.»

3- و بسنده عن أنس بن مالك قال: أهدت بريرة إلى النبي «ص» لحما تصدق به عليها فقال: «هو لها صدقة و لنا هدية.»

4- و بسنده عن جويرية زوج النبي «ص»: أنّ رسول اللّه «ص» دخل عليها فقال: هل من طعام؟ قالت: لا و

اللّه يا رسول اللّه ما عندنا طعام إلّا عظم شاة أعطيته مولاتى من الصدقة. فقال: «قرّبيه فقد بلغت محلّها.»

5- و بسنده عن أم عطيّة قالت: بعث إليّ رسول اللّه «ص» بشاة من الصدقة فبعثت إلى عائشة منها بشي ء فلما جاء رسول اللّه «ص» إلى عائشة قال:

«هل عندكم شي ء؟.» قالت: لا إلّا أنّ نسيبه بعثت إلينا من الشاة التي بعثتم بها إليها. قال: «إنها قد بلغت محلّها.» «1»

______________________________

(1)- صحيح مسلم 2/ 755، الباب 52 من كتاب الزكاة، الحديث 172.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 342

[لا بأس بأخذ زكاة الهاشميّ للهاشميّ]

أمّا زكاة الهاشميّ فلا بأس بأخذها له (1).

______________________________

أقول: و لعلّ الموارد كانت متعددة على ما يظهر من هذه الأخبار فراجع.

(1) 1- في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 27): «صدقة بني هاشم بعضهم على بعض غير محرّمة و إن كانت فرضا. و خالف جميع الفقهاء في ذلك و سوّوا بينهم و بين غيرهم. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

2- و مرّ عن النهاية قوله: «و لا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. و إنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.» «2»

3- و في الشرائع: «و يحلّ له زكاة مثله في النسب» «3»

4- و ذيّله في الجواهر بقوله: «الذي هو الانتساب إلى هاشم و إن اختلفوا في الآباء بعده بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيض كالنصوص.» «4»

5- و في المنتهى: «و لا يحرم صدقة بعضهم على بعض، و عليه فتوى علمائنا خلافا للجمهور كافة إلّا أبا يوسف فإنّه جوّزه.» «5»

أقول: و يدلّ على ذلك- مضافا إلى ما مرّ من الإجماع المدّعى، بل و الإطلاقات الأوّلية بعد احتمال انصراف الروايات المانعة عن صدقة

بعضهم لبعض إذ لا غضاضة فيها عليهم بعد أن كانوا شجرة واحدة و بعضهم من بعض على ما قيل- أخبار مستفيضة فلنتعرض لها:

1- موثقة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: صدقات بني هاشم بعضهم

______________________________

(1)- كتاب الخلاف 2/ 354.

(2)- النهاية لشيخ الطائفة/ 187.

(3)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى 1/ 124).

(4)- الجواهر 15/ 408.

(5)- المنتهى 1/ 524.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 343

..........

______________________________

على بعض تحلّ لهم؟ فقال: «نعم، إن صدقة الرسول «ص» تحلّ لجميع الناس من بنى هاشم و غيرهم. و صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم، و لا تحلّ لهم صدقات إنسان غريب.» «1»

2- خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: هي الزكاة. قلت: فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال: نعم. «2»

أقول: ربّما يوجب التعبير عن المحرّم عليهم بالزكاة بنحو الإطلاق و التفريع في قوله: «فتحلّ» احتمال أن يراد بصدقة بعضهم على بعض غير الزكاة. و بعبارة أخرى في الخبر احتمالان:

الأوّل: أن يراد بالجملة الأولى تحريم الزكاة، و بالجملة الثانية تحليل الصدقة المندوبة.

الثانى: أن يراد بالأولى تحريم الزكاة و بالثانية استثناء زكاة بعضهم لبعض.

و الاستدلال في المقام مبني على الاحتمال الثاني،

و يمكن أن يؤيّد الاحتمال الأوّل بما في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع» قال: «و أحلّ لنا صدقات بعضنا على بعض من غير زكاة.» «3»

3- خبر زيد الشحام عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم فقال: «هي الزكاة المفروضة و لم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض.» «4»

و يجري في هذا الخبر أيضا ما مرّ في سابقه من الاحتمالين فتدبّر.

______________________________

(1)-

الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(3)- دعائم الإسلام 1/ 259، كتاب الزكاة- ذكر دفع الصدقات.

(4)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 344

..........

______________________________

4- مرسلة حماد الطويلة عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح «ع» قال: «و إنّما جعل اللّه هذا الخمس خاصّة لهم يعني بني عبد المطلب عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من اللّه لهم، و لا بأس بصدقات بعضهم على بعض.» «1»

5- خبر جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته هل تحلّ لبني هاشم الصدقة؟ قال: لا، قلت: تحلّ لمواليهم؟ قال: «تحلّ لمواليهم و لا تحلّ لهم إلّا صدقات بعضهم على بعض.» «2»

6- خبر العزرمي المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» قال:

«لا تحلّ الصدقة لبني هاشم إلّا في وجهين: إن كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا، و صدقة بعضهم على بعض.» «3»

7- خبر البزنطي المروي عن قرب الإسناد عن الرضا «ع» قال: سألته عن الصدقة تحلّ لبني هاشم؟ فقال: «لا، و لكن صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم» فقلت:

جعلت فداك إذا خرجت إلى مكة كيف تصنع بهذه المياه المتصلة بين مكّة و المدينة و عامّتها صدقة؟ قال: سمّ فيها شيئا، قلت: عين ابن بزيع و غيره. قال: و هذه لهم.» «4»

أقول: و لعلّ في ذيل الخبر إشعارا بأن المنع في المسألة يشمل سهم سبيل اللّه و الصدقات المندوبة أيضا.

8- خبر محمد بن عيسى المروي في قرب الإسناد قال: حدثني ابن أبى الكرّام الجعفري الشيخ في ايام المأمون قال: خرجت و خرج بعض موالينا

إلى بعض متنزّهات المدينة مثل العقيق و ما أشبهها فدفعنا إلى سقاية لأبي عبد اللّه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 189، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 192، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(4)- الوسائل 6/ 191، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 345

من غير فرق بين السهام أيضا حتّى سهم العاملين، فيجوز استعمال الهاشميّ على جباية صدقات بني هاشم (1).

______________________________

جعفر بن محمد «ع» و فيها تمر للصدقة فتناولت تمرة فوضعتها في فمي، فقام إليّ المولى الذي كان معي فأدخل إصبعه في فمي فعالج إخراج التمرة من فمي و وافى أبو عبد اللّه جعفر بن محمد «ع» و هو يعالج إخراج التمرة فقال له: مالك أيّ شي ء تصنع؟ فقال له المولى: جعلت فداك هذا تمر الصدقة و الصدقة لا تحلّ لبني هاشم.

قال: فقال أبو عبد اللّه «ع»: «إنّما ذاك تحرم علينا من غيرنا فأمّا بعضنا في بعض فلا بأس بذلك.» «1»

و سند الرواية لا بأس به و اسم ابن أبي الكرّام: إبراهيم و هو من أحفاد عبد اللّه بن جعفر الطيّار.

أقول: و أمّا خبر دعائم الإسلام السابق فيمكن حمل التفصيل فيه على الكراهة في الزكاة دون غيرها جمعا بينه و بين هذه الأخبار.

(1) لإطلاق ما مرّ من الروايات المجوّزة، و لأنّه إذا جاز الإعطاء من سهمي الفقراء و المساكين مع ملازمتهما لنحو من المذلّة جاز من سهم العاملين بطريق أولى.

و لكن ربّما يظهر من عبارة الدروس الترديد في سهم العاملين. حيث قال:

«و لو تولّى الهاشمي العمالة على قبيله احتمل الجواز.» «2» و لعلّه

لتوهم إطلاق المنع في صحيحة العيص و ما ماثلها.

و فيه أنّ أخبار الحلّيّة في المقام خاصّة بالنسبة إلى أخبار المنع، و إطلاق الخاص مقدّم عرفا على إطلاق العام، بل لعلّ لسانها لسان تفسير لأخبار المنع فتكون حاكمة عليها، مضافا إلى أنّ المورد في صحيحة عيص و نحوها صدقات غير الهاشميين فتأمّل.

______________________________

(1)- قرب الإسناد/ 12؛ و الوسائل 6/ 191، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(2)- الدروس/ 65.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 346

[يجوز للهاشميّ أخذ زكاة غير الهاشمي مع الاضطرار]

و كذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له مع الاضطرار إليها (1).

______________________________

(1) و يدلّ على الحلّية حينئذ إجمالا ما مرّ من موثقة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبيّ إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم.» ثمّ قال: «إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة، و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئا و يكون ممن يحلّ له الميتة.» «1»

و كذا ما مرّ من خبر العزرمي عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» قال: «لا تحلّ الصدقة لبني هاشم إلّا في وجهين: إن كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا، و صدقة بعضهم على بعض.» «2» إذ العطش ضرورة عرفية كما لا يخفى.

هذا مضافا إلى العمومات الأوّلية بعد احتمال انصراف الأخبار المانعة عن صورة الاضطرار.

و العمومات الدالة على حلّية المضطر إليه مطلقا كقوله «ص» في حديث رفع التسعة: «و ما اضطروا إليه» «3»

و قول أبي جعفر «ع»: «التقية في كل شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له.» «4»

بل و الآيات الدالة على حلّية الميتة و نحوها لدى الاضطرار إليها بإلغاء الخصوصية،

و لتعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلّية.

اللّهم إلا أن يقال: إن المستفاد من هذه الأدلّة العامّة هي رفع الحرمة التكليفية فقط لا رفع الضمان نظير حلّية مال الغير عند الاضطرار إليه.

و بالجملة لا يثبت بهذه الأدلّة العامة كون الهاشمي مصرفا للزكاة حينئذ بحيث يبرئ ذمّة المزكّي فالعمدة في المقام موثقة زرارة و خبر العزرمي. هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 191، الباب 33 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(3)- الخصال/ 417، باب التسعة، الحديث 9.

(4)- الوسائل 11/ 468، الباب 25 من أبواب الأمر و النهي و ...، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 347

و عدم كفاية الخمس و سائر الوجوه (1). و لكن الأحوط حينئذ الاقتصار على قدر الضرورة يوما فيوما مع الإمكان.

______________________________

و يعارض ذلك كله ما في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع» في حديث:

«قيل له «ع»: فإن منعتم الخمس هل تحلّ لكم الصدقة؟ قال: «لا و اللّه ما يحلّ لنا ما حرّم اللّه علينا بمنع الظالمين لنا حقّنا، و ليس منعهم إيّانا ما أحلّ اللّه لنا بمحلّ لنا ما حرّم اللّه علينا.» «1»

و لكن يرد عليه مضافا إلى عدم ثبوت حجّيته أنّه يجب أن يحمل على ما إذا لم يبلغ حدّ الضرورة أو يراد به عدم الحلّية لخصوص الأئمة «ع» و لو عند الاضطرار فتدبّر.

(1) بعد ما ثبت إجمالا حلّية الزكاة لهم لدى الاضطرار إليها فهل الملاك تحقق الضرورة المسوّغة لأكل الميتة كما هو الظاهر من موثقة زرارة و لا محالة تدور الحلية مدارها و تتقدّر بقدرها فلا يجوز التصرّف إلّا بمقدار سدّ الرمق كما عن كاشف الرموز.

أو الفقر العرفي و عدم التمكن

من الخمس بقدر كفاية السنة و إن فرض تمكّنه من سائر الوجوه الشرعية كالصدقات المندوبة و زكاة مثله و نحو ذلك، كما هو الظاهر من كلمات الأصحاب و ادّعى عليه الإجماع أيضا.

أو عدم التمكن من الخمس و من سائر الوجوه الشرعية كما يظهر من المصنّف؟

و على القولين فهل تحلّ لهم حينئذ أخذ الزكاة مطلقا فيصير الهاشمي كغيره في جواز الأخذ بمقدار مئونة السنة أو متمّمها بل بمقدار يصير به غنيا لو قيل بذلك في الزكاة، أو لا يجوز الأخذ إلّا بمقدار قوت يوم و ليلة كما عن ابن فهد؟ في المسألة وجوه بل أقوال.

و اللازم هنا نقل بعض الكلمات في المقام ثمّ تحقيق المسألة فنقول:

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 259، كتاب الزكاة- ذكر دفع الصدقات؛ و المستدرك 1/ 524، الباب 19 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 348

..........

______________________________

1- قال في النهاية: «و هذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم و وصولهم إلى مستحقهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك و محتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.» «1»

2- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 14): «تحلّ الصدقة لآل محمد «ص» عند فوت خمسهم أو الحيلولة بينهم و بين ما يستحقّونه من الخمس، و به قال الإصطخري من أصحاب الشافعي. و قال الباقون من أصحابه:

إنّها لا تحلّ لهم لأنّها إنما حرّمت عليهم تشريفا لهم و تعظيما و ذلك حاصل مع منعهم الخمس.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ- الآية. و إنّما أخرجناهم في حال توسعهم إلى الخمس بدليل.» «2»

أقول: لا يخفى

أنّ ظاهر كلامه- قدّس سرّه- في النهاية اختصاص حلّية الزكاة لهم بحالة الاضطرار و لا محالة تتقدّر بقدره، و لعلّ الظاهر من الخلاف أعم من ذلك إذ يظهر منه أنّه مع تعذّر الخمس يصير آل محمد «ع» كغيرهم مشمولين لعموم الآية الشريفة و ما حذا حذوها فيكون حكم الهاشمي حينئذ حكم غيره.

كيف؟! و مقدار سدّ الرمق و أكل الميتة لدى الاضطرار إليه مما يبعد جدّا مخالفة فقهاء السنّة له إذ كلّ فقيه يفتي بوجوب حفظ نفس المسلم عن التلف و لو كان بأمر محرّم، فالخلاف بين فقهائنا و فقهائهم يرجع لا محالة إلى أمر أوسع من ذلك كما لا يخفى فتأمّل.

3- و في الانتصار: «و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ الصدقة إنّما تحرم على

______________________________

(1)- النهاية/ 187.

(2)- الخلاف 2/ 350.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 349

..........

______________________________

بني هاشم إذا تمكنوا من الخمس الذي جعل لهم عوضا عن الصدقة فإذا حرموه حلّت الصدقة لهم. و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردد.

و يقوّى هذا المذهب بظاهر الأخبار بأنّ اللّه تعالى حرّم الصدقة على بني هاشم و عوّضهم بالخمس منها، فإذا سقط ما عوّضوه به لم تحرم عليهم الصدقة.» «1»

4- و في الغنية: «فإن كان مستحق الخمس غير متمكن من أخذه أو كان المزكّي هاشميّا مثله جاز دفع الزكاة إليه بدليل الإجماع المشار إليه.» «2»

5- و في الشرائع: «و لو لم يتمكن الهاشمي من كفايته من الخمس جاز له أن يأخذ من الزكاة و لو من غير هاشمي، و قيل: لا يتجاوز قدر الضرورة.» «3»

6- و في المعتبر: «قال علماؤنا: إذا منع الهاشميّون من الخمس حلّت لهم الصدقة، و به قال

الإصطخري من أصحاب الشافعي، و أطبق الباقون على المنع ....

و لنا أنّ المنع إنما هو لاستغنائهم بأوفر المالين فمع تعذّره يحلّ لهم الآخر و يؤيد ذلك ما رواه أبو خديجة عن أبي عبد اللّه «ع» ...» «4» أقول: و قد مرّ خبر ابي خديجة. «5»

7- و في المنتهى: «و إذا منع الهاشميون من الخمس جاز لهم تناول الزكاة و عليه فتوى علمائنا أجمع و به قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية، و أطبق الجمهور على المنع ...» «6» و راجع التذكرة أيضا. «7»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 113 (- طبعة أخرى/ 155).

(2)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(3)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى 1/ 124).

(4)- المعتبر/ 283.

(5)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(6)- المنتهى 1/ 526.

(7)- التذكرة 1/ 235.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 350

..........

______________________________

أقول: لا يخفى أن ظاهر هذه الكلمات باستفاضتها أيضا كون الملاك لحلّية الزكاة لهم عدم التمكن من الخمس فقط و أنّ المأخوذ حينئذ غير محدود بحدّ الضرورة و سدّ الرمق نظير أكل الميتة بل تؤخذ بقدر الكفاية و ادعوا على ما ذكروه إجماع أصحابنا. و ما في الشرائع من إسناد القول الآخر إلى القيل يدلّ على التمريض و عدم القبول.

نعم يمكن أن يقال: إنّ تعرّضهم لخصوص الخمس يكون من باب المثال من جهة كونه الفرد الغالب فالمراد عدم التمكن مما يحلّ لهم من الأخماس و صدقات بني هاشم و الصدقات المندوبة و النذور و نحو ذلك، و لكن بعد الاحتياج إلى الزكاة لا يستفاد من هذه الكلمات تحديد لما يؤخذ و لا محالة تنصرف إلى قدر كفاية السنة كما في غير الهاشميين بل إلى قدر الغنى

كما قيل.

8- و قد صرّح بعدم التحديد بقدر الضرورة العلامة في المختلف قال: «فإن قصر الخمس عن كفايتهم جاز أن يأخذوا من الزكاة قدر الكفاية. و هل يجوز التجاوز عن قدر الضرورة؟ الأشهر ذلك. و قيل: لا يحلّ.

لنا أنّه أبيح له الزكاة فلا تتقدر بقدر. أمّا المقدّمة الأولى فلان التقدير ذلك.

و أمّا الثانية فلما رواه عمّار بن موسى عن الصادق «ع» أنّه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟ قال: فقال أبو جعفر «ع»: إذا أعطيته فأغنه ....

و لأنّ المقتضي للإباحة و هو الحاجة موجود، و المانع و هو كونه هاشميا لا يصلح للمانعية و إلّا يمنع من القليل فثبت الحكم ...» «1»

نعم في المنتهى حدّد المأخوذ بمقدار الضرورة فقال بعد تحقيق المسألة و الاستدلال عليها:

______________________________

(1)- المختلف/ 184.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 351

..........

______________________________

فرع: إذا ثبت جواز إعطائهم عند منعهم من مستحقّهم فهل يجوز أن يأخذوا بقدر الحاجة و ما يزيد عنها أم لا؟ الأقرب منعهم ممّا يزيد عن قدر ضرورتهم لأنّه مفهوم من المناهي.» «1»

و بالجملة فظاهر أكثر كلمات الأصحاب أنّ بني هاشم إن منعوا من الخمس فقط حلّ لهم الزكاة مطلقا و ادّعوا على ذلك الإجماع فيصير الهاشمي حينئذ كغيره في جواز الأخذ بمقدار كفاية السنة بل بقدر حصول الغنى أيضا لو قيل به في غيره كما في المختلف،

اللّهم إلّا أن يحمل الخمس في كلماتهم على المثال كما مرّ احتماله فيرجع كلماتهم إلى أنّه مع عدم حصول الكفاية بالخمس و سائر الوجوه المنطبقة عليهم حلّت لهم الزكاة مطلقا لا بمقدار الضرورة فقط، إذ قد مرّ أنّ الخلاف بين فقهائنا و فقهاء السنة ليس في مقدار حلّ الميتة قطعا.

و ربّما يستدلّ لذلك بوجوه:

الاول: الإجماعات التي مرّ بعضها.

الثاني: ما

يظهر من كلام السيّد و غيره من دلالة الأخبار على أنّ اللّه عوّضهم عن الزكاة بالخمس فإذا منعوا من العوض بقي المعوّض بحاله.

الثالث: انصراف أدلّة التحريم عن صورة الضرورة فيبقى عموم أدلة الزكاة بحاله.

الرابع: رواية أبي خديجة السابقة الدالّة على الحلية لغير النبي «ص» و الأئمة «ع» بعد حملها على صورة قصور الخمس كما لعلّه المحقّق في عصر الإمام الصادق «ع» جمعا بين هذا الخبر و الأدلة المانعة بنحو الإطلاق.

فإن قلت: المستفاد من موثقة زرارة السابقة و من جميع أدلة الاضطرار

______________________________

(1)- المنتهي 1/ 526.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 352

..........

______________________________

وجوب الاكتفاء بقدر الضرورة كما هو الظاهر من تنظيره «ع» بحلّ الميتة.

قلت: يمكن أن يقال كما في الحدائق ما محصّله: «إنّ الغرض من التمثيل بيان أصل الانتقال من التحريم إلى التحليل لمكان الاضطرار و أمّا أن أخذهم من الزكاة يتقدّر بقدر الأكل من الميتة فلا دلالة في الكلام عليه، و حينئذ فمتى حلّ لهم تناول الزكاة جاز الأخذ منها مطلقا.» «1»

و يمكن أن يؤيّد هذا البيان بما في المستمسك: «من أن الحلّ عند حلّ الميتة ممّا لا يحتاج إلى بيان و لا يتّفق وقوعه إلّا نادرا فكيف يمكن حمل النصّ عليه ...

فالاعتماد على الإجماعات المحكيّة في كلام الأساطين قويّ جدّا.» «2» هذا.

و لكن يمكن أن يورد على الإجماعات بوجود المخالف كما مرّ عن ابن فهد و كاشف الرموز و العلّامة في المنتهى و باحتمال كون الإجماع مدركيّا مستندا إلى سائر الوجوه المزبورة فلا حجيّة فيه.

و يورد على الوجه الثاني، بأنّ تحريم شي ء و التعويض عنه في مرحلة الجعل و التشريع لا يقتضي حلّية المعوّض عند منع العوض في مرحلة الامتثال، و إلى ذلك أشار صاحب

الجواهر حيث قال: «إنّ الثابت من المعاوضة بالنسبة إلى الحكم أي حرم عليهم الزكاة و عوّضهم بفرض الخمس على الناس من غير مدخليّة للتمكن و عدمه.» «3»

و يورد على الوجه الثالث، بمنع انصراف أدلّة التحريم عن صورة الاضطرار، و لو سلّم فحكم الاضطرار قد بيّنه الشارع في موثقة زرارة السابقة و غيرها من أدلّة الاضطرار فلا مجال للرجوع فيه إلى العمومات الأوّليّة.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 220.

(2)- المستمسك 9/ 306.

(3)- الجواهر 15/ 410.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 353

..........

______________________________

و يورد على الوجه الرابع، بأنّه لو سلّم حمل خبر أبي خديجة على صورة قصور الخمس بلحاظ الجمع بين الأدلّة فهذا بعينه يقتضي الاكتفاء بقدر الضرورة و حلّ الميتة أيضا جمعا بينه و بين الموثقة كما لا يخفى.

و أمّا ما في الحدائق فهو مخالف لظاهر ذيل الموثقة إذ الظاهر منها كون حلّيتها من باب أكل الميتة و متقدّرة بقدره.

و بذلك يظهر الإشكال في كلام المستمسك أيضا إذ حلّ الميتة في حال الضرورة أيضا حكم شرعي يحتاج إلى البيان كسائر الأحكام الاضطرارية التي تعرّض لها الكتاب و السنة فلم لا يمكن حمل النصّ عليه؟ نعم حمل كلمات الأصحاب و الإجماعات المحكيّة على مثل ذلك بعيد كما عرفت بل لعلّ المستفاد منها أوسع من ذلك و لكن الشأن في حجيّتها و الاعتماد عليها.

و أمّا ما في المستمسك في خلال الكلام السابق و محصّله: «أنّ صدر الموثّقة هو الكلام الوارد في مقام بيان التحليل و قد تمّ عند قوله: «سعتهم» و بعده كان كلاما منفصلا عن الأوّل و ليس المقصود منه تقييد الصدر بصورة الضرورة» «1» ففيه أن الظاهر كون الصدر إشارة إلى آية الخمس فلا ربط له بتحليل الزكاة عند الضرورة

فتدبّر.

و قد تحصّل ممّا ذكرنا أنّه إن كان المستند لحلّ الزكاة لهم الإجماعات المحكيّة و ما حذا حذوها من الوجوه السابقة فالظاهر منها كون الهاشمي حينئذ كغيره في جواز الأخذ بمقدار الكفاية و ظاهرهم كفاية السنة على ما هو المنساق من كلماتهم حيث إنّها هي الميزان في تقدير المؤونات عرفا و في تقسيم الزكوات و الأخماس على ما يظهر من أخبار البابين.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 307.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 354

..........

______________________________

و لو سلّمنا في باب الزكاة جواز الإعطاء زائدا عليها بتوهّم دلالة الأخبار الظاهرة في جواز الإغناء على ذلك فلا يجري في المقام إذ الزكاة هنا عوض عن الخمس و لا يزيد العوض على المعوّض.

و بالجملة فحيث إنّ حلّ الزكاة هنا مشروط بعدم التمكن من الخمس، و الملاك في الخمس مئونة السنة فإن أحرز عدم التمكن منه في تمام السنة جاز له أخذ مئونة السنة و إلّا فبمقدار ما أحرز فيه عدم التمكن منه، و لا محالة يراد به عدم التمكن عرفا فلو فرض حصوله بمشقّة و ذلّ عدّ غير متمكن كما لا يخفى.

و أمّا إن كان المستند في المسألة مؤثقة زرارة السابقة كما هو الظاهر فلا يخفى أنّ المستفاد منها عدم جواز الأخذ إلّا بمقدار الضرورة و سدّ الرمق كما عن كاشف الرموز.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ المتعارف في باب النفقات رعاية نفقة اليوم و الليلة فينصرف إليها الإطلاق و به قال ابن فهد على ما حكي عنه و إليه أشار المصنّف أيضا.

كيف؟! و يبعد جدّا بلوغ حاجتهم إلى حدّ إباحة الميتة بل لا تبلغه حاجة أحد إلّا نادرا في غاية الندرة فلا وجه لتحديد المأخوذ بسدّ الرمق إذ هذا المقدار يجده كلّ شخص

غالبا و التحديد به حرج شديد منفي لا يلائم حكمة تحريم الزكاة التي هي ترفّعهم عن الأوساخ فإنّها لا تقتضي هذا المقدار من التضييق فليحمل التشبيه في الموثقة على التشبيه في أصل التحليل لا مقداره كما مرّ من الحدائق.

و كيف كان فيشكل أخذ الزائد على نفقة اليوم و الليلة.

و لكن في الجواهر: «قال الكركي في حواشي الكتاب: «الأصحّ أنّه يدفع إليه قدر كفايته له و لعياله يوما فيوما، و لو توقّع ضرر الحاجة إن لم يدفع إليه ما يكمل به مئونة السنة عادة دفع إليه ذلك، فلو وجد الخمس في أثناء السنة لم يبعد وجوب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 355

[حكم الزكاة المندوبة للهاشميّ]

[الزكاة المندوبة ليست محرّمة على الهاشميّ]

[المسألة 21]: «المحرّم من صدقات غير الهاشميّ عليه إنّما هو زكاة المال الواجبة و زكاة الفطرة.

و أما الزكاة المندوبة- و لو زكاة مال التجارة- و سائر الصدقات المندوبة فليست محرّمة عليه،

بل لا تحرم الصدقات الواجبة- ما عدا الزكاتين- عليه أيضا كالصدقات المنذورة و الموصى بها للفقراء و الكفّارات و نحوها كالمظالم

______________________________

استعادة ما بقي من الزكاة.» و نحوه عن حواشيه على الإرشاد.

قيل: و عكس في حواشي القواعد فذكر إعطاءه ما يكفيه لسنة له و لواجبي النفقة عليه إلّا أن يرجى حصول الخمس في أثناء السنة على وجه لا يتوقع معه ضرر فإنّه يعطى تدريجا.

قلت: الأحوط إن لم يكن الأقوى التدريج على كلّ حال حتى مع العلم ببقاء الضرورة عليه إلى تمام السنة لعدم جواز تقدّم المسبّب على السبب ...» «1» انتهى ما في الجواهر.

أقول: الأحوط رعاية ما ذكره من الاحتياط، و التقدير باليوم و الليلة ممّا لا إشكال فيه ظاهرا بعد العلم بتحقق الضرورة في جميع المدّة لمساعدة العرف على ذلك و إن وجب

ردّ الزائد لو فرض التمكن قبل انقضائها.

و أمّا إعطاء الزائد على اليوم و الليلة فمشكل و لو مع العلم بتحقق الضرورة في الأزمنة الآتية و عدم التمكن من الزكاة فيها.

اللّهم إلّا أن يكون الإعطاء و الأخذ لا بعنوان التمليك و التملك فعلا بل بعنوان الأمانة ليتملّكها و يصرفها بعد فعلية الضرورة خارجا فيجوز ذلك إذا لم يوجد للزكاة مصرف فعلي أهم يمكن صرفها فيه فعلا فتدبّر.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 411.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 356

إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميّين.

و أمّا إذا كان المالك المجهول الّذي يدفع عنه الصدقة هاشميّا فلا إشكال أصلا.

و لكن الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه. و أحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة و لو مندوبة خصوصا مثل زكاة مال التجارة (1).

______________________________

(1) أقول: هل المحرّم على بني هاشم هي الصدقة مطلقا، أو الواجبة منها مطلقا دون المندوبة، أو الواجبة منها بالأصالة مطلقا دون الواجبة بالعرض كالمنذورة و الموصى بها و المشروطة في عقد لازم و التصدّق باللقطة أو مجهول المالك أو المظالم، أو الزكاة مطلقا دون غيرها من الصدقات و إن كانت واجبة كالهدي و الكفارات، أو خصوص الزكاة الواجبة دون المندوبة منها، أو خصوص الواجب من زكاة المال فلا تحرم زكاة الفطرة أيضا،

أو يفصّل بين النبيّ «ص» و الأئمة المعصومين «ع» و بين غيرهم من بني هاشم فيحرم على النبيّ «ص» و الأئمة «ع» مطلق الصدقات حفظا لحرمتهم و قداستهم كما قيل، و أمّا سائر بني هاشم فيحرم عليهم خصوص الواجبة أو خصوص الزكاة لكونها أو ساخا كما في الحديث أو خصوص الواجبة منها، و أمّا غيرها فيحل لهم بمقتضى العمومات اللّهم إلّا أن يكون في مقام الإهانة

و المهانة كما حكي من إعطاء أهل الكوفة صدقات من التمر و الخبز و الجوز لأهل بيت الحسين «ع» ترحّما و صارت السيدة أمّ كلثوم «ع» تأخذها من أيديهم و ترمي بها إلى الأرض و تقول:

إنّ الصدقة علينا حرام. «1» فتكون اللام إشارة إلى النوع المعهود في ذلك اليوم الملازم للمهانة؟ في المسأله وجوه بل أقوال، و لا بدّ قبل تحقيق المسألة من نقل بعض الأقوال و الكلمات:

______________________________

(1)- البحار 45/ 114، تاريخ الحسين بن علي سيد الشهداء «ع»، باب (39) الوقائع المتأخّرة عن قتله.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 357

[كلمات الفقهاء]

______________________________

1- ففي كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 26): «النبي «ص» كان يحرم عليه الصدقة المفروضة و لا يحرم عليه الصدقة التي يتطوّع بها، و كذلك حكم آله و هم ولد عبد المطلب لأنّ هاشما لم يعقب إلّا منه، و به قال الشافعي أعني في صدقة التطوّع إلّا أنّه أضاف إلى بني هاشم بني المطلب. و له في صدقة التطوّع وجهان في النبيّ خاصّة دون آله. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم فإنّهم لا يختلفون فيه ...» «1»

أقول: ظاهر عبارة الخلاف التفصيل بين كون الصدقة مفروضة أو متطوّعا بها من غير فرق بين الزكاة و غيرها من أنواع الصدقات، اللّهم إلّا أن يدّعى انصراف الصدقة المفروضة إلى الزكاة كما يأتي بيانه.

2- و قال في النهاية: «و لا تحلّ الصدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة ...

فأمّا ما عدا صدقة الأموال فلا بأس أن يعطوا إيّاها.» «2»

أقول: يمكن أن يقال بانصراف الصدقة الواجبة في الأموال إلى ما شرّعت في نفس الأموال لتطهيرها فلا تشمل الكفارات و الهدي لثبوتهما في ذمّة الشخص.

نعم مقتضى ذلك عدم حرمة زكاة الفطرة

أيضا مع أنّه قال في زكاة الفطرة من النهاية: «و المستحق لها هو كلّ من كان بالصفة التي تحلّ له معها الزكاة، و تحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.» «3» و سيأتي الكلام في ذلك.

3- و في التذكرة: «الصدقة المفروضة محرّمة على النبيّ «ص» إجماعا.

و أمّا المندوبة فالأقوى عندي التحريم أيضا لعلوّ منصبه و زيادة شرفه و ترفّعه فلا يليق بمنصبه قبول الصدقة لأنّها تسقط المحلّ من القلب.

و لأنّ سلمان الفارسي أتى النبي «ص» فحمل إليه شيئا فقال: ما هذا؟ فقال:

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 353.

(2)- النهاية/ 186.

(3)- النهاية/ 192.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 358

..........

______________________________

صدقة فردّه، ثمّ أتاه به من الغد فقال: هدية فقبله.

و لعموم قوله «ص»: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة» و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّها تحلّ كما تحلّ لآله. و الفرق فضيلته عليهم و تميّزه عنهم، و الوجه عندي أنّ حكم الأئمة «ع» حكمه في ذلك.

و أمّا باقي آله فتحرم عليهم الصدقة المفروضة على ما تقدّم. و هل تحلّ المندوبة؟ المشهور ذلك و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين لأنّ عليّا «ع» و فاطمة «ع» وقفا على بني هاشم، و الوقف صدقة.

و روى الجمهور عن الصادق «ع» عن أبيه الباقر «ع» أنّه كان يشرب من سقايات بين مكّة و المدينة فقلت له: تشرب من الصدقة؟ فقال: «إنّما حرمت علينا الصدقة المفروضة.» و يجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء و من النذور.

و عن أحمد رواية بالمنع لعموم قوله «ع»: «إنّا لا تحلّ لنا الصدقة» و الجواب الحمل على المفروضة جمعا بين الأدلّة.

أمّا الكفارة فتحتمل التحريم لأنّها واجبة فأشبهت الزكاة. و الأقوى الجواز للأصل و انتفاء المانع

فإنّها ليست زكاة و لا هي أوساخ الناس.» «1»

أقول: لا يخفى وجود بعض من التهافت في كلامه- قدّس سرّه- لأنّه تارة تمسّك بالحديث النبويّ لعدم حلّية الصدقة المندوبة للنبي «ص» و أخرى حمله على الصدقة المفروضة ردّا لأحمد.

و أفتى تارة بعدم حلّية المندوبة للأئمة «ع» أيضا و أخرى استدل لحلية المندوبة على آله بشرب الإمام الباقر «ع» من السقايات و قوله «ع»: «إنّما حرمت علينا الصدقة المفروضة» فتأمّل.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 235.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 359

..........

______________________________

ثمّ إنّ استدلاله لحلّية المندوبة على الآل بوقف عليّ و فاطمة «ع» على بني هاشم أيضا قابل للمناقشة إذ الكلام في صدقات غير بني هاشم لبني هاشم.

و اعلم أنّ ما ذكره من ردّ النبي «ص» لصدقة سلمان ليس على حقيقته إذ هو «ص» لم يردّها بالكلّية بل قال لأصحابه: كلوا و لم يأكل هو فراجع سيرة ابن هشام و البحار «1» في قصة إسلام سلمان.

و الظاهر أنّ صدقته كانت مندوبة لا زكاة إذ كانت الواقعة في بدو ورود النبي «ص» إلى المدينة و لم يشرّع الزكاة حينئذ.

و في رواية، أنّ التمر الذي أتي به إلى النبي «ص» كان مما استوهبه سلمان من مولاته.

و راجع في هذا المجال المنتهى أيضا و المعتبر. «2»

4- و في أمّ الشافعي: «و لا يحرم على آل محمد «ص» صدقة التطوّع، إنّما يحرم عليهم الصدقة المفروضة. أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أنّه كان يشرب من سقايات الناس بمكة و المدينة فقلت له: أ تشرب من الصدقة و هي لا تحلّ لك؟ فقال: «إنّما حرمت علينا الصدقة المفروضة.» «3»

5- و في المغني لابن قدامة: «و يجوز لذي القربى الأخذ من صدقة

التطوّع.

قال أحمد في رواية ابن القاسم: إنّما لا يعطون من الصدقة المفروضة فأمّا التطوّع فلا. و عن أحمد رواية أخرى: إنّهم يمنعون صدقة التطوّع أيضا لعموم قوله «ع»:

«إنّها لا تحلّ لنا الصدقة.»

و الأوّل أظهر فإنّ النبي «ص» قال: «المعروف كلّه صدقة.» متّفق عليه،

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 1/ 233؛ و البحار 22/ 358 و 364، تاريخ نبيّنا «ص»، باب (11) إسلام سلمان، الحديث 2 و 5.

(2)- المنتهى 1/ 525؛ و المعتبر/ 282.

(3)- أمّ الشافعى 2/ 69، كتاب الزكاة، باب العلة في القسم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 360

..........

______________________________

و قال اللّه- تعالى-: «فمن تصدّق به فهو كفارة له.» و قال- تعالى-: «فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.» و لا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي و العفو عنه و إنظاره. و قال إخوة يوسف: «وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنٰا.»

و الخبر أريد به صدقة الفرض لأنّ الطلب كان لها و الألف و اللام تعود إلى المعهود.

و روى جعفر بن محمد عن أبيه أنّه كان يشرب من سقايات بين مكّة و المدينة فقلت له: أ تشرب من الصدقة؟ فقال: «إنّما حرمت علينا الصدقة المفروضة.»

و يجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء و من النذور لأنهما تطوّع فأشبه ما لو وصّى لهم.

و في الكفارة وجهان: أحدهما يجوز لأنها ليست بزكاة و لا هي أوساخ الناس فأشبهت صدقة التطوّع. و الثاني لا يجوز لأنّها واجبة أشبهت الزكاة.» «1»

6- و في المحلّى لابن حزم في فقه الظاهريين من السنة بعد ما سوّى بين بني هاشم و بني المطلب قال: «و لا يحلّ لهذين البطنين صدقة فرض و لا تطوّع أصلا لعموم قوله «ص»: «لا تحلّ الصدقة لمحمد و

لا لآل محمد.» فسوّى بين نفسه و بينهم، و أمّا ما لا يقع عليه اسم صدقة مطلقة فهو حلال لهم كالهبة و العطيّة و الهدية و النّحل و الحبس و الصّلة و البرّ و غير ذلك لأنّه لم يأت نصّ بتحريم شي ء من ذلك عليهم.» «2» هذا.

7- و قال المحقّق في الشرائع: «الوصف الرابع أن لا يكون هاشميّا فلو كان كذلك لم تحلّ له زكاة غيره، ... و يجوز للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي و غيره.» «3»

______________________________

(1)- المغني لابن قدامة 2/ 521.

(2)- المحلى 6/ 147 (المجلد الثالث)، كتاب الزكاة.

(3)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى 1/ 124).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 361

..........

______________________________

8- و ذيّل العبارة الأخيرة في الجواهر بقوله: «بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به غير واحد، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منه صريحا و ظاهرا فوق الاستفاضة كالنصوص.» «1»

أقول: و لا يخفى أنّ ظاهر عبارة الشرائع أنّ التفصيل بين الواجبة و المندوبة كان في الزكاة لا مطلق الصدقة. و بحثه و بحث سائر الفقهاء أيضا وقع في كتاب الزكاة فلعلّ من عبّر منهم بلفظ الصدقة أيضا أراد بها خصوص الزكاة كما هو المتعارف في إطلاق كثير من النصوص و كلمات الأصحاب بحيث تنصرف عن مثل الهدي و الكفارات فضلا عمّا وجب بمثل النذر و الوصية و نحوهما فتأمّل.

9- و في المسالك في ذيل عبارة الشرائع قال: «يستثنى منه النبي «ص» فإنّ الأصحّ تحريم الصدقة عليه مطلقا و كذا الأئمة «ع». و في حكم المندوبة لغيرهم المنذورة و الموصى بها، و في الكفارة وجهان أصحّهما جوازها فيختصّ التحريم بالزكاتين.» «2»

10- و في الجواهر أيضا: «ثمّ إنّه قد يظهر من جماعة

كالسيد و الشيخ و المصنف و الفاضل في جملة من كتبه إلحاق جميع الصدقات الواجبة بالزكاة كالكفارة و نحوها، بل ربّما ظهر من الثلاثة في الانتصار و الخلاف و المعتبر الإجماع عليه،

بل صرّح بعضهم بأنّ من ذلك الصدقة الواجبة بالنذر و أخويه، و آخر الصدقة الموصى بها، و ثالث الهدي الواجب، و ربّما كان مقتضى ذلك حرمة ردّ المظالم الواجبة عليهم ضرورة كونها كالواجبة بالعارض بنذر و وصية و نحوهما.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 413.

(2)- المسالك 1/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 362

..........

______________________________

لكنّه لا دليل صالح لذلك، إذ الإجماع المحكىّ- مع أنّا لم نتحقق الإطلاق من معقده ...- موهون بمصير جماعة من المتأخرين كالفاضل في القواعد و المقداد في التنقيح و الكركي في جامعه و ثاني الشهيدين في الروضة و المسالك و سبطه في المدارك إلى خلافه، و إطلاق كثير من أخبار الصدقة منساق إلى الزكاة.» «1» هذا.

و قد اتسع نقل الكلمات في المقام، و الغرض إحاطة القارئ إجمالا بكلمات الفريقين فإنّ المسألة واسعة النطاق، و الابتلاء بها في غاية الكثرة، و تعرّض لها علماء الفريقين بالتفصيل. و ربّما عقدوا مسألتين: مسألة في شخص النبيّ «ص» و مسألة أخرى في آله.

[مقتضى العمومات و الإطلاقات الواردة في مصارف الزكوات]

و لا يخفى أنّ مقتضى العمومات و الإطلاقات الواردة في مصارف الزكوات و الكفارات و الصدقات جواز إعطائها لبني هاشم أيضا مطلقا فلا بدّ للتخصيص في كلّ باب من أن يرجع إلى أدلّة الاستثناء و مقدار دلالتها فإن كان لها عموم أو إطلاق حكّم على عموم الفوق و إطلاقه و إلّا وجب الاقتصار على القدر المتيقّن حذرا من التخصيص الزائد، و لا وجه لقياس بعض على بعض لعدم اعتباره عندنا. هذا.

و موضوع التحريم في نهاية

الشيخ: «الصدقة الواجبة في الأموال». و في الخلاف و التذكرة و المنتهى و المغني لابن قدّامة: «الصدقة المفروضة». و في المقنعة:

«الزكاة الواجبة.» و في الشرائع و النافع و الوسيلة: «الزكاة». «2» و لعلّ هذا ظاهر أكثر الكتب حيث تعرّضوا للمسألة في شرائط المستحقّين للزكاة. فهذه نماذج من الفتاوى فلم يذكر فيها مطلق الصدقة.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 411.

(2)- النهاية/ 186؛ الخلاف 2/ 227؛ التذكرة 1/ 235؛ المنتهى 1/ 524؛ المغني 2/ 519؛ المقنعة/ 40 الشرائع 163 (ط. أخرى/ 124)؛ النافع/ 60؛ الوسيلة راجع الجوامع الفقهية/ 681 (ط. أخرى/ 717).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 363

[الأخبار الواردة في هذا المجال]

______________________________

و أمّا الأخبار ففي صحيحة الفضلاء عن رسول اللّه «ص»: «إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس ... و إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب.» «1»

و في صحيحة عيص بن القاسم أنّه «ص» قال: «يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم.» «2»

و عن صحيفة الرضا عن رسول اللّه «ص»: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة.» «3»

و في رواية زيد بن أرقم عن رسول اللّه «ص»: «إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لأهل بيتي.» «4»

و في صحيح مسلم عنه «ص»: «أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟» «5»

و فيه أيضا عنه «ص»: «إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنّما هي أوساخ الناس.» «6»

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع»: «لا تحلّ الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم.» «7»

و في رواية إبراهيم الأوسي عن الرضا «ع» أنّ رجلا قال لأبيه: «أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال: بلى.» «8»

و في الفقيه عن الصادق «ع»: «فالصدقة علينا حرام.» «9» الى غير ذلك من

الأخبار.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 187، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(4)- المستدرك 1/ 524، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(5)- صحيح مسلم 2/ 751، الباب 50 من كتاب الزكاة، الحديث 161.

(6)- صحيح مسلم 2/ 753، الباب 51 من كتاب الزكاة، الحديث 167.

(7)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(8)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(9)- الوسائل 6/ 187، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 364

..........

______________________________

فهذه عمدة أخبار المسألة المرويّة عن الفريقين، و المذكور فيها لفظ الصدقة بإطلاقها و إن كان المورد لكثير منها الزكاة و لكن المورد لا يخصّص.

فلو كنّا نحن و هذا السنخ من الأخبار كان الواجب القول بتحريم مطلق الصدقة على بني هاشم و إن كانت مندوبة كما عرفت القول به عن ابن حزم في المحلّى، و في رواية عن أحمد.

اللّهم إلّا أن يدّعى أنّ لفظ الصدقة في تلك الأعصار كان ينصرف إلى خصوص الزكاة ألا ترى أنّ قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» و قوله: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ الآية.» و قوله: «وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقٰاتِ الآية» «1» كان يراد بالصدقة فيها بمقتضى الأخبار الواردة في تفسيرها الزكاة.

و يؤيد ذلك اشتمال بعض ما مرّ من الأخبار على التعليل بأنها أوساخ الناس إذ فيه إشارة إلى التطهير المذكور في الآية.

و النبي «ص» كان يطالب الزكوات و يبعث العاملين لجبايتها، و في هذا المجال جاء بعض

بني هاشم فطلبوا منه أن يستعملهم على الصدقات فقال:

«يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم» «2» فتكون اللام إشارة إلى ما كان يطلبه من الزكوات كما مرّ من ابن قدامة.

و كيف كان فالمشهور اختصاص التحريم بالصدقة الواجبة و عدم حرمة المندوبة بل عرفت من الجواهر دعوى الإجماع عليه بقسميه و عدم الخلاف فيه بيننا.

و يدلّ على ذلك مضافا إلى ذلك و إن كان الاعتماد عليه مشكلا أخبار مستفيضة:

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآيات 103، 60، 58.

(2)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 365

..........

______________________________

1- خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: «هي الزكاة»، قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال: «نعم.» «1»

و ظاهره التعميم لزكاة الفطرة و للزكاة المندوبة أيضا، و الانصراف إلى الواجبة بدوي لا اعتبار به اللّهم إلّا أن يقيّد بسبب الروايات الآتية.

و إسماعيل بن الفضل ثقة من أولاد نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و لكن في السند ضعف لوجود الإرسال في طريق الكليني، و القاسم بن محمد الجوهري في طريق الشيخ واقفي لم يوثّق.

2- خبر زيد الشحام عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم، فقال: هي الزكاة المفروضة و لم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض.» «2»

و ظاهره الحصر في الزكاة المفروضة و التعميم للفطرة أيضا، و لكن في السند مفضل بن صالح و هو ضعيف.

3- ما عن كتاب حسين بن عثمان بن شريك برواية ابن أبي عمير عنه و عن غير واحد عن عبد اللّه بن شيبان (سنان-

ظ.) عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّما حرّم على بني هاشم من الصدقة الزكاة المفروضة على الناس» ثمّ قال: «لو لا هذا لحرمت علينا هذه المياه التي فيما بين مكّة و المدينة.» «3»

4- رواية جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا، فأمّا غير ذلك فليس به بأس، و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة، هذه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- المستدرك 1/ 524، الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 366

..........

______________________________

المياه عامّتها صدقة.» «1» و جعفر بن إبراهيم من أحفاد عبد اللّه بن جعفر الطيّار ثقة فالسند لا بأس به.

و الظاهر أنّ كلامه «ع» ناظر إلى الزكاة التي اتّضح وجوبها على عامّة الناس و عمّت البلوى بها و عدّت في الشرع في عداد الصلاة و غيرها من دعائم الإسلام، و منصرف جدّا عن مثل الكفّارات الواجبة على فريق خاصّ عند حدوث أسباب خاصّة، فضلا عمّا يعرض لها الوجوب أحيانا بالنذر و الوصية و نحوهما فتدبّر.

قال في الجواهر: «و لا يخفى على من رزقه اللّه- تعالى- فهم لسانهم- عليهم السلام- و معرفة إشاراتهم كون المحرّم الزكاة خاصّة، فتقيّد بذلك تلك النصوص المعلوم عدم إرادة مطلق الصدقات منها لخروج صدقة الهاشمي و و الصدقة المندوبة و نحو ذلك، كما أنّه لا يخفى من قرائن كثيرة اعتبار هذه النصوص فلا يقدح ضعف أسانيدها.» «2»

5- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن

أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «لو حرّمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكّة لأنّ كلّ ماء بين مكّة و المدينة فهو صدقة.» «3» و يحتمل اتحاد هذا الخبر مع ذيل الخبر الذي قبله فإنّ الراوي عن جعفر بن إبراهيم في ذلك الخبر هو عبد الرحمن بن الحجاج و على هذا فسقط جعفر من سند هذا الخبر فتدبّر.

6- و قد مرّ عن أمّ الشافعي قوله: «أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» أنّه كان يشرب من سقايات الناس بمكّة و المدينة فقلت له: أ تشرب من

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 189، الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الجواهر 15/ 413.

(3)- الوسائل 6/ 188، الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 367

..........

______________________________

الصدقة و هي لا تحلّ لك؟ فقال: «إنّما حرمت علينا الصدقة المفروضة.» «1»

و من المظنون أنّه أراد بإبراهيم بن محمد إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المدني الذي كان يروي كثيرا عن الصادقين «ع» و ضعّفه العامّة و قالوا إنّه كان رافضيا غير أنّ الشافعي كان يروي عنه كثيرا و كان يعتمد عليه و هو عندنا ممدوح حسن بل يظهر من البعض توثيقه فراجع حاله في رجال المامقاني و في تهذيب التهذيب لابن حجر.

و بالجملة فمقتضى هذه الأخبار المستفيضة بعد إرجاع بعضها إلى بعض و تقييد المطلق منها بالمقيّد اختصاص الحرمة بالزكاة الواجبة و هي التي عبّر عنها بالأوساخ اقتباسا من التطهير المذكور في الآية الواردة في أخذ الزكاة.

و لعلّ الإنسان يطمئن إجمالا بصدور بعض هذه الأخبار مضافا إلى ما مرّ من نقاوة السند في بعضها.

و المشهور أيضا حصروا التحريم في

الزكاة أو في الصدقة الواجبة، و قد عرفت أنّ المتبادر منها خصوص الزكاة الواجبة، فالأخبار الدالّة على تحريم الصدقة عليهم بإطلاقها لم تبق على إطلاقها الأوّل فتدبّر. هذا.

[الاستدلال بأنّها تعاون على البرّ و التقوى]

و ربّما يستدلّ لعدم حرمة الصدقة المندوبة لهم مضافا إلى ما مرّ: بأنّها تعاون على البرّ و التقوى فيكون سائغا لقوله- تعالى-: «وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ.»

و ما رواه الجمهور عن علي و فاطمة- عليهما السلام- إنّها وقفا على بني هاشم، و الوقف صدقة.

و لا خلاف في جواز معونتهم و العفو عنهم و غير ذلك من وجوه المعروف و قد قال- عليه السلام-: «كلّ معروف صدقة.» هكذا استدل في المنتهى. «2»

______________________________

(1)- أمّ الشافعي 2/ 69، كتاب الزكاة، باب العلة في القسم.

(2)- المنتهى 1/ 525.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 368

..........

______________________________

أقول: لا يخفى ما في الاستدلال بوقف عليّ و فاطمة من النقاش إذ الكلام في صدقة غير الهاشمي للهاشمي.

و في المنتهى أيضا: «و يستحبّ الصدقة على بني هاشم خصوصا العلويين لشرفهم على غيرهم.» «1»

و في التذكرة: «و الصدقة المندوبة على بني هاشم أفضل خصوصا العلويين.» «2»

و استدل لذلك ببعض الأخبار الواردة في إعانة الذرية.

و تبعه على ذلك في مجمع الفائدة و استدل بالأخبار الواردة في صلة الإمام و إعانة الذرية و اصطناع المعروف إليهم. «3»

1- مثل ما في الفقيه: «سئل الصادق «ع» عن قول اللّه- عز و جل-: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً.»* قال: «نزلت في صلة الامام.» «4»

2- و قال «ع»: «درهم يوصل به الإمام أفضل من ألف ألف درهم ينفق في غيره في سبيل اللّه.» «5»

3- و خبر عيسى بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»:

«من صنع

إلى أحد من أهل بيتي يدا كافيته به يوم القيامة.» «6»

4- و ما عن الكليني بسنده عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

قال رسول اللّه «ص»: «أنا شافع يوم القيامة لأربعة أصناف و لو جاؤوا بذنوب

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 544.

(2)- التذكرة 1/ 251.

(3)- مجمع الفائدة 4/ 181- 183.

(4)- الفقيه 2/ 42 (- طبعة أخرى 2/ 72)، كتاب الزكاة، باب ثواب صلة الإمام «ع»، الحديث 1763.

(5)- الفقيه 2/ 42 (- طبعة أخرى 2/ 73)، كتاب الزكاة باب ثواب صلة الإمام «ع»، الحديث 1764.

(6)- الوسائل 11/ 556، الباب 17 من أبواب فعل المعروف، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 369

..........

______________________________

أهل الدنيا: رجل نصر ذريّتي، و رجل بذل ماله لذريّتي عند الضيق، و رجل أحبّ ذريتي باللسان و القلب، و رجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شرّدوا.» «1»

5- و ما عن الصدوق قال: قال الصادق «ع»: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أيّها الخلائق أنصتوا فإن محمدا «ص» يكلّمكم، فتنصت الخلائق فيقوم النبي «ص» فيقول: يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منّة أو معروف فليقم حتى أكافيه، فيقولون: بآبائنا و أمهاتنا و أيّ يد و ايّ منة و أيّ معروف لنا؟ بل اليد و المنّة و المعروف للّه و لرسوله على جميع الخلائق، فيقول لهم: بلى من آوى أحدا من أهل بيتي أو برّهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافيه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك فيأتي النداء من عند اللّه- تعالى- يا محمد يا حبيبى قد جعلت مكافاتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت قال: فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد و أهل بيته.»

«2»

أقول: في ذيل الفقيه عن القاموس: «الوسيلة و الواسلة: المنزلة عند الملك و الدرجة و القربة.»

و عن معاني الأخبار عن النبي «ص» أنّه قال: «الوسيلة هي درجتي في الجنة و هي ألف مرقاة.» «3»

6- و عن الصادق «ع» عن آبائه قال: قال رسول اللّه «ص»: «من وصل أحدا من أهل بيتي في دار الدنيا بقيراط كافيته بقنطار.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 556، الباب 17 من أبواب فعل المعروف، الحديث 2.

(2)- الوسائل 11/ 556، الباب 17 من أبواب فعل المعروف، الحديث 3؛ و الفقيه 2/ 36 (- طبعة أخرى 2/ 65)، كتاب الزكاة، الباب 18، الحديث 1727.

(3)- معاني الأخبار/ 116 (الباب 49)، باب معنى الوسيلة.

(4)- الوسائل 11/ 558، الباب 17 من أبواب فعل المعروف، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 370

..........

______________________________

7- و عن أبان بن تغلب عن الباقر «ع» عن أبيه عن جدّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «من أراد التوسّل إليّ و أن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل على أهل بيتي و يدخل السرور عليهم.» «1» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال.

أقول: قد استدل بهذا القبيل من الأخبار في مجمع الفائدة. «2» و شمول إطلاق بعضها للتصدق عليهم و إن كان واضحا، و لكن كونها بحيث تقاوم إطلاق الأخبار الدالة على تحريم الصدقة عليهم قابل للمناقشة، إذ بين الطائفتين عموم من وجه و مورد تعارضهما الصدقات المندوبة.

و يمكن حمل جميع هذه الأخبار على مثل الهدايا و الصلات و الصرف في حاجاتهم. و هذه العناوين تغاير عنوان الصدقة المبنيّة على الترحّم من العالي على الداني بقصد القربة.

قال في المنتهى في مقام الإشكال على من أحلّ الصدقة

المندوبة للنبي «ص» و استدل بأنّه كان يقترض و يقبل الهدية و كل ذلك صدقة لقوله «ص» كلّ معروف صدقة قال:

«و فيه نظر لأنّ المراد بالصدقة المحرّمة ما يدفع من المال إلى المحاويج على سبيل سدّ الخلّة و مساعدة الضعيف طلبا للأجر، لا ما جرت العادة بفعله على سبيل التودّد كالهدية و القرض، و لهذا لا يقال للسلطان إذا قبل هدية بعض رعيّته أنّه تصدّق منه.» «3»

و على هذا فما يمكن أن تقاوم الأخبار المطلقة المانعة و تخصّصها هو ما مرّ من

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 558، الباب 17 من أبواب فعل المعروف، الحديث 7.

(2)- مجمع الفائدة 4/ 182.

(3)- المنتهى 1/ 525.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 371

..........

______________________________

الأخبار الشارحة لها المفسرة إياها بالزكاة و الصدقة الواجبة. هذا.

[الأخبار التي يظهر منها حرمة الصدقة و لو كانت مندوبة و الجواب عنها]

و لكن يعارض هذه الأخبار المفسّرة ظاهر أخبار أخر ربّما يظهر منها حرمة الصدقة و لو كانت مندوبة أيضا:

1- خبر إبراهيم بن محمد بن عبد اللّه الجعفري المرويّ عن قرب الإسناد قال:

كنّا نمرّ و نحن صبيان فنشرب من ماء في المسجد من ماء الصدقة، فدعانا جعفر بن محمد «ع» فقال: «يا بنيّ لا تشربوا من هذا الماء و اشربوا من مائي.» «1»

و إبراهيم بن محمد هذا أيضا من أحفاد جعفر الطيار و لكن لم يرد له توثيق، قال المامقاني: «و يمكن استفادة وثاقته من كونه أحد الشهود المذكورين في وصية الكاظم «ع».» «2» و في السند أيضا محمد بن علي بن خلف العطّار و هو مجهول.

و يمكن الجواب عن الخبر على فرض صحّته بأنّه حكم في واقعة خاصّة فلا يدلّ على حكم كلّي فلعلّ الماء المنهي عنه كان قد اشتري من الزكاة، أو أن التمر الملقى فيه عادة كان

منها، أو لعلّ كلامه «ع» كان إرشادا إلى رجحان مائه لا تحريما للماء الآخر، أو كان النهي للكراهة، و الصبيان لا تكليف لهم حتى يحمل نهيهم على التحريم اللّهم إلّا أن يقال: إن الأولياء يجب عليهم نهي الصبيان عن التصرف فيما لا يحلّ.

2- ما عن قرب الإسناد أيضا عن البزنطي عن الرضا «ع» قال: سألته عن الصدقة تحلّ لبني هاشم؟ فقال: «لا و لكن صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم» فقلت: جعلت فداك إذا خرجت إلى مكّة كيف تصنع بهذه المياه المتّصلة بين مكّة و المدينة و عامّتها صدقة؟ قال: سمّ فيها شيئا، قلت: عين ابن بزيع و غيره،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 188، الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- تنقيح المقال 1/ 31.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 372

..........

______________________________

قال: «و هذه لهم» «1»

إذ الظاهر من الحديث تحريم الصدقة المندوبة و سهم سبيل اللّه أيضا إذا كانت الصدقة من غيرهم.

و يمكن أن يجاب عن ذلك أولا: بأن المخاطب فيه شخص الإمام و من الممكن حرمة المندوبة أيضا للنبي «ص» و الأئمة «ع».

و ثانيا: بأنّ إثبات الشي ء لا يوجب نفي غيره فلعلّ بعض المياه كان وقفا على بني هاشم من قبل أنفسهم و بعضها أيضا كان من الصدقات المندوبة، و كلّ منهما كان حلالا لهم و لكن السائل لمّا ذكر ما كان مصداقا للأوّل أجابه الإمام «ع» بما كان يوافقه فتأمّل.

و كيف كان فلا يقاوم الحديث الأخبار المستفيضة السابقة.

3- ما مرّ من خبر العرزمي عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» قال: «لا تحلّ الصدقة لبني هاشم إلّا في وجهين: إن كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا، و صدقة بعضهم على بعض.» «2»

إذ الظاهر منه حصر المستثنى

في أمرين لا ثالث لهما.

و فيه مضافا إلى ضعف السند أن ظهور الاستثناء في الحصر لا يقاوم ظهور الأخبار الماضية في حصر التحريم في الصدقة الواجبة فلعلّ الحصر هنا إضافي فيراد أن الصدقة الواجبة التي تحرم عليهم لا تحلّ لهم إلّا في هذين الوجهين فتأمّل.

4- ما عن جعفر بن محمد «ع» أنّه قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا تحلّ الصدقة لي و لا لأهل بيتي، إنّ الصدقة أوساخ الناس» فقيل لأبي عبد اللّه «ع»: الزكاة التي

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 191، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 373

..........

______________________________

يخرجها الناس من ذلك؟ قال: «نعم قد عوّضنا اللّه في ذلك الخمس.» «1»

إذ الظاهر من السؤال و الجواب كون المحرّم أعمّ من الزكاة، و الإمام «ع» قرّر السائل على ذلك.

و يمكن أن يجاب عن ذلك مضافا إلى عدم حجية المرسل أوّلا، بأن شموله للصدقات المندوبة ليس إلّا بالإطلاق فلا يقاوم ما دلّ على اختصاص التحريم بالصدقات الواجبة.

و ثانيا، باحتمال إرادة التعميم بالنسبة إلى شخص النبي «ص» و الأئمة من أهل بيته و لا نأبى عن القول بالحرمة المطلقة بالنسبة إليهم كما مرّ عن العلّامة في التذكرة الإفتاء به و سيأتي البحث فيه.

5- ما في مرفوعة أحمد بن محمد من قوله: «و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمد «ع» الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة عوّضهم اللّه مكان ذلك الخمس.» «2» إذ الظاهر من العطف المغايرة و لو بالعموم و الخصوص فيكون المحرم أعم من الزكاة.

و فيه أوّلا عدم حجّية الخبر الذي لا يعلم فيه الراوي

و لا المرويّ عنه.

و ثانيا، ما مرّ من أنّ دلالته على تحريم الصدقة المندوبة ليس إلّا بالإطلاق و هو لا يقاوم ما دلّ على اختصاص التحريم بالصدقة الواجبة.

نعم يشكل الأمر حينئذ في الواجبة غير الزكاة كالكفّارات و الهدي و نحوهما.

6- ما في نهج البلاغة: «فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرّم علينا

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 259، كتاب الزكاة باب دفع الصدقات، و المستدرك 1/ 524، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 374

..........

______________________________

أهل البيت؟ فقال: لا ذا و لا ذاك و لكنها هدية.» «1» إذ ظاهره حرمة الزكاة و الصدقة كلتيهما بل حرمة الصلة أيضا إذ صلته كانت بعنوان الرشوة كما يظهر من ذيل كلامه «ع» فراجع.

و فيه أن أشعث بن قيس قد بعث الملفوفة لشخص أمير المؤمنين «ع» و لعلّه «ع» أراد بأهل البيت خصوص الأئمة «ع».

و بالجملة فهذه الروايات لا تقاوم ما مرّ من الأخبار الدالّة على اختصاص الحرمة بالصدقات المفروضة المجمع عليها عند أصحابنا و قد أمرنا في الخبرين المتعارضين أن نأخذ بالمجمع عليه بين أصحابنا.

تكميل:

قد اتضح ممّا ذكرنا بطوله أنّ القدر المتيقّن المقطوع به من الأخبار و الفتاوى فيما يحرم من غير الهاشمي على الهاشمي إنّما هي زكاة المال الواجبة.

كما لا إشكال عندنا في عدم حرمة الصدقات المندوبة بالنسبة إلى غير النبي «ص» و الأئمة المعصومين «ع»، و ادعى في الجواهر على ذلك الإجماع بقسميه و عدم الخلاف كما مرّ.

نعم هنا أمور ربّما وقع البحث فيها:

الاول: زكاة الفطرة.

الثاني: الزكوات المندوبة كزكاة مال التجارة مثلا.

الثالث: الصدقات الواجبة بالأصالة غير الزكاة كالهدي و الكفارات.

______________________________

(1)-

نهج البلاغة، عبده 2/ 244؛ لح/ 347، الخطبة 224.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 375

..........

______________________________

الرابع: الصدقات المندوبة التي وجبت لعارض كالنذر و الوصية و الإجارة و نحو ذلك و منها اللقطة و المظالم و مجهول المالك.

الخامس: الصدقات المندوبة لشخص النبي «ص» و الأئمة المعصومين- سلام اللّه عليهم اجمعين-.

فلنتعرض لهذه الأمور في مسائل:

[مسائل]
المسألة الأولى: هل تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي؟

ربّما يظهر من بعض الكلمات دعوى الإجماع على ذلك.

و قد مرّ عن الشيخ في فطرة النهاية قوله: «و المستحق لها هو كلّ من كان بالصفة التي تحلّ له معها الزكاة، و تحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.» «1»

و قد استفاضت عبارات فقهائنا بأنّ مصرف زكاة الفطرة مصرف زكاة المال، و لعلّ الظاهر من هذا التعبير اتحادهما في المستحقين و في شرائطهم فتأمّل.

و لكن قال في الجواهر في المقام: «بل لو لا ما يظهر من الإجماع على اعتبار اتحاد مصرف زكاة المال و زكاة الفطرة بالنسبة إلى ذلك، لأمكن القول بالجواز في زكاة الفطرة، اقتصارا على المنساق من هذه النصوص من زكاة المال، خصوصا ما ذكر فيه صفة التطهير للمال الشاهد على كون المراد من غيره ذلك أيضا، و كيف كان فالذي يقوى الجواز مطلقا و إن كان الأحوط خلافه.» «2»

أقول: فيظهر منه الترديد في المسألة بل قوّى الجواز أخيرا و إن احتمل رجوع الأخير إلى الصدقات الواجبة لا زكاة الفطرة.

______________________________

(1)- النهاية للشيخ/ 192.

(2)- الجواهر 15/ 413.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 376

..........

______________________________

و كيف كان فقد مرّ في خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي تفسير الصدقة التي حرمت على بني هاشم بالزكاة و في خبري الشحام و ابن سنان بالزكاة المفروضة، و في صحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي بالصدقة الواجبة على الناس و

أنت ترى انطباق هذه العناوين بأجمعها على زكاة الفطرة أيضا لاستفاضة الأخبار بإطلاق الزكاة عليها و كونها مشمولة لآيات الزكاة:

1- ففي صحيحة هشام بن الحكم عن الصادق «ع» قال: «نزلت الزكاة و ليس للناس أموال و إنّما كانت الفطرة.» «1»

2- و في خبر إسحاق بن المبارك قال: سألت أبا إبراهيم «ع» عن صدقة الفطرة أ هي ممّا قال اللّه: أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة؟ فقال: «نعم.» «2»

3- و في خبر إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن قول اللّه- عز و جل-: «وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ.»* قال: «هي الفطرة التي افترض اللّه على المؤمنين.» «3»

4- و في خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن «ع» قال: سألته عن صدقة الفطرة أ واجبة هي بمنزلة الزكاة؟ فقال: «هي ممّا قال اللّه: «أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ»*، هي واجبة.» «4»

5- و في رواية زرارة عن أبي جعفر «ع»: «و هي الزكاة التي فرضها اللّه على المؤمنين مع الصلاة» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 220، الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 222، الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 9.

(3)- الوسائل 6/ 222، الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 11.

(4)- الوسائل 6/ 222، الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 10.

(5)- الوسائل 6/ 235، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 23.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 377

..........

______________________________

و بالجملة فالظاهر كون زكاة الفطرة في المقام كزكاة المال.

و ربّما يؤيّد ذلك أنّ الظاهر من الأخبار أنّ الحكمة لحرمة زكاة المال عليهم كونها أوساخا للناس باعتبار كونها مطهرة لأموالهم و نفوسهم فلا تناسب لشئون ذرية النبي «ص» و نظير هذه الحكمة

توجد في زكاة الفطرة أيضا إذ الظاهر من بعض الأخبار كونها لحفظ الخلقة و دفع البلاء عنها ففي موثقة معتّب مولى الإمام الصادق «ع» أنّه قال له: «اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة و أعط عن الرقيق و أجمعهم و لا تدع منهم أحدا فإنّك إن تركت منهم إنسانا تخوّفت عليه الفوت، قلت: و ما الفوت؟ قال: الموت.» «1»

و لأجل ذلك يمكن القول أيضا بحرمة الصدقات المندوبة التي ربّما توضع تحت رءوس المرضى و المعلولين و تدفع بقصد رفع البلاء عنهم فإنّ في مثل ذلك إهانة بسلالة النبي «ص»، و لعلّ صدقات أهل الكوفة لأهل بيت الحسين «ع» أيضا كانت من هذا القبيل و لذا أخذتها و طرحتها أمّ كلثوم «ع».

المسألة الثانية: هل الزكوات المندوبة كزكاة مال التجارة و نحوها بحكم الزكاة الواجبة

أو بحكم الصدقات المندوبة؟ وجهان.

ربّما يستدلّ للأوّل بما مرّ من خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: «هي الزكاة» «2»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 377

و بأنّ تعليل الحرمة في بعض الأخبار بأنّها أوساخ الناس شامل لها. كيف؟! و قد أفتى بعض أصحابنا و أكثر فقهاء السنة بوجوبها فيعلم بذلك أنّها تكون من

______________________________

(1)- الكافي 4/ 174، كتاب الصيام، باب الفطرة، الحديث 21.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 378

..........

______________________________

سنخ الزكوات الواجبة. و قد احتاط فيها بالاحتياط الوجوبي السيّدان العلمان:

الأستاذ آية اللّه البروجردي و آية اللّه الشاهرودي- طاب ثراهما- في حاشيتهما على العروة. هذا.

و لكن يمكن أن يجاب عن ذلك بأن الخبر

مضافا إلى ضعفه يقيّد الإطلاق فيه بالروايات المفسرة للصدقة التي تحرم عليهم بالزكاة المفروضة أو بالصدقة الواجبة فراجع ما مرّ من روايات الشحام و ابن سنان و جعفر بن إبراهيم الهاشمي. و كون الزكوات المندوبة أوساخا أوّل الكلام إذ هذا التعبير ناظر إلى الآية الشريفة و الأمر في الآية للوجوب. و إيجاب البعض لها لا ينفع من لا يقول بوجوبها. و قد مرّ من الجواهر دعوى الإجماع بقسميه و عدم الخلاف في حلّية المندوبة مطلقا.

المسألة الثالثة: هل الصدقات الواجبة بالأصالة كالهدي و الكفارات حكمها حكم الزكاة الواجبة أم لا؟

ربّما يستدلّ للأوّل مضافا إلى إطلاق ما دلّ على حرمة الصدقة عليهم بنحو الإطلاق بصحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له:

أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا.» «1»

و بما مرّ من قوله «ع» في مرفوعة أحمد بن محمد: «لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة.» «2»

و ما في نهج البلاغة من قوله «ع»: «أصله أم زكاة أم صدقة؟ فذلك محرّم علينا أهل البيت.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 189، الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.

(3)- نهج البلاغة، عبده 2/ 244؛ لح/ 347، الخطبة 224.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 379

..........

______________________________

حيث يستفاد منهما حرمة غير الزكاة أيضا إجمالا فينطبق لا محالة على الصدقات الواجبة لما مرّ من الدليل على عدم حرمة المندوبة.

و إن شئت قلت: العمومات و الإطلاقات الدالّة على حرمة الصدقة عليهم مطلقا يشملها و لم يثبت لها مخصّص بالنسبة إلى المقام.

و يمكن أن يجاب عن ذلك أوّلا بما مرّ من كون كلامه «ع» في الصحيحة ناظرا بحسب الظاهر إلى الزكاة الواجبة على عامّة الناس

و منصرف عمّا ربّما يجب عند حدوث أسباب خاصّة.

و ثانيا: بتقييد الصدقة الواجبة فيها بالزكاة الواجبة بمقتضى خبري الشحام و ابن سنان حملا للمطلق على المقيّد.

و المرفوعة لا حجية لها بعد ما لم يعلم الراوي لها و لا المروي عنه.

و لعلّ أهل البيت في نهج البلاغة يراد بهم خصوص الأئمة «ع». هذا.

و لكن لا يترك الاحتياط في الصدقات الواجبة بالأصالة بالترك فتدبّر.

المسألة الرابعة: بعد البناء على حرمة الصدقات الواجبة غير الزكاة فهل يلحق بها المندوبة الواجبة بالعرض أيضا

كالمنذورة و الموصى بها و اللقطة و المظالم و نحو ذلك أم لا؟

قد يقال بالإلحاق بتقريب أنّ الصدقة و إن كانت بالذات مندوبة و لكنّها تكتسب الوجوب من النذر و أمثاله فيشملها عنوان الصدقة الواجبة. هذا.

و لكن الظاهر عدم صحّة ذلك إذ الوجوب في أمثال ذلك لم يتعلّق بعنوان الصدقة بل بعنوان الوفاء بالنذر أو الإجارة أو العمل بالوصية أو النيابة عن الغير و نحو ذلك.

و عنوان الصدقة ليس إلّا موردا للأمر الندبي و التعبّد إنّما يكون بهذا الأمر

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 380

..........

______________________________

الندبي الثابت قبل طروّ هذه العناوين حتى إن المتصدق في المظالم و مجهول المالك أيضا لا يقصد إلّا امتثال الأمر الندبي المتوجه إلى المالك بما أنّه نحو إيصال لماله إليه، نظير ما إذا وكّله في التصدق بماله من قبله فإن المتصدّق يقصد امتثال الأمر الندبي المتوجّه إلى الموكّل.

كيف؟! و الأمر الندبي داع إلى تحقّق هذه العناوين و محقّق لصحّتها، و المعلول لا يقتضي ارتفاع علّته.

و لو نذر أحد أن يتصدّق على هاشمي محتاج أو أوصى بذلك فهل يجب الوفاء بهذا النذر و العمل بهذه الوصية أو يحرم التصدّق عليه لذلك بعد ما كان جائزا و مندوبا إليه قبل النذر و الوصية؟ هذا.

و يظهر من الشيخ الأعظم في زكاته

التفصيل بين الصدقة المنذورة و الصدقة الموصى بها من مال الميّت و أنّ الأولى تصير واجبة بالعرض دون الثانية قال: «ثمّ لو قلنا بحرمة الواجبة و لو بالعرض فالظاهر أنّ الموصى بها غير داخل لأنّه إنّما وجب التصدّق على الوصيّ من حيث وجوب الوفاء بما أوصى به الغير فيجب عليه إيجاد التصدّق الذي أوصى به الميّت، و لا ريب أنّه في نفسه لم يكن واجبا.

و الفرق بينه و بين الصدقة المنذورة أنّ في المنذورة يعرض الوجوب لأجل الصدقة، و أمّا في الموصى بها فالوجوب إنما يتعلّق بقيام الوصيّ بالأمر المندوب الذي أوصى به فهو كالتصدق الذي أمر به المولى و غيره ممّا يطاع. نعم لو أوصى الميت بالتصدق لا من ماله بل من مال الوصيّ و قبل الوصيّ و قلنا بوجوبه بالقبول كانت بحكم المنذورة وفاقا للمحكي عن المحقّق و الشهيد الثانيين لأنّ الواجب دفع المال صدقة عن صاحبه.» «1»

أقول: كلّما تدبّرت في كلامه- قدّس سرّه- لم يظهر لي فرق بين النذر و

______________________________

(1)- كتاب الطهارة، زكاة الشيخ/ 512، (طبعة أخرى/ 450).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 381

..........

______________________________

الوصية و لا بين صورتي الوصية إذ في الجميع تكون الصدقة بعنوانها مندوبة و إنّما الواجب هو الوفاء بالنذر بما هو نذر و العمل بالوصية بما هي وصية فتدبّر.

المسألة الخامسة: بعد ما مرّ منّا من عدم حرمة الصدقة المندوبة على بني هاشم فهل تحرم هي على النبي «ص» و الأئمة «ع» أم لا؟

و المسألة و إن لم تكن مبتلى بها لنا و لكن لمّا تعرّض لها الأصحاب هنا نتعرّض لها إجمالا فنقول:

1- قد مرّ عن الشيخ في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 26) قوله:

«النبي «ص» كان يحرم عليه الصدقة المفروضة و لا يحرم عليه الصدقة التي يتطوّع بها، و كذلك حكم آله ... دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

و ظاهره رجوع

دعوى الإجماع إلى جميع المسألة حتّى عدم حرمة المندوبة عليه «ص» أيضا

2- و في المعتبر: «و هل تحرم المندوبة على النبي «ص»؟ قال علمائنا: لا تحرم و على ذلك أكثر أهل العلم. و للشافعي و أحمد قولان: أحدهما التحريم لما روي أنّه «ص» كان يقبل الهدية و لا يقبل الصدقة. و قال: «إنّي لأجد التمرة ساقطة فلا أكلها أخشى أن تكون صدقة» و قوله «ص»: «لا تحلّ لنا الصدقة.»

لنا قوله «ع»: «كلّ معروف صدقة» و قد كان يستقرض المال و يهدى له و كلّ ذلك صدقة.

و ربّما فرّق قوم بين ما يخرج على سبيل سدّ الخلّة و مساعدة الضعيف طلبا للأجر و بينما جرت العادة بالتردّد (بالتودّد- ظ.) كالقرض و الهدية.» «2»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 353.

(2)- المعتبر/ 282.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 382

..........

______________________________

أقول: ظاهر عبارته أيضا إجماع أصحابنا على عدم التحريم.

3- و لكن مرّ عن التذكرة قوله: «الصدقة المفروضة محرّمة على النبي «ص» إجماعا.

و أمّا المندوبة فالأقوى عندي التحريم أيضا لعلوّ منصبه و زيادة شرفه و ترفّعه فلا يليق بمنصبه قبول الصدقة لأنّها تسقط المحلّ من القلب،

و لأن سلمان الفارسي أتى النبي «ص» فحمل إليه شيئا فقال: ما هذا؟. فقال:

صدقة فردّه، ثمّ أتاه به من الغد فقال: هدية فقبله،

و لعموم قوله «ع»: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة» و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني أنّها تحلّ له كما تحلّ لآله. و الفرق فضيلته عليهم و تميّزه عنهم. و الوجه عندي أنّ حكم الأئمة «ع» حكمه في ذلك.» «1»

4- و مرّ عن المسالك عند قول المحقّق: «و يجوز للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي و غيره» «2» أنّه قال في ذيله: «يستثنى

منه النبي «ص» فإن الأصحّ تحريم الصدقة عليه مطلقا و كذا الأئمة «ع».» «3»

5- و في المغني لابن قدّامة: «فأمّا النبي «ص» فالظاهر أنّ الصدقة جميعها كانت محرّمة عليه فرضها و نفلها لأن اجتنابها كان من دلائل نبوّته و علاماتها فلم يكن ليخلّ بذلك، و في حديث إسلام سلمان الفارسي أنّ الذي أخبره عن النبي «ص» و وصفه قال: إنّه يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة.

و قال أبو هريرة: كان النبيّ «ص» إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قيل: صدقة قال لأصحابه: كلوا و لم يأكل، و إن قيل له: هدية ضرب بيده فأكل معهم، أخرجه البخاري.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 235.

(2)- الشرائع 1/ 164 (- طبعة أخرى 1/ 124).

(3)- المسالك 1/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 383

..........

______________________________

و قال النبي «ص» في لحم تصدّق به على بريرة «هو عليها صدقة و هو لنا هدية.» و قال «ع»: «إنّي لانقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي في بيتي فأرفعها لآكلها ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» رواه مسلم. و قال:

«إنّا لا تحلّ لنا الصدقة.» ...» «1»

6- و في الجواهر: «نعم قد يتوقّف في الصدقة المندوبة بالنسبة إلى النبي «ص»، بل عن التذكرة و ثاني الشهيدين حرمتها عليه لما فيها من الغضاضة و النقص و تسلّط المتصدّق و علوّ مرتبته على المتصدّق عليه، و أنّ له المنّة عليه.

و منصب النبوّة أرفع و أجلّ و أشرف من ذلك، و لقوله «ص»: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة.»

لكن صريح جماعة و ظاهر آخرين الجواز أيضا، بل في المعتبر نسبته إلى علمائنا و أكثر أهل العلم، للإطلاق.

و لعلّ الأولّ أقوى بالنسبة إلى بعض أفرادها كالزكاة المندوبة التي هي

من الأوساخ أيضا، و بعض الصدقات الخسيسة كالتي توضع تحت رءوس المرضى و نحوها ممّا لا يليق بمنصب النبوّة.

و الإمام «ع» كالنبيّ «ص» في ذلك. و قولهم «ع»: «لو حرمت علينا الصدقة» إلى آخره إنما يدلّ على إباحة مثل هذه الصدقات التي هي كالأوقاف العامّة، و لا غضاضة عليهم في التناول منها، لا مطلق الصدقات.» «2»

أقول: الظاهر أنّ ما ذكره أخيرا من التفصيل بين أصناف الصدقات كلام لطيف متين يساعده الاعتبار. بل تقدّم منّا احتمال حرمة الصدقات الخسيسة على سائر

______________________________

(1)- المغني 2/ 522.

(2)- الجواهر 15/ 414.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 384

..........

______________________________

بني هاشم أيضا لما فيها من المهانة و الإهانة لسلالة النبي «ص». و قد مرّ من المصنّف و منّا جواز تصرّفهم في الخانات و المدارس و سائر المشاريع العامّة المتخذة من سهم سبيل اللّه مع كونه من الزكاة الواجبة فكيف بما يتّخذ من الصدقات المندوبة و الأوقاف العامّة، و قرّبنا ذلك في محلّه بأنّ المصرف في أمثال ذلك هي الجهات العامّة لا الأشخاص، و أخبار المنع ناظرة إلى ما تعطى للإشخاص. و الإهانة و التذليل أيضا إنّما يتحقّقان فيما تعطى لهم.

و لأجل ذلك استنكر أهل بيت النبي «ص» أخذ الصدقة من أهل الكوفة لاشتمالها على المهانة و الذلّة في تلك الظروف، و حلّ لشخص النبي «ص» الاقتراض و الهدية و أمثالهما بل و الاستفادة من المشاريع العامّة مع كون الجميع من المعروف و قد ورد عنه «ص»: «كلّ معروف صدقة.» «1» فليس كلّ صدقة محرّمة عليه «ص» و على آله و إنّما تحرم ما اشتمل منها على المهانة و الذلّة.

و إن شئت قلت: للصدقة استعمالان و أحدهما أعمّ من الآخر:

الأوّل: كلّ إعانة للغير

مجانا بقصد القربة. و الثاني: ما اشتمل على نحو من الخسّة و الذلّة و إعانة من العالي للداني ترحّما، و المحرّم هو القسم الثاني.

و لنا أن نقول بحرمة ذلك حتّى على سلالته «ص» و أشار إلى هذا التفصيل العلّامة في المنتهى قال في مقام البحث عن الصدقات المندوبة للنبي و الأئمة «ع»:

«احتجّ المجوّزون بأنّه «ص» كان يقترض و يقبل الهدية و كلّ ذلك صدقة لقوله «ع»:

«كلّ معروف صدقة.»

و فيه نظر لأنّ المراد بالصدقة المحرمة ما يدفع من المال الى المحاويج على سبيل سدّ الخلّة و مساعدة الضعيف طلبا للأجر، أما ما جرت العادة بفعله على سبيل

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 321، الباب 41 من أبواب الصدقة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 385

[في إثبات كونه هاشميا]

[يثبت كونه هاشميّا بالبينة]
اشارة

[المسألة 22]: يثبت كونه هاشميّا بالبينة (1).

______________________________

التودّد فكالهدية و القرض و لهذا لا يقال للسلطان إذا قبل هدية بعض رعيته:

«إنّه تصدّق منه.» «1» و قد مرّ عن المعتبر أيضا قريب من ذلك. هذا.

و قد طال البحث في هذه المسألة فأعتذر من المستمعين و القرّاء الكرام، و لعلّنا مع ذلك ربّما لم نعط المسألة حقّها لسعة دائرتها.

(1) لا يخفى أنّ حجّية العلم الجازم المعبّر عنه تارة بالقطع و أخرى باليقين ذاتيّة بديهيّة يدركها الوجدان و لا تحتاج إلى برهان.

و حجيّة غيره أيّ شي ء كان تتوقّف على إقامة دليل يوجب العلم بحجيّته.

فالعلم الجازم أمّ الحجج و إليه يؤول حجيّة غيره.

فممّا قالوا بحجيّته في إثبات الموضوعات، البيّنة أعني شهادة عدلين إلّا في موارد خاصّة يحتاج فيها إلى شهادة أربع.

[الدليل على حجيّة البينة]
اشارة

و استدلّ لذلك بوجوه:

الأوّل: الإجماع.

و فيه منع ثبوته في غير باب المرافعات إذ المسألة خلافية. و لو سلّم يحتمل كونه مستندا إلى الوجوه الأخر فلا يكون دليلا مستقلا.

قال المحقّق النراقي في أواخر العوائد: «عائدة: هل الأصل في شهادة العدلين وجوب القبول و العمل بمقتضاها إلّا ما أخرجه الدليل أو عدمه؟

ظاهر أكثر أصحابنا بل صريحهم سيّما للمتأخرين منهم الأوّل، بل ربّما يظهر من بعضهم الإجماع عليه و كون اعتبار قولهما ثابتا من شريعتنا.

و المحكيّ عن القاضي عبد العزيز بن البراج، الثاني و اختاره بعض المتأخرين

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 525.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 386

..........

______________________________

و هو الظاهر من غير واحد من مشايخنا المعاصرين حيث قالوا بعدم ثبوت النجاسة بقول العدلين لعدم دليل على اعتباره عموما، بل ظاهر السيد في الذريعة و المحقق الأوّل في المعارج، و الثاني في الجعفرية و صاحب الوافية حيث حكموا بعدم ثبوت الاجتهاد بشهادتهما لعدم دليل على اعتبارها. و كنت على ذلك منذ أعوام كثيرة ...

و الحق هو الأوّل.» «1»

و بالجملة فالمسألة كانت خلافيّة.

الثاني و هو العمدة، موثقة مسعدة بن صدقة:

فقد روى الكليني عن علي بن إبراهيم (عن أبيه- خ.) عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سمعته يقول: «كلّ شي ء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك. و ذلك مثل الثوب يكون (عليك- يب) قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك. و الأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة.»

و رواه الشيخ أيضا بإسناده عن علي بن إبراهيم. «2»

و المذكور في التهذيب بطبعيه:

علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم. و المتعارف في أسانيد الكافي أيضا كذلك. و لكن في الكافي هنا بعنوان النسخة:

«عليّ بن ابراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم.»

و هارون بن مسلم من أصحاب الهادي و العسكري «ع». و مسعدة بن صدقة من أصحاب الإمام الصادق «ع» فرواية هارون عنه بلا واسطة تتوقّف على أن يكون

______________________________

(1)- العوائد/ 273.

(2)- الكافي 5/ 313، باب النوادر من كتاب المعيشة، الحديث 40؛ و الوسائل 12/ 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 387

..........

______________________________

أحدهما طويل العمر. و هارون بن مسلم ثقة.

و اختلفوا في مسعدة، و أكثر المتأخرين على توثيقه. و يؤيّد ذلك كثرة رواياته و اعتناء الأصحاب بها و له كتب منها كتاب خطب أمير المؤمنين «ع».

و المستفاد من الحديث أنّ يد البائع على الثوب أو العبد و إقرار العبد بالعبودية و أصالة عدم الانتساب أو الرضاع و إن كانت معتبرة في حدّ ذاتها و لكن إذا قامت البيّنة على خلافها قدّمت عليها فتكون حجّة في إثبات الموضوعات و مقدّمة على غيرها من الأصول و الأمارات كالعلم.

و قد صرّح بسريان هذا الحكم في جميع الأشياء و لا محالة يراد بها الموضوعات التي لها أحكام في الشرع نظير الأشياء المذكورة في الحديث.

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق في حجيتها بين أن تقوم عند الحاكم أو غيره نظير ما نقول في باب الهلال، فالحجة نفس البيّنة و لا نحتاج إلى حكم الحاكم عقيبها.

و الإشكال في وثاقة مسعدة مرتفع بكثرة رواياته و اعتناء الأصحاب بها في فتاويهم فتأمّل.

و احتمال أن يراد بالبيّنة معناها اللغوي أعني الحجة و الأمر الواضح لا معناها المصطلح في أعصارنا

أعني شهادة العدلين كما في قوله- تعالى-: «أَ فَمَنْ كٰانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ»* «1» و قوله: «حَتّٰى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ» «2» بعيد في الغاية، إذ لو فرض عدم تبادر المعنى المصطلح في عصر النبي «ص» ففي عصر الإمام الصادق «ع» صار اللفظ قالبا لهذا المعنى كما يظهر لك بمراجعة أخبار باب القضاء بكثرتها.

و لو سلّم فلا إشكال في كون المعنى المصطلح من أظهر مصاديق معناها اللغوي

______________________________

(1)- سورة هود (11)، الآية 17.

(2)- سورة البيّنة (98)، الآية 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 388

..........

______________________________

بعد أنس الأذهان باعتماد الشارع عليه في باب المخاصمات لإثبات الحقوق، و عليه كان عمل النبيّ «ص» و الأئمة «ع» و جميع الصحابة و التابعين فتدبّر.

الوجه الثالث: إلغاء الخصوصية بل الأولوية القطعيّة من حجيّتها في باب المرافعات و المخاصمات

إذ من الواضح حجيّة البيّنة في المرافعات و عليها يعتمد القضاة و يحكم بها للمدّعي مع كون المدّعى عليه ذا يد غالبا- و اليد أمارة عقلائية شرعية- و مع كون الأصل معه.

فإذا كانت حجّة مع وجود المعارض ففي غيره تكون حجّة بطريق أولى.

و ظاهر اعتبار الشارع لها في إثبات الحقوق و أسباب الحدود اعتبارها طريقا إلى الواقع و محرزا له فيثبت بها اللوازم و الملزومات أيضا كسائر الأمارات.

و قد كثرت الأخبار الواردة في إثبات الدعاوي و الحقوق و موجبات الحدود بالبيّنات.

و في صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»:

«إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان. الحديث» «1» اللّهم إلّا أن يراد بالبيّنة في كلامه «ص» مطلق الحجّة كما ربّما يشهد بذلك قوله «ص» بعد هذه الجملة: «و بعضكم ألحن بحجّته من بعض. الحديث» هذا. و ليست الأيمان في عرض البيّنات إذ اليمين لا يثبت بها الواقع و لا تقبل من المدّعي

إلّا في موارد خاصة و إنّما يعتمد عليها للنفي قطعا للخصومة بعد ما لم يكن للمدّعي بينة على إثبات حقّه.

كيف؟ و بالبيّنات تسفك الدماء و تباح الأموال و تهتك الأعراض. و لو لا حجيّتها و إحرازها للواقع لم يترتب عليها هذه الآثار المهمّة.

نعم ربّما حدّد الشرع اعتبارها في بعض المقامات ببعض القيود لأهميتها فتراه

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 169، الباب 2 من أبواب كيفيّة الحكم ...، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 389

..........

______________________________

مثلا اعتبر في الزنا و اللواط مثلا كون الشهود أربعة، و اعتبر الذكورة في بعض الموارد دون بعض، و لكن المستفاد من جميعها اعتبارها طريقا لإحراز الواقع و كاشفا عنه.

و بما ذكرنا يظهر المناقشة فيما قد يقال من أنّ الحجيّة في باب المرافعات لا تقتضي الحجيّة مطلقا إذ المرافعات لا بدّ من حلّها و فصلها لا محالة و إلّا لاختلّ النظام فلعلّ البيّنة جعلت حجّة فيها لذلك كالأيمان.

وجه المناقشة: أنّ الظاهر من أدلة البيّنة في المرافعات و في أبواب الحدود كونها وسيلة لإثبات الحقوق و موجبات الحدود فهي حجّة مطلقا و لذا يعتمد عليها في فصل القضاء لا أنّها جعلت لفصل القضاء فقط و الفرق بينها و بين الأيمان واضح كما مرّ فتأمّل.

الوجه الرابع: إلغاء الخصوصية من حجيّتها في موارد خاصّة و منها النسب

و نذكر في عدادها بعض الأخبار التي ربّما يستفاد منها الإطلاق و لا دليل قاطع على اختصاصها بباب الترافع:

1- كقوله- تعالى- في الطلاق: «وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ.» «1»

2- و قوله في الوصية: «شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ.» «2»

3- و قوله في الدين: «وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ. الآية» «3» اذ لو لا حجيه قولهما كان إشهادهما لغوا و لا دليل على اختصاصهما

بصورة الترافع إلى الحاكم فتأمّل.

______________________________

(1)- سورة الطلاق (65)، الآية 2.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 106.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 282.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 390

..........

______________________________

4- و في خبر عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «كلّ شي ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة.» «1» و لكن عبد اللّه بن سليمان مجهول الحال.

5- و في خبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» قال: قضى عليّ «ع» في رجل مات و ترك ورثة فأقرّ أحد الورثة بدين على أبيه أنّه يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث و لا يكون ذلك في ماله كلّه. و إن أقرّ اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا. و كذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت إنما يلزمه في حصته.» «2»

6- و بالإسناد قال: قال عليّ «ع»: «من أقر لأخيه فهو شريك في المال و لا يثبت نسبه، فإن أقرّ اثنان فكذلك، إلّا أن يكونا عدلين فيثبت نسبه و يضرب في الميراث معهم.» «3»

7- و قال الصدوق: و في حديث آخر: إن شهد اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما ذلك في حصتهما.» «4»

8- و في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّما جعلت البيّنات للنسب و المواريث.» «5»

9- و في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، و إن شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 91، الباب

61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 13/ 402، الباب 26 من كتاب الوصايا، الحديث 5.

(3)- الوسائل 13/ 402، الباب 26 من كتاب الوصايا، الحديث 6.

(4)- الوسائل 13/ 402، الباب 26 من كتاب الوصايا، الحديث 7.

(5)- الوسائل 14/ 67، الباب 43 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه، الحديث 1.

(6)- الوسائل 7/ 183، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 391

..........

______________________________

10- و في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر «ع» قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم الحديث.» «1» و الأخبار في باب الهلال كثيرة فراجع.

11- و في مرسلة يونس عمّن رواه قال: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه:

بشهادة رجلين عدلين الحديث» «2»

12- و في خبر علقمة عن الصادق «ع»: «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة و إن كان في نفسه مذنبا الحديث» «3» و المقصود قبول شهادته جزءا من البيّنة فتدبّر.

13- و في خبر العسكري «ع» في تفسيره عن رسول اللّه «ص» قال في قوله- تعالى-: «وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ.» قال: ليكونوا من المسلمين منكم فإنّ اللّه إنّما شرّف المسلمين العدول بقبول شهادتهم، و جعل ذلك من الشرف العاجل لهم و من ثواب دنياهم.» «4»

14- و قال الصادق «ع»: «إذا شهد رجل على شهادة رجل فإنّ شهادته تقبل و هي نصف شهادة، و إن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبت شهادة رجل واحد.» و بمضمونه روايات أخر. «5»

إلى غير ذلك من الأخبار التي ربّما يعثر عليها المتتبّع. هذا.

و في العوائد

استدل أيضا بقول الصادق «ع» لابنه إسماعيل: «فإذا شهد عندك

______________________________

(1)- الوسائل 7/ 199، الباب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 176، الباب 7 من أبواب كيفيّة الحكم ...، الحديث 4.

(3)- الوسائل 18/ 292، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 13.

(4)- الوسائل 18/ 295، الباب 42 من أبواب الشهادات، الحديث 22.

(5)- الوسائل 18/ 298، الباب 44 من أبواب الشهادات، الحديث 5 و ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 392

..........

______________________________

المؤمنون فصدّقهم» «1» بتقريب أن الجمع المعرّف و استغراقه أفرادى لا جمعى فالمعنى كل مؤمن شهد عندك فصدّقه خرج المؤمن الواحد بالدليل فيبقى الباقي.

مع أنّ ارادة العموم الجمعي هنا منتفية قطعا لعدم إمكان شهادة جميع المؤمنين بل و لا نصفهم و لا ثلثهم بل و لا عشرهم و لا واحد من ألف منهم.

أقول: الاستدلال بالحديث للشياع أنسب و سيجي ء البحث فيه.

و استدل فيه أيضا بالأخبار الكثيرة المصرّحة بجواز شهادة المملوك و المكاتب و الصبيّ بعد الكبر و اليهوديّ و النصراني بعد الإسلام و الخصيّ و الاعمى و الأصمّ و الولد و الوالد و الوصيّ و الشريك و الأجير و الصديق و الضيف و المحدود إذا تاب و غير ذلك ممّا لا يخفى.

أقول: الظاهر عدم الإطلاق في هذه الأخبار لعدم كونها في مقام البيان فلعلّها ناظرة إلى باب الترافع.

هذا ما عثرنا عليه إجمالا من الأدلّة على حجيّة البيّنة في جميع الأبواب.

و هل يشترط في شهود النسب الذكورة أو يكفى شهادة رجل و امرأتين كما في الأموال؟ وجهان: من عدم كون المقصود بالأصالة المال و من استتباعه للميراث.

و الشيخ في شهادات الخلاف (المسألة 4) عدّ النسب في عداد ما يعتبر في شهوده الذكورة. «2» و

هكذا صنع في شهادات المبسوط أيضا و لكن قال بعد ذلك:

«و قال بعضهم: يثبت جميع ذلك بشاهد و امرأتين و هو الأقوى إلّا القصاص.» «3»

و تفصيل المسألة يطلب من كتاب الشهادات. هذا كلّه في حجيّة البيّنة في المقام

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 230، الباب 6 من كتاب الوديعة، الحديث 1.

(2)- الخلاف 3/ 326.

(3)- المبسوط 8/ 172.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 393

[حجيّة قول العدل الواحد]

______________________________

و أمّا العدل الواحد فلم يتعرّض له المصنف في المقام.

و قد يقال بعدم حجيّته في الموضوعات و إن كان حجّة في إثبات الأحكام الشرعية الكليّة.

و يؤيّد ذلك ظهور الموثقة في حصر ما يثبت به الأشياء في الاستبانة و البيّنة، و لو كان العدل الواحد حجّة كان اعتبار التعدّد في الشاهد لغوا، و هذا البيان يجري في كلّ مورد كان التعدّد في الشهود معتبرا. هذا.

و في قبال ذلك ما قد يقال بحجيته أيضا لقيام سيرة العقلاء في جميع الأعصار و الأمصار على العمل بخبر الثقة و عليه استقر بناؤهم عملا في جميع مسائل الحياة.

كيف؟! و إذا كان خبر الثقة حجّة في إثبات الأحكام الشرعية الكليّة مع أهميّتها فالأولويّة القطعيّة تقتضي حجيّته في الموضوعات أيضا.

و يشهد لذلك بإلغاء الخصوصيّة ما دلّ على اعتباره في موارد خاصّة:

1- كموثقة سماعة قال: سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها فحدّثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال: إنّ هذه امرأتي و ليست لي بيّنة فقال: «إن كان ثقة فلا يقربها، و إن كان غير ثقة فلا يقبل منه.» «1»

2- و خبر حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول: إنّي لم أطأها فقال: «إن وثق به فلا بأس أن يأتيها.» «2» و

نحوه غيره فراجع الباب.

3- صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه «ع» في مسألة عزل الوكيل

______________________________

(1)- الوسائل 14/ 226، الباب 23 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث 2.

(2)- الوسائل 14/ 503، الباب 6 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 394

..........

______________________________

قال «ع»: «نعم، إنّ الوكيل إذا وكّل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا و الوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة.» «1»

4- موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن رجل كانت له عندي دنانير و كان مريضا فقال لي: إن حدث بي حدث فأعط فلانا عشرين دينارا و أعط أخي بقية الدنانير فمات و لم أشهد موته فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي:

إنّه أمرني أن أقول لك: انظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها إلى أخي فتصدّق منها بعشرة دنانير اقسمها في المسلمين، و لم يعلم أخوه إنّ عندي شيئا. فقال: «أرى أن تصدّق منها بعشرة دنانير.» «2»

5- ما دلّ على جواز الصلاة بأذان الثقة و أنّ المؤذن مؤتمن فراجع الوسائل. «3» إلى غير ذلك من الروايات التي ربّما يعثر عليها المتتبع.

أقول: أوّلا: إن مورد الموثقة صورة وجود اليد في قبال البيّنة فلأحد أن يقول إنّ في مثل هذه الصورة يتعيّن التعدّد في الشاهد و لا يكفي الواحد فليس هذا دليلا على عدم حجيّة العدل الواحد مطلقا فتأمّل.

و ثانيا: الحق أنّ بين خبر العدل و خبر الثقة عموما من وجه فحجيّة أحدهما لا تفيد حجيّة الآخر في محلّ افتراقهما.

و ثالثا: الظاهر أنّ بناء العقلاء و سيرتهم ليس مبنيّا على التعبّد و إنّما يعملون

في أمورهم المختلفة بخبر الثقة إذا حصل لهم الوثوق شخصا بحيث تطمئن النفس و تسكن. و الوثوق عند العقلاء مرتبة من العلم و الاستبانة.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 286، الباب 2 من كتاب الوكالة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 13/ 482، الباب 97 من كتاب الوصايا، الحديث 1.

(3)- الوسائل 4/ 618، الباب 3 من أبواب الأذان و الإقامة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 395

..........

______________________________

و أمّا البيّنة فهي حجّة تعبديّة من قبل الشارع و إن لم يحصل بها الوثوق شخصا بل مع الظنّ بالخلاف أيضا و لذا عطفت في الموثقة على الاستبانة، و ظاهر العطف المغايرة.

و يمكن أن تحمل الأخبار الواردة في موارد خاصّة أيضا على صورة حصول الوثوق شخصا إذ تعليق الحجيّة فيها على كون المخبر ثقة أو مسلما صادقا ربّما يشهد بكون الملاك الوثوق بقوله و الاطمينان بصدقه.

و بالجملة فخبر الثقة الذي يحصل الوثوق بقوله حجة عند العقلاء و أمضاها الشرع و يكون من مصاديق الاستبانة عندهم.

و أمّا خبر العدل الواحد إذا لم يحصل الوثوق بقوله لجهة من الجهات فلا دليل على اعتباره بل يظهر من قول الصادق «ع»: «إذا شهد رجل على شهادة رجل فإنّ شهادته تقبل و هي نصف شهادة و إن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجل واحد» «1» أنّه لا اعتبار بخبر الواحد وحده و كيف كان فاعتباره محلّ تأمّل و إشكال. هذا.

و لكن لأحد أن يقول: إنّ ما ذكرت من اعتبار الوثوق الشخصي في خبر الثقة إنّما هو في الأمور الشخصيّة و أمّا في الأمور المرتبطة بباب الإطاعة و العصيان و الاحتجاج و اللّجاج و روابط الموالي و العبيد فالملاك هو الوثوق النوعي كما قالوا في حجيّة الظواهر إذ

إناطة الحجيّة في مثلها على الوثوق الشخصي يوجب تخلف العبيد عن الإطاعة باعتذار عدم حصول الوثوق شخصا و هذا يوجب انثلام نظام الاحتجاج و المؤاخذة، فلو قلنا بحجيّة خبر الثقة فلا بدّ من حمل الوثوق فيه على الوثوق النوعي فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 298، الباب 44 من أبواب الشهادات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 396

[يثبت كونه هاشميا بالشياع]
اشارة

و الشّياع (1).

[كلمات الفقهاء]

______________________________

(1) 1- قال الشيخ في شهادات الخلاف (المسألة 15): «يجوز الشهادة على الوقف و الولاء و العتق و النكاح بالاستفاضة كالملك المطلق و النسب. و للشافعي فيه وجهان: فقال الإصطخري مثل ما قلناه. و قال غيره: لا يثبت شي ء من ذلك بالاستفاضة و لا يشهد عليها بذلك. دليلنا إنّه لا خلاف أنّه يجوز لنا الشهادة على أزواج النبي «ص» و لم يثبت ذلك إلّا بالاستفاضة لأنا ما شهدناهنّ. و أمّا الوقف فمبني على التأبيد فإن لم يجز الشهادة بالاستفاضة أدّى إلى بطلان الوقف لأنّ شهود الوقف لا يبقون أبدا ...» «1»

أقول: المراد بالاستفاضة الشياع المصطلح.

2- و أفتى الشيخ في قضاء المبسوط بثبوت النسب و الملك المطلق و الموت و النكاح و الوقف و العتق بالاستفاضة.

و أنكر ثبوت الولاية بها إلّا إذا بلغت إلى حدّ يوجب العلم. «2» و مقتضى كلامه هذا حجيّة الاستفاضة في الستّة المذكورة و إن لم توجب العلم.

3- و في قضاء الشرائع: «تثبت ولاية القاضي بالاستفاضة. و كذا يثبت بالاستفاضة: النسب و الملك المطلق و الموت و النكاح و الوقف و العتق.» «3»

4- و في الشهادات من الشرائع: «و ما يكفي فيه السماع فالنسب و الموت و الملك المطلق لتعذر الوقوف عليه مشاهدة في الأغلب و يتحقّق كلّ واحد من هذه بتوالي الأخبار من جماعة لا يضمّهم قيد المواعدة أو يستفيض ذلك حتى يتاخم العلم و في هذا عندي تردّد.» «4»

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 331.

(2)- المبسوط 8/ 86.

(3)- الشرائع 4/ 70 (- طبعة أخرى/ 862).

(4)- الشرائع 4/ 133 (- طبعة أخرى/ 918).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 397

..........

______________________________

أقول: هل يرجع ترديد الشرائع إلى أصل اعتبار الاستفاضة أو إلى جواز الشهادة

بها إذا لم تفد العلم؟ و لعلّ الثاني أظهر.

و يظهر من بعض فقهائنا إلحاق الرق و العدالة بما ذكر فتكون عشرة.

5- و في شهادات الجواهر بعد التعرّض للعشر قال: «بل قيل بزيادة سبعة عشر إليها و هي العزل و الرضاع و تضرّر الزوجة و التعديل و الجرح و الإسلام و الكفر و الرشد و السفه و الحمل و الولادة و الوصاية و الحريّة و اللوث و الغصب و الدين و الإعسار.» «1»

6- و في الشهادات من مختصر أبي القاسم الخرقي في فقه الحنابلة: «و ما تظاهرت به الأخبار و استقرت معرفته في قلبه شهد به كالشهادة على النسب و الولادة.» أقول: ظاهره اعتبار العلم في الشهادة.

7- و ذيّله في المغني بقوله: «هذا النوع الثاني من السماع و هو ما يعلمه بالاستفاضة. و أجمع أهل العلم على صحة الشهادة بها في النسب و الولادة. قال ابن المنذر: أمّا النسب فلا أعلم أحدا من أهل العلم منع منه ....

و اختلف أهل العلم فيما تجوز الشهادة عليه بالاستفاضة غير النسب و الولادة فقال أصحابنا: هو تسعة أشياء: النكاح و الملك المطلق و الوقف و مصرفه و الموت و العتق و الولاء و الولاية و العزل، و بهذا قال أبو سعيد الإصطخري و بعض أصحاب الشافعي. و قال بعضهم: لا تجوز في الوقف و الولاء و العتق و الزوجية لأن الشهادة ممكنة فيه بالقطع فإنها شهادة بعقد فأشبه سائر العقود. و قال أبو حنيفة:

لا تقبل إلّا في النكاح و الموت و لا تقبل في الملك المطلق ...» «2»

______________________________

(1)- الجواهر 41/ 132.

(2)- المغني 12/ 23.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 398

..........

______________________________

أقول: لا يخفى أنّ ظاهر أكثر كلمات أصحابنا و كذا

ابن قدامة أنّه لا يتوقّف اعتبار الاستفاضة على حصول العلم بسببها و إلا لم يكن مجال للبحث فيها و الخلاف في موردها إذ العلم حجة بذاته في أيّ مقام حصل.

نعم لأحد ان يقول بحجيتها في مقام العمل و لكن لا يجوّز الشهادة بمضمونها إلّا إذا حصل العلم كما يأتي من الجواهر.

إذا عرفت ذلك فنقول: يقع البحث هنا في أمور:

الأوّل: في تعريف الاستفاضة و بيان حقيقتها.

الثاني: في أدلّة حجيّتها.

الثالث: في أنّها هل تكون حجّة مطلقا أو بشرط حصول العلم أو بشرط حصول الظن.

[البحث الأول في تعريف الاستفاضة]

أمّا الأوّل: ففي المسالك: «هي إخبار جماعة لا يجمعهم داعية التواطي عادة يحصل بقولهم العلم بمضمون خبرهم.» «1»

أقول: سيأتي البحث حول كلامه- قدّس سرّه-.

و الظاهر أن مقصودهم بالاستفاضة و الشياع ليس مجرد جريان المضمون على الألسن و الأفواه كما ربّما نراه في الشائعات الاجتماعية التي لا أساس لها و يتداولها الألسن لمصالح سياسيّة بلا تصديق لمضمونها.

بل المقصود شيوع الحكم و التصديق بالنسبة الحكميّة من قبل المخبرين كتصديقهم بأنّ زيدا ابن لعمرو أو أنّ الأرض ملك لزيد أو وقف على المسجد مثلا و نحو ذلك.

______________________________

(1)- المسالك 2/ 354.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 399

[الأمر الثاني: في أدلة حجيّتها]
اشارة

______________________________

الأمر الثاني: في أدلة حجيّتها فنقول: قد استدلّوا لذلك بوجوه:

الأوّل: أنّ هذا السنخ من الأمور ممّا يتعذّر أو يتعسّر غالبا إقامة البيّنة عليها.

قال في المسالك في وجه تخصيص المصنّف اعتبار الاستفاضة بالسبعة المذكورة:

«و وجه تخصيصها من بين الحقوق أنّها أمور ممتدّة و لا مدخل للبيّنة فيها غالبا:

فالنسب غاية الممكن فيه رؤية الولادة على فراش الإنسان لكن النسب إلى الأجداد المتوفين و القبائل القديمة ممّا لا يتحقّق فيه الرؤية و معرفة الفراش فدعت الحاجة إلى اعتماد التسامع ....

و أمّا الملك فإنّ أسبابه متعدّدة، و تعدّدها يوجب عسر الوقوف عليها فيكتفى فيه بالتسامع أيضا.

و أمّا الموت فلتعذّر مشاهدة الميّت في أكثر الأوقات للشهود.

و الوقف و العتق لو لم يسمع فيهما الاستفاضة لبطلا على تطاول الأوقات لتعذّر بقاء الشهود في مثل الوقف، و الشهادة الثالثة غير مسموعة فمسّت الحاجة إلى إثباتهما بالتسامع.

و مثلهما النكاح فإنّا نعلم أن خديجة زوجة النبي «ص» و ليس مدركه التواتر لأنّ شرطه استواء الطرفين و الوسائط في العلم الحسّي و هو منفي في الابتداء لأنّ الظاهر أنّ المخبرين لم يخبروا عن المشاهدة بل عن السماع ...» «1» هذا.

و أجاب في مصباح الهدى عن هذا الوجه بأنّه لو تمّ لكان حكمة لتشريع اعتبار الشياع لا طريقا لإثبات اعتباره كما هو المدّعى. «2»

أقول: مرجع ما ذكره في المسالك إلى ادعاء الانسداد الصغير بدعوى العلم

______________________________

(1)- المسالك 2/ 354.

(2)- مصباح الهدى 10/ 294.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 400

..........

______________________________

إجمالا بالتكليف، و عدم إمكان إحراز الموضوع بالعلم و لا بالبيّنة، و الإهمال لا يجوز، و الاحتياط متعسّر أو موجب لاختلال النظام، فدعت الحاجة إلى إحرازه بالاستفاضة، و لو فرض تحقّق مقدمات الانسداد بأجمعها لم يكن بدّ من حجّيّتها حكومة أو كشفا فالدليل على هذا تامّ.

و لكن الكلام في تحقق

المقدمات بأجمعها إذ على فرض تعذّر العلم الجازم فالوثوق ممّا يمكن تحقّقه غالبا و هو علم عاديّ يعتمد عليه العقلاء في أمورهم.

و لو سلّم عدم إمكانه فلم لا يرجع إلى الظنّ المطلق و يرجع إلى خصوص الشياع؟

و لو سلّم فلعلّ الواجب في أمثال المقام هو الاحتياط، و إيجابه لاختلال النظام يمكن منعه فتدبّر.

الوجه الثاني: ما يظهر من المسالك أيضا

و محصّله: «أنّ أدنى مراتب البيّنة لا يحصل بها الظنّ الغالب المتاخم للعلم، و الشياع ربّما يحصل منه ذلك فيكون أولى منها بالحجيّة و إن لم يحصل منه في بعض الأحيان لأنّ مفهوم الموافقة يكفي في المرتبة الدنيا من البيّنة بالقياس إلى الشياع.» «1»

أقول: هذا استدلال عجيب إذ لم يظهر لنا من أدلّة حجيّة البيّنة أنّ وجه اعتبارها إفادتها للظنّ و لا ندري ما هو الملاك في حجيّتها و إطلاق دليل الحجيّة يعمّ صورة الظن بالخلاف أيضا، و لو سلّم فهي حكمة للجعل لا علّة حتى يتعدّى منها فما ذكره أشبه شي ء بالقياس الذي لا نقول به.

الوجه الثالث: السيرة المستمرة في جميع الأعصار على إثبات الأنساب و نحوها بالشياع و الاستفاضة

فترى العقلاء يحكمون بالتحاق من ينتسب إلى أب

______________________________

(1)- المسالك 2/ 355.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 401

..........

______________________________

أو أمّ أو طائفة أو قبيلة و يرتبون عليه آثاره، و استقر هذا الأمر من عصر النبي «ص» إلى يومنا هذا من غير نكير، و لا طريق لهم في هذا الحكم إلّا الشياع في المحلّ.

أقول: يمكن أن يناقش هذا الوجه أيضا بأنّ العقلاء يحصل لهم غالبا الوثوق و الاطمينان بسبب الشياع إذا لم يسبق عامل تشكيك في البين و كانت أذهانهم باقية على صرافتها، ففي الحقيقة هم يعملون بوثوقهم الذي هو في حكم العلم عندهم.

و أمّا إذا سبق في البين عامل تشكيك و حصل لهم الشك واقعا فهل يعتمدون في هذه الصورة أيضا على الشياع بنفسه بحيث يكون أمارة تعبديّة عندهم؟

فيه إشكال بل منع إذ الظاهر أنّ أعمال العقلاء ليست مبنيّة على التعبّد و إنما يعمل كلّ واحد منهم بعلمه و وثوقه.

و لم يعهد من العقلاء تشكيل مجمع تقنينيّ لجعل أمارات تعبّدية و أصول عقلائية يتعبّدون بها و لو مع عدم

حصول العلم و الوثوق.

و ليس معنى الأخذ بطريق العقلاء أنّ كلّ واحد منهم يقلّد غيره من العقلاء تعبّدا بل المقصود أنّ كلّ واحد منهم يأخذ بما يحكم به عقله و دركه فتدبّر.

الوجه الرابع: مرسلة يونس

التي رواها المشايخ الثلاثة: ففي الكافي:

علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن البيّنة إذا أقيمت على الحقّ أ يحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة إذا لم يعرفهم من غير مسألة؟ قال: فقال: «خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا بها ظاهر الحكم: الولايات و التناكح و المواريث و الذبائح و الشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه.» «1»

و رواها الشيخ أيضا في موضعين من التهذيب و في الاستبصار و فيه و في

______________________________

(1)- الكافي 7/ 431، باب النوادر من كتاب القضاء و الأحكام، الحديث 15.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 402

..........

______________________________

موضع من التهذيب «أن يأخذوا بها بظاهر الحال.» «1»

و رواها الصدوق أيضا في الفقيه و في الخصال و فيهما: «بظاهر الحكم» و ذكر في الفقيه بدل المواريث: «الأنساب» و راجع الوسائل أيضا. «2»

و تقريب الاستدلال بها أنّ المراد بظاهر الحكم هو الحكم الظاهر بين الناس أعني النسبة الحكميّة الشائعة عندهم كقولهم مثلا: هذا هاشمي، أو هذا ملك لزيد أو وقف على المسجد و نحو ذلك.

و أوضح من ذلك في الدلالة على الشياع ظاهر الحال المذكور في الاستبصار و موضع من التهذيب بأن يراد به الحال الظاهر في المجتمع.

و المراد بالولايات كون شخص خاصّ واليا أو قاضيا من قبل الإمام، و من المناكح كون هذا زوجا لهذه أو هذه زوجة لذاك، و من الذبائح كون

ما في سوق المسلمين حلالا مذكّى، و من الشهادات جواز الشهادة بما شاع و استفاض، و من المواريث توريث من انتسب إلى أب أو أم أو طائفة فيكون هذا دليلا على ثبوت النسب بالشياع، و أظهر من ذلك إن كانت النسخة: «الأنساب» بدل المواريث.

أقول: للمناقشة في هذا الدليل أيضا مجال واسع و إن تمسّك به في الجواهر و غيره، إذ يرد عليه أوّلا: أنّ السند مرسل و إن أمكن أن يقال: إنّ التعبير ببعض رجاله يظهر منه أن الراوي من أصحاب يونس فيستفاد منه نحو مدح له.

______________________________

(1)- التهذيب 6/ 283 و 288، كتاب القضايا و الأحكام، باب البيّنات، الحديث 186، و باب الزيادات ...، الحديث 5؛ و الاستبصار 3/ 13، الباب 1 من كتاب الشهادات، الحديث 3.

(2)- الفقيه 3/ 9 (- طبعة أخرى 3/ 16)، الباب 11 من أبواب القضايا و الأحكام، الحديث 1؛ الخصال/ 311، باب الخمسة، الحديث 88؛ و الوسائل 18/ 212، الباب 22 من أبواب كيفيّة الحكم ...، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 403

..........

______________________________

و ثانيا: أنّ المتن مختلف كما مرّ. و ثالثا: أن سؤال السائل لمّا كان عن جواز اعتماد القاضي على الشهود مع عدم معرفتهم فلا بدّ أن يكون الجواب مطابقا للسؤال فيشبه أن تكون النسخة الصحيحة: «ظاهر الحال» و أراد الإمام «ع» بيان أنّ ظاهر حال المسلم بما أنّه مسلم، العدالة و عدم الفسق، و هذا هو الذي عبّر عنه الفقهاء بكفاية حسن الظاهر فيجوز جعله واليا أو يقبل دعواه الولاية و كذا يجوز المزاوجة معه أو يقبل دعواه في الزوجية و كذا في الانتساب و يحكم بحلّية ذبيحته و تقبل شهادته، و لا ارتباط لهذه الأمور بالشياع

المفسّر بأخبار جمع كثير بمضمون واحد.

كيف؟! و هل يتوقّف حليّة ذبيحة المسلم مثلا على إخبار جمع كثير بها اللّهم إلّا أن يراد الإخبار بكونه مسلما حتّى تحلّ ذبيحته.

الوجه الخامس: قصة إسماعيل بن جعفر «ع» ا

لمروية بسند صحيح.

فعن الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عيسى عن حريز قال: كانت لإسماعيل بن أبي عبد اللّه «ع» دنانير و أراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن، فقال إسماعيل: يا أبه إنّ فلانا يريد الخروج إلى اليمن و عندي كذا و كذا دينار، أ فترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن، فقال أبو عبد اللّه «ع»: يا بني أما بلغك أنّه يشرب الخمر؟ فقال إسماعيل:

هكذا يقول الناس. فقال: يا بنيّ لا تفعل.

فعصى إسماعيل أباه و دفع إليه دنانيره فاستهلكها و لم يأته بشي ء منها، فخرج إسماعيل و قضي أنّ أبا عبد اللّه «ع» حجّ و حجّ إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت و يقول: «اللّهم آجرني و اخلف عليّ» فلحقه أبو عبد اللّه «ع» فهمزه بيده من خلفه و قال له: يا بنيّ فلا و اللّه ما لك على اللّه هذا، و لا لك أن يأجرك و لا يخلف عليك و قد بلغك أنّه يشرب الخمر فائتمنته،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 404

..........

______________________________

فقال إسماعيل: يا أبه إنّي لم أره يشرب الخمر إنّما سمعت الناس يقولون، فقال:

يا بنيّ إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول في كتابه: «يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» يقول:

يصدّق اللّه و يصدّق للمؤمنين، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم و لا تأتمن شارب الخمر، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول في كتابه: «وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ» فأيّ سفيه أسفه من شارب

الخمر لا يزوّج إذا خطب و لا يشفع إذا شفع و لا يؤتمن على أمانة فمن ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه على اللّه أن يأجره و لا يخلف عليه.» «1»

فمفاد هذه الصحيحة أنّ شياع أمر بين الناس و شهادة المؤمنين به أمارة معتبرة على ما شاع فيجب ترتيب الأثر عليه فإذا شهدوا مثلا بكون أحد شاربا للخمر صار مصداقا لما دلّ على أنّ شارب الخمر لا يزوّج و لا يشفّع و لا يؤتمن. و لا تنحصر حجيّته في موضوع خاصّ كشارب الخمر مثلا، بل تجري في كلّ مورد تحقّق الشياع و الاستفاضة كما هو الظاهر من الصحيحة.

و الظاهر أنّ إسماعيل لم يحصل له العلم و لا الوثوق من الشياع و إلّا لم يكن يتخلّف عن علمه و وثوقه في ماله الذي كان يهتمّ به كثيرا فيستفاد من الحديث حجيّة الشياع و لو لم يفد العلم و لا الوثوق.

أقول: لعلّ هذا الدليل أحسن ما استدل به في المقام، و اعتمد عليه صاحب الجواهر أيضا. «2»

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الشياع بين الناس أمر و شهادة المؤمنين بما هم مؤمنون أمر آخر، إذ شهادة المؤمنين تكون من مصاديق البيّنة الشرعيّة التي مرّ اعتبارها

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 230، الباب 6 من كتاب الوديعة، الحديث 1.

(2)- الجواهر 40/ 56.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 405

..........

______________________________

تعبّدا، و الشهادة فيها تكون عن حسّ كما في مورد الصحيحة.

و إنّما الإشكال و البحث في الشياع بين الناس إذا لم يعلم حالهم من الإيمان و العدالة بل نعلم إجمالا أن أكثرهم همج رعاع أتباع كلّ ناعق لا يستضيئون بنور العلم و لا يشخصون الحقّ من الباطل، و مورده الأمور الممتدّة

في عمود الزمان التي يتعسّر فيها الحسّ غالبا. و دلالة الحديث على اعتباره محلّ إشكال.

و المحقّق النراقي- قدّس سرّه- أيضا حمل الصحيحة على شهادة البيّنة قال في العوائد ما محصّله: «أنّ الاستغراق فيه أفرادي لا جمعيّ فالمعنى كلّ مؤمن شهد عندك فصدّقه، خرج المؤمن الواحد بالدليل فيبقى الباقي.

مع أن إرادة العموم الجمعي منتفية قطعا لعدم إمكان شهادة جميع المؤمنين إلى يوم القيامة و لا جميع مؤمني عصره، بل و لا نصفهم و لا ثلثهم بل و لا عشرهم و لا واحد من ألف منهم فالمراد إمّا الاستغراق الأفرادي كما مرّ أو مطلق الجمع الشامل للثلاثة أو جميع أفراد الجموع الشامل للثلاثة المتعدي حكمه إلى الاثنين أيضا بالإجماع المركّب.

و أيضا الحكم مفرّع على قوله- سبحانه-: «يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ.»

و هو وارد في تصديق النبي «ص» لعبد اللّه بن نفيل و هو كان واحدا.

و أيضا ظاهر أنّ من أخبر إسماعيل بشرب الخمر ليس إلّا اثنين أو ثلاثة.» «1»

أقول: لم يظهر لي من أين ظهر له أنّ المخبر لإسماعيل لم يكن إلّا اثنين أو ثلاثة؟!. هذا.

و في الحديث مناقشة أخرى أيضا، و هي أنّ تزويج شخص و ائتمانه على أمانة يتوقّفان عادة على إحراز الإيمان و الأمانة فمجهول الحال أيضا لا يزوّج

______________________________

(1)- العوائد/ 274.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 406

..........

______________________________

و لا يؤتمن عند العقلاء فلا يتوقّف عدم التزويج و عدم الائتمان على إحراز كونه فاسقا شارب الخمر فتأمّل.

و مناقشة ثالثة، و هي أنّ الآية التي ذكرها الإمام «ع» نزلت في شأن بعض المنافقين المتظاهرين بالإيمان و هو عبد اللّه بن نفيل أو نبتل بن الحارث أو عتّاب بن قشير:

ففي تفسير علي بن إبراهيم ما محصّله: أنّه

كان سبب نزولها أنّ عبد اللّه بن نفيل المنافق كان يقعد إلى رسول اللّه «ص» فيسمع كلامه و ينقله إلى المنافقين و ينمّ عليه فأخبر النبيّ «ص» جبرئيل بذلك فدعاه النبي «ص» فأخبره فحلف أنّه لم يفعل فقال رسول اللّه «ص»: قد قبلت منك فرجع إلى أصحابه فقال:

إنّ محمدا أذن فأنزل اللّه- تعالى-: «وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» أي يصدّق اللّه فيما يقول و يصدّقك فيما تعتذر إليه في الظاهر و لا يصدّقك في الباطن، و قوله: و يؤمن للمؤمنين يعني المقرّين بالإيمان من غير اعتقاد.» «1»

أقول: و يشهد لما ذكره تغيير حرف الصلة و ذكر اللام الظاهرة في النفع أو يكون بتضمين التصديق فإنّه يتعدّى باللام كما في قوله- تعالى-: «وَ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ»

و إذا كان التصديق للمؤمنين بحسب الظاهر فقط فلا حجيّة في قوله و يكون وزانه وزان قوله «ع»: «كذّب سمعك و بصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة و قال لك قولا فصدّقه و كذّبهم.» «2»

و على هذا فيشكل الاستدلال بالصحيحة لحجيّة البيّنة أو الشياع. و لعلّ

______________________________

(1)- تفسير علي بن إبراهيم 1/ 300 (- طبعة أخرى/ 275)؛ و الآية 61 من سورة التوبة.

(2)- الكافي 8/ 147، تكذيب المغتاب ...، الحديث 125.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 407

..........

______________________________

الآية الشريفة و الصحيحة كلتاهما في مقام الإرشاد إلى آداب المعاشرة و لزوم التصديق الصوري للمجتمع و الخلطاء و الاحتياط عملا في موارد الشبهة و نحو ذلك فتدبّر. هذا.

و هنا رواية أخرى عن الكافي يظهر منها أن القصّة وقعت لنفس الإمام الصادق مع أبيه «ع» و هي ما رواه

في الوسائل عن الكافي عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحد عن أبان بن عثمان عن حماد بن بشير عن أبي عبد اللّه و فيه: و قال أبو عبد اللّه «ع»: «إنّي أردت أن أستبضع بضاعة إلى اليمن فأتيت أبا جعفر «ع» فقلت له: إنّي أريد أن أستبضع فلانا، فقال: أما علمت أنّه يشرب الخمر فقلت: بلغني من المؤمنين أنهم يقولون ذلك فقال: صدّقهم فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» ثمّ قال: إنّك إن استبضعته فهلكت أو ضاعت فليس لك على اللّه أن يأجرك و لا يخلف عليك، فاستبضعته فضيّعها فدعوت اللّه- عزّ و جلّ- أن يأجرني فقال: أي بنيّ مه ليس لك على اللّه أن يأجرك و لا يخلف عليك، قال: قلت: و لم؟ قال: لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول:

«وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً» فهل تعرف سفيها أسفه من شارب الخمر. الحديث» «1» و روى القصة مختصرة العياشي أيضا عن حماد بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع». «2»

أقول: احتمال وقوع القصّة تارة للإمام الصادق «ع» و تارة لابنه إسماعيل غير بعيد و لكن عصيان الإمام الصادق لأبيه بعيد جدا. هذا.

و ربّما يتوهّم جواز الاستدلال لحجيّة الشياع أيضا بأخبار ذكر فيها لفظ المعروف.

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 248، الباب 11 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 5.

(2)- تفسير البرهان 2/ 139.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 408

..........

______________________________

كقوله «ع»: «و اعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض إلّا مجلود في حدّ لم يتب منه أو معروف بشهادة زور. الحديث.» «1»

و قوله «ع»: «نعم يشهدون على شي ء مفهوم معروف.» «2»

و قوله «ع»

في شهادة من يلعب بالحمام: «لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق.» «3»

و قوله «ع» «تقبل شهادة المرأة و النسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات معروفات بالستر و العفاف.» «4» إلى غير ذلك ممّا حذا حذو هذه الأخبار.

أقول: تفسير المعروف بالشائع عند الناس مصطلح بيننا أهل اللغة الفارسية و لكن الظاهر أنّ المراد به في هذه الأخبار المعروف للشخص لا المعروف عند المجتمع و لا أقل من احتمال ذلك.

هذه هي الوجوه التي أقاموها لاعتبار الشياع و الاستفاضة و قد عرفت المناقشة فيها.

الأمر الثالث: في أن الاستفاضة هل تكون حجة شرعية مطلقا

أو بشرط أن تكون مفيدة للعلم الجازم أو يكتفى فيها بالظن المتاخم للعلم أو يكفي مطلق الظنّ، أو يشترط فيها أن لا يقوم ظنّ بخلافه؟ في المسألة وجوه.

ربّما يستظهر من المحقّق في شهادات الشرائع و النافع حيث اعتبر العلم في الشهادة عدم اعتبار الاستفاضة ما لم تفد العلم.

و في المسالك في تعريف الاستفاضة: «هي إخبار جماعة لا يجمعهم داعية التواطي عادة يحصل بقولهم العلم بمضمون خبرهم على ما يقتضيه كلام المصنّف

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 155، الباب 1 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 301، الباب 48 من أبواب الشهادات، الحديث 1.

(3)- الوسائل 18/ 305، الباب 54 من أبواب الشهادات، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 294، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 20.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 409

..........

______________________________

هنا، أو الظن الغالب المقارب له على قول.» «1»

و ظاهره اعتبار حصول العلم على نظر المصنّف هنا و الظنّ الغالب على القول الآخر.

و لكن لم يظهر لي من كلام المصنّف في باب القضاء اعتبار العلم. و قوله بعد أسطر: «و لا يجب على أهل الولاية قبول دعواه مع عدم البيّنة و إن شهدت الأمارات

ما لم يحصل اليقين.» مورده صورة عدم الاستفاضة كما يظهر لمن تأمّل في عبارته.

و كيف كان فالالتزام باشتراط العلم مساوق لعدم اعتبار الاستفاضة بذاتها إذ العلم حجّة بذاته في أيّ مقام حصل.

و ظاهر أكثر الكلمات أنّ الاستفاضة بنفسها حجّة شرعيّة و لذا اختلفوا في مواردها و تمسّكوا لحجيّتها فيها بأنّ هذه الأشياء ممّا يتعذر إقامة البيّنة عليها فهذا السنخ من الاستدلال ظاهر في كون المقصود حجيّتها بنفسها كالبيّنة.

و يظهر من الجواهر أيضا القول باعتبارها بذاتها بنحو الإطلاق و لكن لم يجوّز الشهادة بمضمونها إلّا إذا حصل العلم ففصّل بين باب الشهادة و بين غيرها من الآثار.

ففي باب القضاء بعد الاستدلال للشياع بالسيرة و بالمرسلة و الصحيحة السابقتين قال: «و منه يعلم أنّه لا مدخلية لمفاده الذي يكون تارة علما و أخرى متاخما له و ثالثة ظنّا غالبا في حجيّته و إنما المدار على تحققه.» «2»

و في باب الشهادات منه: «نعم قد يقال: إنّ الشياع المسمّى بالتسامع مرّة و بالاستفاضة أخرى معنى وحداني و إن تعددت أفراده بالنسبة إلى حصول العلم بمقتضاه، و الظنّ المتاخم له، و مطلق الظنّ إلّا أنّ الكلّ شياع و تسامع و استفاضة.

فمع فرض قيام الدليل على حجيّته من سيرة أو إجماع أو ظاهر المرسل أو خبر

______________________________

(1)- المسالك 2/ 354.

(2)- الجواهر 40/ 57.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 410

..........

______________________________

إسماعيل أو غير ذلك لم يختلف الحال في أفراده المزبورة التي من المقطوع عدم مدخليتها فيه، بل هي في الحقيقة ليست من أفراده و إنّما هي أحوال تقارن بعض أفراده كما نجده بالوجدان بملاحظة أفراده.

و لكن على كلّ حال فإثبات حجيّته و القضاء به و إجراء الأحكام عليه لا يقتضي جواز الشهادة بمضمونه

و إن لم يقارنه العلم لما عرفته من اعتبار العلم في الشهادة و كونه كالشمس و الكفّ ....

و بذلك كلّه يظهر لك سقوط البحث في أنّه هل يعتبر فيه الظنّ المتاخم أو العلم و أنّ في ذلك قولين، بل في الرياض جعل الأقوال ثلاثة بزيادة مطلق الظنّ و نسبة كلّ قول إلى قائل و ذكر الأدلّة لذلك، إذ قد عرفت أنّ هذه الأحوال لا مدخليّة لها في حجيّة الشياع.

كما أنّه ظهر لك منه أنّ الشياع و التسامع و الاستفاضة على أحوال ثلاثة:

أحدها: استعمال الشائع المستفيض و إجراء الأحكام عليه. و الثاني: القضاء به، و الثالث: الشهادة بمقتضاه.

أمّا الأوّل: فالسيرة و الطريقة المعلومة على أزيد ممّا ذكره الأصحاب فيه فإنّ الناس لا زالت تأخذ الفتوى بشياع الاجتهاد و تصلّي بشياع العدالة و تجتنب بشياع الفسق و غير ذلك مما هو في أيدي الناس.

و أما القضاء به، و إن لم يفد العلم فالأولى الاقتصار فيه على السبعة، بل الخمسة، بل الثلاثة بل النسب خاصّة، لأنّه هو المتفق عليه بين الأصحاب.

و أما الشهادة به، فلا تجوز بحال إلّا في صورة مقارنته للعلم بناء على الاكتفاء به في الشهادة مطلقا.» «1»

______________________________

(1)- الجواهر 41/ 134.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 411

..........

______________________________

أقول: و ملخّص الكلام في المقام أنّه إن حصل بالشياع العلم الجازم فلا إشكال فيجوز العمل به بل و الشهادة بمضمونه إلّا أن يناقش فيها باعتبار كونها عن حسّ، و كيف كان فالاعتبار حينئذ للعلم لا للشياع.

و إن حصل الظنّ المتاخم الذي نعبّر عنه تارة بالوثوق و أخرى بسكون النفس كان حجة أيضا لكونه بحكم العلم عند العقلاء يعتمدون عليه في أمورهم و إن أشكل الشهادة بمضمونه على ما أشار

إليه في الجواهر من روايات الشمس و الكفّ «1»

و أمّا إذا لم يحصل العلم و لا الوثوق فالقول بحجيّته حينئذ يتوقّف على تماميّة بعض الوجوه التي مرّت، و عمدتها كما عرفت الصحيحة. و نحن و إن ناقشنا في دلالتها و قرّبنا حملها على البيّنة وفاقا لما في العوائد. و لكن المتبادر من قوله: «هكذا يقول الناس» و قوله: «قد بلغك» هو الشياع بين الناس، و قد مرّ أن إسماعيل لم يحصل له بذلك الشياع العلم و لا الوثوق و إلّا لما أعطى الرجل ماله الذي كان يهتم به، و مع ذلك وبّخه الإمام- عليه السلام- على مخالفة ذلك الشياع.

و لعلّ الرواية الثانية الحاكية لقصّة الإمام- عليه- السلام- مع أبيه «ع» دلالتها أظهر.

نعم يوهن ذلك ما في الصحيحة من قوله «ع» «إذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم» الظاهر في شهادة البيّنة.

و كيف كان فلا يبعد القول بكفاية الشياع و الشهرة في البلد في مثل الأنساب و الأوقاف و نحوهما من الأمور الممتدّة في عمود الزمان إذا حصل الظنّ بالمضمون، و لو لا ذلك أشكل إثبات هذه الأمور مع الابتلاء بها و كثرة أحكامها، و انجرّ الأمر إلى تضييع كثير من الحقوق إذ تحصيل العلم الجازم أو الوثوق أو إقامة البيّنة في مثل

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 250، الباب 20 من أبواب الشهادات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 412

..........

______________________________

الأنساب الممتدّة و الأوقاف القديمة مع كثرة الوسائط و البعد الزماني ممّا يعسر جدّا و الملتزم بذلك يعدّ وسواسا خارجا من المتعارف. هذا، و لكن الأحوط السّعي في تحصيل العلم أو الوثوق ما لم يبلغ حدّ الوسوسة.

و ربّما يقال بجواز التمسك لحجيّة الشياع مطلقا بالأخبار المتمسّك بها لحجيّته في باب الهلال

بإلغاء خصوصيّة المورد:

1- كخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع» و فيه: «لا تصم ذلك اليوم الذي يقتضى إلّا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه.» «1»

2- و في خبر عبد الرحمن قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن هلال رمضان يغم علينا في تسع و عشرين من شعبان فقال: «لا تصم إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه.» «2»

3- و بالإسناد عنه أنّه سأله عن ذلك فقال: «لا تصم ذلك اليوم إلّا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا ذلك فصمه.» «3»

4- و خبر عبد الحميد الأزدي قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» أكون في الجبل في القرية فيها خمس مأئة من الناس. فقال: «إذا كان كذلك فصم لصيامهم و أفطر لفطرهم.» «4»

5- و موثقة سماعة أنّه سأل أبا عبد اللّه «ع» عن اليوم في شهر رمضان يختلف فيه؟ قال: «إذا اجتمع أهل مصر على صيامه للرؤية فاقضه إذا كان أهل مصر خمس مأئة إنسان.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 7/ 211، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2)- الوسائل 7/ 212، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2.

(3)- الوسائل 7/ 212، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3.

(4)- الوسائل 7/ 212، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

(5)- الوسائل 7/ 213، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 413

[لا يكفي مجرّد دعوى الهاشمية]

و لا يكفي مجرّد دعواه (1).

______________________________

أقول: قد حمل في الجواهر هذه الأخبار على صورة حصول العلم و حيث إنّ الغالب في مواردها حصول العلم يشكل الأخذ بإطلاقها فضلا عن التعدّي منها إلى سائر الأبواب.

و اعلم أنّ ظاهر المصنّف هنا كفاية

مطلق الشياع و لكنّه قيّده في باب الخمس (المسألة 4 من فصل قسمة الخمس) بكونه مفيدا للعلم، و الظاهر كما مرّ كفاية الوثوق بل الظنّ، فتدبّر.

(1) أقول: إن حصل الوثوق بدعواه فلا إشكال لما مرّ منا من اعتماد العقلاء في أمورهم على الوثوق و سكون النفس و يكون عندهم في حكم العلم الجازم، لا لابتناء ذلك منهم على تعبّد شرعي أو عقلائي بل ممّا يحكم به عقل كلّ واحد منهم و ارتكازه.

و أمّا إذا لم يحصل فالأصل عدم الحجيّة و اشتغال ذمّة الدافع يقتضي تحصيل البراءة اليقينية.

و لكن يظهر من كشف الغطاء في بابي الزكاة و الخمس جواز الاعتماد على مجرد الدعوى:

قال في باب الزكاة: «و الظاهر الاكتفاء بادعائه أو ادعاء آبائه له مع عدم مظنة الكذب. و الأحوط طلب الحجّة منه على دعواه.

أمّا ادّعاؤه في الفقر فمسموع. و حكم الادّعاء للنسب الخاصّ كالحسنية و الحسينيّة و الموسويّة و الرضويّة حكم الادّعاء العامّ.» «1»

و قال في باب الخمس: «و يصدّق مدّعي النسب ما لم يكن متّهما كمدعي الفقر.» «2»

______________________________

(1)- كشف الغطاء/ 356.

(2)- كشف الغطاء/ 363.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 414

..........

______________________________

و في خمس الجواهر في ذيل العبارة الثانية قال: «و فيه بحث لعدم صدق الامتثال قبل إحراز مصداق الموضوع.

و أصالة صحّة دعوى المسلم فيما لا يعارضها فيها أحد لا تكفى قطعا في فراغ ذمّة الدافع بل أقصاها عدم الحكم بفسق الآخذ لو اتفق، و القياس على الفقر مع أنّه مع الفارق لا نقول به.» «1»

أقول: و لعلّه أراد بالفارق أولا: أنّ دعوى الفقر معتضدة غالبا بالاستصحاب بخلاف الانتساب إذ ليس له حالة سابقة معلومة، و استصحاب العدم الأزلي قابل للمناقشة كما يأتي.

و ثانيا: أنّ الفقر

من الأمور الداخليّة التي لا يعرف غالبا إلّا من قبل الشخص بخلاف الانتساب إذ هو أمر يعرفه الطائفة و القبيلة غالبا فيمكن إثباته بالبيّنة أو بالشياع. هذا.

و مسألة دعوى الفقر قد مرّت بالتفصيل فراجع المسألة العاشرة من فصل المستحقّين. و تعرّض لها فقهاء الفريقين، و نسب إلى المشهور منّا قبول دعواه بل ظهر من بعضهم دعوى الوفاق فيه و أقمنا هناك لجواز القبول أربعة عشر دليلا كأصالة عدم المال، و أصالة العدالة في المسلم، و أصالة الصحة في دعواه، و أنّ مطالبة المؤمن بالبيّنة أو اليمين إذلال له. و أنّه مدع بلا معارض نظير مدّعي الكيس الذي كان بين عشرة، و أنّ الفقر و الغنى من الحالات التي يتعذر إقامة البيّنة عليها و لا تعرف إلّا من قبل الشخص، و كاستمرار السيرة على القبول، و استلزام العسر و الحرج لو كلف بإقامة البيّنة و كالأخبار الواردة في موارد خاصّة و نحو ذلك، فراجع.

و قد ناقشنا هذه الأدلّة في محلّها و لكن قلنا هناك أخيرا: «إنّ الفقيه الذي خلا

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 105.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 415

..........

______________________________

ذهنه من الوسوسة ربّما يطمئنّ بالتأمّل في مجموعها بصحة أصل المدّعى و لا سيما مع فرض حصول الظنّ من مشاهدة حال المدّعي لكثرة الابتلاء بهذا الموضوع و تعذّر إقامة البيّنة أو تعسّرها غالبا فيجري دليل الانسداد الصغير بمقدّماته، بل لا نحتاج إلى الظنّ أيضا إذ الزكاة شرّعت لسدّ الخلّات بحيث لو أعطى الناس زكواتهم لم يبق فقير و لا غارم كما نطقت به الأخبار. و لا تترتّب هذه المصلحة العامّة إذا فرض التضييق في مقام الإعطاء و التقسيم إذ يبقى الأعفّاء محتاجين و محرومين.» «1»

ثم نقلنا في هذا

المجال كلاما جامعا عن مصباح الفقيه، فراجع.

و بعض الأدلة التي أقاموها في مسألة قبول دعوى الفقر يجري في المقام أيضا، و لكن لما كان إقامة البيّنة و الرجوع إلى الشياع في المقام أسهل أشكل الاكتفاء هنا بمجرد الدعوى، و لكن الظاهر كفاية الظنّ الغالب لقيام السيرة في جميع الأعصار و الأمصار على الاكتفاء به.

و ردّ المدّعي مع حصول الظنّ أيضا يوجب حرمان كثير من المستحقّين، و هذا مخالف لحكمة جعل الزكاة و الخمس المقصود بهما سدّ خلّات الفريقين.

و إن شئت قلت بجريان الانسداد الصغير في هذا القبيل من الموضوعات التي كثر الابتلاء بها و انسدّ باب العلم و العلمي فيها غالبا، فتدبّر.

و العجب من كلام صدر عن صاحب الجواهر في مسألة دعوى الفقر و لو صحّ جرى في المقام أيضا.

و محصّله: «انّ الثابت من التكليف إيتاء الزكاة لا إيتاؤها للفقير مثلا. و قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ...» لا يفيد إلّا كونها لهم في الواقع لا أنّ المكلّف يجب عليه إحراز الصفات في الدفع فهي في الحقيقة كالمال المطروح الذي لا يد

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 367.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 416

..........

______________________________

لأحد عليه.» «1» و تعرّض لنظير ذلك في مسألة ادّعاء الغرم أيضا. «2»

و جوابه واضح فإنّ المكلّف يجب عليه قطعا تشخيص المصرف و إيصال المال إليه، فراجع ما حرّرناه في بحث الغارمين (المسألة 20).

[تذنيب: الحيلة في الدفع للمجهول المدّعي]

تذنيب: في خمس الجواهر: «نعم قد يحتال في الدفع للمجهول المدّعي بأنّ يوكّله من عليه الحقّ في الدفع إذا فرض عدالته أو قلنا بعدم اشتراطها فإنّه يكفي في براءة ذمّته و إن علم أنّه هو قبضه لأنّ المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكّل ما لم يعلم

الخلاف، لكنّ الإنصاف أنّه لا يخلو من تأمّل أيضا.» «3»

أقول: محصّل كلام القائل إجراء أصل الصحّة في عمل الوكيل و قد استقرّ بناء العقلاء و المتشرعة على ذلك. نعم يعتبر الوثوق بإتيان العمل إذ الأمر توجّه إلى الموكّل و إنما يكتفي بعمل الوكيل تنزيلا فما لم يحصل الوثوق بإتيانه لم يحصل الفراغ، و المعتبر الوثوق لا العدالة، و لكن بعد الوثوق بإتيان أصل العمل لا مانع من إجراء أصل الصحّة فيه كما في كلّ عمل يصدر من الغير. هذا.

و لكن في خمس مستند العروة ما محصّله: «إنّ القدر المتيقّن من بناء العقلاء و سيرتهم ما إذا لم يعلم الموكّل كيفية العمل الصادر من الوكيل كما إذا وكّله في إجراء عقد و لم يعلم أنّه أجراه بصيغة عربيّة مثلا أو لا.

و أمّا إذا علم الكيفية و أنه أجراه بالفارسية و هو شاكّ في صحته كذلك لشبهة حكمية فإجراء أصل الصحّة حينئذ محلّ إشكال.

و يلحقه في الإشكال مورد الشك لشبهة موضوعية أيضا كما في المقام حيث

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 323.

(2)- الجواهر 15/ 367.

(3)- الجواهر 16/ 106.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 417

..........

______________________________

يعلم الموكّل أنّ الوكيل أخذه لنفسه باعتقاده لاستحقاقه، و لكن الموكّل يشكّ في استحقاقه لعدم إحراز قيام السيرة في مثل ذلك.

و من الواضح أن علم الوكيل طريقي محض و ليس بموضوعي فلا أثر له في تصحيح العمل بالنسبة إلى الموكّل.» «1»

أقول: ما ذكره بالنسبة إلى الشبهة الحكمية صحيح بعد العلم بإتيانه بكيفية يشك الموكل في صحتها حكما إذ مورد أصل الصحة هو الشك في إتيان العمل صحيحا بعد العلم بما هو الصحيح بحسب الحكم الشرعي، و ليس أصل الصحة مرجعا في الشبهات الحكمية.

و أما إذا فرض

اتفاق نظرهما في أصل الحكم و في شرائط الموضوع بل و في طرق إثباته و إحرازه و فرضنا كون الوكيل ثقة فإحراز مصاديق الموضوع حينئذ يكون من وظائف من يتصدى للعمل مباشرة و يحمل عمله على الصحة ما لم ينكشف الخلاف.

و النكتة في إجراء الأصل ندرة خطأ الفاعل و اشتباهه في تطبيق الموضوع بعد العلم بأصل الحكم و حدود الموضوع.

و لو لا ذلك لوجب على الموكل أن يتفحص عن كل واحد من المصارف و عن حالاته، و سيرة العقلاء على خلاف ذلك بعد كون الوكيل ثقة في أصل إتيان العمل بشرائطه، إذ يعتمدون في هذا القبيل من الأمور على تشخيص المباشر و إحرازه ما لم ينكشف الخلاف.

كيف؟! و أيّ فرق بين شخص الوكيل و بين سائر المصاديق إذا عرفهم الموكل بأشخاصهم و لم يعرف حالاتهم و أنهم واجدون للشرائط أم لا، فتأمّل.

______________________________

(1)- مستند العروة الوثقى- كتاب الخمس/ 322.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 418

[يؤخذ بإقراره في عدم دفع الزكاة إليه]

و إن حرم دفع الزكاة إليه مؤاخذة له بإقراره (1).

______________________________

و في خبر شهاب بن عبد ربّه قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسمها؟ قال: «نعم لا بأس بذلك أما إنّه أحد المعطين.» «1»

و إذا كان الوكيل أحد المعطين للزكاة فتشخيص المصاديق يكون على عهدته، فتأمّل.

ثمّ ليس دليل حجية أصل الصحة منحصرا في سيرة العقلاء و إلّا لانحصرت حجيّته في موارد حصول الوثوق بالصحة شخصا لعدم وجود التعبد بين العقلاء بما هم عقلاء و إنما يعتمد كلّ شخص على وثوق نفسه، فلعلّ الدليل عليها الإجماع و سيرة المتشرعة بما هم متشرعة في الأبواب المختلفة من العقود و الإيقاعات و الوكالات و

الإجارات و الجماعات و تجهيز الموتى و غيره من الواجبات الكفائية فتدبّر.

(1) في الجواهر بعد الإشكال في قبول دعوى النسب ممّن ادّعى أنّه هاشمي قال: «نعم في المقام لا يبعد قبوله إلزاما له بإقراره فلا تدفع له الزكاة.» «2»

أقول: لما دلّ على الأخذ بالإقرار على النفس من بناء العقلاء على ذلك على اختلاف مذاهبهم و ثقافاتهم. و من آيات كريمة يستفاد منها ذلك كقوله- تعالى-:

«قٰالَ أَ أَقْرَرْتُمْ ... قٰالُوا أَقْرَرْنٰا.» «3»

و قوله: «وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ.» «4» و ما اشتهر نقله عن النبي «ص» أنّه قال: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» «5» و ما روي عن الصادق «ع» أنّه قال:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الجواهر 15/ 407.

(3)- سورة آل عمران (3)، الآية 81.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 102.

(5)- الوسائل 16/ 111 (- طبعة أخرى 16/ 133)، الباب 3 من كتاب الإقرار، الحديث 2؛ و المستدرك 3/ 48، الباب 2 من كتاب الإقرار، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 419

[لو ادّعى أنّه ليس بهاشميّ يعطى من الزكاة لأصالة العدم]

اشارة

و لو ادّعى أنّه ليس بهاشميّ يعطى من الزكاة لا لقبول قوله، بل لأصالة العدم عند الشكّ في كونه منهم أم لا (1)، و لذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط.

______________________________

«المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمنا عليه» «1» و خبر جراح المدائني عن أبي عبد اللّه «ع» إنّه قال: «لا أقبل شهادة الفاسق إلّا على نفسه» «2» إلى غير ذلك من الأخبار.

و لكن في المستمسك بعد الإشارة إلى كلام الجواهر قال: «و لكنه غير ظاهر إذ الإقرار إنّما يمنع من العمل بالحجّة- من أمارة أو أصل- بالإضافة إلى الأحكام التي تكون للمقرّ لا بالإضافة إلى المالك و إفراغ

ذمّته بذلك، فتأمل.» «3»

أقول: مفاد الأدلّة أنّ إقرار العاقل على نفسه حجة في كلّ ما يرتبط بنفسه و يكون بمنزلة قيام الدليل المعتبر على ذلك و إن لم يكن حجة فيما يرتبط بحق الغير، فمن أقرّ بكونه هاشميا كان مقتضى إقراره عدم استحقاقه للزكاة نظير ما إذا أقرّ بكونه غنيا فوجب على كلّ من سمع هذا الإقرار ترتيب الأثر عليه فلا يصحّ إعطاء الزكاة له و إن لم تكن شهادته و إقراره موجبا لحرمان المنتسبين إليه، فتدبّر.

(1) يظهر من كلام الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة في مبحث الحيض فيمن شك في انتسابه إلى قريش: «أنّ أصالة عدم الانتساب معوّل عليه عند الفقهاء في جميع المقامات.» «4»

و في المستمسك: «فقد حكي عن بعض: أنّه نسب إلى الأصحاب بناءهم على العمل بها في جميع أبواب الفقه من النكاح و الإرث و الوصية و البيع

______________________________

(1)- الوسائل 16/ 111 (- طبعة أخرى 16/ 133)، الباب 3 من كتاب الإقرار، الحديث 1.

(2)- الوسائل 16/ 112 (- طبعة أخرى 16/ 135)، الباب 6 من كتاب الإقرار، الحديث 1.

(3)- المستمسك 9/ 312.

(4)- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم الأنصاري/ 189 (- طبعة أخرى/ 167).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 420

..........

______________________________

و الوقف و الديات و غيرها.» «1»

و في طهارة مصباح الفقيه في مبحث الحيض: «و لو اشتبه المصداق فالمرجع أصالة عدم الانتساب المعوّل عليها لدى العلماء في جميع الموارد التي يشك في تحقق النسبة بل الاعتماد عليها في مثل ما نحن فيه من الأمور المغروسة في أذهان المتشرعة، بل المركوز في أذهان العقلاء قاطبة.

و لذا لا يعتني أحد باحتمال كونه قرشيا مع أنّ هذا الاحتمال بالنسبة إلى أغلب الأشخاص محقّق بل ربّما يكون مظنونا

و مع ذلك لا يلتفون إليه و يرتبون آثار خلافه، و هذا ممّا لا شبهة فيه.

و إنما الإشكال في تعيين وجه عمل العقلاء و العلماء بهذا الأصل و بنائهم على عدم تحقّق النسبة المشكوكة و ترتب آثار خلافها. و لا يبعد أن يكون منشأه الغلبة و حكمة اعتبارها لديهم انسداد باب العلم غالبا. و لا يعارض هذا الأصل بعد فرض اعتباره شي ء من الأصول و العمومات ...» «2»

أقول: فيظهر من هذه الكلمات أنّ الانتساب الخاص إذا كان موضوعا لحكم خاصّ كاستحقاق الهاشمي للخمس و تحيّض القرشية إلى ستّين فمع الشك في هذا الانتساب لا يجري عندهم هذا الحكم الخاص بل يحكم بعدم الانتساب و يجري عليه حكمه. و ظاهرهم كون المسألة إجماعية بل ظاهر مصباح الفقيه اتفاق المتشرعة بل العقلاء بما هم عقلاء على ذلك.

و لا يخفى أن عدم إجراء الحكم الخاص وجهه واضح إذ إجراء الحكم في مرحلة الامتثال يتوقّف على إحراز الموضوع، و لكن لا يقتضي هذا إجراء حكم الخلاف

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 312.

(2)- كتاب الطهارة من مصباح الفقيه/ 270 (2/ 54).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 421

..........

______________________________

إذ استحقاق الزكاة مثلا يتوقف على إحراز عدم الانتساب و كذلك التحيض إلى خمسين، و المفروض كونه مشكوكا فيه فما وجه حكم الأصحاب بذلك؟

و الكلمات التي حكيناها عن الأعاظم و إن كان يستفاد منها دعوى الإجماع في المسألة بل ضرورتها عند المتشرعة أيضا و لكن إحراز ذلك بحيث يعتمد عليه و يكشف به تلقّي المسألة عن المعصومين «ع» مشكل، و لذا ترى كلّ واحد من المتأخرين يتمسك لها بوجه اعتباري أو أصل عملي. هذا.

و قد ذكروا في توجيه المسألة وجوها:
[الوجه الأول وجود الغلبة في غير المنتسب إلى هاشم]

الأوّل: ما أشار إليه في مصباح الفقيه و محصّله وجود الغلبة في

غير المنتسب إلى هاشم بحيث يحصل الظنّ بعدم انتساب المشكوك إليهم. و السيرة قائمة على العمل بالظن في هذا القبيل من الأمور لانسداد باب العلم و العلمي فيها. و الوسوسة في ذلك يوجب تضييع حقوق كثيرة.

أقول: لأحد منع انسداد باب العلمي فيها للتمكن من البينة و الرجوع إلى الشياع في المحلّ، فتأمّل.

[الوجه الثاني التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص]

الوجه الثاني: أن تحمل فتاوى الأصحاب على إجازتهم للتمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص بتقريب أن مقتضى عموم قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ» «1» عموم المصرف، و هذا العموم و إن خصّص بالنسبة إلى بني هاشم، و لكن الفرد المشكوك فيه يكون مصداقا للعامّ قطعا و يشكّ في فرديّته للمخصّص ففي ناحية العامّ قد أحرز الصغرى و الكبرى معا و في ناحية المخصّص

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 60.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 422

..........

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 422

______________________________

لم يحرز الصغرى بالنسبة إلى المشتبه و الحجة إنّما تتمّ بإحرازهما معا، فلا يجوز رفع اليد عن العام بسببه فإنّه من قبيل رفع اليد عن الحجّة بغير الحجّة.

فالمقام نظير ما نسب إليهم من القول بالضمان في اليد المردّدة بين كونها عادية أو أمنية.

و ربّما يظهر من صاحب الجواهر اختيار هذا الوجه في المقام، حيث تمسك لجواز الإعطاء لمجهول النسب و اللقيط بعموم الفقراء لهما، فراجع «1». و سيأتي نقل عبارته في المسألة الآتية.

أقول: قد حقّق في محله عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصّص و إن كان منفصلا إذ في هذه الصورة و إن انعقد للعام الظهور في العموم، و الشي ء لا ينقلب

عمّا وقع عليه، لكن مجرد ظهور اللفظ في مرحلة الاستعمال لا يصحّح الاحتجاج ما لم يحرز الجدّ و لو بأصالة التطابق بين الإرادة الاستعمالية و الارادة الجدّيّة.

و بعد ورود المخصّص و العثور عليه يظهر أن الإرادة الجديّة في ناحية العامّ تعلّقت بغير ما ينطبق عليه عنوان المخصّص واقعا إذ ليس حكم المخصّص مختصّا بافراده المعلومة فقط.

فالمخصّص و إن لم يكن حجّة بالنسبة إلى الفرد المشتبه و لا يجري عليه حكمه فعلا لكن يوجب قصر حجيّة العامّ و إرادته جدّا على غير ما يشمله عنوان المخصّص بحسب متن الواقع، و ليس على المولى الا بيان الأحكام الكلية و قد بيّنها في كلتا الناحيتين فقامت هنا حجّتان من قبله و ضيّقت الثانية منهما موضوع الأولى بحسب الإرادة الجدية، و الفرد المشتبه كما لم يحرز كونه مصداقا للمخصّص

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 407.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 423

..........

______________________________

لم يحرز كونه مصداقا للعامّ بما أنه موضوع لحكمه في مقام الجدّ إذ بالتخصيص يظهر أن الموضوع له حيثية العامّ مقيدا بعدم تعنونه بعنوان المخصّص و المفروض الشك في كون الفرد المشتبه مصداقا لهذا المقيّد فالتمسّك فيه بالعام حينئذ نظير التمسّك بالعامّ فيما يشك في كونه من مصاديق نفسه و هو واضح البطلان.

و قصر حكم العام على غير عنوان المخصّص و تضييقه لموضوعه لا يتوقف على إحراز مصاديق المخصّص، إذ هذا القصر يكون في مرحلة تشخيص الحكم و المراد الجديّ للمولى، و إحراز المصاديق يكون من وظائف العبد في مرحلة الامتثال، و رتبة الأوّل مقدّمة على الثاني و لا يتوقّف المتقدّم على المتأخّر.

و السّر في ذلك ما أشرنا إليه من أن وظيفة المولى ليس إلّا بيان الأحكام الكلية، و هذا هو

الفارق بين الشبهة المفهومية و الشبهة المصداقية للمخصص.

إذ في الشبهة المفهومية مع التردد بين الأقل و الأكثر يكون رفع الشبهة من وظائف المولى فالحجة لم تتم من قبله إلّا بالنسبة إلى الأقل فيؤخذ في الزائد بالعموم بلا مزاحم.

و هذا بخلاف المقام فإن الحجّة من ناحية المولى قد تمّت في كلّ من العام و الخاصّ، و أصالة الجدّ تجري في كليهما و الشبهة المصداقية للمخصص تكون شبهة مصداقيّة لكلّ من الأصلين أيضا فلا يحكم عليها لا بحكم العامّ و لا بحكم الخاصّ.

اللّهم إلّا أن تكون هنا أمارة أو أصل يحرز به عدم دخولها تحت عنوان الخاصّ فينطبق عليها العام قهرا إذ الموضوع في ناحية العامّ ليس معنونا إلّا بعدم عنوان الخاصّ فتدبّر. و قد تعرّضنا للمسألة في المجلد الأول من الزكاة، فراجع. «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 57.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 424

[الوجه الثالث: قاعدة المقتضي و المانع]

______________________________

الوجه الثالث: قاعدة المقتضي و المانع بتقريب أن الفقر مثلا مقتض لإعطاء الزكاة و الانتساب إلى هاشم مانع فإذا أحرز المقتضي و شكّ في المانع كان بناء العقلاء على الأخذ بدليل المقتضي.

أقول: و فيه منع هذه القاعدة إذ الحكم تابع لموضوعه فإذا كان الموضوع و لو بحسب الجدّ مركبا من المقتضي و الشرائط و فقد الموانع فلا وجه لإجراء الحكم بمجرد إحراز المقتضي.

و كون بناء العقلاء على ذلك قابل للمنع اللّهم إلّا أن يكون المانع نادرا جدّا بحيث يوثق بفقده.

[الوجه الرابع: إناطة الحكم بأمر وجودي يدل على إناطته بإحراز ذلك الأمر الوجودي]

الوجه الرابع: أن يقال: إنّ إناطة الحكم بأمر وجودي يدل بالالتزام على إناطته بإحراز ذلك الأمر الوجودي، إذ البعث و الزجر إنّما يوجدان من قبل المولى بداعي انبعاث العبد و انزجاره، و هذان لا يمكن تحقّقهما إلّا في ظرف العلم بالحكم و الموضوع معا و مقتضى ذلك عدم وجود البعث و الزجر أيضا في ظرف الجهل بأحدهما إذ المتضايفان متكافئان قوّة و فعلا. و اذا لم يكن حكم المخصص فعليا بالنسبة الى الفرد المشتبه شمله حكم العام قهرا لكونه من مصاديقه، و المانع و هو فعلية حكم المخصص مفقود.

أقول: إن كان المقصود أن إناطة الحكم بأمر وجودي مرجعها إلى أخذ العلم بالحكم و الموضوع في موضوعه فهو خلاف الظاهر بل خلاف المقطوع به إذ الأحكام جعلت لذوات الموضوعات لا للمعلومة منها و هي مطلقة بالنسبة إلى العالم و الجاهل.

و إن كان المقصود عدم فعلية حكم المخصّص بالنسبة إلى الفرد المثبتة فقط ففيه أوّلا، أنّه لو سلّم ذلك لكن روح الحكم أعنى إرادة المولى و كراهته موجودتان قطعا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 425

..........

______________________________

و ثانيا، أنّ حكم المخصّص و إن لم يحرز شموله للفرد المشتبه لكن

كونه كاشفا عن ضيق الموضوع في ناحية العامّ بحسب الجدّ يكفي في عدم جواز التمسك له بالعام إذ بالمخصص يظهر أنّ حيثيّة العام بإطلاقه لم يكن تمام الموضوع لحكمه بل مقيّدة بعدم انطباق عنوان المخصّص و المفروض الشكّ في تحقّق هذا القيد فالمشتبه لم يحرز كونه مشمولا لحكم العامّ و لا لحكم المخصّص، فتدبّر.

[الوجه الخامس: إحراز عدم المخصّص باستصحاب العدم الأزلي]
اشارة

بحث حول استصحاب العدم الأزلي الوجه الخامس: إحراز عدم المخصّص باستصحاب العدم الأزلي فينطبق حكم العامّ قهرا لتحقق موضوعه بقيده.

[الإشارة إلى بعض المصطلحات المنطقية]
اشارة

و الأولى قبل الورود في بيانه أن نشير إلى بعض المصطلحات المنطقية بنحو الاختصار لدخلها في وضوح البحث:

[القضية المعدولة]

الأوّل: من القضايا المذكورة في المنطق القضية المعدولة و هي القضية التي جعلت أداة السلب جزء من موضوعها أو محمولها أو كليهما كقولنا: كلّ لا حيّ جماد، أو زيد لا بصير، أو كلّ لا حيّ لا مدرك. فقولنا: زيد لا بصير أو غير قرشي مثلا قضية موجبة معدولة المحمول.

و وجه التسمية بها أن أداة السلب وضعت لسلب النسبة فإذا جعلت جزء من المحمول أو الموضوع فقد عدل بها عن وضعها الأوّلي ثم سمّيت القضية بذلك تسمية الكل باسم الجزء.

و الظاهر أنّ المعدولة إنما تعتبر فيما إذا وجدت ملكة الوجود فيقال: زيد لا بصير، و لا يقال: الجدار لا بصير كما لا يقال: الجدار أعمى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 426

[الموجبة السالبة المحمول]

______________________________

الثاني: من القضايا التي ذكرها المتأخرون: الموجبة السالبة المحمول و يراد بها القضية التي يكون المحمول فيها قضية سالبة فكأنها قضيتان: كبرى و صغرى و اشتملت على رابطين بينهما أداة السلب كقولنا مثلا: زيد هو ليس هو بقائم.

و لا يعتبر في مثلها وجود الملكة، و لعلّ الغرض من هذا التركيب حصر السلب في موضوع خاصّ و لو إضافيا.

[وجود الموضوع في ظرف الحكم]

الثالث: جميع القضايا تتوقّف على وجود الموضوع في ظرف الحكم أعني ذهن الحاكم.

و لكن تمتاز الموجبة عن السالبة باحتياجها إلى وجود الموضوع في ظرف الصدق و نفس الأمر أيضا إذ وجود شي ء لشي ء لا يعقل إلّا مع تحقّق الشي ء الأوّل في رتبة سابقة و يشترك في ذلك جميع أقسام الموجبة حتى المعدولة و سالبة المحمول.

و هذا بخلاف السالبة إذ عدم المحمول كما يصدق مع وجود الموضوع يصدق مع عدمه أيضا و هذا واضح.

و على هذا فالسالبة المحصلة أعمّ من الموجبة المعدولة و من الموجبة السالبة المحمول أيضا.

[الوجود المحمولي و الوجود الرابط]

الرابع: الوجود إمّا محمول و إمّا رابط، فالوجود المحمولي ما جعل محمولا في القضيّة و يحكي عن وجود الشي ء نفسه لا عن وجود شي ء لشي ء و يعبر عنه بمفاد كان التامّة و الهليّة البسيطة. و نقيضه العدم المحمولي كقولنا: زيد معدوم أو ليس بموجود و يعبّر عنه بمفاد ليس التامّة.

و الوجود الرابط ما لا نفسيّة له بل يكون رابطا بين شي ء و شي ء و بعبارة أخرى وجود شي ء لشي ء كقولنا: زيد قائم، فزيد موجود جوهري في نفسه،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 427

..........

______________________________

و القيام موجود عرضي في نفسه من مقولة الوضع، و لكن مفاد القضية أعني النسبة الحكمية و كون زيد قائما وجود رابط بين العرض و محله و هو معنى حرفي لا نفسية له بل يتقوم بالطرفين و يعبّر عنه بمفاد كان الناقصة و الهليّة المركبة، و نقيضه سلب الربط كقولنا: ليس زيد بقائم و يعبّر عنه بمفاد ليس الناقصة.

و هل توجد النسبة في القضية السالبة أم لا؟ و على الأوّل فهل هي محطّ السلب أو العدم بنفسه رابط؟ فيه كلام للأعلام.

و الأستاذ الأعظم آية اللّه العظمى

البروجردي- قدّس سرّه- كان يصرّ بأنّ في السوالب العدم بنفسه رابط و يعبر عنه بالنسبة السلبية، فكما أن الوجود قد يكون محمولا و قد يكون رابطا فكذلك العدم. و قد حرّرنا ذلك في نهاية الأصول في المقام «1»، و إن كان لنا فيه كلام إذ العدم بما أنه عدم بطلان محض و لا واقعية له فكيف يقع رابطا بين شي ء و شي ء؟

و الأستاذ الإمام- طاب ثراه- قال- على ما في تقريرات بحثه- «2»: إنّ السوالب لا نسبة فيها مطلقا و كذا كثير من الموجبات، بل يكون مفاد الموجبات الهوهويّة و مفاد السوالب سلب الهوهويّة فالسلب لا يقع على النسبة بل على المحمول أو الهوهويّة و لا يكون بنفسه رابطا أيضا. نعم قد توجد النسبة في بعض الهليّات المركبة، و عبّر عنها بالحمليات المؤوّلة التي وقع الرابط فيها بحرف الإضافة كقولنا زيد في الدار أو زيد له القيام. و التفصيل يطلب من تقريرات بحثه. و حيث إن المسألة طويلة الذيل لا يهمّنا هنا البحث فيها.

______________________________

(1)- نهاية الأصول/ 300- 301.

(2)- تهذيب الأصول 2/ 24 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 428

[لا بشرط و بشرط شي ء و بشرط لا]

______________________________

الخامس: لا يخفى أن الموضوع للحكم بالإضافة إلى كلّ خصوصيّة و حالة يمكن أن ينقسم بلحاظها إما أن يكون بحسب متن الواقع و الإرادة الجديّة مطلقا أي تمام الموضوع للحكم أو يكون مقيّدا بوجودها أو يكون مقيّدا بعدمها.

و بعبارة أخرى إمّا أن يعتبر بالإضافة إليها لا بشرط أو بشرط شي ء أو بشرط لا، إذ لا يعقل أن يكون الحاكم في مقام جعل الحكم غافلا عن موضوع حكمه و لا يتعقّل الإهمال في مقام الثبوت، و هذا واضح لا مرية فيه.

و من هذا القبيل أيضا

العامّ المخصّص إذا كان موضوعا لحكم شرعي، و حيث إنّه خصّص بمخصّص فلا مجال لبقائه على إطلاقه الذاتي موضوعا للحكم فلا محالة يتقيّد في مقام الجدّ بأن لا يكون معنونا بعنوان المخصّص.

و ما عن بعض الأعلام من تنظيره بموت بعض الأفراد حيث لا يوجب هذا تقييدا في الموضوع فكأنّ التخصيص موت تشريعي يكون وزانه و زان الموت التكويني لبعض الأفراد واضح الفساد، إذ الحكم لا يتحقّق إلّا في ظرف وجود الموضوع خارجا، و الموت التكويني يوجب خروجه عن كونه من مصاديق الموضوع حقيقة.

و هذا بخلاف التخصيص فإنّ الموجود باق على ما كان عليه، و المفروض كونه مصداقا للعامّ حقيقة فلو كان باقيا على حكمه ناقض حكمه حكم المخصّص فلا بدّ من تقييد في ناحية العامّ حتّى يوجب تضييق الموضوع بحيث لا يشمل مصاديق المخصّص فتدبّر.

[تقريب التمسك باستصحاب العدم الأزلي]

إذا عرفت هذا فنقول: تقريب التمسك باستصحاب العدم الأزلي في المقام أن يقال: إنّ تخصيص العامّ بعنوان وجودي و إن أوجب تقيّد العامّ في مرحلة الجدّ و عدم بقائه على إطلاقه و لكنّه لا يتقيّد إلّا بعدم عنوان المخصّص.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 429

..........

______________________________

و هذا العدم ممّا يمكن إحرازه بالاستصحاب، إذ الفقير مثلا قبل وجوده لم يكن هاشميا، و المرأة قبل وجودها لم تكن قرشية فيستصحب هذا العدم الأزلي و يتمّ الموضوع في ناحية العامّ.

و عدم الأثر الشرعي لهذا العدم في ظرف كونه متيقّنا أعني عدم وجود الموضوع لا يضرّ، إذ يكفي في إجراء الأصل وجود الأثر للمستصحب حال كونه مشكوكا فيه أعني ظرف التعبّد بالاستصحاب.

فإن قلت: إنّ العدم السابق كان مستندا إلى عدم الموضوع و العدم اللاحق مستند لا محالة إلى عدم المقتضي أو وجود المانع فالمشكوك فيه

غير المتيقّن.

قلت: اختلاف العلّة و لا سيّما في العدم لا يوجب اختلاف المعلول عرفا نظير استصحاب ترك الأكل و الشرب للصائم بعد المغرب فإنّه جار عرفا مع أنّ الترك في النهار كان لأمر الصوم و الترك في الليل لداع آخر.

و بالجملة فزيد مثلا قبل انعقاد نطفته لم يكن موجودا و لا هاشميا فإذا تبدّل عدمه بالوجود و شك في تبدّل العدم الثاني جاز لنا استصحاب العدم إذا فرض له أثر فعلا كما في المقام.

فإن قلت: عدم انتساب الفقير إلى هاشم و عدم انتساب المرأة إلى قريش بنحو العدم المحمولي و ليس التامّة و إن كان له حالة سابقة، و لكن لمّا كان التقييد في مرحلة وجود المخصص بنحو الكون الناقص و الوجود الربطي كان الباقي تحت العام نقيض ذلك أعني مفاد ليس الناقصة و العدم الربطي، و بعبارة واضحة عدم كون الفقير هاشميا و عدم كون المرأة قرشية،

و إثبات هذا العدم الربطي باستصحاب العدم المحمولي من أوضح مصاديق الأصل المثبت.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 430

..........

______________________________

قلت: كما أن العدم المحمولي له حالة سابقة فكذلك العدم الربطي أيضا له حالة سابقة إذ قبل وجود المرأة مثلا كما يصدق أنها لم تكن موجودة يصدق أيضا أنّها لم تكن قرشية لانتفاء المحمول بانتفاء الموضوع، و السالبة بانتفاء الموضوع من القضايا الصادقة التي يدركها العقل.

لا نقول: إنّ المرأة قبل وجودها كانت متّصفة بعدم القرشية بنحو الإيجاب العدولي، بل نقول: إنها قبل وجودها لم تكن متّصفة بالقرشية بنحو السلب المحصّل، و هذا يكفي في إجراء حكم العامّ إذ يكفي فيه عدم كونه معنونا بعنوان الخاصّ.

و بالجملة لا نريد إجراء الاستصحاب في العدم المحمولي حتى يقال بعدم الأثر له، و إثبات

العدم الربطي به لا يجوز. و لا نقول أيضا: إنّ المرأة قبل وجودها كانت متّصفة بعدم القرشية بنحو الإيجاب العدولي حتى يناقش باحتياج الموجبة بجميع أقسامها إلى وجود الموضوع في ظرف الصدق. بل نقول: إن المرأة قبل وجودها لم تكن متّصفة بالقرشيّة بنحو السلب المحصّل، و السالبة تصدق مع انتفاء الموضوع أيضا.

أقول: هذا محصّل ما اختاره و شيّد أركانه جمع من أعاظم المتأخّرين و سمّوه باستصحاب العدم الأزلي و تمسّكوا به في أبواب كثيرة من الفقه، و لعلّ هذا الوجه الخامس أمتن الوجوه المذكورة في المقام.

و لكن يمكن أن يناقش:

أوّلا: بأنّ استصحاب العدم الأزلي بكلا قسميه في المقام من المحمولي و الربطي ممّا لا عرفية له و ينصرف عنه أدلّة حجيّة الاستصحاب كما صرّح

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 431

..........

______________________________

بذلك الأستاذ آية اللّه البروجردي- قدّس سرّه- على ما حرّرنا عنه في نهاية الأصول. «1»

إذ المقصود ليس استصحاب مطلق عدم الانتساب بل عدم انتساب هذه المرأة الخارجية،

و هذه المرأة إنما صارت هذه المرأة بوجودها و تحقّقها في الخارج، و ما لا وجود له لا ماهيّة له، فالشي ء قبل وجوده معدوم مطلق و بطلان محض، لا مرأة و لا هذيّة حتى تعتبر لها القرشيّة أو غيرها، لا معروض و لا عارض و لا نسبة، لا عليّة و لا معلولية و لا ميز. و لا تقبل إشارة حسيّة و لا عقليّة حتى يضاف إليها القرشيّة أو تنفى عنها.

و إنّما يعتبر عدم العارض عند العقلاء في ظرف وجود المعروض و خلوّه عنه بلحاظ وجود ملكته و استعداده فيه، و أمّا قبل وجوده فلا ذات و لا صفات و لا نسبة.

و ما يتخيّل باسم الذات أو الصفات حينئذ يكون من مخترعات أذهان

أهل المدرسة و أكاذيبهم، فلا ارتباط لها بالمرأة الخارجيّة المشار إليها بلفظ هذه.

فهذه المرأة قبل وجودها لم تكن هذه المرأة و بعد ما وجدت و صارت هذه المرأة إمّا وجدت قرشيّة أو وجدت غير قرشيّة. و كيف كان فهي باقية على ما وجدت عليه قطعا.

و بالجملة فلا سابقة للعدم الأزلي لقرشيّة هذه المرأة لا للمحمولي منه و لا للربطي حتى يستصحب.

و لو سلّم اعتبار العرف لعدم قرشيّتها في العدم المحمولي فعدم اعتبارهم لعدمها

______________________________

(1)- نهاية الأصول/ 302.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 432

..........

______________________________

في العدم الربطي أعني سلب شي ء عن شي ء أمر واضح.

و مجرّد صدق السالبة بانتفاء الموضوع عقلا لا يكفي في شمول أدلّة الاستصحاب له.

ثمّ إنّه يعتبر في الاستصحاب اتّحاد القضيّة المتيقّنة و المشكوكة، و كيف تتّحد القضيّة المخترعة في عالم الخيال مع القضيّة المعتبرة عند العقلاء بلحاظ وجود موضوعها في الخارج و الإشارة إليه بلفظ هذا، ففي الحقيقة ليس لنا متيقّن مشكوك البقاء حتى يستصحب.

نعم لو شكّ في وجود الشي ء بنحو الهليّة البسيطة من دون أن يضاف إلى شي ء موجود في الخارج و كان مسبوقا بالعدم جاز استصحاب عدمه كما لا يخفى، فتدبّر. هذا كلّه أوّلا.

و ثانيا: إنّ موضوع الحكم كما عرفت إمّا نفس الطبيعة بإطلاقها الذاتي أو المقيّدة بوجود شي ء أو المقيّدة بعدمه. و على هذا فإذا خصّص العامّ بأمر وجوديّ فلا محالة خرج الموضوع في ناحية العام بحسب الإرادة الجدّية عن إطلاقه و سريانه، و تضيق في هذه الناحية.

و حيث إنّ المخصّص أمر وجودي أخذ نعتا بنحو الكون الناقص و الهليّة المركبة فلا محالة يكون الباقي تحت العامّ رفع ذلك و نقيضه أعني مفاد ليس الناقصة.

و لكن بعد تقييد العام بمفاده يرجع

إلى كون الموضوع في ناحية العامّ مأخوذا بنحو الموجبة السالبة المحمول. و الموجبة و إن كانت سالبة المحمول لا تصدق إلّا مع وجود الموضوع في ظرف الصدق فلا تحقق لها في حال عدمه.

و استصحاب نفس القيد أعني مفاد السلب المحصّل الثابت في الأزل لا يثبت المقيّد بما هو مقيد أعني التقيّد و الاتصاف.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 433

[بيان السيّد الإمام- طاب ثراه]

______________________________

و ببيان آخر اقتبسناه من الاستاذ الإمام- طاب ثراه- على ما في تقريرات بحثه في المقام «1»: أنّه بعد القطع بخروج العامّ عن إطلاقه فالقيد العدمي المأخوذ في ناحيته إمّا أن يكون مأخوذا بنحو الموجبة المعدولة المحمول ككون المرأة غير قرشيّة كما لعلّه الظاهر من تعبيرات المحقق النائيني على ما في تقريرات بحثه، أو بنحو الموجبة السالبة المحمول ككونها متّصفة بأن لا تكون قرشيّة، أو بنحو السالبة المحصّلة المحضة أعني سلب شي ء عن شي ء.

و لا يخفى أن مقتضى الأوّلين الاحتياج إلى وجود الموضوع في ظرف الصدق فلا تحقّق لهما قبله و لا مجال للاستصحاب.

و مقتضى الثالث كون الموضوع للحكم الإيجابي في ناحية العامّ السالبة المحصّلة المطلقة الصادقة حتى مع عدم الموضوع، و من المعلوم بطلان ذلك لامتناع أن يكون السلب المحصّل المطلق الصادق حتى مع عدم الموضوع موضوعا لحكم إيجابي كالتحيّض إلى خمسين مثلا فبقرينة الحكم الإيجابي على العامّ يظهر أن الموضوع في ناحيته عنوانه الموجود خارجا مقيّدا بأن لا يصدق عليه عنوان المخصّص كالمرأة الموجودة في الخارج المتّصفة بأن لا تكون من قريش فيرجع إلى مفاد الموجبة السالبة المحمول و قد عرفت حالها.

و بعبارة ثالثة: الحكم في ناحية العامّ شرّع للموجود خارجا و لكن بشرط أن لا يتعنون بعنوان المخصّص، فالتحيّض إلى خمسين مثلا شرّع

للمرأة الموجودة خارجا بشرط أن لا تكون من قريش لا لماهيّتها اللابشرط من الوجود و العدم.

______________________________

(1)- تهذيب الأصول 2/ 28.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 434

..........

______________________________

و الزكاة وضعت للفقير الموجود في الخارج بشرط أن لا يكون هاشميا لا لماهيّته المطلقة و لو في حال العدم و المرأة من بدو انعقاد نطفتها إمّا قرشيّة أو غير قرشيّة، و الفقير من بدو وجوده إمّا هاشمي أو غير هاشمي فلا يجري فيهما استصحاب العدم.

و المستصحب باستصحاب العدم الأزلي عدم كون المرأة قرشيّة و عدم كون الفقير هاشميا بالسلب المحصّل المطلق الصادق حتى مع انتفاء الموضوع.

فالموضوع لحكم العام خصوص الموجود خارجا و الموضوع للقضيّة المتيقّنة التي أريد استصحابها هي الماهيّة المطلقة الصادقة حتى مع انتفاء الوجود أيضا.

و قد مرّ منّا أنّ السالبة المحصّلة أعمّ من الموجبة السالبة المحمول. و من الواضح أنّ استصحاب الأعمّ و تطبيقه على الأخصّ و إثباته به من أوضح موارد الأصل المثبت، نظير استصحاب بقاء الحيوان في الدار و إثبات حكم الإنسان به مثلا بلحاظ العلم خارجا بانحصاره فيه، فتدبّر.

فإن قلت: الموضوع في ناحية العامّ مركّب من حيثيّة العامّ و من عدم عنوان المخصّص محمولا، و استصحاب العدم المحمولي ممّا يساعد عليه العرف و يشمله الأدلّة، و على هذا فيتحقّق جزء من الموضوع بالوجدان و الجزء الآخر بالاستصحاب.

نظير ما إذا تركّب الموضوع من جوهرين أو من عرضين أو من جوهر و عرض في محل آخر، و هذا أمر جار في الفقه كثيرا و لا دليل على اعتبار العدم في ناحية العامّ ربطيا، إذ في ناحية المخصّص إنّما اعتبر الوجود و الكون ربطا من جهة أنّ عنوان المخصّص يكون من عوارض العام و حالاته، و وجود

العرض في نفسه عين وجوده لمحلّه، و هذه العلة إنّما تتحقق في ناحية وجود العرض لمحلّه، و أما عدمه فلا وجه لأخذه نعتا لمحله.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 435

[بيان السيّد الخوئي ره]

______________________________

قال بعض الأعاظم- على ما في تقريرات بحثه في الأصول- ما محصّله مع حفظ عباراته: «لا مانع من الرجوع إلى استصحاب عدم اتصافها بالقرشيّة و عدم انتسابها بها، حيث إنّ في زمان لم تكن هذه المرأة و لا اتصافها بالقرشيّة ثمّ وجدت المرأة فنشكّ في انتسابها إلى القريش فلا مانع من استصحاب عدم انتسابها إليه، و بضمّ هذا الاستصحاب إلى الوجدان يثبت أنّ هذه مرأة لم تكن قرشيّة ....

فالنتيجة أنّ الموضوع إذا كان مركبا من العرض و محلّه فلا محالة يكون المأخوذ فيه هو وجود العرض بمفاد كان الناقصة حيث إنّ ثبوته لموضوعه بعينه هو اتصافه به كما عرفت.

و إمّا إذا كان مركبا من عدم العرض و محلّه فلا يلزم أن يكون العدم مأخوذا فيه بمفاد ليس الناقصة حتّى لا يمكن إحرازه بالأصل، بل الظاهر هو أنّه مأخوذ فيه بمفاد ليس التامّة.

و السبب في ذلك يرجع إلى الفرق بين وجود العرض و عدمه حيث إنّ العرض في وجوده يحتاج إلى موضوع محقّق في الخارج لا في عدمه، بداهة أنّ نقطة الافتقار إلى وجود الموضوع في عالم العين إنّما تكون من لوازم وجود العرض دون عدمه ....

فالنتيجة لحد الآن هي أنّ العدم النعتي في موضوع الحكم يحتاج إلى مئونة و عناية زائدة دون العدم المحمولي و على ضوء هذه النتيجة فالظاهر أن عدم عنوان المخصّص المأخوذ في عنوان العامّ هو العدم المحمولي و ما هو مفاد ليس التامّة دون العدم النعتي و ما هو مفاد ليس

الناقصة فإن أخذه فيه يحتاج إلى عناية و نصب قرينة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 436

..........

______________________________

و على الجملة إذا أخذ وجود عرض في محلّه موضوعا لحكم شرعي فهو و إن كان لا بد من كونه مأخوذا فيه على وجه النعتية و الصفتية و ما هو مفاد كان الناقصة إلّا أنّ ذلك لا يستدعي أخذ عدم ذلك العرض نعتا في موضوع عدم ذلك الحكم و ارتفاعه، لوضوح أنّ الحكم الثابت للموضوع المقيّد بما هو مفاد كان الناقصة إنّما يرتفع عند عدم اتصافه بذلك القيد على نحو السالبة المحصّلة من دون أن يتوقّف ذلك على اتصاف الموضوع بعدم ذلك القيد على نحو مفاد ليس الناقصة ....

فالنتيجة في نهاية المطاف هي أنّ دعوى استلزام التخصيص بعنوان وجودي أخذ عدم ذلك العنوان في طرف العامّ على وجه الصفتيّة و النعتية كما أصرّ على ذلك شيخنا الأستاذ- قدّس سرّه- و لأجل ذلك منع عن جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية خاطئة جدّا.» «1»

قلت: البحث المستوفى فيما ذكره الأعلام في المقام يحتاج إلى صرف وقت كثير، و لا يتيسّر لنا فعلا فلنشر إلى بعض النكات إجمالا و نحيل التفصيل إلى أهله و محلّه فنقول:

أوّلا: إنّ الظاهر من كلماتهم حصر استصحاب العدم الأزلي في استصحاب العدم المحمولي و قد مرّ منا تصويره في العدم الربطي أيضا و إن استشكلنا في كليهما في نهاية الأمر.

و ثانيا: إنّه يظهر من المحقق النائيني- قدّس سرّه- و تلامذته في المقام أنّ الموضوع إذا تركّب من العرض و محلّه فلا بدّ من أخذه بنحو الكون الناقص معلّلين بأنّ العرض وجوده في نفسه عين وجوده لمحلّه.

______________________________

(1)- المحاضرات 5/ 208- 232.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 437

..........

______________________________

و فيه: أنّ الظاهر

من جعل العرض و محله موضوعا للحكم و إن كان ذلك و لكنّه لا يتعيّن هذا عقلا، و الجعل و خصوصياته تابعة للمصالح، و من الممكن اعتبار كلّ من العرض و محلّه بنحو الكون التامّ جزءا من الموضوع نظير الجوهرين و العرضين.

و ما ذكروه من التعليل خلط بين الوجود الرابط و الوجود الرابطي، فإنّ كون وجود العرض في نفسه عين وجوده لمحلّه بيان لنحو وجود الأعراض و نعبّر عنه بالوجود الرابطي و هو من أقسام الوجود في نفسه أعني المحمولي، و هذا غير الوجود الرابط و مفاد الكون الناقص الذي يكون معنى حرفيّا في غيره، قال في المنظومة:

«إنّ الوجود رابط و رابطي ثمّة نفسي فهاك و اضبط.»

و قد وقع هذا الخلط من المحقّق اللاهيجى أيضا حيث قال- على ما في المنظومة-: «إنّ وجود العرض مفاد كان الناقصة.» «1» هذا.

و قد عثرت بعد ما كتبت هذا على كلام للمحقق النائيني في التنبيه التاسع من تنبيهات الاستصحاب يظهر منه الالتفات إلى ما ذكرناه من جواز أخذ العرض بنحو الكون المحمولى أيضا، فراجع. «2»

و ثالثا: ربّما يظهر من جعلهم العدم النعتي و مفاد ليس الناقصة مترادفين و إرادتهم بهذين التعبيرين كون عدم المحمول نعتا ثابتا للموضوع: أن مفاد القضية السّالبة المركبة عندهم إثبات سلب المحمول للموضوع.

و فيه: أنّ مفاد السلب الناقص سلب المحمول عن الموضوع و يصدق مع انتفاء الموضوع أيضا و يكون نقيضا للكون الناقص و ليس مفاده إثبات السلب للموضوع،

______________________________

(1)- شرح المنظومة/ 56 و 57 (- طبعة أخرى/ 61 و 62).

(2)- فوائد الأصول 4/ 504.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 438

..........

______________________________

و لعلّ المتبادر من العدم النعتي أيضا سلب الوجود النعتي فيكون نقيضا له لا جعل

السلب نعتا له نظير تسمية السالبة الحملية بالحملية.

نعم مفاد الموجبة المعدولة المحمول إثبات المحمول المسلوب له، و مفاد الموجبة السالبة المحمول إثبات سلب المحمول له كما مرّ.

اللّهم إلّا أن يريدوا بما ذكروه ما مرّ منّا من أنّ نقيض الكون الناقص و إن كان ليس الناقصة بعمومها و لكن بعد جعلها قيدا للموضوع في ناحية العامّ يرجع إلى أخذها بنحو الموجبة السالبة المحمول لما مرّ من أنّ الحكم الإيجابي لا يصح جعله للسالبة المحصّلة المطلقة الصادقة حتّى مع انتفاء الموضوع، فتدبّر.

و رابعا: يظهر من تعبيرات بعض الأعاظم في تعليقته على أجود التقريرات أن السالبة المحصّلة يراد بها العدم المحمولي و مفاد ليس التامّة فقط. و يظهر هذا من المحاضرات أيضا.

و فيه: أنّ السالبة المحصّلة تذكر في المنطق في قبال الموجبة المعدولة المحمول و الموجبة السالبة المحمول فيكون المراد بها السلب المطلق أعمّ من ليس التامّة و ليس الناقصة، بل ظهورها في ليس الناقصة أظهر فليست قسيما لها.

و خامسا: قال- مدّ ظله- إنّ أخذ وجود العرض في ناحية المخصّص بنحو الكون الناقص لا يستدعي أخذ عدمه في ناحية العامّ بنحو الليسية الناقصة فليكن مأخوذا فيه محمولا.

و فيه: ما مرّ منّا من أنّه لا إلزام بذلك في ناحية المخصص أيضا و لكن الظاهر ذلك فإذا فرض أن المأخوذ في ناحيته مفاد كان الناقصة كان الظاهر أخذ نقيضه في ناحية العامّ، و نقيض الكون الناقص هي الليسية الناقصة بمعنى سلب المحمول عن الموضوع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 439

..........

______________________________

و هذا هو المتبادر إلى الأذهان و إن رجعت بالأخرة إلى الموجبة السالبة المحمول.

و سادسا: قال- مدّ ظله- إنّ الموضوع في ناحية العامّ مركّب من حيثية العام و عدم عنوان

المخصّص محمولا فيثبت أحد الجزءين بالوجدان و الآخر بالاستصحاب نظير ما إذا تركّب من جوهرين أو عرضين.

و فيه: أنّ العدم المأخوذ في ناحية العامّ سواء أخذ محمولا أو ربطا و إن كان له حالة سابقة عقلا على ما قرّره الأعلام، و لكن الموضوع لم يؤخذ مركبا بل هو مقيّد لما عرفت من أن الموضوع بلحاظ حالاته و عوارضه إمّا أن يعتبر مطلقا أو مقيدا بوجودها أو مقيدا بعدمها، و حيث إنّه في ناحية المخصّص مقيّد بوجود العرض بنحو الكون الناقص على ما هو المفروض كان الظاهر في ناحية العامّ تقيده بنقيض ذلك و هي الليسية الناقصة كما مرّ.

و مفادها و إن كان السلب المطلق الصادق حتى مع انتفاء الموضوع و لكن بعد تقيّد الموضوع الموجود بمفاده يرجع إلى كون الموضوع معتبرا بنحو الموجبة السالبة المحمول فلا مجال لاستصحابها، و استصحاب نفس القيد لا يثبت التقيّد، و إنّما حصل التقيّد في ناحية العامّ ببركة حصوله في ناحية المخصّص، و قد مرّ منّا أنّ السالبة المحصّلة بوحدتها لا يعقل أن تكون موضوعا لحكم إيجابي.

و يظهر من تعبيراته أيضا قبول أصل التقيد فمن ذلك قوله في تعليقته على أجود التقريرات: «و أنت بعد ما عرفت من أن التخصيص بعنوان وجودي في هذين الموردين لا يستلزم إلّا أخذ عدم ذلك العنوان في طرف العامّ على نحو التقيّد بعدم اتصاف الذات بذلك الوصف لا على نحو التقيّد بالاتصاف بعدمه.» «1»

و أيضا قوله فيه: «التّقييد إنّما يكون بلحاظ عدم الاتصاف بالعرض الوجودي

______________________________

(1)- أجود التقريرات 1/ 469.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 440

..........

______________________________

لا بلحاظ الاتصاف بعدمه.» «1» فيرجع ما ذكره بعينه إلى ما ذكرناه من أخذ الموضوع في ناحية العامّ بنحو

الموجبة السالبة المحمول كما أنّ الظاهر من كلام النائيني- قدس سره- أخذه بنحو الموجبة المعدولة المحمول و يشترك كلتاهما في الاحتياج إلى وجود الموضوع و في أخذهما قيدا هذا، و لكن حمل كلامه- مدّ ظله- على أخذ الموضوع بنحو الموجبة السالبة المحمول ينافي تصريحه بكون المستصحب العدم المحمولي كما لا يخفى فتدبّر.

و سابعا: قد مرّ منّا أنّ الموضوع أو المتعلّق للحكم بالنسبة إلى كلّ خصوصية تلحظ بالإضافة إليه إمّا مطلق أو مقيّد بوجودها أو مقيّد بعدمها.

و لكن يظهر منه إنكار ذلك فإنّه قال- على ما في تقريرات بحثه في الأصول-: «إنّ موضوع الحكم أو متعلقه بالإضافة إلى ما يلازمه وجودا في الخارج لا مطلق و لا مقيّد و لا مهمل:

أما الإطلاق فهو غير معقول، حيث إن مردّه إلى أن ما افترضناه من الموضوع أو المتعلّق للحكم ليس موضوعا أو متعلقا له فإن معنى إطلاقه بالإضافة إليه هو أنّه لا ملازمة بينهما وجودا و خارجا و هو خلف.

و أمّا التقييد فهو لغو محض نظرا إلى أنّ وجوده في الخارج ضروريّ عند وجود الموضوع أو المتعلق و معه لا معنى لتقييده به.

و أمّا الإهمال فهو إنما يتصوّر في مورد القابل لكلّ من الإطلاق و التقييد ...» «2»

أقول: و قد أراد بذلك بيان أن بعض أجزاء المركّب بالنسبة إلى الأجزاء الأخر ليس مهملا و لا مطلقا و لا مقيّدا. و نظير ذلك ما قالوا: إنّ تقييد المأمور به

______________________________

(1)- أجود التقريرات 1/ 471.

(2)- المحاضرات 5/ 223.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 441

..........

______________________________

بالانقسامات اللّاحقة للأمر كالوجوب و الندب و قصد الامتثال و نحوها لا يعقل، و حيث لا يعقل تقييده بها فلا إطلاق له أيضا بالنسبة إليها لأنّهما من

قبيل العدم و الملكة.

و فيه: أنّه ليس معنى الإطلاق لحاظ القيود و أخذها في الموضوع بل كون الحيثية الملحوظة تمام الموضوع للحكم و عدم دخل حيثية أخرى فيه. و في قباله التقييد و هو كون الحيثية بعض الموضوع و كون غيرها دخيلا فيه، و ليس هذا لا محالة إلّا لكونه دخيلا في الملاك و المحبوبية و إلّا كان التقييد جزافا لا يصدر عن الحكيم.

و ما ذكرناه ثابت بالحصر العقلي إذ الحاكم الملتفت لا يغفل عن موضوع حكمه و عن حدوده بل إمّا أن يلحظ لا بشرط أو بشرط شي ء أو بشرط لا. و بعبارة أخرى إما أن يكون الموضوع لحكمه بحسب الجدّ نفس الطبيعة بذاتها المرسلة أو بقيد وجود شي ء آخر أو بقيد عدمه، و لا يعقل الإهمال في مقام الثبوت.

و النقض بالملازمات الوجودية غير وارد إذ الملازم الوجودي إن لم يكن دخيلا في محبوبية الموضوع و ملاكه فلا وجه لأخذه فيه.

و مجرد الملازمة الوجودية لا يستلزم الدخل، فالموضوع بالنسبة إليه مطلق بحيث لو فرض محالا انفكاكه عنه لم يضرّ بثبوت الحكم له و المركّب عين أجزائه فلا معنى لإطلاقه أو تقييده بالنسبة إليها و الجزء للمركب بما أنّه جزء له مطلق بالإضافة إلى الأجزاء الأخر إلّا أن يكون الجزء الآخر دخيلا في ملاك الجزئية، و كونه دخيلا في ملاك الكلّ لا يستلزم دخله في ملاك الجزء بما أنّه جزء. و لا تهافت و لا تدافع بين عدم دخله في الجزء بما هو جزء و دخله في الكلّ بما هو كلّ، و اعتبار الشي ء جزءا أمر و التقييد أمر آخر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 442

..........

______________________________

و تقييد المأمور به بالانقسامات اللّاحقة للأمر في مرحلة التشريع

عندنا ممكن و لو سلّم عدم إمكانه فلا محالة يكون بالنسبة إليها مطلقا بمعنى كون الطبيعة تمام الموضوع للأمر.

و الطبيعة بما هي طبيعة سارية صالحة لكلّ من الإطلاق و التقييد في قبال الجزئي الذي لا يصلح لهما.

و التحقيق في هذه المسألة موكول إلى محلّه و إنّما أشرنا إليها هنا إجمالا.

[بيان المحقق الحائري- قدّس سرّه]

و للمحقق الحائري- قدّس سرّه- في الدرر كلام لا يخلو من مناقشة فإنّه بعد تقرير استصحاب العدم الازلي و تمثيله له باستصحاب عدم القرشيّة قال:

«و فيه أنّ الأثر الشرعي لو كان مترتبا على عدم تحقّق النسبة، أو على عدم وجود الذات المتّصفة، أو على عدم الوصف للذات مع تجريدها عن ملاحظة الوجود و العدم لصحّ الاستصحاب ...

و أمّا لو كان الأثر مترتبا على عدم الوصف للموضوع مع عناية الوجود الخارجي فلا يمكن الاستصحاب إلّا بعد العلم بأنّ الموضوع مع كونه موجودا في السابق لم يكن متّصفا بذلك الوصف ... و لا يبعد كون المثال من قبيل الأوّل.»

ثمّ قال في الحاشية في توضيح الجملة الأخيرة ما محصّله: أنّه قد يستظهر من مناسبة الحكم و الموضوع أن التأثير ثابت للموضوع المفروغ عن وجوده عند اتصافه بوصف كما في قضية: «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجّسه شي ء»

و قد يستظهر منها أن التأثير ثابت لنفس الوصف، و الموضوع المفروغ عن وجوده إنّما اعتبر لتقوّم الوصف به كما في قوله: «المرأة ترى الدّم إلى خمسين إلّا أن تكون قرشيّة» حيث إنّ حيضية الدم إلى ستين إنّما هي من خاصية التولّد من قريش لا أن المرأة لها هذه الخاصيّة بشرط التولّد. فانتفاء هذا الوصف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 443

[إعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشمي بالزنا]

[المسألة 23]: يشكل إعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشمي بالزنا، فالأحوط عدم إعطائه (1) و كذا الخمس فيقتصر فيه على زكاة الهاشمي.

______________________________

موجب لنقيض الحكم و لو كان بعدم الموضوع، و لهذا يكون استصحاب العدم الأزلي نافعا.» «1»

أقول: لم يظهر لي مراده- قدّس سرّه- إذ التولّد من قريش أو عدمه بالوجود المحمولي أو العدم المحمولي معلّقين

في الفضاء بلا إضافة إلى موضوع موجود في الخارج ليسا موضوعين للحكم الشرعي، و إنّما الموضوع له المرأة الخارجية التي ترى الدّم و على هذا تدلّ أخبار المسألة أيضا فراجع الوسائل. «2»

و غرضنا من الاستصحاب بيان الوظيفة لهذه المرأة الموجودة في الخارج.

و استصحاب الوجود المحمولي أو العدم المحمولي للصفة و تطبيقه على هذه المرأة الخارجية من أظهر موارد الأصل المثبت، و قد عرفت أن المرأة و هذيّتها إنّما تتحققان بالوجود الخارجي، و هي التي ترى الدم لا ماهية المرأة بإطلاقها الصادق على المرأة المعدومة فتدبّر.

و قد طال الكلام في هذا المقام فأعتذر من المستمعين و القرّاء الكرام.

و كيف كان فما ذكره المصنف في المقام من أصالة العدم عند الشك في كونه منهم لم يظهر له وجه يعتمد عليه نعم لو تحقّقت الغلبة بحيث يحصل الوثوق بعدم كونه من أفراد المستثنى جاز الاعتماد عليها قطعا.

(1) في الجواهر: «الأحوط عدم دفعها للمتولّد منهم و لو من زنا و إن كان قد يقوى خلافه لعموم الفقراء في مصرف الزكاة، و لم يثبت أنّه هاشمي

______________________________

(1)- الدرر/ 219.

(2)- الوسائل 2/ 580، الباب 31 من أبواب الحيض.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 444

..........

______________________________

بعد الانسياق للمتولّد منهم بغير ذلك فيبقى مندرجا تحت العموم كمجهول النسب و لو كان كاللقيط المجهول نسبه عنده و عند الناس، و إن كان الأحوط له تجنّب ما عدا زكاة الهاشمي.» «1»

أقول: لا يخفى أن تمسّكه لمجهول النسب و اللقيط بعموم الفقراء تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص و قد مرّ منّا الإشكال في ذلك.

و امّا تمسّكه به لولد الزنا فلدعوى انصراف المستثنى أعني الهاشمي عن مثله فيرجع إلى تضيّق المستثنى مفهوما فيرجع في غيره إلى العامّ.

و

يمكن منع الانصراف بعد كون ولد الزنا ولدا حقيقة لتكوّنه من نطفته، و ليس للشرع في المقام جعل و اصطلاح خاصّ و لم يرد في أخبارنا نفي ولديّته، و إنّما الثابت نصا و فتوى نفي التوارث بينه و بين والديه و هذا أعمّ من نفي الولدية و لذا لا يلتزم أحد بجواز التناكح بينه و بينهما و كذا بينه و بين أولادهما، و لكن الأحوط ما احتاطه و تبعه المصنف هنا. و قد مرّ منّا في المسألة الرابعة من فصل المستحقين ما ينفعك في المقام فراجع.

و الحمد للّه ربّ العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين- 8 جمادى الأولى 1411 ه. ق.

تمّ المجلد الثالث من كتاب الزكاة و يتلوه ان شاء الله المجلد الرابع.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 407.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.